المرأة الأيزيدية قوة تنظيمية حافلة لعام 2024 – هدية شمو
المرأة الأيزيدية قوة تنظيمية حافلة لعام 2024
“ أثبتت المرأة الأيزيدية عبر التاريخ أنّها قادرة على إدارة مجتمعها،
والوقوف ضد المحاولات الرامية لإنهاء وجود المجتمع الأيزيدي،
وكان لها الدور الأساسي في الحفاظ على تعاليم دينها،
كما وأنّها باتت درعاً ضد كافة المحاولات الاحتلالية الهادفة لمحو تاريخ الأيزيدين”
هدية شمو
الناطقة الرسمية لاتحاد المرأة الأيزيدية في روجآفا
هذا الكون البديع كل شيء فيه يبعث السعادة في نفس الإنسان، ويدعو للحب والتعاون والمساعدة بين الشعوب، لكن ماذا حدث لهذا العالم؟ انقلبت الموازيين وتغير كل شيء جميل إلى أزمة لا نجد لها حلاً، فقد خُلِقتْ الفوضى وظهر الصراع بين القوى الإقليمية والدولية والحداثة الرأسمالية والسلطة الحاكمة، إذاً فهدف القوى المهيمنة هو إبادة ثقافة الشعوب الأصيلة والعريقة في المنطقة.
وكأننا نعيش في غابة القوي يقضي على الضعيف، نشاهد يومياً أحداث وصراعات بين الدول التي تريد أن تحتل دولاً أخرى لتحقيق أهدافها وأطماعها، كل ما حولنا يدل على أننا نعيش الحرب العالمية الثالثة لا كأننا على أبوابها، بل وكأنّها مندلعة ومركزها الشرق الأوسط مهد الحضارات والثقافات، وكل السياسات في هذه الحرب في القرن الحادي والعشرين تهدف إلى زعزعة حالة الأمن والاستقرار التي تعيشها المنطقة.
ويُعتَبَرُ هذا القرن قرن نضال حرية المرأة، التي استطاعت أن تنظم نفسها ضمن هذه الصراعات وهذه الفوضى وخلال هذه الفترة. المفكر عبد الله أوجلان يقول في تحليلاته: ” إنّ حريّة المرأة ونضالها مهمان للغاية، وإنني أرى أننا خطونا خطوات هامة في هذا المجال، فقد حققنا أكبر انتصار في النضال والمقاومة وهو بمثابة ضربة كبيرة ضد العبودية والفساد والحداثة الرأسمالية، ولأن حرية المرأة هي حرية العالم وثورة المرأة هي ثورة الورود فستكون حرية المرأة نوراً ساطعاً للبشرية جمعاء”.
فالثورة في كردستان وثورة ميزبوتاميا هي ثورة المرأة، وهي تاريخ من إبداعات المرأة التي نشأت وتطورت في هذه المنطقة (في منطقة الهلال الخصيب) فهذا مهد ثورة المرأة، وفي خضم هذه الأحداث والتطورات والمكتسبات استطاعت المرأة الإيزيدية أيضاً أن تنظم نفسها. لذا نقول: لمعرفة حقيقة أي مجتمع لا بدّ من دراسة تاريخ يدلنا على ثقافة وعادات وتقاليد هذا المجتمع وليكون مشعلاً نهتدى به إلى أعماقه. ولأنّ المجتمع الأيزيدي قد خطا خطوات نحو الحضارة والتطور، ولأن القوى المحتلة لم تتوانى في القيام بمجازر وحملات الإبادة ضد هذا المجتمع المسالم، كان من الضروري إيجاد طريق للتنظيم للوقوف ضدها. ولأن الأيزيديّن يُعتَبَرون جزءاً أساسياً في الثقافة الكردية العريقة كانت محاولات محو وجودهم هدفاً للقوى المعادية، وخاصة للعثمانين أجداد الأتراك الحاليين فهم أكثر من قام باضطهاد الأيزيدين وقام بحملات الإبادة بحقهم. ويعود الفضل الأكبر في حماية الثقافة الأيزيدية والمجتمع الأيزيدي من الاندثار للمرأة الأيزيدية الإلهة – الأم، وسجل التاريخ أسماء لنساء مناضلات مقاومات كان لهنّ دور كبير في التاريخ الأيزيدي والوقوف أمام الظلم.
دور المرأة الأيزيدية في مجتمعها
للمرأة في الديانة الأيزيدية مكانة دينية وسياسية واجتماعية ذات قيمة كبيرة، مع بداية المجتمع الطبيعي إلى يومنا الراهن ورغم إخضاع الأيزيدين إلى تشريعات مدنية مختلفة مثل تلك التي خضعوا لها في سوريا والعراق وتركيا وأرمينيا وجوروجيا إلا أنّ المرأة الأيزيدية حافظت على عاداتها الاجتماعية والدينية وكانت مصدر قوة لمجتمعها، وخاصة أنّ المجتمع الأيزيدي يُعتَبر من المجتمعات التي حافظت على نفسها. ومن المعروف أنّ المرأة هي من كانت تقوم بإدارة المجتمع الطبيعي، وفي المجتمع الأيزيدي هناك الكثير من الأماكن المقدسة والمزارات وحتى العشائر والقبائل فهي تحمل أسماء لنساء حملن على عاتقهن الحفاظ على ديانتهن وديانة مجتمعهن. هناك نسوة ينذرن حياتهن لخدمة الديانة الأيزيدية ويمتنعن عن الزواج ويعملن لخدمة مزار لالش النوراني والمزارات الدينية وهنّ معروفات باسم” شكستيا لالش” أي من نذرت نفسها لخدمة لالش. وهناك أيضاً امرأة تلقب daye أي الأم وهي التي تشرف على أمور المزار، لذا فالنساء والرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة لالش لهم مكانة كبيرة من التقدير والاحترام. النساء الأيزيديات ذات مكانة اجتماعية مرموقة فالنساء من السلالة البيرانية والشيخانية لهنّ مكانة في المجتمع الأيزيدي ولهنّ مزارات مقدسة.
القديسة خاتونا فخرا
اشتهرت كل من ست خجيجة، وستيا آيس، لكن الأشهر على الإطلاق كانت “خاتونا فخرا” التي نذرت حياتها لخدمة مزار لالش والتي بقيت خادمة فيه حتى وفاتها، وكانت خدمتها بهدف توعية النساء الأيزيديات بأمور دينهن وثقافتهن ومنعهن من الضياع. ويقصد بمعنى اسم خاتون “المرأة الشريفة الجليلة” ذات الشأن العظيم بين قومها. لا تزال فخرا خاتون موجودة في تراتيل ودعوات النساء الأيزيديات حتى وقتنا الحاضر، وتكريماً لها ولخدمتها للمعبد المقدس لالش تصوم النساء الأيزيديات يوم الأربعاء من كل سنة، وذلك في الأربعاء الأول من شهر تشرين الثاني بالتقويم الشرقي ” الكرمانجي”، ويسمون ذلك اليوم ” بصوم خاتونا فخرا”.
ميان خاتون
ولدت ميان خاتون في قرية باعدرا التابعة لقضاء شيخان في باشور كردستان، وهي ابنة عبدي بك وزوجة علي بك التي استلمت قيادة الأيزيدين في الشرق الأوسط بعد أن نفى العثمانيون زوجها علي بك بسبب رفضه الدخول في الدين الإسلامي. وهنا استطاعت ميان خاتون إدارة الأيزيدين بعد اغتيال زوجها عام 1913، وعرفت برجاحة عقلها ودبلوماسيتها وعلاقاتها الواسعة مع مختلف شرائح المجتمع، واستطاعت أن تحمي المجتمع الأيزيدي من أطماع الدولة العثمانية والحكومة العراقية حتى توفيت سنة 1956 في باعدرة.
ويذكر عن الأميرة ميان خاتون أنّها إذ حضرت مجلساً ما نهض الجميع احتراماً لها، لم تكن تحب حمل السلاح كما أنّها كانت تهوى سماع الأغاني الكردية في مجلسها وخاصة المطارحات الغنائية، لكنّها كانت ترفض أن يمتدحها أحد بالغناء، وكانت كثيراً ما تساعد الفقراء، فكانت تأمر بشراء القماش من الموصل في أيام الغلاء لتوزيعها على الفقراء والمساكين. وهناك الكثير من النساء الأيزيديات عبر تاريخ الديانة الأيزيدية حظين بمكانة وتقدير واحترام كبير.
المرأة الأيزيدية والإبادة
كما هو معروف للجميع فقد تعرض المجتمع الأيزيدي عبر تاريخه الطويل إلى 74 فرماناً من قبل أعدائه وعلى رأسهم الدولة العثمانية التي قامت بارتكاب المجازر بحق الأيزيدين بكل وحشية. لذلك كان للمرأة الدور الكبير في الوقوف ضد هذه الفرمانات التي صدرت ضد الشعب المسالم الذي يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين وكانت آخر المجازر التي تعرض لها الأيزيديون فرمان 3/آب /2024على يد مرتزقة داعش. الفرمان جرى بكل وحشية، تعرّضت النساء للاختطاف والأطفال للقتل وتم التنكيل بهم وقاموا بدفن الرجال في مقابر جماعية في أراضي شنگال، العديد من الفتيات والنساء الأيزيديات فضلن الانتحار وإلقاء أنفسهن من أعلى جبل شنگال بدل الوقوع في أيادي المرتزقة.
بعد ذلك نظّمت المرأة الأيزيدية نفسها اجتماعياً وعسكرياً وسياسياً، وقاتلت ضد المرتزقة ابتداءً من شنگال وصولاً لعاصمة داعش المزعومة في الرقة، وانتقمن للنساء الأيزيديات بيد المقاتلات من وحدات المرأة الشنگالية – YJŞ. ولقد أعاد التاريخ نفسه يوم احتلال عفرين أيضاً على يد الدولة التركية ومرتزقتها، فكان نصيب المرأة الأيزيدية التهجير من أرضها والعيش في مخيمات المقاومة حتى العودة لعفرين.
ومن هنا كان لا بدّ من تنظيم المرأة لنفسها لكي يكون ذلك رداً قوياً على الهجمات ضدها. وتمّ عقد الكونفراس التأسيسي الأول لاتحاد المرأة الأيزيدية في روجآفا تحت شعار “بفكر الأمة الديمقراطية ستنتصر المرأة في روجآفا”. وشارك فيه نساء من حلب والشهباء والجزيرة وألمانيا وكان ذلك بتاريخ 29/ آب/ 2021، حيث كان الكونفراس خطوة لحماية المرأة من الإبادة والوقوف في وجه الفرمانات. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن نعمل على حماية المرأة الأيزيدية كي تستطيع تنظيم نفسها على أساس فكر وفلسفة الأمة الديمقراطية النابع من فلسفة المفكر عبد الله أوجلان.
وفي الكونفراس الثاني الذي عقد في مدينة حلب بتاريخ 1 / كانون الأول/ 2023 تحت شعار: ” بنضال ومقاومة المرأة الأيزيدية سوف ننتصر” شاركت فيه ممثلات من حلب وعفرين والشهباء وغابت ممثلات الجزيرة بسبب إغلاق الطريق الواصل إلى مدينة حلب من قبل النظام البعثي سابقاً. أيضاً لنا اجتماعات مع التنظيمات النسائية الأيزيدية في أماكن تواجدها في شنگال وأرمينيا وأوروبا، ويتم النقاش حول وضع المرأة الأيزيدية من جميع النواحي ويتم تنظيم المرأة لحماية نفسها والسير على درب النضال لحماية المجتمع الأيزيدي.
خلال عام 2024 كان لنا زيارات إلى مناطق حلب – الشهباء لعقد الاجتماعات مع النساء اللواتي يعشنَ في المخيمات وسط الظروف الصعبة. حيث تقوم النساء هناك بفتح دورات تدريبية حول أهمية تنظيم المرأة لنفسها، وإعطاء دروس دينية للأطفال لحمايتهم وحماية عاداتهم وتقاليدهم الدينية من الاندثار. أيضاً حصلت المرأة الأيزيدية على فرصة كبيرة للتطور في العمل السياسي. وأصبحت المرأة صاحبة القرار في مكان عملها كما أخدت المرأة الأيزيدية في بعض مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية صفّ الرئاسة المشتركة. أي أنّ المرأة الأيزيدية خطت خطوات تاريخية فقد قامت بتأسيس مراكز خاصة بالنساء واتحاد خاص بهن. وقبل تأسيس اتحاد المرأة الإيزيدية في روجآفا كان هناك اتحاد المرأة الأيزيدية في عفرين قبل احتلالها من قبل الدولة التركية الفاشية. وكان هناك بيوت للأيزيديين في مناطق حلب والجزيرة كان الهدف منها زيادة التنظيم وتوعية المرأة وتطويرها في كافة النواحي وإيصال صوتها إلى كافة أنحاء العالم، وخاصة بعد ما تعرّضت له المرأة الأيزيدية من فرمانات وحملات إبادة بهدف محو الوجود الأيزيدي في شخصية المرأة الأيزيدية.
لذا يمكننا القول: بأنّ المرأة الأيزيدية أثبتت عبر التاريخ أنّها قادرة على إدارة مجتمعها والوقوف ضد المحاولات الرامية لإنهاء وجود المجتمع الأيزيدي، وكان لها الدور الأساسي في الحفاظ على تعاليم دينها، وباتت درعاً ضد كافة المحاولات الاحتلالية الهادفة لمحو تاريخ الأيزيدين.