المرأة في مجلسِ المرأة السّورية تجربة فريدة من نوعها – گلستان عفدكي

المرأة في مجلسِ المرأة السّورية تجربة فريدة من نوعها

“المشاركة المجتمعيّة الفعّالة للمرأة ضرورةٌ حتميّة،

 وإقصاؤها من أيّ مجال من مجالات الحياة يبقيه ناقصاً ومعاقاً،

 ومن خلال دراسة واقعِ المرأة في جميعِ المناطق والمدن السّورية،

نجد أنّ للمرأة السّورية طاقة حياتيّة وتنظيميّة ومجتمعيّة أكثر،

ولكنْ تمّ طمسها واستبعادها عن ممارستها العملية الكومينالية”

 

گلستان عفدكي

عضوة لجنة العلاقات في مجلس المرأة السورية – مكتب الجزيرة

 

للمرأة السورية تاريخٌ مشرق على مدار التاريخ، ولبطولاتها أثرٌ كبير في قيادة امبراطوريات مهمة، فقد كانت مناضلة ومكافحة، فأبدعت ولا تزال تبدع في الساحة السياسية والأدبية والرياضية والفنية والطبية، وكافة ميادين الحياة. الكثير من النساء السوريات حطّمن قيود المفاهيم الكلاسيكية والتي لا تتناسب مع طبيعة المرأة، وحاربن العادات والتقاليد البالية.

كانت نازك العبد مقاومة وناشطة وأديبة، وماري العجمي شاعرة وصحفية، وكوليت خوري، وغادة السّمان أديبات وكاتبات، والملكة زنوبيا محاربة وفارسة وغيرهن الكثيرات ممّن لعبنَ أدواراً عظيمة، إنهنّ حفيدات عشتار. وفي التاريخ المعاصر بدأت المرأة بشكل أقوى ودون قيود الخوض في جميع المجالات السياسية والعسكرية والثقافية والدبلوماسية، وبالرغم من الظروف الصعبة والحرب ونظرة المجتمع للمرأة على أنّها ضعيفة لا تمتلك القدرة والخبرة والكفاءة في العمل وأنّها غير قادرة على تحمل المسؤولية، لكنها أثبتت جدارتها وقوّتها الفكرية والتنظيمية وأثبتت على أنّها قادرة على أن تكون رياديّة في الكثير من المجالات الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق ومع تعقيد الأزمة السورية وعدم إيجاد الحلول لها وإيماناً منّا بأنّ المرأة هي عماد الحضارات، كانَ لا بدّ من مشاركة المرأة لإيجاد الحلول، فالعقل الذي أنتجته الأزمة هو عقل ذكوري، فكان على المرأة البحث عن مساحة آمنة للنساء وفضاءات جماعيّة مفتوحة تجمع الجهود وتوحّد الرؤى وترصّ الصفوف لتستعيد المرأة أمجادها وتغيّر ذهنية المجتمع، وتخلق نظام ديمقراطي اجتماعي يحقق للمرأة العدالة والمساواة، وبناء سورية مستقلة تعددية ديمقراطية لا مركزية.

فالمشاركة المجتمعية الفعّالة للمرأة ضرورة حتميّة، وإقصاؤها من أي مجال من مجالات الحياة يبقيه ناقصاً ومعاقاً. ومن خلال دراسة واقع المرأة في جميع المناطق والمدن السورية، نجد بأنّ المرأة السورية عانت من العادات والتقاليد المجحفة بحقها.

والقوانين غير المنصفة أثّرت بشكل سلبي على مصيرها، بالرغم من ظهور بعض الوجوه النسوية أيضاً. ولكن ومع الأسف الشديد بقيت شكلية كذرة الرماد في العيون، فآلية الإدارة الموجودة في سوريا لم تعطِ الفرصة للمرأة وبقي الحال على ما هو عليه بالنّسبة لقوانين الأحوال الشخصية ووجود زواج الحيار، والشعار، وزواج الديّة، وزواج القاصرات، خلافاً عن مناطق شمال وشرق سوريا، التي استطاعت المرأة فيها تحقيق مكاسب كبيرة.

ومن ضمن تلك المكاسب، تأسيس مجلس المرأة السورية، الذي استطاعَ تحقيق ما لم تستطع السياسة تحقيقهُ بجمع النساء من جميع المكونات والمناطق السورية وتوحيد طاقاتهم ورؤاهم بالرغم من اختلاف المشارب السياسية. وفتح هذا المجلس مجالات لم تكن مسبوقة، فظهرت شخصيات نسائية حقيقية استطاعت الوقوف وإظهار وضع المرأة بشكل حقيقي في مناطق سورية ككل، ولنا الفخر بأننا كنساء سوريات استطعنا تقديم نموذج مبدع عن المرأة الخلّاقة، والنهوض بالمجتمع من خلال جعل الصوت النسوي السوري صوتاً واحداً، وأن ندعم ونوجه ونوحد صفهن من خلال تمكينهن سياسياً، وأن نفتح مساحة مستقلة للجميع تتكون من ناشطات مجتمع مدني ونساء من تنظيمات وأحزاب واتحادات وجمعيات نسوية ونساء مستقلات من كافة الجغرافية السورية.

حقيقةً كانَ عام 2024 عاماً زاخراً بالأعمال والمنجزات على عدّة مستويات، قامَ مجلس المرأة السورية بتقديم التمكين والدّعم والتوعية للمرأة من خلال إعطاء المئات من المحاضرات التي كانَ لها دور كبير في طرح مشاكل عديدة تهمّ المرأة وآلية إيجاد الحلول المناسبة لها. وعقد العشرات من ورشات العمل لإنماء قدرات النساء وتقوية العلاقات فيما بينهم وذلك لكمٍّ هائلٍ من النساء في أغلب المناطق السورية، كما تمّ إرسال الرسائل للمجتمع الدولي عن طريق إعطاء البيانات المنددة لجميع أشكال الانتهاكات بحق المرأة.

وأقام العديد من الملتقيات لتعزيز دور المرأة في المجتمع وصنع القرار. استقبل الكثير من الوفود النسويّة والسياسية في إطار تقوية وتوطيد العلاقات والتعريف بأهداف المجلس، تَمَكّنَ المجلس من التواصل مع نساء من الشرق الأوسط وشمال أفريقية والعالم، والتواصل مع منصات الاتحاد الأوروبي وهيئة المرأة في الأمم المتحدة من أجل إيصال صوت معاناة المرأة في سوريا نتيجة الظروف المعاشة. قمنا بالتمكين السياسي بشكل عام، فمشاركة المرأة سياسياً كانَت من أهم أهداف المجلس لأنّ المرأة بطبيعتها تبحث عن الحلول السلميّة، فهي ميّالة للأمن والسلام أكثر من الرجل الذي كانَ وما زال يَسعى للسلطة ومدّ النفوذ والتملّك، ولهذا تمّ إعطاء محاضرات عن القرارات الدولية (2254 _ 1325).

وبالرغم من كلّ الظروف الصعبة من حروب ونزوح واعتقالات وانتهاكات تعرضت لها المرأة، استطاع مجلس المرأة السورية عقد مؤتمره الثاني في مدينة حلب بحضور 300 امرأة من جميع مناطق ومدن سوريا ومن جميع الشرائح النسوية. أعطى المؤتمر انطباعاً خاصاً وصورة جميلة عن وحدة قضيّة المرأة في معاناتها ونجاحاتها وقدرتها على تخطّي الصعوبات والأزمات والعقبات، وما ميّز المؤتمر هو النقاشات العمليّة والفعّالة والجوهريّة وطرح الآراء لسّد الثغرات التي مرّ بها المجلس في السنوات السابقة.

 وأيضاً تمّ تصحيح بعض المسارات وتجاوز الأخطاء والاستفادة منها لمتابعة تطوير مسيرة المجلس في عمله. فقد تمّ فعليّاً تنظيم لجان جديدة حسب حاجة المجلس كلجنة المرأة الشابة، وإعادة تفعيل اللجنة القانونية لتحضير ملفات عن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، وتقديمها للمجتمع الدولي وتثبيت لجنة المُخيمات في النظام الداخلي الجديد. ومن خلال فعاليات المؤتمر تمّ انتخاب ثلاث منسقات بدلاً من منسقة واحدة، كما تمّ في السابق تعليم 60 عضوة في المجلس العام و15 عضوة في الهيئة التنفيذية، وتمّ اختتام فعاليات المؤتمر بعدد من التوصيات والمقترحات التي ستكون بمثابة خطّة مستقبلية سيعمل مجلس المرأة السورية على تحقيقها خلال السنتين القادمتين وما جاء فيها:

– العمل على عقد مؤتمرات لمجلس المرأة السورية للسلام على صعيد سوريا، والتواصل مع جميع النساء والفئات العمرية داخل سوريا وخارجها.

– شمولية جميع النساء وخاصة في المناطق المحتلة.

– تحديد استراتيجية ممنهجة لعمل المجلس حتى يكون خاصاً بجميع النساء بغض النظر عن التوجهات العرقية والسياسية والمذهبية.

– تعزيز قدرات المرأة من خلال التدريب والتعليم المستمر وتنظيم ورشات وجلسات ومحاضرات، وتنظيم جلسات توعية للتصدي للعنف ضد المرأة.

– رفع وتيرة النضال ضدَّ السياسات الممنهجة المعادية لعمل المجلس والتي تحاك ضد المرأة.

– توسيع دائرة العلاقات والتحالفات مع الحركات النسويّة المحلية والإقليمية والدولية بما يخدم قضية المرأة.

– وضع خطّة عمل موسعة للمنظمات النسائية وتفعيل دور المرأة في الأحزاب وتطبيق بنود قرار مجلس الأمن 2254 و1325 (المرأة – الأمن – السلام).

-العمل على إعادة تأهيل النساء والأطفال في المخيمات والعمل على إعادة دمج الخارجين من المخيمات.

– توسيع نشاط المجلس في الساحات الخارجية وفتح ممثلية.

– توثيق الانتهاكات بحق المرأة وخاصة في المناطق المحتلة.

 وما تمّ تطويره في عمل المجلس لهذا العام هو تعيين ممثلة عن المجلس في الإمارات العربية المتحدة والصين وممثلة في السويداء السورية بالإضافة إلى وجود الممثلات السابقات في لبنان ودمشق وحمص والساحل السوري. فقد كانَ عاماً حافلاً بالكثير من العزيمة والإصرار وإرادة المرأة الواعية.

فلهذا نستطيع القول؛ بأنّ مجلس المرأة السورية هو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، استطاع لفت المجتمع الدولي لقضيّة المرأة في سوريا وخارجها، فتشكّلُ هذا المجلس ضمن حرب أهلية واقتتالية يدلُّ على مستوى الوعي عند المرأة وإيمانها بقضيتها. وسنستمر بهذه العزيمة عند دخولنا لعام 2025 أيضاً.