مجلس المرأة في الحزب مرجع سياسي وفكري هام – حوري شمدين
مجلس المرأة في الحزب مرجع سياسي وفكري هام
“مجلس المرأة في PYD، تجربة مميّزة،
حيث يفتح آفاقاً جديدة لريادة المرأة في المجتمع،
المرأة أداة محوريّة في تحطيم القيود المفروضة والتقاليد البالية،
بإمكانها خلق مجالات أوسع للمشاركة الفعّالة في بناء مجتمع ديمقراطي حديث”
حوري شمدين
ناطقة مجلس المرأة لـ حزب الاتحاد الديموقراطي PYD
وفقاً لبراديغما العصرانية الديمقراطية، تُعتبر المرأة أقرب إلى تحقيق الحداثة الديمقراطية مقارنة بالرجل، لأنّها حافظت على جوهرها، بعيداً عن تأثيرات الحداثة الرأسمالية، وهو ما يجعلها أقرب إلى سمات التشاركية والكومينالية والديمقراطية. إنّ دمقرطة السياسة أصبحت ضرورة حتمية اليوم، نتيجة لنضال الحركات النسائية المستمر وتوسع موجاتها وسعيها لتوحيد نضالها إقليمياً وعالمياً. إضافةً إلى ذلك، يتسع مفهوم الحضارة الديمقراطية يوماً بعد يوم من خلال الثورات الشعبية التي تشهدها المنطقة، والتي تختلف عن ثورات القرن العشرين التي كانت مقتصرة على شعب وقومية معينة، ولم تستطع أن تمنح المرأة الدور والمكانة التي تستحقها كقوة فاعلة في المجتمع، مما جعلها تظل على هامش التحولات الكبرى آنذاك. اليوم، نعيش في القرن الحادي والعشرين وعصر ثورة المرأة والتي تقود مسار التغيير، حيث تمثل عملية التحول الديمقراطي في جميع ميادين المجتمع. التاريخ يشهد على أن عبودية المرأة كانت إحدى أسوأ أشكال العبودية عبر العصور، لذا لابد أن تكون ثورة المرأة أيضاً هي أعمق ثورات الحرية والمساواة.
مع استمرار الصراعات والأزمات التي تسببت بها الأنظمة الذكورية المهيمنة، والتي جلبت الويلات للشعوب، تبرز اليوم ضرورة إعادة تشكيل السياسة بمنظور يوسع من دور المرأة ويعيد إليها مكانتها في إدارة المجتمعات عبر التاريخ. السياسة لم تختفِ يوماً من المجتمعات البشرية، ولكن من تم تغييبها عنها هي المرأة، ما أدى إلى تهميش دورها الريادي، بل ووصل إلى استعبادها. رغم كل ذلك، تمكنت المرأة عبر تاريخ طويل من النضال، الذي يستمر ويتوج اليوم بثورة روجآقا في شمال وشرق سوريا التي وخلقت وعياً تاريخياً وثقافياً وسياسياً، وولّدت ثقافة المقاومة من أجل الحرية لدى جميع النساء ضد الأنظمة الرأسمالية والدول القومية.
هذه المقاومة التي تستند إلى فكر وفلسفة معاصرة وإلى النضال الطويل للمرأة الكردستانية، وخلقت لها أرضية قوية من أجل استعادة مكانتها السياسية والاجتماعية والثقافية التي فقدتها عبر التاريخ، ولعبت المرأة دوراً بارزاً في دمقرطة المجتمع. دخول الساحة السياسية ليس بالأمر الهين للمرأة، بل يعني مواجهة أوجه الصراع الأكثر تعقيداً، حيث تستدعي منها هذه الساحة النضال ضد البنى السلطوية والهرمية المناهضة لطبيعة المرأة. وهذا يتطلب النجاح في مواجهة هذه الهياكل السلطوية وإرساء كيانات سياسية ديمقراطية تهدف إلى ضمان حرية المرأة وبناء مجتمع أخلاقي وديمقراطي. ودون النجاح في الساحة السياسية لا يمكن تحقيق أي نجاح مستدام.
في عام 2024، عمل مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يشكل حجر الزاوية في تنظيم الحزب ونضاله، على تطوير نفسه من خلال آلية عمل فكرية وتنظيمية مكنت الحزب من تعزيز قدراته في السياسة الديمقراطية والدبلوماسية، مستنداً إلى أيديولوجية تحرر المرأة. وقد تجسد شعار “المرأة، الحياة، الحرية” كرمزٍ قويٍ لنضال المرأة في الحزب خلال هذه المرحلة الهامة. نضال المرأة تصدر المشهد السياسي والدبلوماسي والإداري في شمال وشرق سوريا، والشرق الأوسط والعالم أيضاً مما يعكس تطوراً نوعياً في مستواها السياسي والاجتماعي.
وقد عكست هذه المشاركة النضالية وبقيادة ثورة المرأة، ومن خلال تنظيماتها عامة، كذلك تنظيم المرأة في الحزب ومن خلال ممثلاتها الموجودات في كافة التنظيمات والهيئات والمؤسسات في الإدارة الذاتية الديمقراطية، سعيها الدؤوب لتحقيق الديمقراطية في المجتمع. كان تأسيس مجلس المرأة في الحزب عام 2018 نقطة تحول مهمة في مسار دمقرطة السياسة في المنطقة. فمن خلال تاريخ نضال المرأة المستمر تمكّن المجلس من أن يصبح ركيزة أساسية في تنظيم المرأة وتشكيل قواعد تنظيمية للنساء ضمن المجتمع.
إنّ تبني حزب الاتحاد الديمقراطي لنظام الرئاسة المشتركة وتأسيس مجلس المرأة داخل الحزب ساهم في تعزيز الدور المتزايد للمرأة في هيكلية الحزب التنظيمي، مما فتح أمامها فرصاً جديدة للمشاركة الفاعلة في وضع السياسات وتوجيهها. هذا النموذج، لم يكن مجرد تمثيل شكلي للمرأة، بل كان خطوة رائدة في المنطقة نحو دمقرطة حقيقية قائمة على أسس العدالة والمساواة.
وفي هذا السياق أصبح مجلس المرأة في الحزب مرجعًا سياسياً وفكرياً هاماً، يسعى لضمان حقوق المرأة في إطار الثورة التي يقودها الحزب، ولتوجيه السياسات التي تدعم مكانة المرأة في المجتمع. جميعنا يعلم بأن مجالس المرأة لم تكن موجودة في الشرق الأوسط، وإن تواجدت بشكل تنظيمات نسوية تكون تقليدية وخاضعة للهيمنة الذكورية، كما في معظم المناطق السورية من خلال الهيئات التي يهيمن عليها الرجال، ما يحدّ من قدرة المرأة على التأثير الفعلي في اتخاذ القرارات المصيرية.
كما أنّ وجود مجلس المرأة في الحزب كان خطوة أساسية لتحقيق تمكين سياسي حقيقي للمرأة في مرحلة بناء مجتمع ديمقراطي متكامل. عمل مجلس المرأة خلال هذه السنة على تعزيز الوعي السياسي والفكري للنساء من خلال الدورات التدريبية، والندوات التي تهدف إلى تمكينهن من الإدارة الناجحة واتخاذ القرارات. كما تم العمل على تنظيم مبادرات لمكافحة العنف ضد المرأة، وتعزيز الوعي حول الحرب الخاصة التي تستهدف القياديات النسائية. تلك الحروب التي تستهدف جهود النساء في المنطقة، وهو ما استدعى تطوير استراتيجيات لمواجهتها وضمان قدرة المرأة على الصمود في وجه هذه التحديات.
علاوة على ذلك، كان لمجلس المرأة دور في تعزيز مكانة المرأة الاجتماعية، فقد عمل المجلس على تنظيم فعاليات توعوية، ما ساعد في رفع مستوى الوعي بين النساء حول أهمية المشاركة في تمكينهن سياسياً، وأتاح لهن الفرصة. إنّ رفع المستوى الفكري كان ولا يزال أحد أهم أهداف المجلس لضمان مشاركة المرأة الفعالة في بناء المجتمع. منح المجلس أولوية للتدريب على رفع الوعي الأيديولوجي للنساء، وعزز الهيكلية التنظيمية للمجلس عبر عقد مؤتمرات نسائية في كافة المدن والمقاطعات والساحات، إلى جانب المؤتمر العام الثالث لمجلس المرأة الذي انعقد في أغسطس 2024 تحت شعار: فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية، ضمان المجتمع الأخلاقي والسياسي”، وأصدر قرارات هامة لمواكبة تحديات المرحلة القادمة بما يتطلب منا كمسؤوليات تاريخية.
إنّ التطور الذي شهدته المرأة في السياسة في شمال وشرق سوريا لم يكن محض مصادفة، بل هو نتاج حراك ثوري طويل، حيث كان يتم استبعاد المرأة لفترات طويلة في المجتمعات التي كانت تهيمن عليها الهياكل الذكورية. ومن خلال الثورة في روجآفا وشمال وشرق سوريا، استعادت المرأة مكانتها كقوة محورية في التحول الديمقراطي، وهو ما يعكس الفهم العميق لمفاهيم الحقوق والحريات التي نشأت من هذه الحركة النسائية. على الرغم من التحديات التي تواجهها المرأة في هذه المرحلة الانتقالية، بما في ذلك الهجمات المتواصلة التي تستهدف هويتها القيادية، فإنّ المرأة في شمال وشرق سوريا أظهرت صموداً استثنائياً، وأصبحت عنصراً فاعلاً في عمليات التغيير السياسي والاجتماعي. إضافة إلى مشاركتها في السياسة، ساهمت المرأة في تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية، من خلال بناء العلاقات مع منظمات نسوية، لتبادل الخبرات والدعم المشترك في مواجهة التحديات المتصاعدة. فالنساء اليوم يدونّ تاريخ نضالهن بيدهن وبهويتهن، هذا التاريخ الذي بقي مخفياً في ثنايا التاريخ.
في هذا السياق، تبرز تجربتنا في المجالس الخاصة بالنساء، مثل مجلس المرأة في PYD، وغيرها من مجالس المرأة في شمال وشرق سوريا بأنها أداة محورية في تحطيم القيود المفروضة على النساء في المجالس التقليدية، وفتح الطريق أمامهن للمشاركة الحقيقية في بناء مجتمع ديمقراطي حديث. إنّ وجود هذا المجلس كان تحدياً للأيديولوجيات السائدة في المجتمع، ويعكس نموذجاً مختلفاً يقوم على العدالة والمساواة بين الجنسين، ويهدف إلى تحرير المرأة من قيود الأنظمة الذكورية التي تقلل من دورها في الحياة العامة.
واجهت المرأة في عام 2024 العديد من التحديات الكبيرة والمتنوعة في مناطق شمال وشرق سوريا، التي تشكلت نتيجة الهجمات التركية المستمرة. الهجوم العسكري التركي لم يكن مجرد تهديدات عسكرية وحسب، بل كان له تأثيرات سلبية عميقة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة. حيث تسببت هذه الهجمات في تهجير العديد من العائلات، وخصوصاً النساء والأطفال الذين كانوا في قلب الأزمات الإنسانية، يعانون من ظروف معيشية صعبة في المخيمات.
تأتي هذه الهجمات ضمن سياق عام من عدم الاستقرار الذي يُفاقم معاناتهن. فالمرأة في المناطق المحتلة تواجه تحديات كبيرة على مستوى الأمن الشخصي، حيث يتعرضن لعدة أشكال من العنف بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى التهديدات التي تحد من تحركاتهن وحرياتهن الأساسية. كما أن العملية التعليمية والفرص الاقتصادية التي يمكن أن تسهم في تمكين النساء تزداد صعوبة في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتدهورة.
أما على الصعيد السياسي، فقد عانت المرأة السورية بشكل عام من غياب دورها الفاعل في المشهد السياسي العام. ففي مناطق الداخل السوري ومناطق الاحتلال التركي يتم تهميش النساء بشكل ملحوظ في المفاوضات السياسية التي تخص مستقبل البلاد، مما يساهم في إعاقة التوصل إلى حل شامل للصراع السوري. هذا التهميش يعكس استمرار الهيمنة الذكورية على الرغم من انتفاضة النساء منذ بداية الثورة السورية ومطالبتها بالحرية وبضمان حقوقها.
استمرار هذه السياسات يقيد قدرتهن على المشاركة الفعالة في عملية بناء السلام والمشاركة في القرار السياسي. وبالتالي، تتمثل إحدى التحديات الكبرى في تعزيز تمثيل النساء في الأحزاب السياسية وفي المجالات المختلفة بشكل يعكس احتياجاتهن وآمالهن في بناء مجتمع ديمقراطي ومستدام.
بالنسبة لاستراتيجياتنا كـ مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي لعام 2025 تستند إلى تصعيد النضال من أجل ضمان حقوق المرأة وحريتها. مستندة إلى فلسفة نظام الأمة الديمقراطية، مع التركيز على نشر أيديولوجية حرية المرأة، وتعريف المرأة بحقوقها وواجباتها. تبرز هذه الاستراتيجية أهمية مكافحة جميع أشكال العنف والتمييز ضد النساء، بما في ذلك العنف الجنسوي والدينوي والقوموي، وتعزيز دور المرأة الريادي في السياسة الديمقراطية، ورفع مستوى وعيها. كما تسعى الاستراتيجية إلى ترسيخ الحياة التشاركية النِدِيِّة الحرة، مع التأكيد على أهمية بناء مجتمع أخلاقي وسياسي يقوم على العدالة والمساواة بين الجنسين. وبناءً على قرار مؤتمر المرأة وكأهداف مجلس المرأة لعام 2025 سنؤسس أكاديمية خاصة بالمرأة، واستراتيجيتها الأساسية ستكون تطوير المستوى الفكري والتنظيمي والسياسي، وزيادة ورش عمل ودورات تدريبية لتعزيز وعي المرأة وقدرتها على التأثير في رسم السياسات العامة.
كذلك إعداد برامج لرفع الوعي حول أساليب الحرب الخاصة التي تستهدف المرأة، وتدريب النساء على كيفية التعامل مع هذه الأساليب بشكل يحدّ من تأثيرها، بالإضافة إلى ذلك، التأكيد على ضرورة الحفاظ على مكتسبات المرأة ضمن الثورة وتعزيزها، وتوسيع نضال المرأة من أجل تحرير المناطق المحتلة وعودة المهجرين قسراً إلى ديارهم.
في سياق أوسع، تسعى الاستراتيجية إلى دعم المنظمات البيئية وتحقيق العدالة الاجتماعية، فضلاً عن العمل من أجل تأسيس سوريا ديمقراطية متعددة لا مركزية، تضمن حقوق كافة الهويات الثقافية والإثنية والاجتماعية، وفي مقدمتهم ضمان حقوق المرأة، مما يضمن بيئة تشجع على الحرية، الديمقراطية، والعدالة. هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تحقيق مزيد من التمكين للمرأة وجعلها شريكة حقيقية في بناء مجتمع ديمقراطي يعترف بحقوقها ويحترم دورها الريادي في صنع التغيير.
المرأة الحرة هي الركيزة الأساسية للحضارة الديمقراطية، ولا يمكن تحقيق النصر النهائي للمجتمع الديمقراطي إلا بوجودها. ويتطلب ذلك تجسيد أفكارها في السياسة الديمقراطية، وتصحيح السلوكيات الذكورية وتغيير أساليب التفكير التقليدية، لتصبح السياسة الديمقراطية أسلوباً ومفهوماً يُعبّر عن رؤيتها. المرأة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا النضال، وتساهم من خلال دورها في تحقيق العدالة والتنمية في المجتمعات.