الفن هو مرآة الواقع – الفنانة التشكيلية سوزان سراج العباس

الفن هو مرآة الواقع

“لكلٍّ منا هدفه، ولأنني أعشقُ وأحبُّ الحياة،

 اخترتُ هدفاً لوَّنتُ لأجله حلمي

 بالأمل والفرح والحب والإنسانية،

 فالرسم لغةُ الفنان البصريّة،

 وهي نتاجٌ لما بداخله من مشاعر”

الفنانة التشكيلية: سوزان سراج العباس

أنا سوزان سراج العباس من قرية أبو حجيرة التابعة لمدينة تربسبيه في شمال وشرق سوريا، ولدت عام 1988م، كبرتُ وترعرعت في هذه المدينة، المدينة الصغيرة التي تحتضن كافة المكونات التي تتعامل فيما بينها على أسس قوية من الارتباط والتفاعل كالعائلة الواحدة، تسودها المحبة والألفة والتفاهم، قضيت أوقات جميلة في مدينتي التي لطالما رأيتها من أجمل المدن، هي وجهة نظري بها والتي تعكس حبي لها وتعلّقي الشديد بها.

كان لعائلتي الدور الكبير في تطوير شخصيتي وموهبتي، لأنّها كانت تحتفظ وتهتم بالتراث الكردي وجمع الأثاث التراثي، فعند زيارتي لمنزل جدي كنت أتأمل تلك التحف والمقتنيات القديمة من النحاسيات، وجهاز الراديو القديم، والسجاد المطرز، وكنت أسأل نفسي كيف صُنِعَت هذه الأشياء الجميلة والتحف الفنية، كم هي مبدعة وبارعة تلك الأيادي التي طَرّزت هذه القطعة بهذا الجمال، كنت أنبهر من انسجام الألوان بهذه الدقة، ومن التفاصيل الخيالية التي كنت أجدها في كل قطعة. بعد ذلك بدأت أجمع الأوراق والحجارة لأرسم عليها رسومات مختلفة وألونها بألوان زاهية ثم أقوم بتعليقها على جدران غرفتي.

كان درس الرسم في المرحلة الابتدائية والإعدادية هو الدرس المفضّل بالنسبة لي، وكان جميع المعلمين والمعلمات داخل المدرسة يشجعونني نظراً لموهبتي الكبيرة التي شاهدوها في رسوماتي المميزة، ثم انضممت إلى روّاد الرسم وتعلمت هناك أكثر، وطوّرت موهبتي حتى أصبحت أشارك في العديد من الفعاليات الفنية على مستوى مدينة قامشلو.  بعد تخرّجي من معهد إعداد المدرسين في مدينة الحسكة قسم الرسم عام 2010، كانت أول لوحة رسمتها عن المرأة التي تبحث عن ذاتها الضائعة، ثم قمت بالتركيز عبر لوحاتي على إبراز ملامح المرأة الكردية، ولباسها التقليدي المفعم بالألوان والحياة، بالإضافة إلى أنني تطرّقت أيضاً في رسوماتي إلى المرأة المقاتلة بروحها الصامدة، أيضاً كان لجمال الطبيعة الكردستانية نصيب من لوحاتي. كنت ولا زلت أحاول تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه النساء في التعريف عن ثقافتهن وهويتهن، وأسعى أيضاً من خلال لوحاتي إلى تجسيد صورة المرأة بزيّها التقليدي الذي يرمز إلى الأصالة والثقافة مع إضفاء لمسة عصريّة.

مع انطلاقة ثورة التاسع عشر من تموز عام 2012، شهدت المنطقة تطوراً شاملاً على المستويات كافة، حيث كان الحراك الثقافي الفني جزءاً لا يتجزأ من هذه الثورة، إذ تبنت مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا أحد أبرز الفنون، وهو الفن التشكيلي بمعارضه المتعددة، ولوحاته التي تخلد التاريخ، وترسم الحدث بريشة الفنان. شاركتُ بعدّة معارض على مستوى شمال وشرق سورية، منها معرض الشهيد هركول الذي ينظم سنوياً من قبل هيئة الثقافة بهدف تعزيز الوعي الثقافي والأدبي بين أبناء المجتمع. كما قُمت بفتح أول معرض لي في مدينة تربسبيه عام 2015م.

الرسم بمثابة الحياة الهادئة البسيطة لِهُواتِه والذين يقضون معظم أوقاتهم في ممارسة تلك الهواية، فهو إبداع وفن روحي يُخرج ما بداخل النفس الإنسانية من مشاعر مكبوتة، هو ذلك الفن الذي يُعبّر الفنان به عن ذاته ومشاعره وأفكاره. فيشعر الفنان بأنّه في عالم آخر، عالم روحي بعيدٌ عن هذا العالم المادي، ويقوم بإسقاط أفكاره وما يجول في خاطره وصبّها في إطار خشبي لتتحول إلى لوحة فنية تُبهر الآخرين. من وجه نظري الفن هو مرآة الواقع، فباستطاعتنا تحويل كل ما حولنا من حزن وفرح إلى لوحات فنية تلامس الروح الإنسانية، هذا الفن الراقي يُشعرني بحرية تامّة بعيدة عن القيود. لم أشعر يوماً بأنّ أفكاري الفنية حبيسة أو مقيّدة، فهي لوحات لها آفاق حرّة، وأفكار لا نهاية لها تعكس ثقافة مجتمعي الغني، والرسم لغة الفنان البصرية وهي نتاج لما بداخله من مشاعر.

الفن التشكيلي استطاع أن يؤكد أهميته وعلاقته بالتاريخ والموروث الإنساني القديم، وذلك من خلال خيال الفنان الرسام الذي اهتم وقدّم الأعمال الفنية التي تحدّثت عن حقب وأزمنة متفاوتة عبر لوحات تشكيلية، وبالتعمّق فيها يستطيع المرء قراءتها من خلال تصّور بصري مدهش يعتمد على توزيع ونقش اللوحة بحِرفيّة وجمالية، فهو بكل اتجاهاته وفروعه له طعم خاص في الحياة، كما أنّ له نظرته إلى القضايا وكيفية معالجتها، فهو فنٌّ يخاطب الوجدان عن طريق حاسة البصر، ليؤثر ويستولي على معالم الأرواح، ويجعلنا نتعاطف ونتباعد مع شخصياته من خلال الخطوط والألوان. الصورة تلعب دوراً هائلاً في حياة الإنسان، سواء كان ذلك من الناحية النفسية أو العاطفية، فالصورة لغة لا تقل قيمة عن لغة الموسيقي وبقية الفنون.

سأُكمِل مسيرتي في الرسم لأوصل رسالتي عن جمال الطبيعة والمرأة الكردية والحياة للعالم أجمع، فأنا لا أستطيع أن أرى المرأة إلا إنسانة قوية عظيمة وواثقة بذاتها، فهي كل الدفء والأمان. كيف لا وهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة والصديقة والكادحة والنور والمقاتلة وهي التي تبعث السلام والراحة. المرأة والحرية متلازمتان فلا يمكن لمجتمع أن يكون حراً وتسوده المساواة إلا بتمتع المرأة بحقوقها وحريتها، فهي ليست فقط نصف المجتمع بل هي أساس المجتمع لأنّها من تربي النصف الآخر أيضاً. أتمنى الاهتمام أكثر بالفن التشكيلي، من خلال دعم الفنانين والفنانات الذين يستطيعون تحويل الوطن إلى لوحة كبيرة من خلال ريشتهم وألوانهم.