2024 عام الإنجازاتِ والتألّقِ لتجمعِ نساء زنوبيا – مريم عثمان

2024 عام الإنجازاتِ والتألّقِ لتجمعِ نساء زنوبيا

” إنني أنضم لمقولة رفيق المرأة عبد الله أوجلان:

إنّ الحريّة أثمن من الخبز والماء وكلّي إيمان بأنكنَّ ستحققن تحرر المرأة

 في الشّرق الأوسط لتشرقن كشمسٍ ساطعة مع حلول الربيع،

 بناءً على الذّكاء والحماية والجمال،

 إنّ المرأة الجريئة والذكيّة والجميلة

تستطيع فتح العالم ولذلك فأنا أعيش من أجلكن”

 

مريم عثمان

منسقية تجمع نساء زنوبيا

 

عرفت قضية تحرر المرأة صراعاً سياسياً وفكرياً واجتماعياً في جميع أنحاء العالم. فعلى الرغم من اختلاف الحركات النهضوية النسوية التي دعت لتحرر المرأة من المظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتي شهدت أولى ثوراتها في العالم الغربي، لكنها ما كانت لتكتمل بفعل تلاعب الأنظمة الرأسمالية بأهدافها واستغلالها لتحقيق مكاسب خاصة. ولم يختلف الحال في الشرق حيث تعرضت المرأة لمعاناة أشد وطأة من نظيرتها الغربية وذلك عائد بشكل كبير لسيطرة شبه تامة للذهنية الذكورية على اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية.

حتى في التوجهات الدينية كان هناك عنصر مشترك وهو التعاطي الموحد في تعاملهم مع المرأة كملكية خاصة، تجبر على الخضوع للنظام الأبوي سواءً ضمن مؤسسة الدولة المصغرة (العائلة) أو المجتمع. ورغم وجود مساعي لتحريرها لم تنجح معظمها لتحقيق النتائج المرجوة فما زالت المرأة تعاني من الأنظمة الإرهابية المتشددة، محرومة من كافة حقوقها ومعرضة لكافة أشكال الاضطهاد والعنف وفي معظم بلدان الشرق الأوسط تتعامل الحكومات مع قضايا المرأة بصورة مجزأة وسطحية وتوظيفها لخدمة مصالحها فقط.

فيما يتم تجاهل القضايا الجوهرية التي تخص المرأة بل ويتم استخدام العنف في حال خرجت عن القالب والطابع الذي خصص لها، وهذا ما بدا جلياً في سيطرة نظام الملالي. فإذا ما حسبنا المعايير الدقيقة في قياس مدى وصول المرأة لحريتها في العالم لا نستطيع القول بأنها نجحت بشكل تام، لكن ذلك لم يمنع من وجود نجاحات استثنائية للمرأة في مناطق محددة. وحقيقة نستطيع القول في هذا الجانب بأن المشروع الوحيد الذي ارتكز أساسه على حرية المرأة كان مشروع الأمة الديمقراطية، الذي أوجده المفكر عبد الله أوجلان، وحول ثورة المرأة لقوة سياسية وعسكرية لها خصوصيتها واستقلالها.

فكانت المرأة الكردستانية هي الريادية الأولى التي خاضت التجربة بنجاح، وفتحت الطريق أمام باقي النساء للمشاركة، وقد انعكس تأثير ثورتها على ثورة 19 تموز ولاحقاً على ثورة المرأة في إيران التي كانت الشرارة لاندلاع ثورة تطالب بالإصلاحات الشاملة وإحداث تغيير في النظام الحالي. حيث شكلت مشاركتها في القضاء على التنظيم الإرهابي داعش، نقطة التحول التي ساعدت على انتشار أيديولوجية حرية المرأة وانخراط النساء من مكونات وثقافات مختلفة في المشاركة والإيمان بهذا المشروع. فاستطاعت أن تقطع أشواطاً كبيرة وتحقق إنجازات في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة.

ولكن ذلك لم يتم دون تقديم العديد من التضحيات التي بذلتها المرأة في سبيل حماية ثورتها حيث تم استهداف رائدات هذه الثورة من قبل الأنظمة الاستبدادية فمن ساكينة جانسيز، وروجبين عرب، وبريفان، وبريتان، وزلال حسكة، وهند وسعدة وغيرهن من شهيداتنا كان على المرأة أن تدفع ثمن الحرية بدمها في سبيل ضمان وحماية ثورتها، وحقوقها المشروعة ضمن مجتمع ديمقراطي حر. ومع المساعي الكبيرة التي بذلتها الإدارة الذاتية الديمقراطية في سوريا وانخراط المرأة ضمن كافة مفاصلها وتقديم دعم اجتماعي وسياسي واقتصادي كبير، أصبح لها دور ريادي وقيادي وسياسي بمشاركتها في الحل السياسي للأزمة السورية حيث باتت مثالاً يحتذى به لكافة النساء ليس في إقليم شمال وشرق سوريا إنما في العالم أجمع.  فعند البحث في حقائق التاريخ وقراءة أسباب نشوء الثورات وتحليل الواقع التاريخي وفق المعطيات نستنتج أن أساس انتصارات ونجاحات كافة الثورات يعود إلى لمسات المرأة فيها على الرغم من كل المراحل العصيبة المتعددة التي غيرت حياتها طبعاً بحسب السياسات التي كانت تفرض عليها من قبل تلك الأنظمة الحاكمة، استطاعت إبراز هويتها خلال زمن قياسي عن طريق مشاركتها الفعالة والحقيقية في تطوير المجتمع غير أنها لم تحقق مرادها بشكل تام.

يعود ذلك إلى استبداد السلطة السياسية والذكورية، لذلك نرى تزايداً في حالات القتل والانتحار بين النساء وتعنيفهن الجسدي والنفسي حتى بعد أعوام من التحرر في مناطقنا، فيما تشكل الأوضاع المرتبطة بالأزمة السورية عبء إضافي على المرأة بسبب محاولات القوى الرأسمالية العظمى في إفشال مشروعنا حيث بات واضحاً في ممارسات الفاشية التركية المحتلة ومرتزقتها في المدن والبلدات التي احتلوها. فما شهده عام 2024 يعد استهدافاً واضحاً للمرأة من خلال القتل والخطف والاغتصاب وممارسات العنف بكافة أشكاله وهذا إن دل على شيء فهو يدل على خوف المحتل من قوة تنظيم المرأة ولم يتوان مرتزقة هذا المحتل من استهداف حتى الأطفال تلبية لغرائزهم الوحشية. حيث تقع هذه الجرائم والممارسات في إطار محاولة الدولة التركية كسر إرادة وعزيمة الشعوب لكي تخضع لها بشكل كامل.

لكون المرأة تشكل اللبنة الأساسية في المجتمع وسيترجم انكسارها على نجاح الاحتلال في فرض وجوده ولكن الحقيقة كانت على العكس تماماً مما كانوا يرجون، فمقاومة ونضال المرأة مستمرة ضمن المناطق المحتلة وخارجها. فإذا ما قيمنا الإنجازات التي حققتها الحركات النسائية وفي الطليعة تجمع نساء زنوبيا نجد بأنه وفي كل عام تتحقق خطوات مهمة بصدد نضال المرأة.

فبعد انعقاد مؤتمرنا الثاني لتجمع نساء زنوبيا في مقاطعة الرقة والذي حمل شعار “بتنظيم وإرادة المرأة نبني مجتمعاً ديمقراطياً حراً” كان بالنسبة لنا مرحلة جديدة في تحقيق الإنجازات والعزيمة والإصرار والتألق، لنبدأ بالعمل على تنظيم وتطوير نشاطنا وجهودنا في دعم المرأة في مختلف المستويات لتكون ريادية وقيادية وتلعب دورها الصحيح في إدارة شؤون المجتمع للوصول إلى شكل نظام ديمقراطي تعددي بعد سنوات عشناها تحت سقف نظام الهيمنة الذكورية.

حيث قمنا بالعديد من الاجتماعات التنظيمية والتوعوية ضمن المجالس والكومينات وبما للتدريب من أهمية كبيرة خلال عام 2024 تم افتتاح العديد من الدورات التدريبية الفكرية المفتوحة والمغلقة والغاية كانت توسيع القاعدة الجماهيرية للنساء معتمدين على مقولة المفكر عبد الله أوجلان على أنه:

“لن نصل لحريتنا ما دامت هناك نساء معنّفات ومضطهدات وخارج نطاق تنظيم المرأة”

كما قمنا بالعديد من الأنشطة والفعاليات المختلفة والمتنوعة والحملات التوعوية والاستنكارات والبيانات والمسيرات بالإضافة إلى تنظيم الوفود والمجموعات لتقديم الدعم المعنوي والوقوف ضد الفتنة التي تم حياكتها من قبل الدولة التركية المحتلة والنظام البعثي لخلق النزاعات وزعزعة أمن واستقرار مناطقنا.

كما تم خلال عامنا الحالي عام التطورات استقبال وفود أوروبية للاطلاع على أوضاع المرأة في مناطقنا وللتعرف على عمل تجمع نساء زنوبيا والتحديات التي تواجهنا في أداء مهامنا وأهدافنا التي كان أهمها التركيز على تحقيق وضمان الحرية الجسدية لقائد الكونفدرالية الديمقراطية القائد عبد الله أوجلان، الذي حقق أكبر ثورة ذهنية في التاريخ وأحدث ثورة فكرية لا مثيل لها ساهمت في إيجاد الحل لجميع القضايا في الشرق الأوسط والعالم أجمع. وهذا ما يدفع بالدولة التركية المحتلة لتكثيف سياساتها ضده حتى وصلت إلى فرض حالة عزلة تامة وتجريد ممنهج مانعة إياه من التواصل مع عائلته ومحاميه، وحرمانه من قانون “حق الأمل” فكان من أبسط أعمالنا ووفاءً لمن كان رفيق الدرب والمعلم والمدرب الأول تنظيم مسيرات حاشدة، وملتقيات وورش قراءة على مرافعاته وكان أبرزها سيسيولوجيا الحرية الذي توج بكونفرانس حمل شعار “محبتي تتم من خلال العيش مع أفكاري” ولا تزال أعمالنا التنظيمية وفعالياتنا مستمرة مؤكدين على رسالتنا بأن التحرير الحقيقي للشعوب وللمرأة سيكون فقط بتحرير القائد عبد الله أوجلان جسدياً.

منجزات عام 2024

عملنا خلال عام 2024 على تفعيل العديد من اللجان أهمها لجنة الصحة التي عملت على تقديم التوعية الصحية للمرأة والطفل والمجتمع عن طريق محاضرات ضمن المخيمات والكومينات وإعداد البروشورات وتوزيعها على النساء ومن اللجان التي تم تفعيلها؛ لجنة الساحة الاجتماعية بالإضافة إلى العمل على حل القضايا المجتمعية التي تخص المرأة والمجتمع، عن طريق لجان دار المرأة التي يتم من خلالها ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتأمين الحماية للمرأة من كافة أشكال العنف.

بالإضافة إلى توثيق الجرائم المرتكبة بحقها، كما عملنا خلال هذا العام على تطوير وتمكين المرأة اقتصادياً ضمن هيكلية تنظيمية في كافة المجالات الزراعية والتجارية والصناعية وكان هدفنا ضم أكبر عدد من النساء العاملات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهن بالإضافة إلى إعداد الدراسات لتفعيل مشاريع اقتصادية.

باعتقادي كان من أكبر إنجازات المرأة في عام 2024 انتخابات البلديات التي كانت نداء صريح للمرأة للمشاركة الفعلية في مراكز صنع القرار وقد شهدت الانتخابات بشكل لافت حضور المرأة كناخبة ومرشحة من مختلف المكونات والأطياف والإثنيات ليتوج هذا الانتصار بتشكيل تحالف الشعوب والنساء من أجل الحرية.

يمكننا القول؛ بأن عام 2024 تكلل بنجاحات وإنجازات عديدة سوف تسجل على صفحات تاريخ نضال ومقاومة المرأة رغم كل المعوقات والتحديات التي واجهتنا لا يمكن اعتبار أن مهامنا منجزة، فنحن كتجمع نساء زنوبيا يقع على عاتقنا حماية النساء من الإنكار والتهميش والتسلط الذكوري وتحمل كافة المسؤولية وحل القضايا المجتمعية. لذلك، يتطلب منا رفع وتيرة نضالنا وتكثيف حملاتنا للمطالبة بحرية قائدنا عبد الله أوجلان وتطبيق مخططنا المستقبلي الذي سيكون من أبرز مهامه تشكيل لجان تجمع نساء زنوبيا في كل مقاطعة للمبادرة بالحرية الجسدية للقائد عبد الله أوجلان، وتوسيع العلاقات وتوطيدها مع المؤسسات والتنظيمات النسائية في سوريا وخارجها وبذلك نحقق تشكيل الكونفدرالية النسائية العالمية.

 تكثيف الدورات التوعوية والعمل على تجهيز التدريبات لتغيير ذهنية الرجل، كما سنعمل على افتتاح أكاديميات للمرأة ومكتبة زنوبيا للقراءة وإنشاء مجلة زنوبيا. كما نعمل على افتتاح مشاريع داعمة للمرأة وتمكينها اقتصادياً والتركيز على الفئة الشابة عن طريق الندوات بالإضافة إلى نشر مفهوم الإيكولوجيا عن طريق التوعية على أهمية البيئة وضرورة المحافظة عليها، سنجعل من عام 2025 عاماً لانتصارات وإنجازات جديدة تخدم قضية المرأة والمجتمع. طموحنا الأكبر التوجه نحو بناء سوريا جديدة تكون المرأة الواعية والمثقفة والسياسية هي محور بناء سوريا جديدة. لا معنى لوجود سوريا جديدة ديمقراطية بدون لعب كافة النساء السوريات ومن كافة المكونات بإدارة البناء.

نؤكد على أننا سنستمر في السير على خطوات شهيدات وشهداء الحرية وسنرفع من وتيرة نضالنا وتنظيمنا للوصول إلى جميع النساء وتحريرهن من استبداد السلطة الذكورية والأنظمة الدولتية والاحتلال، كما نقدم نقدنا الذاتي لقائدنا لكوننا لا نزال إلى يومنا الراهن رغم كل الأنشطة والفعاليات لم نحقق حريته الجسدية.

 وأخيراً؛ وليس آخراً أحببتُ أن أنهي أسطري هذه بكلمات وتوجيهات فيلسوف القرن الحادي والعشرين عبد الله أوجلان حين قال: “إنّ الحرية أثمن من الخبز والماء وكلّي إيمان بأنكن ستحققن تحرر المرأة في الشرق الأوسط لتشرقن كشمس ساطعة مع حلول الربيع بناءً على الذكاء والحماية والجمال، أن المرأة الجريئة والذكية والجميلة تستطيع فتح العالم ولذلك فأنا أعيش من أجلكن”.

ونحن بدورنا نقول للقائد؛ بأننا لن نقبل بأن نعيش فقط لحريتنا، سنعمل وفق نهجه ومبادئه وقيمه التي أحياها في عقولنا وروحنا حتى نحقق حريته الجسدية، سنتحد ونتحدى كل تلك القوى التي تستهدفنا ونواجهها بقوتنا وسننتصر لنخلق عالماً حراً ديمقراطياً خالياً من قوى الاستبداد والرأسمالية ومليئاً بالعدل والسلام.

عهداً علينا أن نستمر في مسيرة النضال ولن نتوقف حتى نحقق جميع أهدافنا بقوة وإرادة وعزيمة المرأة الحرة.