المرأة في مجلس سوريا الديمقراطيّة ما بين الريادة والتحدّي – جاندا محمد

المرأة في مجلس سوريا الديمقراطيّة ما بين الريادة والتحدّي

علينا نحن كنساءٍ سوريات مضاعفةُ جهودنا

ليكون للمرأة دورٌ في عملية الحوارِ وإعادةِ بناء سوريا جديدة ديمقراطية،

ومسؤوليتنا تاريخية نحمل على عاتقنا المشروع الديمقراطي،

 لتطبيقه على أرض الواقع السّوري،

وحمايةِ موزاييك المجتمع السّوري من الانحدار نحو الهاوية”

 

جاندا محمد

نائبة الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية

 

انطلاقاً من قناعاتنا وإيماننا الراسخ بأن للثقافة أهمية كبيرة في بناء المجتمعات وتطويرها والحفاظ عليها، وللمرأة الدور الأكبر في تأسيس وإبداع الثقافة وصونها والتي تعبر عن تاريخ أي شعب وقيمه، وأن غنى وجمالية الدول نابعة من تنوعها الثقافي والإثني والعقائدي، إلا أن بعض الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية التي حكمت على الشرق الأوسط ومن ضمنها سوريا جعلت من هذه النعمة نقمة.

لذا سعينا منذ الأيام الأولى من الحراك الثوري السوري بأن نعمل جاهدين للحفاظ على النسيج المجتمعي السوري، عبر نشر ثقافة التعايش المشترك وأخوة الشعوب سبيلاً للحفاظ على الهوية الوطنية السورية وسيادتها ووحدة أراضيها. والتاريخ السوري حافل في تمكين مكوناتها الأصيلة التي عاشت مع بعضها لآلاف السنين، وصنعت التاريخ، وحافظت كل الثقافات على كينونتها وهويتها الوطنية إلى يومنا الحاضر. إنّ هذه الثقافة الغنية والقيمة متجذرة في التاريخ، نهلت منها المرأة السورية وعيها ومعرفتها لتعكس حقيقة جوهرها الثقافي السوري القائم على الاختلافات الجميلة والموزاييك الذي تشكله كل هذه الثقافات، التي انسجمت وعاشت مع بعضها البعض. بالنهاية لتشكل لوحة تعبر عن حقيقة المجتمع السوري متجسدة في شخص المرأة السورية، التي حملت على عاتقها استكمال مسيرة الأجداد بالحفاظ على الهوية والثقافة السورية الأصيلة.

لذا لاحظنا أن المرأة ومنذ الأيام الأولى من الحِراك الثوري انخرطت فيه وبقوة ولعبت الدور الريادي والقيادي إيماناً منها بأن المجتمع لن يتحرر والثورة لن تبلغ مبتغاها من دون مشاركة حقيقية لها في قيادة الثورة، مستلهمة إيمانها وقناعاتها من العصر النيوليتي، حيث المرأة- الإلهة، وهذا النضال هو امتداد لثقافة الثورة النيوليتية التي كانت المرأة رائدة فيها بإدارة المجتمع والحياة.

الموروث الثقافي للمرأة

استعادة المرأة لدورها ومواجهة الموروث الثقافي والتابوهات التي فرضت عليها لم يكن أمراً سهلاً وخاصة في السلك السياسي والدبلوماسي، حيث واجهت المرأة تحديات ومعوقات عديدة لكنها لم تثني من عزيمة وإرادة المرأة بل على العكس زادت من إصرارها بالمضي قدماً وأن تقدم نموذج المرأة القائدة والرائدة وحققت قفزات ونقلة نوعية ومتوازنة واستطاعت أن تخلق الدور البارز لها في الساحة السياسية والتنظيمية والثقافية والمجتمعية

فبعد المؤتمر الرابع لمجلس سوريا الديمقراطية الذي انعقد في مدينة الرقة بتاريخ 20 كانون الأول 2023 تحت شعار “وحدة السوريين أساس الحل السياسي وضمان تحقيق سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية”، جددت المرأة انطلاقتها ضمن المسار التنظيمي والسياسي والدبلوماسي في مسد. حيث عملت بإرادة حرة وتصميم قوي، كما ولعبت المرأة دورها في رسم السياسات واتخاذ القرارات وتنفيذ الخطط والبرامج.

فكان للمرأة ضمن مجلس سوريا الديمقراطية الدور البارز خلال عام 2024 على المستوى الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي باتخاذ خطوات أكثر انفتاحاً وتواصلاً مع المرأة السورية،  وخلق جسور للتواصل مع الجميع من خلال المرأة،  لما تمتلكه  المرأة من قوة وإمكانيات في بناء سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية  مع التركيز على وحدة النساء السوريات كضامن لوحدة الأراضي السورية، والتأكيد على أهمية توحيد الرؤية النسوية للوصول إلى الحل من خلال المشاركة الشاملة في كافة المجالات لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي الذي يضمن حقوق المرأة والمجتمع.

وفي إطار تعزيز التمكين السياسي للمرأة السورية لاعتبار ذلك ضرورة أخلاقية وسياسية وتنموية، تم الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة السورية لعامي 2024 -2025 في مدينة حلب. هذه الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز دور المرأة في صناعة القرار والمشاركة الفعالة في الحياة السياسة، وكذلك تشكيل منصة المرأة السورية التي  تهدف  إلى دراسة واقعية حول وضع المرأة السورية على مختلف الجغرافية السورية من كافة الجوانب، وذلك لخلق أرضية مشتركة تكون فيها النساء السوريات قريبات من بعضهن، وإيجاد بيئة مناسبة  تساعد على إنشاء حوار مجدي بين مختلف التنظيمات النسوية والشخصيات المؤثرة الفعالة  على الساحة السورية لأجل إيجاد المشتركات والوصول إلى توافقات، والعمل على إمكانية توحيد القوى النسوية السورية لتأخذ دورها المنشود في الحل السياسي.

النساء بمجلس سوريا الديمقراطية ومن خلال السلك الدبلوماسي على الصعيد الرسمي والمجتمعي استطعن الانفتاح على الداخل السوري وخارجه. واستطعن بأن يَكُننَ صوت المرأة السورية ومرآة تعكس حقيقة الهوية الوطنية السورية في المنصات والهيئات الدولية وتقريب المسافات مع النساء في مختلف أنحاء العالم. وقد هيأ مجلس سوريا الديمقراطية من خلال النظام الديمقراطي الذي تأسس عليه والذي يعتمده كأساس في علاقاته الداخلية والخارجية، الأرضية لتنخرط النساء ضمن العمل السياسي ومراكز صنع القرار ولكن الفضل الأكبر هو للمرأة نفسها التي استطاعت بفضل نضالها أن تعمل بتنظيم عالي المستوى وكان لها الدور الحاسم في اتخاذ القرارات الوطنية لامتلاكها الحس الوطني العالي والثقافة التاريخية والمعرفية.

وانطلاقاً من ذلك استطاعت المرأة أن تقوم بالعمل على إيجاد الحلول السياسية السلمية والعمل على نسج خيوط التواصل والسلام بين مختلف السوريين. لذلك نعتبر تمكين المرأة سياسياً ووجودها في مراكز صنع القرار ومشاركتها الفاعلة والنشطة في الحياة العامة ضرورة أخلاقية وسياسية وتنموية وضمان لرسم مستقبل البلاد نحو الديمقراطية والتعددية واللامركزية. وعلى الرغم من ذلك كانت هناك العديد من الصعوبات خلال هذا العام 2024 التي شكلت عائق لاستكمال أهدافنا بإيجاد الحلول، وهي الحروب والصراعات الإقليمية التي تتزايد يوماً بعد يوم وجميعها تدخل ضمن إطار الصراع على قيادة العالم، بالإضافة إلى أنها تتم على حساب شعوب المنطقة. كما أن حالة التشرذم بين الأطراف السورية، وتعنت النظام ورفضه للأخر.  فتاريخ الثامن من كانون الأول منعطف تاريخي وبداية جديدة لتشكيل سوريا ديمقراطية جديدة. فالنظام البعثي الذي تم إسقاطه.

وبعد هذه الأزمة السورية وسقوط النظام البعثي فإن السياسة التركية هدفها الاعتداء على الأراضي السورية، تحت مسمى الديمقراطية والمشاركة في حل الأزمة السورية وطرح مفهوم حسن الجوار. ولكنها في الحقيقة تطيل من عمر الأزمة السورية التي أثقلت كاهل السوريين والسوريات على وجه التحديد، حيث كانت المرأة السورية من أوائل النساء اللواتي نزلن إلى الساحات وانتفضن ضد نظام السلطة المركزية البعثي الشمولي مطالبة بالحرية المجتمعية والأمان والسلام. نستطيع القول إنه تم تشكيل العديد من المنظمات النسوية من قبل النساء السوريات في الداخل والخارج، حيث حاولت المرأة السورية أن تنظم المجتمع رغم سياسة التهجير والاعتقالات المستمرة والعنف ضد المرأة.

المرأة السورية تمتلك من الثقة بالنفس والجرأة وقوة الإرادة، ما يؤهلها بأن تقود العمل السياسي كما قادت العمل النضالي إلا أن هناك معوقات تحول دون ذلك وهي تتعلق بالموروث الثقافي متجسداً بالذهنية الذكورية التي تعمل على إقصائها من العمل السياسي والنابع من نظرة دونية للمرأة وتبعيتها للرجل. إضافة إلى الفوضى الأمنية وسيطرة الفصائل الإسلاموية المتطرفة على بعض المناطق وتحكمها بجميع القرارات، كل ذلك يشكل عائقاً أمام مشاركة المرأة في المجال السياسي.  وعلى الرغم من تاريخ المرأة السورية الحافل بالإنجازات والتضحيات إلا أنها أقصيت من العمل ضمن الميدان الذي يعتبر أساساً من صلب عملها وهو العمل السياسي، لذلك كانت أحد أهم أهدافنا كنساء مجلس سوريا الديمقراطية هو العمل على أن يكون للمرأة السورية الدور في العملية السياسية، لأننا نعتبر وجود المرأة شرط أساسي وضروري لإنجاح أي عمل حواري أو تفاوضي أو سياسي.

وعندما ننظر بشكل عام إلى وضع المرأة السورية في مختلف المناطق نرى قضية واحدة وهي قضية المرأة السورية، ولكن الصعوبات والتحديات تختلف من منطقة لأخرى، وقد تكون النساء في شمال وشرق سوريا هن الأكثر حظوظاً، بسبب وجود إرث نضالي في هذه المنطقة استندت النساء عليه. فقوة المرأة التنظيمية ساعدت بتنمية قدراتها الفكرية والثقافية والإدارية والسياسية فأحدثت المرأة ثورة حقيقية لرفض كل ما يقيد المرأة ويمنعها من القيام بدورها، حيث تم الحصول على بعض الحقوق ولكن تبقى الصورة غير مكتملة ما لم تصل كل النساء السوريات إلى حقوقهن ويثبت ذلك في دستور سوريا الجديدة.

 وقفة النساء هذا العام 2024، كانت مختلفة عن سابقاتها من الأعوام بأنها أصبحت أكثر قوة وإصرار وتمكن، وكلنا إيمان أن السلام والاستقرار وإعادة بناء البلاد لن يتحقق إلا بوجود المرأة ضمن العملية السياسية ومراكز صنع القرار، وحتماً ستكون هناك صعوبات وعوائق تواجه المرأة أينما كانت، إلا أن الموضوع يبقى عملية نضال وكفاح مستمر حتى تغيير الموروث الثقافي السلبي المعشعش في الأذهان والمجتمعات.

ويمر العالم بمرحلة مفصلية وحساسة، الأمر الذي سوف يجلب معه تغييرات وتوازنات جديدة. حتى وإن كان من الصعب الانتقال من نظام مركزي استبدادي إلى نظام ديمقراطي ولكن تطبيق نظام ديمقراطي يحوي كافة المكونات السورية وأن يكون ضمن النظام الديمقراطي الدور الأساسي والريادي للمرأة بالذات بأن تلعب دورها في كافة الساحات، لهو منعطف تاريخي وحاسم، وعلى المرأة السورية أن تكون يقظة وتلعب دورها التاريخي.

لذلك فنحن كعضوات مكتب المرأة في مسد نطمح كنساء سوريات في مضاعفة جهودنا ليكون للمرأة دور في عملية الحوار وإعادة البناء والسلام لسوريا الجديدة ولترجمة مشروعنا الديمقراطي على الأرض السورية وحماية الوطن السوري من الانقسام والأخطار الخارجية، وعليه سوف نقوم بالاستمرار بالعمل على تعزيز الحوار النسوي الوطني السوري وترسيخ مفهوم الديمقراطية كحلٍّ أساسي للأزمة السورية وإنهاء نزيف الدم.

وكذلك العمل مع المرأة السورية للتأكيد على أهمية الهوية الوطنية والعلمانية واللامركزية لتعزيز الديمقراطية وضمان وحدة واستقرار سوريا الديمقراطية، ونضالنا سوف يبقى مستمراً وسنقوم بالتواصل مع التنظيمات النسوية السورية والشخصيات المستقلة ودعم الحراك الثوري السلمي للنساء في عموم سوريا. وذلك لتوحيد جهود النساء السوريات لتشكيل جبهة ضاغطة قوية قادرة على مواجهة التحديات ووضع الملف السوري على طاولة المجتمع الدولي وسنتفاعل مع جميع المبادرات الوطنية والإقليمية والدولية لاستئصال جميع أشكال التمييز والعنف ضد المرأة وذلك لنضمن مشاركة المرأة في صياغة دستور توافقي سوري يضمن حقوق المرأة والمجتمع، فمن الضروري تثبيت الحقوق ضمن القوانين والدساتير لضمان الحفاظ على حقوق المرأة.