هيئة المرأة ضرورة نضاليّة  لحلِّ قضايا المرأة والمجتمع – سوسن خلف

 

هيئة المرأة ضرورة نضاليّة  لحلِّ قضايا المرأة والمجتمع

نَظَّمت المرأة نفسها وأخذت دورها في جميعِ المجالات

 السياسية والاقتصادية والعسكرية

وأخذت دورها الريادي في المجال الإداري، كون المرأة لها بصمة واضحة وفعّالة”

 

سوسن خلف

نائبة رئاسة هيئة المرأة في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا

منذ ظهور الاتجاه النسوي كجزء من حركة إصلاحية في ميادين الاجتماع والثقافة وكرد فعل على اهتزاز الثقة واختلال القيم المصاحبة للرأسمالية، تَدفَقَ سيلٌ من الأطروحات الرامية لإصلاح ذلك الخلل الناجم عن تغوّل الفردانية، وسيطرة الماديّة على العقل البشري، بل إعادة النظرفي منظومة العدالة الاجتماعية شكلاً ومضموناً.

ورغم نجاح الحركة النسويّة في دفع قضايا المرأة لواجهة المشهد منذ الربع الأخير من القرن العشرين إلا أنّ ذلك لم يكن مكتملاً، إذ دارت الحركة النسوية في فلك أجندة غربية ورأسمالية أوسع، تتعرف خلالها حرية المرأة في إطار قيمي محدد يرتبط بتلك الأجندة وأهداف القوى المؤثرة في صياغتها، بل ويتجاهل ما عداها من أنساق ثقافية واجتماعية متمايزة حول العالم وقد فتح ذلك الإخفاق الآفاق للنقد الموجه للحداثة الرأسمالية.

إمّا أنّها منبعٌ لأجندات تحرر المرأة في فلك الرأسمالية وقيمها وبالتالي الالتزام بنسقها القيمي دون سواها، أو أنّها وضعت العراقيل أمام انسياب هذه الحركات كجزء من ازدواجية المعايير المميزة لسلوك الرأسمالية الغربية في كافة المناحي السياسية والاجتماعية والأخلاقية أيضاً. وفي هذا السياق تأتي أطروحات المفكر عبد الله أوجلان لإعادة النظر في منظومة التفكير بشأن وضع المرأة زاوية في إحداث أيّة نهضة مجتمعية بشكل عام. وترتبط هذه الأطروحات من مشروعه الفكري الرامي لإحداث تغيير ثوري في الذهنية البشرية بشأن المرأة. فيرصد المفكرعبد الله أوجلان تاريخ البشرية منذ ما يعتبره انحداراً فيما بعد “العصر المشاعي” والذي سادت خلاله أرضية ثقافة الاقتصاد في النسق الأمومي المشاعي، حيث كانت المرأة الأم ذات السيادة والمنسقية لشؤون المجتمع، مروراً بما يعرف بالعصر النيولوتي (15000) – (4000) سنة قبل الميلاد تقريباً وفي هذه المرحلة تبدأ بانفصال الوجود الإنساني عن فصيلة الثدييات الرئيسية وتنتهي بظهور المجتمع الهرمي.

بالمستطاع القول بأن القيم الموجودة وبشكل طبيعي في المجتمع الطبيعي الذي كان معروفاً بإدارة المرأة – الأم لكافة احتياجات المجموعات،عبرت وبشكل مباشرعن تكوين الفيدراليات المجتمعية. فمن هذا المنطلق ومرة أخرى حين يتم طرح نظام الأمة الديمقراطية ومفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية، فالمقصود منها بأنها ليست بطرح جديد، بل أن هذا النظام يعتمد على المسار التاريخي المكوّن وبشكل فطري حسب نظام اجتماعي كومينالي.

لذا بعد أن أُنْشِئَتْ الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عام 2013 كنموذج طبيعي لأطروحات المفكر عبد الله أوجلان الأمر الذي فتح الآفاق أمام مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، قد احتلت المرأة مكانة متقدمة في كافة هيئات الإدارة الذاتية ومنها هيئة المرأة، والتي تعتبر كجزء من المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، والتي تشكلت عام 2014 كجهة رسمية معنية بقضايا المرأة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية  والقانونية والثقافية، وذلك على أساس فلسفة الأمة الديمقراطية.

بعد نجاح هذا المشروع بدأت تركيا بمحاربته بمختلف الوسائل والسبل وعلى كافة الأصعدة، عن طريق استخدام المرتزقة كوكلاء لها على شمال وشرق سوريا وكان لها دور كبير في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن خلال هذه الاستهدافات تم التركيز على استهداف المرأة كإحدى الركائز الأساسية لنجاح مشروع الإدارة الذاتية عن طريق استهداف القيادات والرياديات في حركة المرأة، وبالأخص المرأة المناضلة والمنخرطة ضمن كافة قطاعات العمل في الإدارة الذاتية.

وهذا ما يوضح خوف تركيا من المرأة المنظمة والواعية، والتي لعبت دورها الريادي في إنجاح هذا المشروع، وفي طليعتها المرأة الكردية التي كان لها دور محوري وتاريخي  في تغييرواقع المرأة والمشاركة الفعالة في بناءِ مجتمعٍ جديد يقوم على المساواة والعدالة والحريّة، وتُعتَبر رمزاً للنضال والمقاومة وقدوة يُقتدى بها مثل: آرين ميركان، ساكينة جانسير، هفرين خلف، والذي يعكس العداء التركي تجاه القياديات الكرديات. ونظّمتْ المرأة نفسها في كافة الجوانب، وتمّ جذبها إلى الاُطُر التنظيمية بحيث لا تبقى امرأة واحدة خارج إطار التنظيم وخاصة بعد تأسيس المجالس واللجان والاتحادات بمسميات واختصاصات مختلفة.

والجانب الدفاعي أيضاً كان من أحد الضروريات الحياتية حيث كانت النظرة المثبتة على المرأة أنّ الجانب العسكري لا يُلائم طبيعتها المسالمة، لكن بالمقابل ترك المرأة  تلقى مصيرها دون تطوير آليات الدفاع لديها يعتبر من أكبر الأخطاء التي ارتُكِبَتْ في التجارب السابقة، أيضاً تُعَدّ السياسة من المجالات الرئيسية التي تلعب فيها المرأة دوراً بارزاً ويتم تمثيل المرأة في الإدارة الذاتية على جميع المستويات و بناء التنظيم الذاتي.

وأيضاً جاء في ديباجة العقد الاجتماعي حول دور المرأة في المجتمع : “الثورة المجتمعية التي تحققت بقيادة المرأة في شمال و شرق سوريا، فتحت الطريق أمام نهضة فكرية واجتماعية، فأصبحت المرأة ركيزة أساسية في نظامنا الديمقراطي”، وأيضاً من خلال مشاركتها في صنع القرارات ووضع المخططات ولها دور مؤثرفي ذلك، إذ يجري العمل على تعزيز وعي وتنظيم المرأة والمجتمع بناء على مفهوم “حرية المرأة هي أساس الحريات الأخرى” واتخاذ القرارات والمخططات وفقاً لذلك. أيضاً هناك البرامج التعليمية والتي تقوم على أساس جنولوجيا (علم المرأة) من خلال تنظيم المحاضرات والندوات والمنتديات الحوارية حول قضايا المرأة والمجتمع ككل مثل: تاريخ المرأة، التعصب الجنسوي، الأخلاق والجمال. ولهذا نقول بأن المرأة قد نظمت نفسها وأخذت دورها في جميع المجالات سواء كان المجال السياسي والاقتصادي والعسكري، وأيضاً أخذت دورها الريادي في المجال الإداري كون المرأة لها بصمة واضحة في الإدارة بشكل عام بالرغم من مواجهتها للمعوقات والصعوبات خلال مشاركتها في الرئاسات المشتركة كونها تعاني في مجتمعنا من الذهنية الذكورية.

إلى جانب التوجيهات المستمرة من خلال عقد الاجتماعات التنظيمية، والدورات التدريبية، والحلقات التوعوية للمرأة، لتأخذ دورها كإدارية ناجحة بعيداً عن الذهنية السلطوية على عكس ما تحاول السلطات الحاكمة ترسيمه في أذهان وعقول المجتمع. أيضاً من خلال مكتسباتها وإنجازاتها التي قامت بها منذ بداية التحرير حتى اليوم، بدءاً من قانون الأسرة /المرأة وتصديقه وتطبيقه في مناطق شمال وشرق سوريا لحماية حقوقها وواجباتها، وصولاً إلى نظام الرئاسة المشتركة وأخذ المرأة دورها في جميع المجالات، بالإضافة إلى التحديات التي واجهتها ولا زالت والمتمثلة بهجمات الدولة التركية على مناطق شمال و شرق سوريا. أيضاً القيام بالعديد من الإنجازات والمشاريع الاقتصادية والاستثمارية والتوعوية في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، وافتتاح دور حماية للمرأة وللطفل، والتي تهدف إلى تأمين ملجأ للأطفال الأيتام والمشردين وضحايا الحرب، وحمايتهم من مخاطر الحياة وصعوباتها والحفاظ عليهم من أي ضرر قد يصيبهم. ومن خلال عملنا كهيئة المرأة نسعى جاهدين الى التواصل مع كافة الحركات والتنظيمات النسائية للتعريف بتاريخ المرأة وحقيقتها، ونؤكد أن المرأة القادرة على بناء نفسها وتطوير فكرها باستطاعتها تحرير نفسها من كافّة أشكال العبودية.

كما يجب علينا كنساء تنظيم أنفسنا ليس فقط في إقليم شمال وشرق سوريا أو مستوى الشرق الأوسط بل على مستوى العالم، كون قضية المرأة قضية واحدة، لتصل المرأة لحياة حرّة وكريمة، فتحرير المجتمع يكون من خلال تحرير المرأة عبر فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” وتطبيقها على أرض الواقع. نعي تماماً مسؤولياتنا في إيصال المرأة لأعلى درجات الوعي الوطني والفكري لتخطّ بأناملها مسيرة المرأة في سبيل الوصول إلى حقوقها وحريتها وتدوّن تاريخها الذي لم يتم تدوينه من قبل، وسندعم بكافة الوسائل كل النساء اللواتي يسعينَّ في سبيل تمكين قدراتهنّ لإضفاء مكتسبات جديدة على ثورة المرأة التي تزدهر اليوم بريادة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا.

فحتى دخولنا لعام 2025 سيكون هدفنا الأساسي هو بناء مجتمع إيكولوجي ديمقراطي حر، ومحاربة كافة أشكال العنف ضد المرأة، وحماية ضحايا العنف، إضافة لمحاربة كل أنواع الإتجار بالأطفال، والعمل القسري، وتأمين الحماية اللازمة لهم بإعداد الخطط الاستراتيجية للنهوض بواقع المرأة والطفل.