القيادية في وحدات حماية المرأة زنارين قامشلو لـ آفاق المرأة – إعداد: نرجس إسماعيل
القيادية في وحدات حماية المرأة زنارين قامشلو لـ آفاق المرأة
“الثّقافة هي الجذور الأساسيّة في جميع المجتمعات،
تحتضنُ طيفاً واسعاً يمتدّ من المعالم التاريخية
والمتاحف إلى أشكال الفن المعاصر،
وتتركُ بصمتها في حياتنا بطُرُقٍ لا حصرَ لها،
وتساعدنا في تشييد مجتمعات شاملة مبدعة وقادرة على التأقلم“
إعداد: نرجس إسماعيل
1 – بعد الترحيب، كيف يمكنكم تعريف الثقافة؟ ما هي ثقافة المرأة وكيف تستطيعون تقييم ذلك؟
- الثقافة ليست ثقافة بيولوجية تورّث من الأجداد، ولا ميزة تُكتَسب بشكل طبيعي، إنّها موروث اجتماعي، حيث يتعلم الأفراد السلوكيات السائدة في المجتمع من خلال التفاعل والتواصل الاجتماعي مع الآخرين. تنشأ الثقافة كنتاج للمجتمع ولا تظهر بشكل فردي، فالمهم جداً وجود مجتمع متكامل، حتى يتمكن كل فردٍ من أن يُشكّل ويطوّر ثقافته، من خلال التفاعل والتواصل الاجتماعي مع الآخرين داخل المجتمع.
تحتوي كل ثقافة على مجموعة من القيم والمعتقدات الخاصة بها، فيمكن لأتباع تلك الثقافة أن يطوروا قيمهم الشخصية والأخلاقية من خلال تطبيق هذه القيم في حياتهم اليومية، مما يساهم في بناء مجتمع أفضل وأكثر انسجاماً. التقاليد الثقافية في كل ثقافة تهدف إلى نشر روح التعاون والسلام بين سكان العالم، وتقوم بتعليم الأفراد كيفية التعايش مع الثقافات المتنوعة واحترام الاختلافات، وهذا يساهم في تحقيق السلام والأمن العالمي في جميع المجتمعات المأهولة بالسكان.
الثقافة هي جذور أساسية في جميع المجتمعات، ولا يمكن للمرء أن يصهرها. تحتضن الثقافة طيفاً واسعاً يمتد من المعالم التاريخية والمتاحف إلى الممارسات التراثية الحيّة وأشكال الفن المعاصر، وتترك بصمتها في حياتنا بطرق لا حصر لها، وتساعدنا في تشييد مجتمعات شاملة مبدعة وقادرة على التأقلم. أساس الثقافة موجود في التصرفات البيولوجية المتطوّرة، وهي عملية تنمية للنواحي الفكرية والروحية والجمالية، وطريقة معينة في حياة الشعوب، كما أنّها تشمل جميع الأعمال والمميزات الخاصة بالنشاط الفكري والفني. ارتبطت هذه الممارسات بأنماط الحياة البدوية، لذلك فإنّ كلمة ثقافة اتسمت بكل ما تعنيه كلمة حضارة، وهذا يعني أنّ أهمية الثقافة والفن تكمن في بناء شخصية الفرد في المجتمع، وتنمّي وتقوّي قدراته الشخصيّة، مما يزيد من معدلات قدراته الاجتماعية في التفاهم والتكيّف مع مختلف الحضارات، ودعم الجوانب المعرفية والعاطفية والإنسانية التي تزيد من قيمة الفرد المجتمعية وفقاً لمرتكزات الرؤية.
تُعتَبر المرأة المتعلّمة صاحبة الطموح السياسي امرأة مثقفة، فكما تتفوق المرأة المبدعة في مختلف المجالات التي تتواجد بها كالآداب، العلوم، الفنون والسياسة، فإنّ المرأة المثقفة تستطيع القيام بدورها الاجتماعي والحضاري على أكمل وجه، فمسؤوليتها لا تنتهي بإتمام شؤون بيتها، بل تسعى إلى بناء مجتمعها والحفاظ على أمنه واستقراره. قد تميل المرأة إلى المناقشات الجماعية في المواضيع التي لا تمتلك معلومات حولها، لذا يكون عليها في هذه الحالة الاستماع لما يتم مناقشته وتقديم الأسئلة، فذلك يساهم في زيادة ثقافتها. يحتاج المجتمع في الوقت الحالي لامرأة مثقفة وملمّة بمعظم نواحي الحياة، ذلك لكي تتمكّن من مجابهة ما يواجهها من تحديات ومصاعب في هذه الحياة التي أصبحت معقدة، خلافاً للحياة السّابقة التي كانت تمتاز بالبساطة.
أصبحت المرأة في الوقت الحالي متساوية مع الرجل، فتعمل في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها، ولا تكتفي بتعلّم القراءة والكتابة أو المكوث في المنزل لتربية أطفالها، لذلك فإنّ ثقافة المرأة تزيدها قوة ووعي. تميّزت المرأة بدورها الفعّال في شتى المجالات عبر العصور القديمة والحديثة، فكانت الملكة والمحاربة والطبيبة والشاعرة والفقيهة والفنانة. برزت منذ الأزل بقدراتها على صنع القرار في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، ولا يمكن إنكار دور المرأة ومساهمتها الفاعلة في انتقال المجتمعات من الأُميّة إلى تعلّم القراءة والكتابة.
على المستوى المحلي والعالمي نجحت المرأة في المشاركة بالحياة السياسية والقيادة النسائية، وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة لتقييد تمثيلها السياسي، سواءً في الوظائف المنتخبة أو القطاع الخاص أو الخدمة المدنية أو الأوساط الأكاديمية، إلا أنّ المرأة استطاعت أن تثبت قدرتها القوية والفعّالة كقائدة من خلال عوامل التغيير المختلفة، فطالبت بحقها في المشاركة بالحكم الديمقراطي مع الرجل، كما أنّها أثبتت دور المرأة سياسياً في المؤسسات التمييزية التي تحدّ من المناصب التي يمكن أنّ تترشح لها المرأة.
دور المرأة في التنمية المجتمعية مهم جداً، وذلك لأنّها تساهم في اتخاذ العديد من القرارات الهادفة لمشاركتها في بناء المجتمع. في جميع مناطق العالم المتحضرة والمتطورة، لعبت المرأة دوراً أساسياً ورئيسياً في مناهضة العنف ضد المرأة وإنهاء التمييز بين الجنسين، أمّا تاريخياً فقد كان يُنظَر للمرأة كـ آلهة ذات حاكمية في واقعها المعاش آنذاك، إبّان العصر النيولوتي وفجر انبثاقه، لذا جسّدت صور الآلهة في الفلسفات الروحية المختلفة في ميزوبوتاميا، كالآلهة “إنانا، أرديسورا أناهيتا، عشتار“.
يوجد العديد من التعريفات التي توضّح مفهوم المرأة المثقفة، ويعتمد ذلك على المعيار الذي يتمّ التعريف به، إذ يُمكن تعريف المرأة المثقفة وفقاً لمعيار تعليمي، أو اجتماعي، أو وظيفي، أو سياسي، فقد تُعتبر المرأة المتعلمة صاحبة الطموح السياسيّ امرأةً مثقفة، وكذلك المرأة المبدعة في مختلف المجالات كالآداب، والعلوم، والفنون. كما تُعتبر المرأة مثقفةً إذا كان لديها نظرة نقدية نحو المجتمع، والبعض قد يعتبر أيّ امرأة حاصلة على شهادة جامعية عليا أنّها مثقفة. يُمكن تعريف المرأة المثقفة على أنّها المرأة المتخصّصة بالأمور الثقافية، والتي تتعامل مع الأفكار بشكلٍ مجرّد من خلال فصلها عن الاعتبارات الاجتماعية، كما يُطلق لقب مثقفة على المرأة المُفكّرة التي تُناقش مختلف الأفكار ذات المجالات المختلفة.
2 – ما هو الدور الذي تستطيع أن تلعبه المرأة المثقفة في المجتمع؟
- تلتزم المرأة المثقفة بدورها الريادي الذي يجعل منها ركيزة أساسية في بناء المجتمع، والطابع الاجتماعي والثقافي للمحيط الذي تعيش فيه، فالمرأة الذكية لها قيمتها وكرامتها بين الجميع، والاعتراف بذكاء المرأة أمر لا بدّ منه. لا يمكن لحضارة أنّ ترتقي دون الدور الريادي للمرأة، كونها نصف المجتمع ومربية للنصف الآخر، ولا يمكن لهذا الدور أن يكون رائداً دون توفّر الوعي الفردي والجماعي، وانتشار واقع ثقافي راقي يشكّل الأرضية الأساسية وفق حالة مجتمعية سامية ومديدة.
المرأة المثقفة هي التي تَعي تماماً معنى ثقافتها، فتوظفها بشكل إيجابي في المجال المناسب، ولا بدّ أن تكون ثقافتها مرتبطة بدرجة عالية من الوعي حيث يتقبلها المجتمع ويحميها. لعبت المرأة دوراً محوريّاً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، فأسست من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي لجميع المجتمعات التي تتواجد فيها، من أجل تنمية المجتمع وتطوره.
إنّ تفعيل دور المرأة من جديد جاء مصححاً ومصلحاً لواقع بائس، حيث كانت تعاني فيه من الظلم، فأصبحت ردّة فعلها ثورة مفعمة ومثمرة، وفي يومنا الراهن وصلت المرأة إلى مستويات عالية من المساواة، وأخذت جميع حقوقها التي كانت مسلوبة وعرفت معنى الانفتاح والحرية.
الدور الريادي الذي وصلت له المرأة بعزيمتها وإرادتها الحرة، يتطلب الكثير من الوعي للحفاظ على الإنجازات والنجاحات التي حققتها عبر مسيرتها النضالية، كما أنّه يجب عليها عدم التخلّي عن صورتها الجميلة التي وهبتها إياها الطبيعة. المرأة أثبتت ذاتها بقدراتها الفكرية القوية في جميع المجتمعات، وحققت الكثير من الإنجازات، واتخذت مكانتها في جميع الأماكن التي تتواجد فيها، وجسّدت طابعاً سلوكياً خاصاً بها، وبأنماط متشابهة ومتقاربة في الوعي المعرفي للمجتمعات. إنَّ الوعي المجتمعي عنصرٌ أساسيٌ لتفهم الواقع واحتياجات الآخرين، ويتضمّن فهماً عميقاً للقضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية التي تؤثر على حياتنا، وكانت المرأة الداعمة الرئيسية للوعي، وساعية لتحقيق وجوده.
3 – لو تحدثيننا قليلاً عن الدور الذي لعبته المرأة من الناحية الثقافية في كافة الجوانب ” اللغة، الأدب، الفن” في ثورة شمال وشرق سوريا؟
- تُعتبر المرأة قوة محركة تُسهم في بناء مجتمع تتقدم فيه قيم العدالة والتعاون، وتتعزز فيه القيم الاجتماعية الرفيعة، ذلك من خلال تأثيرها الإيجابي والفعّال في تقدّم الثورة، حيث شاركت بنشاط ٍفي كل جانب من جوانب المجتمع في ثورة شمال وشرق سوريا، واتخذت خطوات مهمّة في النضال من أجل المساواة بين الجنسين والحرية.
في ثورة روج آفا أخذت المرأة مكانها في الساحة الثقافية والسياسية وكافة المجالات الأخرى، وحصلت على الحق في حرية الرأي والتغيير، وفي الوقت ذاته لعبت دوراً نشطاً في المجال الاقتصادي وقامت ببناء مشاريع خاصة بها، كما أنّها لازالت تسعى بكامل طاقتها من أجل الوصول إلى التحرر وبناء كيان خاص بها، ولم تستسلم رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بها والعراقيل التي اعترضت طريقها، ووضعت فكر الفيلسوف عبد الله أوجلان صوب عينيها وناضلت على كل الأصعدة لتحقيق أهدافها المنشودة.
تعرّضت المرأة قبل الثورة للكثير من الصعوبات والتحديات، ومورست عليها الضغوطات التي أجبرتها على الخروج من جوهرها الأساسي والابتعاد عن طموحاتها، لكن بانطلاقة شرارة الثورة استطاعت المرأة أن تعود إلى أصالتها، وكل هذا بفضل المفكر عبد الله أوجلان. المرأة في شمال وشرق سوريا لعبت دوراً كبيراً في الثقافة والفن، حيث أصبحت كاتبة ورسامة، وسَعَت من خلال لوحاتها وكتاباتها إلى إيصال رسالة تحمل في طياتها قيم ومبادئ للمجتمع، ومن خلال الفنون حاولت التعبير عن المرأة الحرّة التي كانت ولازالت رمزاً للثقافة والفن، كما أثبتت المرأة أيضاً دورها الأساسي في الفنون التشكيلية، بالإضافة إلى أنّها بلغت دوراً هاماً ومكاناً مرموقاً في الأدب منذ نشأته، لتسطر بأحرف من ذهب اسمها في صفحات التاريخ.
4 – أهم المؤسسات والمراكز واللجان والهيئات التي تم افتتاحها والدّور الذي لعبته حتى الآن؟
- من المعروف بأنّ المرأة لعبت دوراً هاماً في جميع المجالات والمراكز والمؤسسات والهيئات واللجان التي كانت تتواجد فيها، فالمرأة في شمال وشرق سوريا تسعى دائماً إلى تطوير مكتسبات الثورة.
إنّ فلسفة “المرأة الحياة الحرية” ساهمت في تعريف النساء بهويتهن ووحّدت صفوفهن. من بين هذه المؤسسات مركز جنولوجيا (علم المرأة)، وهو علم ٌ لتعريف المرأة بشخصيتها وتاريخها، وحلّ ومعالجة قضايا المرأة بكافة أنواعها، وخطوة مهمّة لتطوير المجتمع من الذهنية الذكورية وتحريره فكريّاً، ويجب على المرأة نشر هذا العلم بين أفراد المجتمع. كما توجد الكثير من اللجان والمراكز والهيئات منها (الإدارة الذاتية الديمقراطية، هيئة الصحة، هيئة التربية والتعليم، تجمع نساء زنوبيا، ومراكز الأبحاث العلمية والمراكز الثقافية) والعديد من الهيئات والمراكز واللجان الأخرى.
كما تم تأسيس مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة، المختص بتقديم الدعم والمساندة القانونية للمرأة، وتزويدها بالمهارات والقدرات التي تُمكّنها من ممارسة حياتها والتغلّب على مشاكلها. بالإضافة إلى تواجد العديد من الحركات النسويّة منها (الاتحاد النسائي الكردي في سوريا، اتحاد نساء كردستان، شبكة المرأة السورية، شبكة المرأة الديمقراطية)، والتي تحقق الكثير من الإنجازات على القوة الديناميكية الأساسية في المجتمع، وهي المرأة والشبيبة.
ما ميّز ثورة شمال وشرق سوريا عن باقي الثورات، هو قيام المرأة بعدّة ثورات على نهج الأمة الديمقراطية ضمن ثورة واحدة، وعبر تنظيمها الخاص الذي يستند إلى فلسفة المفكر عبد الله أوجلان وأيديولوجية تحرير المرأة، بالإضافة إلى أنّها استندت على الإرادة الحرّة التي تمثل المرأة وتحررها من كافة القيود التي كبّلتها لآلاف السنين.
لعبت المرأة أدواراً هامة في تهيئة هذه المراكز وإدارتها وتطويرها حتى وصلت للمستوى المرموق، لتصبح بذلك الركيزة الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع، من خلال التطوير وإنشاء مجتمع متماسك خالٍ من الفوضى والدمار. تُعدّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية مشاركةً ذات وجهين، فالوجه الأول يكمن في الترشّح للانتخابات حيث تقرر خوض معترك الحياة السياسية بنفسها، والعمل في الداخل السياسي، أمّا الوجه الثاني فيتمثّل في الانتخابات حيث تقرّر أن يكون لها صوت، ودور لجميع النساء الأخريات لأنّه يحقّ لكل امرأة تحديد من يمثلها، حتى تدافع عن حقوقها وتعبّر عن مشكلاتها واهتماماتها.
أصبحت المرأة الركيزة الأساسية في المؤسسات العسكرية، حيث ضحّت الكثير من النساء المناضلات بحياتهنّ في سبيل أخوة الشعوب والتعايش المشترك. في الآونة الأخيرة نرى بأنّ المرأة تلعب دورها بدقة وقوة عالية في المجال العسكري، حيث أصبحت ريادية تقود الوحدات النسائية، لحماية جميع النساء اللواتي فُرضت عليهنّ العادات والتقاليد البالية، وتخليصهن من الذهنية الذكورية الأبوية.
النساء اللواتي اعتمدن على ذاتهن اقتصادياً هن أكثر استقلالية، فالسياسيات يواجهن تحديات جمّة لكنهنّ قوياتٌ ومؤثراتٌ ولا ينكسرنَ أمام الرياح العاتية، ويكمن القرار بيَدِهنّ، بالتالي هنّ متحررات بقدر استقلاليتهن، لكن إن نظرنا إلى القوانين السماوية سنرى أنّ هناك أمور مشتركة بين المبادئ التي تؤمن بها والأديان والفلسفة أيضاً. لذا نقول إن الإنسان له الحق في نيل حريته من خلال ممارسة حقوقه المشروعة، والمرأة هي صاحبة تلك الحقوق. الحرية والوعي مرتبطان ببعضهما البعض لأبعد الحدود، لذلك فإنّه بقدر الوعي المعرفي للذات وممارسته تقاس نسبة الأبحاث وحماية حقوق المرأة.
5 – الفارق الذي تٌشكّله ثقافة المرأة في المجتمع اليوم في مناطق شمال وشرق سوريا؟
- بالطبع الفارق كبير جداً، لدى العودة إلى تاريخ ما قبل انطلاق ثورة المرأة في شمال وشرق وسوريا وما بعدها، سنجد أنّ الثقافة هي من أهم أساسيات الثورة، فقد تخطّت المرأة الصورة النمطيّة، واستعادت بفضل تضحياتها الجمّة مكانتها المرموقة، ودورها البارز في ثقافات الشعوب المختلفة في سوريا. لم تتعثّر المرأة بالواقع الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فلعبت دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، وحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات مرهون بشكل كبير بواقع المرأة، وتمكينها من القيام بدورها في المجتمع، لأنّ المرأة نصف المجتمع من حيث التكوين، وكل المجتمع من حيث التأثير في النشأة والتكوين، فهي الأم والأخت والجدّة والمعلمة والمربية والعاملة. منحُ المرأة كافة حقوقها جعلها تنخرط في شؤون البناء والتنمية على نحو فعال وحيوي، ما عكس صورة إيجابية على كافة الأصعدة سواءً في الأمور التربوية أو الاقتصادية أو الصحية.
أصبحت المرأة في أغلب الدول تشكّل قوة ديناميكية داعمة للتطوّر والتحوّل في المجتمع، لذلك يجب التأكيد على أهمية تمكين المرأة، لتكون قادرة على القيام بدورها بشكل أكثر فاعلية. المقصود بالتمكين هو العملية التي تُشير إلى امتلاك المرأة للموارد وقدرتها على الاستفادة منها وإدارتها، بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات للارتقاء بالفرد والمجتمع. كما لعبت المرأة دوراً مهماً في تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية، وحل قضايا الأسرة والمجتمع وحل مشاكلها بشكل عادل، ذلك استناداً على المبادئ الأخلاقية في العدالة والمساواة لبناء عائلة ديمقراطية وفق الحياة التشاركية.
كان قانون الأسرة من الإنجازات التي حققتها “ثورة المرأة” في الأمة الديمقراطية، والذي كان جواباً ضد مفهوم التمييز الجنسي الذي يُعتبر من رواسب النظام السلطوي الذكوري، وتحقيقاً لمبدأ المساواة وحماية المرأة من الاعتداءات، والحفاظ على حياتها من حالات القتل والعنف الممارس ضدها. شكّل تضامن النساء من جميع المكونات من كرديات وعربيات وأيزيديات وسريانيات وآشوريات وكلدانيات وأرمنيات وتركمانيات وشركسيات قوّة التغيير في الحالة الموجودة في المجتمع إلى حدٍّ ما، مما أثّر على العالم أجمع، فحققت المرأة إنجازات كبيرة أبهرت العالم بها.
ثورة المرأة فتحت أمام النساء آفاقاً كبيرة لتكوين شخصيتهنّ المهمّشة في ظل النظام الأبوي السلطوي، كما أنارت لهنّ الطريق لمعرفة تاريخهن الذي لم يدوّن، ومعرفة جوهرهن الذي كان منحصراً ضمن نظام بعيد عن حقيقتهن التاريخية، والعودة إلى طبيعتهن المجتمعية المستندة على نهج الأمة الديمقراطية.
6 – كيف يمكن أن تتغلب ثقافة المرأة المجتمعية على ثقافة الحداثة الرأسمالية التي لها تداعيات كبيرة على المجتمع وخاصة المرأة؟
- إنّ الأيديولوجية التي يبلغ عمرها آلاف السنين، والمستعدّة للتضحية بثقافة الشعوب مقابل منفعة يومية صغيرة، خلقت أرضية قوية لاستغلال المرأة في شتى مجالات الحياة، حيث أنّ الصورة الأكثر وضوحاً للمرأة في ظل نظام الحداثة الرأسمالية، هي ساحة الإعلانات التي تُعرَض على شاشات القنوات التلفزيونية، والتي جعلت المرأة سلعةً تُباع وتُشترى، ولكلِّ جزءٍ من جسدها سعر خاص به.
بذلك أصبحت عبودية المرأة قوةً رئيسية تضخ روح الحياة الحداثية وفق منظور الرأسمالية، ولأنّ النظام الرأسمالي قائم على فلسفة الاستهلاك والاستغلال، استغل المرأة بالدرجة الأولى كونها بالنسبة له السلعة التي لا يمكن الاستغناء عنها. النظامُ الرأسمالي المهيمن نشأ وترسّخ من خلال النهش في ثقافة الشّرق الأوسط العريقة، وصِيغ له تعريف على أنّه نظام اقتصادي يقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وخلق السلع والخدمات من أجل الربح.
تكمن المهمة الأساسية والتاريخية للمرأة بذاتها، في نشر المعنى الحقيقي لفلسفة “المرأة – الحياة – الحرية”. تبدأ الحياة مع المرأة المتحررة فكرياً وسيكولوجياً وعلمياً، فالمرأة هي المجتمع، وبدون المرأة المتحررة فكرياً لا معنى للحياة الحقيقية، ولا وجود للحرية المجتمعية، فالدور الأول والأخير يتطلّب من المرأة بذاتها لأنّها الحياة والحرية ومنبع المجتمعية الصحيحة.
فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية“ تكمن في جوهر تلك المرأة المتحررة من مقصلة الحداثة الرأسمالية، فالدفاع الذاتي حق للمرأة وواجب عليها، ولها الحق في تنظيم نفسها ضمن تشكيلاته، كما لها دور مهم في ترسيخ مفهوم الأمة الديمقراطية، وذلك من خلال الانخراط في هذه المنظومة من جميع المكونات والقوميات والإثنيات الموجودة داخل الأمة الديمقراطية.
تطوير الفكر التحرري للمرأة ضد الصورة النمطية التي رسمها النظام السلطوي الذكوري ونظام الحداثة الرأسمالية، لا يتطلب حمل السلاح، إنّما يتطلب التعبئة الفكرية من أجل الحماية ضد كافة أشكال الحرب الخاصة على المرأة، فالقوى الرأسمالية تستهدف المرأة المثقفة التي تسعى للحصول على حقوقها وحريتها. ثورة شمال وشرق سوريا عُرفت بثورة المرأة، لأنّ النساء لعبنَ دوراً محورياً بارزاً في كافة المجالات التي تواجدن بها على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي، وتولّين مناصب الرئاسة المشتركة في مراكز صنع القرار.
7 ـ ما هي مخططاتكم المستقبلية للنهوض بالواقع الثقافي في المنطقة؟
- برنامج المشاركة السياسيّة للمرأة ملتزم بإعادة تشكيل السّرد والواقع لمشاركة النساء السياسية في المنطقة. في قلب هذه المبادرة يكمن الاعتقاد بأنّ مشاركة النساء السياسية ليست مجرد جانب من جوانب المساواة بين الجنسين، بل هي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطيات القوية والمستدامة، وقوة حيوية في تشكيل السياسات العامة والحكم ونسيج الحياة السياسية ذاته.
نهجُنا شامل ومتكامل، حيث نعترف بأنّ مشاركة النساء السياسية متشابكة مع السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع، لذلك نسعى لرفع أدوار النساء إلى ما وراء الحدود التقليدية، وضمان أن تكون أصواتهن ليس فقط مسموعة بل مؤثرة في عمليات اتخاذ القرار، وهذا يشمل دعم إدماج النساء في عمليات الحرية والسلام. السلام والاستقرار السياسي مرتبطان جوهرياً بالمساواة بين الجنسين، برنامجنا قائم على التعاون مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، والأكاديميين، والنشطاء، والشبكات، من خلال تسيير الحوار وتقديم الموارد، والدعوة إلى تغييرات سياسية، كما نعمل على خلق بيئات يمكن فيها للنساء المشاركة بشكل فعّال في العمليات السياسية، وجميع المؤسسات الأخرى.
تتمتع النساء بفرص متساوية للمساهمة والتأثير في التغيير، مما يؤسس أطر ما بعد النزاع. المساواة بين الجنسين تشكل مستقبلًا أكثر عدالة وديمقراطية للمنطقة، ولجميع المناطق الأخرى المأهولة بالسكان. أهدافنا واضحة وهي تقديم المساندة للنساء اللاتي يشغلن مواقع قيادية، أو مؤهلات لشغل تلك المواقع، سواء كانت المساعدة تقنية أو إعلامية، وتعزيز مستوى مؤسسات المجتمع المدني بحيث تكون منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق المرأة، تراعي هذه المسألة في تكوينها وطريقة عملها بالإضافة إلى تحضير جيل من النساء يكون قادراً على الحضور ليستطيع بذلك تحقيق إنجازات فعالة.
8 – كلمة أخيرة لك في نهاية الحوار؟
- على الرغم من تقدم النساء في كافة المجالات، وتضحيتهن في سبيل ترسيخ القيم والمبادئ في المجتمع والنهوض به، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في كافة الأصعدة الثقافية والسياسية والعسكرية، إلا أنّها لا تزال تتعرض للتهميش والقمع. لذلك نحن كوحدات نسائية سنقف بالمرصاد في وجه الجهل والأميّة، وسنعمل على تخليص المرأة من التهميش والتعنيف، وتحريرها من القيود التي لطالما كُبِّلت بها خلال العصور السابقة، والرفع من شأنها في كافة المستويات، وفتح صفحات التاريخ العريق للمرأة الذي لطالما طُويَ وأُخفي خلف ستائر التاريخ الذكوري والحداثة الرأسمالية، التي اعتبرت المرأة سلعة تجارية تباع وتشترى.
توحيد النساء وتثقيفهن سيقود المجتمع نحو مسارٍ جديد، كما سيُمَكنها من وضع بصمتها في كافة الأنشطة. تتطلب الديمقراطية الاستماع لمصالح المواطنين ومناقشتها وسن تشريعات بشأنها، فالمرأة هي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، لذلك ينبغي سماع صوتها في العملية الديمقراطية، وتحتاج الديمقراطية للمرأة كي تكون ديمقراطية حقاً. مع وحدة النساء لإنشاء وحدات نسائية تُمثّل إحياء جديد لوجود المرأة، تخوض المرأة نضالاً عظيماً، وتكافح من أجل التغيير، لكي تتمكن من الشعور بالذات والتمتع بالاستقلالية، وترك بصمات يستحيل محوها. المرأة لها رسالة مفادها أنّه لن يتمكن أحد من كسر إرادة المرأة أو حتى العبث بتاريخها ووجودها، كونها المحور الأساسي للحياة.