رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية ستظل تتحدّى الصّعاب – حنان عثمان

 

 

رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية ستظل تتحدّى الصّعاب

“رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية، ظلّت طيلة مسيرتها،

وستبقى من الآن فصاعداً،

وبعزيمة وإرادة كافة عضواتها وأعضائها ونشطائها،

 منبراً لا يأفل ضوؤه، على درب الوصول إلى الحقيقة”

 

حنان عثمان

نائبة رئيس رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية بيروت – لبنان

 

دخلت لبنان عام 2024 منعطفاً تاريخياً خطيراً شهدته المنطقة عامة ولبنان خاصة. وبعد مرور عام على فتح قوى الممانعة (جبهة الإسناد)، لمناصرة غزة وفلسطين، يبدو المشهد مأساوياً جداً، بعدما حوَّل العدوان الإسرائيلي لبنان بأكملها إلى ساحة لارتكاب مجازر بصورة شبه يومية. لكن، كيف أصبحت لبنان مؤخراً؟ بلداً بكاملها تحت النار. مسلسل الغارات لا يتوقف، ومعه مسلسل الاغتيالات بالطبع. لبنان التي كانت تعاني أصلاً من الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية، غدت بعد “الإسناد” بلداً يعيش نحو 70% من شعبه اللبناني تحت خط الفقر المتعدد الأبعاد. مؤلمة هي الأحداث والمشاهد التي يمكن أن نعكسها. بل إنها مخيفة ومروعة. فهناك جثث عالقة تحت الأنقاض، وبيوت محروقة أو مدمرة، ولكنها بكل الأحوال باتت مهجورة.

حصيلة كل ذلك؛ أن لبنان شهدت موجة نزوح كبيرة جداً. فحوالي المليون ونصف المليون شخص اضطروا إلى مغادرة المناطق التي تتعرض للقصف، غير حاملين معهم سوى أولادهم وأجسادهم وآمالهم وربما خيباتهم. إنه رقم قياسي وغير مسبوق في تاريخ البلد. ولدى التجول في شوارع العاصمة بيروت، نرى بعضاً من النازحين يفترشون الأرض في قلب العاصمة، وينام آخرون في سياراتهم بسبب تعذّر العثور على سقف يأويهم، وآخرون افتتحوا لأنفسهم خيماً على شاطئ البحر.

انتقلت رائحة الموت إلى كل مكان، ومعها رائحة القلق والذعر. وعيون مليئة بدموع فراق الأحبة إلى ما لانهاية، أو حسرةً على فقدان الأمن والاستقرار الذي قد يطول أمدهما. هذه التطورات أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، والتي تتزامن مع ضغوط اقتصادية واجتماعية خانقة.

والمرأة هي أكثر من يعاني من تداعيات الحروب والنزوح، مثلما هي الحال دوماً. فالآثار النفسية والروحية للحروب والنزاعات على النساء كبيرة جداً، بل وحتى مدمرة، كالصدمة والقلق والاكتئاب والاضطراب، بالإضافة إلى الخوف من المستقبل المجهول.

أما إذا تمعنّا في حال النساء النازحات، فنرى أنهنّ يعانين من ظروف معيشية صعبة. حيث الاكتظاظ الذي يقطع الأنفاس في مراكز الإيواء، والمعاناة من نقص حاد في المواد الغذائية والماء والأدوية. والوضع الصحي الذي يزداد تعقيداً مع مرور كل يوم، لاسيما بعد ظهور بعض حالات الكوليرا التي تعرضت لها بعض النساء في مراكز الإيواء.

هذا طبعاً ما يمكن قوله بالنسبة لمَن حالفه الحظ بأن يكون في مراكز الإيواء، لكن عددهم يشكل بكل الأحوال نسبة قليلة، مقارنةً بمَن هم من دون مأوى أو رعاية أو دعم، يفترشون الشوارع وتحت الجسور، أو أنهم لدى أقاربهم. تحت وطأة التداعيات الكارثية لهذا العام الصعب سنحاول سرد تقييم مفصل بخطوطه العريضة حول مساهمات ونشاطات رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية.

جمعية نوروز

بدايةً تغير جدول أعمالنا، كما الكثير من الجمعيات الأخرى. حيث تمحورت نشاطاتنا على كيفية جعل القضية الكردية بارزة في ظل كل هذه التحولات السياسية والمستجدات التي فرضت نفسها على الأجندة، سواء فيما يتعلق بقضية فلسطين والعدوان عليها، أو بخصوص الحرب الدائرة في لبنان، وما تلازَمَ معها من اضطرابات وتوترات. بالتالي، عملنا على إبراز أوجه التشابه بين القضية الكردية والفلسطينية، والمسارات الصعبة التي تخوضها النساء الكرديات والفلسطينيات في ظل الاحتلالَين التركي والإسرائيلي، الحليفَان الاستراتيجيان في المنطقة وللقوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. كما سعينا إلى تسليط الضوء على معاناة المعتقَلات السياسيات في البلدَين أيضاً عبر ندوات ونشاطات مختلفة.

هذا ونظمت الرابطة ندوة خصصتها للحديث عن أيقونة المرأة الحرة ساكينة جانسيز من خلال تسليط الضوء على كتابها “حياتي كلها صراع”، والتي حاضرت فيها الكاتبة والصحفية اللبنانية المعروفة سونيا الأشقر. هذا وبالإضافة إلى انعقاد ندوات عديدة أخرى، أبرزها كانت حول أهمية الوحدة النسائية في طريق وقف الإبادة الجماعية التي تواجه النساء في المنطقة عامة.

وبهدف الحد من الاضطهاد والاستغلال والعنف الذي تتعرض له المرأة الكردية في الساحة، وخاصة في ظل الصراعات والحروب والنزوح، وضعت لجنة المرأة في رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية ثقلها على تنظيم بعض الاجتماعات والنقاشات الهادفة إلى التحفيز على العودة الطوعية لشعبنا الكردي إلى مناطق روجآفا. ومؤخراً، وخلال فترة اتساع رقعة العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية بالإضافة إلى الجنوب والبقاع، فتحت رابطة نوروز مركزها لاحتضان وإيواء النازحين من جميع المكونات، من عرب وكُرد، وأمّنت لهم حسب إمكانياتها، بعض المستلزمات الضرورية، بالإضافة إلى تأمين العودة الآمنة إلى مناطق شمال وشرق سوريا، وذلك ضمن إطار تشكيل خلية أزمة بريادة فاعلة من ممثلية الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا في لبنان.

كما نظمت الرابطة العديد من الفعاليات للتنديد بالاحتلال التركي وانتهاكات جيشه ومرتزقته بحق النساء، لا سيما في شمال وشرق سوريا، وحتى في إقليم كردستان العراق/ باشور، واستهداف النساء الرياديات والطليعيات في المجتمع. وبهدف تسليط الضوء على هذا الملف، تم تنظيم ندوة رقمية حول اغتيال الكلمة الحرة المتجسدة في الصحفيتين الكرديتين گليستان تارا وهيرو بهاء الدين. وتم التركيز في تلك الندوات على أنها ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال التركي النساء الرياديات والفعالات، وكذلك الإعلاميات والصحفيات. وهذا خير دليل على خوفه من الكلمة الحرة ومن الحقيقة التي يحاول طمسها أو تزويرها كسياسة دائمة لديه.

 كان للجنة المرأة في رابطة نوروز مشاركات فاعلة في العديد من المؤتمرات وورشات العمل وجلسات الحوار والأنشطة النسائية. ومن أهمها، المؤتمر النسائي الدولي، الذي نظمته مؤسسة “كفى” وشبكة “دوبل إكس”، وذلك تحت عنوان “الاستغلال الجنسي ضد النساء على يد الرجال“. وبهذا الخصوص يمكننا القول؛ بأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تناول موضوع حساس مثل هذا في لبنان، لاسيما في ظل تعدد بل وتناقض وجهات النظر حول هذا الأمر. وقد حضر المؤتمر نساء ناشطات وممثلات عن جمعيات نافذة في العديد من بلدان المنطقة والعالم. وأهم ما جاء فيه هو؛ ضرورة الربط بين الحرية الفردية والحرية الجمعية من جهة، وأهمية الغوص في الجذور التاريخية للاستغلال الجنسي ضد النساء من جهة أخرى، ومدى عاجلية التشبيك والاتحادات والتحالفات النسائية الرصينة للوقوف في وجه المنظومة الأبوية العابرة لكل الحدود من جهة ثالثة.

وبمناسبة الذكرى السنوية العاشرة على مجزرة شنگال المشؤومة، التي ارتكبها مرتزقة داعش، نظمت الرابطة بالتعاون مع جمعيات نسائية أخرى، وقفة اعتصام للتنديد بالمجزرة، وذلك ‌أمام مقر هيئة الأمم المتحدة في العاصمة بيروت. وكان للجمعيات النسائية كلمات تندد بالمجزرة، وداعمة لمقاومة نساء شنگال. من جانب آخر؛ حازت لجنة المرأة في رابطة نوروز على البعض من شهادات المشاركة الفعالة في بعض الورشات، ومن أبرزها شهادة حضور ورشة العمل تحت عنوان “تحديات المجتمع اللبناني في حماية الأسرة”، والذي انعقد بتنظيم من المجلس النسائي اللبناني والاتحاد العمالي العام.

وبهدف تسليط الضوء على معاناة النساء في ظل الأزمة الاقتصادية المتفشية في البلاد، باعتبارها الحلقة الأضعف فيها وأول الضحايا؛ قامت الرابطة بعقد ندوة حول هذا الموضوع تحت إشراف الدكتورة الناشطة ماري الدبس، رئيسة جمعية “وردة بطرس – مساواة للعمل النسائي”.

وبمشاركة العشرات من ممثلات الجمعيات النسائية والاجتماعية الأخرى، وبمناسبة يوم المرأة العالمي، عقدت الرابطة لقاءً حوارياً بعنوان “العنف ضد المرأة، أسبابه وكيفية القضاء عليه“. حيث تم استعراض النضالات التي تخوضها المرأة في عموم المنطقة، وما آلت إليه من نتائج. كذلك تم تنظيم وقفة احتجاجية في ساحة الشهداء في قلب العاصمة بيروت، وذلك دعماً لثورة “جن، جيان، آزادي”، التي نشبت في إيران إثر مقتل الفتاة الكردية جينا/مهسا أميني، والتي دوى صداها إقليمياً وعالمياً.

ومؤخراً، أصبحت عضوة لجنة علاقات المرأة في رابطة نوروز ممثلةً للرابطة في الهيئة الإدارية لـ “اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في لبنان”، وذلك بعد مسارٍ طويل من النشاطات المشتركة والفعالة فيه. هذا بالإضافة إلى قبول عضوية الرابطة في “الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي” خلال هذا العام.

ومن أهم القضايا التي تناولتها الرابطة في هذا العام، هي قضية المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان، المعتقل منذ 5/شباط/1999 في السجن الانفرادي – بحر مرمرة – جزيرة إمرالي في تركيا. فنظمَت الرابطة في هذا الشأن العديد من المسيرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية استنكاراً للمؤامرة الدولية المحاكة ضده. وقدّمت الرابطة في هذا الخصوص العديد من المذكّرات حول الانتهاكات القانونية بحقه، إلى العديد من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي ومركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب.

كما شاركت الرابطة في العديد من حملات التوقيع للمطالبة بالحرية الجسدية للقائد الكردي عبد الله أوجلان، والتي تم تقديمها إلى المؤسسات والجهات الدولية المعنية. وبهدف دعم المبادرة التي أطلقت في 9/ تشرين الأول/ 2023 للمطالبة بالحرية الجسدية للقائد، شاركت الرابطة في توزيع العديد من المناشير التي تمت طباعتها في لبنان، وذلك بهدف حث المجتمع العربي والمثقفين العرب من كتّاب وصحفيين وناشطين على المشاركة في هذه المبادرة والعمل بفعالية بهدف الضغط على المجتمع الدولي من أجل الإفراج عن المعتقل والمفكر عبد الله أوجلان.

رغم كل هذه التحديات والصعوبات التي واجهتنا في هذا العام، إلا أننا مستمرون في العطاء والعمل في سبيل تحقيق المنجزات والأهداف والخطة المستقبلية التي تهدف إلى تمكين وتحسين أوضاع النساء، ولا سيما النساء الكرديات في لبنان. كما وضعت الرابطة برامج تدريبية وتوعوية للنساء والفتيات، وكذلك صاغت برامج تحفيزية وتوعوية للأطفال من أبناء وبنات الجالية الكردية في لبنان.

إلى جانب ذلك، ستستمر الرابطة في فعالياتها الثقافية والاجتماعية المعهودة، ولكن بوتيرة أعلى وعلى مستويات أرقى، علاوةً على نشاطاتها الدبلوماسية ولقاءاتها مع مختلف الجمعيات والمؤسسات والناشطات والمثقفات اللبنانيات وغيرهن ممن يتواجدن في الساحة.

وأخيراً وليس آخراً؛ فإن رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية، ستظل تتحدى الصعاب، وتعمل على تذليل العقبات، في سبيل تحقيق أهدافها النبيلة في خدمة المجتمع الكردي بنسائه ورجاله، بشبابه وأطفاله وكِباره، بمثقفيه وكتّابه وفنانيه؛ وباختصار؛ لأجل خدمة جميع شرائح المجتمع الكردي دون أي تمييز. كما أنها، وبفضل نشاطاتها المتنوعة ورؤيتها السديدة وخُطاها الثابتة، باتت مرجعاً لا غنى عنه على الصعيد الوطني مثلما على الصعيد اللبناني. فهناك الكثير من طلاب الدراسات العليا، والمهتمين بالقضية الكردية، يقصدون الرابطة بهدف الحصول على المعلومات الموثوقة والشاملة عن الشعب الكردي عموماً، وعن الجالية الكردية في لبنان خصوصاً.

وبفضل الأنشطة المشتركة المتعددة مع مختلف الجمعيات والمؤسسات النسائية اللبنانية، أصبحت رابطة نوروز مقصداً أساسياً لتحقيق وتنفيذ العديد من البرامج والفعاليات على الساحة اللبنانية. بناءً عليه، فإن رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية، ظلت طيلة مسيرتها، وستبقى من الآن فصاعداً، وبعزيمة وإرادة كافة عضواتها وأعضائها ونشطائها، منبراً لا يأفل ضوؤه، على درب الوصول إلى الحقيقة.