الناشطة النسوية ديلبر يوسف لـ آفاق المرأة
الناشطة النسوية ديلبر يوسف لـ آفاق المرأة
“المرحلةُ التي وصلتْ إليها الحركةُ النسائيّة اليوم
هي بفضلِ فكر المرأة وإرادتها الحرّة،
ما جعلَ هذا القرن قرن تحرير المرأة،
فالمرأة استطاعت أن توصلَ مجتمعها إلى برّ الأمان
بمقاومتها والتضحيات الكبيرة التي قدّمتها ضدّ الأنظمة الديكتاتوريّة”
إعداد: سامية الكردي
1ـ بعد الترحيب، لماذا سُمّي القرن الواحد والعشرون (قرن حرية المرأة)؟ ما هي الأسباب والمعيطات وكيف خُلقت هذه الأرضيّة؟
- للإجابة على هذا السؤال؛ من المهم أن أعود إلى الحقب التاريخية حتى تكون الإجابة واضحة وذات صلة، لأنّ هناك أسباب تاريخية جعلت هذا القرن قرن تحرير المرأة. لم يُطلق على هذا القرن قرن تحرير المرأة عبثاً أو من قبيل المصادفة، فالمرأة كشخص حتى وإن لم تكن منظّمة فقد كافحت وقاومت ضدّ المفاهيم المبنيّة على النوع الاجتماعي، ورغم أنّ المرأة كانت دائماً مهمّشة ويتم تجاهلها، لكنّنا نجد في العديد من المجتمعات العرقية نساء يتمتعن بالمعرفة، ويقاومن التمييز الجنسي. لقد كان للمرأة دائماً موقف ضدّ الظلم والاستغلال والتهميش، وخير دليل على ذلك خروجها إلى الساحات للمطالبة بحقوقها ضمن الأسرة، وحقّها في العمل، وحقّ المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، وما إلى ذلك.
إذا نظرنا إلى التاريخ؛ نجد الكثير من الحركات والأنشطة في المصانع والمعامل للمطالبة بالمساواة في حقّ الأجور بين النساء والرجال. استغلال النساء في العمل، والعنف والاعتداء عليهن في الكثير من الأحيان ولّدَ ردود فعل نسائية جماعية، حيث كنّ يقمنَ بالاحتجاج ضدّ القوى التي تهيمن عليها السّلطة الذكورية المستغلّة للعمال. لقد تمرّدن، وأضربن عن العمل، وطالبنَ بحقوقهن، كما فقدت العديد من النساء حياتهن فقط لمجرّد المطالبة بحقوقهن. لكن في المحصلة نجحت النساء من خلال أنشطتهن وفعالياتهن في التغلب على العنف الممارس بحقهن وتتويجه باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة والذي يصادف 25 نوفمبر من كل عام. هذا اليوم جاء تكريماً لنضال المرأة المشترك وكفاحها ضدّ الأنظمة الديكتاتورية.
في العديد من الأماكن كانت هناك سياسات تمييزية على أساس الجنس تُعرقل تمثيل المرأة بهويتها في المجالات السياسية أو الاجتماعية أو القانونية، إلا أنّ النساء في كل مجال اتخذن موقفاً موحّداً ضدّ هذه السياسات التعسفية بحقهن سواء كأفراد أو منظمات أو حركات. إذا عُدنا إلى التاريخ، فإنّ الأيام التي خُصصت للمرأة وباسمها، والقوانين التي تم تعديلها، هي بلا شك نتيجة حتميّة للتضحيات النسائية والنضال النسوي، كونهن عملن بإصرار على تغيير القوانين التي لا تحمي حقوق المرأة والتي تتعارض مع وجودها وهويتها. لهذا السبب فإنّ تاريخ المرأة مليء بالألم والمعاناة وفي نفس الوقت حافل بالمقاومة والنضال.
لا وجود للظلم في طبيعة المرأة، لذلك عندما تتعرض للظلم لا تستطيع تقبّله وتتخذ موقفاً ضده، ولهذا السبب؛ إذا نظرنا إلى التاريخ سنرى أنّ هذا النهج سار على هذا النحو دائماً. إذا نظرنا إلى تاريخ المرأة على مدى خمسة آلاف عام، فسنرى أنّ آلاف النساء كنّ ضحايا وحُرمن من حقوقهن، وعانين من الألم والصعوبات، ومن خلال هذه الصعوبات وبإرادتهن الحرّة وصلنا إلى مستوى يمكننا عندها أن نقول إنّ هذا القرن هو قرن حرية المرأة.
إذا نظرنا إلى المجتمع العالمي؛ نرى أنّ هناك العديد من المؤتمرات والمنتديات تُعقد اليوم حول التنظيم والحرية، وهناك منظّمات نسائية دولية ومجتمعية ووطنية على المستويين العالمي والمحلي. في كل الثورات التي قامت من أجل حرية الوطن وأرضه وكرامته نجد أنّ المرأة ساهمت بقوة في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والصحية وغيرها. بعبارة أخرى؛ يمكننا القول أنّ المرأة لعبت دوراً كبيراً وفعّالاً في بناء مجتمعها، لأنّها قاومت وناضلت من أجل الحصول على حقوقها وحقوق مجتمعها وأسرتها. لقد زاد وعي المرأة على المستوى الدولي فقد أصبحت مدركةً تعرف كيفية الدفاع عن نفسها ضدّ الذهنية السلطوية والنظام الرأسمالي الاستغلالي، وكيفية تنظيم نفسها، واتخاذ القرارات الخاصّة بها، بدلاً من أن تترك شخصاً آخر يتّخذ القرارات نيابةً عنها أو احتساب عملها بنصف قيمته.
لقد أدركت المرأة حقيقتها في كافة المجالات، وأصبح لديها القدرة على الدفاع عن حقوقها وتحديد هويتها، لذلك نقول بأنّ المرأة تتمتع بمستوى عالٍ من الحرية ولها دورٌ كبيرٌ في تغيير المفاهيم الاجتماعية وتغيير مصيّر أُمّتها. بالتالي فإنّ الوعي الاجتماعي في مجتمعات الشرق الأوسط هو نتيجة نضالات المرأة على المستوى العالمي.
في المجتمعات المضطهدة تواجه المرأة قمعاً وظلماً مضاعفاً، وتدفع ثمناً باهظاً، أمّا في الشرق الأوسط فقد نظّمت المرأة الكردية نفسها لتحقيق أهدافها وربطت القضية الوطنية بقضيّة حرية المرأة، ولهذا السبب فإنّ مستوى المعرفة والوعي لدى المرأة الكردية عالٍ. يقول المفكر عبد الله أوجلان “إذا لم تتحرر المرأة فإنّ المجتمع لن يتحرر”، لأنّ النساء أكثر من نصف المجتمع، وكلّما اقتربت المرأة من الحرية، كلّما كان المجتمع أكثر تنظيماً ووعياً ويعيش على حقيقته، وكلّما عرفنا أنفسنا أكثر، كلّما اقتربنا من الحرية. لذلك فإنّ التغييرات التي نشهدها اليوم والمواقف القوية التي تنشأ وتظهر في المجتمع الدولي والشرق الأوسط، وخاصة بين النساء الكرديات ضدّ النظام الرأسمالي والعقلية الجنسية، أصبحت عاملاً في تغيير الوعي الاجتماعي وتطوير المعرفة الاجتماعية.
2ـ النضال الأيديولوجي الذي تقوده المرأة اليوم في الشرق الأوسط والعالم إلى أين وصل؟ وما هي التحدّيات والصعوبات التي تعترض طريق النساء على كافّة الصّعد ؟
- لكي يصبح التنظيم النسائي أقوى؛ فإنّ المرأة بحاجة إلى القوة الفكرية. تتزايد الصعوبات في الشرق الأوسط، لأنّ مفاهيم الدولة القومية تحتل الصدارة، وحقوق الحرية منخفضة للغاية، والمجتمع يتعرض للقمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص. إنّ أنظمة الحكم السلطوية في الشرق الأوسط لا تتحلى بالديمقراطية، ونظام الحكم هو نظام ذكوري حيث لا يتم إشراك المرأة فيه. إذا نظرنا إلى نظامهم فإنّ رؤساء البلاد كلهم رجال، ولا توجد نساء في الوزارات التي تتخذ القرارات المتعلقة بالسياسة والمجتمع، لذلك فإنّ النظام الموجود في هذه البلدان هو نظام موروث من سلالة واحدة وحكم عائلة واحدة، مما يسبب نظام هيمنة ذكورية ويؤثر بشكل عميق على وعي المجتمع، وهذا ما يجعل المجتمع عاجزاً وبدون إرادة، وفي المجتمع العاجز تكون المرأة الأكثر عرضة للإساءة والانكسارات. هذا الوضع يؤدي إلى عدم الاعتراف بحقوق المرأة وتقويض دورها في العديد من المجالات وبالتالي تقويض لون وتمثيل المرأة.
تواجه المرأة صعوبات في التعبير عن نفسها لأنّ الأنظمة القمعية لا تسمح لإرادة المرأة أن تكون قوية، إلا أنّ كافة الصعوبات لم تمنعها من التراجع عن مطلبها في الحرية، وهذا يدل على أنّ خط المقاومة ورفض النظام السلطوي والأبوي مستمر في شخص المرأة وروحها. في القرن العشرين برزت العديد من النساء المناضلات في المجتمع العربي وتحديداً مصر كـ نوال السعداوي وغيرها، كما قاومت الكثير من النساء ضدّ الأنظمة القمعية في الكثير من البلدان مثل مصر وتونس وفلسطين والجزائر، ففي ثورات تلك البلدان ضدّ الذهنية الذكورية كانت المرأة من بين المثقفين والكتاب والعلماء الذين قدّموا مساهماتهم وتركوا بصماتهم على صفحات التاريخ بتغيير الأوضاع في بلدانهم.
من المهم أن نلفت الانتباه إلى أنّ المرأة في الشرق الأوسط ليست جاهلة أو متخلفة ولاهي الفئة الأضعف كما أظهرها النظام. لقد قام النظام المهيمن بحرمانها من حقوقها في صنع القرار السياسي، والشؤون الوطنية، والحقوق الاجتماعية والثقافية، واعتبرها عضواً غير فاعل، كما تمّ تجاهل رأيها حتى ضمن مستوى الأسرة، حيث يمكن للزوج اتخاذ كافة القرارات المتعلّقة بالمرأة والأسرة دون استشارتها رغم أنّهم يقومون ببناء حياة مشتركة معاً.
إنّ قضيّة المصير أو القدر في الشرق الأوسط متجذّرة وتعتمد على الدين، كما لو أنّ هذا هو مصير وقدر المرأة، وأنّ الله قد خلقها للعالم بهذه الطريقة، وأنّ هذه هي وظيفتها ودورها الوحيد، ولا يستطيع أحد أن يغير هذا الدور. لقد قام المجتمع على هذه الأفكار ونقلها من جيل إلى آخر، حيث يتم تنشئة الفتيات منذ الطفولة على فكرة وجودهن من أجل الرجل ويتم تعليمهن أنّ أحلامهن لا ينبغي أن تكون أكبر من ذلك، ومن كان يقوم بتربية فتياته عكس ذلك يُعتبر شخصاً متمرداً على نظام الأسرة والقبيلة وكان ينظر إليه على أنّه قد ذهب ضدّ الأعراف والتقاليد.
لقد أثّرت التغيرات العالمية على النساء في الشرق الأوسط أيضاً، حيث كان للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في القرن العشرين تأثيراً كبيراً في هذا المجال، فقد فُتحت أعين النساء على حقيقة أنّ ما نشأن عليه هو مجرّد قصص وروايات وهمية سردتها السلطات الذكورية التي تخاف من قوتهن وفكرهن الحر. النساء تغلبن على هذه القيود التي كانت تكبلهن وأحدثن التغيير، ففي السنوات الأخيرة نظّمت النساء أنفسهن وتمكنّ من إدخال تغييرات على الأحكام القانونية. لقد رأينا هذا التغيير في المملكة العربية السعودية، حيث اتخذت العديد من النساء موقفاً واستطعن الحصول على حقوقهن الأساسية منها حق المشاركة في الانتخابات وقيادة السيارة. هنا يمكنني القول بأنّ القوى الحاكمة والدولتية والذكورية تخشى من القوة الجماعية للنساء، فعندما تناضل المرأة بمفردها لا تصل إلى مبتغاها لكن عندما تقف النساء معاً فإنّهن يحققن نتائج تجلب لهنّ التغيير في المجتمع. من المهم النظر إلى نقطة أخرى؛ فنحن نرى أنّ النساء أصبحن ينتفضن ويرفعن أصواتهن ضدّ الظلم والاستبداد في الشرق الأوسط، على سبيل المثال دعونا ننظر إلى إيران التي شهدت حركات واحتجاجات نسائية على نطاق واسع ضدّ العقلية الحاكمة باسم الإسلام والدين. لا يوجد شيء من هذا القبيل في جوهر الدين الإسلامي، لكنّ الأنظمة الحاكمة تستخدم الدين لإدامة حكمها ومصالحها السلطوية، وبهذا الشكل تشنّ حرباً قذرة على المرأة والمجتمع تحت ستار الشريعة الإسلامية، لكنّ المرأة والمجتمع أصبحوا على دراية تامّة بهذه السياسة واكتشفوا ألاعيب هذه السلطة الرامية إلى قمع الإنسانية.
عندما تتخذ المرأة قراراً، فهي تعلم علم اليقين أنّها ستواجه تهديدات وصعوبات جمّة، لذلك تنظّم نفسها وترفع من وتيرة نضالها فهي تعلم ما يخبئه لها المستقبل. لقد تأثّر المجتمع الكردي أيضاً بالمجتمعات المحيطة به في الشرق الأوسط، لكنّه احتفظ بخصوصيته، ففي بداية الثورة الكردستانية واجهت المرأة الكردية صعوبات كبيرة في مجال المشاركة في الثورة، وقيل لها أنّها لا تستطيع المشاركة في الحرب والثورة، وأنّ الحرب ليست مكاناً للنساء، لكنّ المرأة الكردية بإصرارها على المشاركة في الثورة غيّرت كل هذه النظريات خاصةً بعد مشاركتها في المجال السياسي، ممّا كان له أثر كبير على المجتمع. إنّ مشاركة المرأة في مجالات الحياة والحرب والسياسة والمجتمع أدّت إلى استنتاجٍ مفاده أنّ مشاركة المرأة في الثورة يعني أنّ المجتمع أيضاً يصبح أقوى ويتطوّر، ويعيش بجوهره وحقيقته ويرفع مستوى التفاهم بين الجنسين. عندما يحدث التغيير في وضع المرأة والمجتمع وعندما يتحدان معاً تحقق الثورة نتائجها، وهذا ما سمح لثورة المرأة في كردستان أن تؤثر على مجتمعات الشرق الأوسط.
3ـ المرأة الكردية تقود نضالاً تاريخياً حقيقياً على جغرافية الشرق الأوسط، وحققت مكتسبات ملموسة على أرض الواقع، وقدّمت تضحياتٍ كبيرة من أجل توسيع رقعة هذا النضال ليصبح ملكاً لجميع النساء في العالم من خلال منظّمات ومؤسسات خاصة بكم، كيف أثّر نضالكم هذا على النضال النسوي في المنطقة؟
- لقد أحدثت المرأة الكردية اليوم تغييراً ملحوظاً في مجتمع الشرق الأوسط، ولاقى نضالها صيتاً واسعاً كونها لعبت دوراً رئيسياً في النضال في كردستان وتاريخ الشعب الكردي والمقاومة من أجل الحرية. قد أدى ذلك أولاً إلى التغلب على الصعوبات القائمة في مشاركة المرأة الكردية، وثانياً خلق ارتباط بين واقع حرية كردستان وحرية المرأة وربط الاثنين معاً. فإذا لم تكن المرأة حرّة فلا معنى لحرية المجتمع، ولهذا السبب تم ربط القضيتين ببعضهما البعض، مما أدى أيضاً إلى زيادة كبيرة في مستوى الوعي والمعرفة لدى الكرد.
لدى العديد من الأمم بلدان خاصة بها في الشرق الأوسط، لكن مشكلة حرية المجتمع لم يتم حلّها بعد، ونتيجةً لذلك نشأ نظام أبوي أدى إلى تعميق المشاكل الاجتماعية مثل قتل النساء والعنف وانعدام الحقوق والعدالة. في عموم تلك البلدان عندما لا يكون للمجتمع رأي في اتخاذ القرارات المتعلقة به فإنّ هذه البلدان تبقى متخلفة وجاهلة، وهذا هو أحد الأسباب التي يجعلنا نرى المجتمعات تنتفض وتتمرد ضدّ الأنظمة الحاكمة في بلدانها.
لذا؛ عندما طالب المجتمع بإحداث تغييرات في حقوقه كما حدث في ربيع الشعوب في الشرق الأوسط، كانت هناك انتفاضات قوية وعارمة تهدف إلى تغييرات كبيرة، لكنها مرة أخرى لم تكن على مستوى الوعي والمعرفة الكافية لإجراء التغييرات التي أرادها المجتمع، ذلك لأنّها لم تكن تعاني من أي مشاكل جغرافية أو حدود سياسية أو إقليمية، فسعى المجتمع إلى الحصول على حقوقه وطالبها من نظام ذلك البلد. لكنّ القضية الكردية ليست كذلك بل هي أعمق فهي قضية هوية، وقضية حقوق وحريات وطنية واجتماعية.
لذلك؛ كانت الخطوة الأولى التي اتخذتها حركة التحرر الكردستانية انطلاقاً من الوعي بأنّ مجتمعنا إذا لم يصل إلى مستوى معرفة الحرية فإنّه لن يكون قادراً على المطالبة بالوطن والحقوق القومية، لهذا السبب كان هذان الهدفان مرتبطان بشكل أساسي ويتقدمان معاً. إنّ الصعوبات الأولية كانت كبيرة جداً، لقد دفعت المرأة ثمناً باهظاً لتحقيق هذا المستوى العالي من الوعي والتغيير الاجتماعي، فضلاً عن التغيير العسكري والسياسي، ورغم الصعوبات التي واجهتها المرأة الكردية في الانضمام إلى الثورة إلا أنّها تغلبت على كل ذلك بفضل إصرارها وصمودها، هذا الإصرار أثّر بشكل كبير على المرأة العربية والفارسية والتركية، وكذلك على المجتمع الشرق أوسطي والعالمي.
لقد برزت شخصيات رائدة في هذه الثورة، وفقدنا العديد من الشهيدات والشهداء، واستطاعت المرأة أن تسطّر بحروف من ذهب اسمها على صفحات التاريخ. إنّ دور المرأة في الثورة كان له تأثير وصل إلى درجة المساواة بين الجنسين، وتغيير المفاهيم الاجتماعية، كما أظهر أنّه يمكن للمرأة أن تلعب دوراً قيادياً. لذلك؛ عندما ننظر إلى التطورات التي تجري في الشرق الأوسط فإنّنا نرى أنّ مستوى المرأة الكردية يؤثر عليها ويتأثر كل منهما بالآخر. أصبح مستوى المعرفة في استخدام التكنولوجيا أيضاً وسيلة لرؤية تقدم المرأة بسرعة، في السابق كانت حواجز ومعوقات الحرب الخاصة تقف عائقاً أمام انتشار نشاطات ونضال المرأة، ولم تكن آثارها الإيجابية والسلبية تُرى، أمّا الآن فلا أحد يستطيع إيقاف التقدم وقد أزيلت تلك الحواجز. إنّ هذه التطورات التي تحدث أصبح من الممكن للجميع رؤيتها والاستفادة منها، وإذا كان لديهم نفس المشكلة فيمكنهم أن يأخذوها كمثال ونموذج.
التجربة العظيمة التي حصلت في ثورتي كردستان والمرأة هي تجربة ثمينة وغنيّة جداً. لقد غيّرت هذه الثورة مجرى التاريخ، وأحدثت التغيير في العقلية التي تمّ بناؤها عبر القرون من خلال المقاومة والتضحيات الكبيرة، لذلك نقول بأنّ ما يجري اليوم في الشرق الأوسط من أعمال تنظيمية ومؤسسات خاصة هو نتيجة النضال الذي خاضته المرأة الكردية في المنطقة، والذي أصبح الآن هوية عالمية ولم يعد مقتصراً على المنطقة. في العديد من المؤتمرات والأنشطة النسائية يتم أخذ دور المرأة الكردية كنموذج ناجح، أي أنّه رغم كل التهديدات التي واجهتها المرأة الكردية، إلا أنّها لم تتراجع عن نضالها ووقفت بصمود بوجه الإبادة الجماعية المرتكبة بحقهم. لذا اليوم أصبحت المرأة الكردية رمزاً للحرية في العالم، كما تستمد المرأة العربية اليوم الشجاعة من المرأة الكردية، ويمكن للنساء من القوميات والأعراق الأخرى في الشرق الأوسط أن يتخذن من المرأة الكردية مثالاً لهن.
4ـ ما الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في شمال وشرق سوريا من أجل سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية؟
- في شمال وشرق سوريا ولوجود إرثٍ سابق للمرأة كانت الأرضية مهيّأة لمشاركة المرأة في الثورة، وتأسيس حركات ومنظمات نسائية ووحدات الحماية. في الحروب ضدّ التنظيمات الإرهابية والأيديولوجيات مثل داعش والفصائل التي أرادت تدمير كل القيم الاجتماعية الراسخة، لعبت النساء دوراً بارزاً في ثورة روج آفا بكل إرادة وتصميم ونضال وشجاعة.
في شمال وشرق سوريا، جميع النساء من الكرد والطوائف الأخرى تجاوزن النسبة المقررة والمخصصة لهنّ في المشاركة سواء على المستوى السياسي أو العسكري، أو بناء النظام الاجتماعي وإنشاء المؤسسات الاجتماعية. في الدول العربية نرى نسبة معينة فقط من النساء في مراكز صنع القرار، أي أنّ عدد الوزارات تضم عدد محدود من النساء، لكننا تجاوزنا هذه النسبة في ثورة غرب كردستان. لقد أصبحت المرأة في شمال وشرق سوريا الآن حاضرة وتقود جميع جوانب المؤسسات والمنظمات وتقوم بحمايتها.
لم تَعُد المرأة تتمتع بحقوق نصف المجتمع فحسب، بل أضحت الآن صاحبة الثورة، لهذا السبب سُميت الثورة في غرب كردستان بثورة المرأة. لقد تمّ حماية وتنظيم شمال وشرق سوريا بروح المرأة، وبالتالي حدث التقدم الاجتماعي هناك وأصبح هذا جزءاً من أسلوب الحياة من الناحية العملية وفي الحياة العامة، فعندما تصبح مثل هذه القضايا حيوية فإنّنا لم نعد نخشى انهيارها. في السابق كنا نقول أنّه يجب أن نحدد كوتا نسائية حتى لا تُنتهك حقوق المرأة، لكنّنا الآن نعمل على تغيير المجتمع وعقليته حتى نتمكن من العيش معاً، ليس فقط على مستوى الرجال والنساء بل أيضاً أصبح هذا وسيلة لتتمكن جميع الأمم والثقافات في المنطقة من العيش معاً في وئام وسلام، وحتى تتمكن هذه المجتمعات أيضاً من الدفاع عن حقوق بعضها البعض وتكون قادرة على تطوير بلدانهم واحترام ثقافات بعضهم البعض.
إنّ النظام المتعدد الأوجه والغني الذي بَنَته النساء كان له تأثير أيضاً على المجتمعات المحيطة، فالمرأة يجب أن تكون في المقدمة حتى يتقدّم المجتمع. لذلك نقول بأنّ النظام الذي يضم كل الأمم هو أكثر إثارة للاهتمام، حيث وجدت جميع الأمم أنّ هذا النظام هو الأقرب إلى واقعهم الاجتماعي، وأنّه أفضل من الأنظمة المركزية التي خلقتها السلطات، وأنّه يحمي حريتهم. عندما يدير كلا الجنسين مجتمعهما معاً، ويتخذان القرارات معاً بغض النظر عن نتيجة القرار، ويتقاسمان المسؤولية، ويكون المجتمع نفسه لم يعد يقبل أن يكون هناك مكان للظلم والإقصاء، وفي مكان يفتقر لأمّة ما يدركون ويعرفون أنّ هناك شيئاً مفقوداً وليس هناك عدالة في المجتمع، وعندما يقع الظلم على المرأة فإنّ المجتمع يعرف أنّ هذا ظلم وجور ويقومون بنفسهم بالدفاع عن حقوق بعضهم البعض، هذه هي ثمرة 14 عاماً من الثورة والحرية.
إنّ المرحلة التي وصلت إليها الحركة النسائية اليوم بفضل نضالها وفكرها الحر تمكنت من جعل هذا القرن قرن تحرير المرأة. المرأة اليوم تجني ثمار عملها ونضالها في الحياة، وقد أوصلت المجتمع أيضاً إلى هذا المستوى، وكل ذلك نتيجة المقاومة والتضحيات الكبيرة التي قدمتها. عندما تجتمع النساء وينخرطن في حوارات سياسية ووطنية ويتّخذن قرارات بشأن أنفسهن، وعندما يناقشن مشاكلهن ويعملن على إيجاد حلول لهن ويخرجن بخطط مشتركة، كل هذا هو نتيجة لأساس وأرضية الثورة والنضال الكبير الذي خاضته النساء.
إذا وصلت المرأة إلى هذا المستوى في المجتمع فإنّها الآن قادرة على أن يكون لها آراء وقرارات ومواقف في كافة القضايا الاجتماعية. تأتي العديد من النساء الأمميات إلى المنطقة للتعلم من الثورة في شمال وشرق سوريا، كما تتجه نساء الشرق الأوسط وحركاتهن نحو المنطقة ويتخذن ثورة المرأة مثالاً وأساساً لهن. ترى النساء في جميع أنحاء العالم أنّ هناك نظام رئاسة مشترك في شمال وشرق سوريا وتشارك المرأة في صنع القرار السياسي، بهذه الطريقة تقدم النساء في غرب كردستان وشمال وشرق سوريا نموذجاً لنظام جديد للنساء والعالم. بدأ هذا النموذج في منطقة جغرافية صغيرة وأصبح مثالاً ونموذجاً للعالم أجمع.
بالتالي؛ عندما تتجه النساء من جميع أنحاء العالم نحو هذه المنطقة، فهذا يعني أنّ ثورتنا تكللت بالنجاح لأنّنا دفعنا أثماناً باهظة وتضحيات كبيرة وحققنا نجاحات كبيرة في النضال، كما قدّمنا شخصيات عظيمة وقيّمة ناضلت بلا كلل من أجل حرية المرأة ووصلت إلى مرتبة الشهادة في سبيل هذا النظام الجديد. في الحرب والمقاومة تمكّنت المرأة من الدفاع عن نفسها وعن مجتمعها وأسرتها، ونحن نرى أنّ هذا النضال الذي خاضته المرأة وهذه الجهود لم تذهب سدى، بل حققت نجاحات كبيرة في التاريخ، وحين نرى هذه التنمية وهذا التطور نشعر بالسعادة وعندما تؤتي جهود عمل المرأة ثمارها ويتخذها الجميع كمثال لهم، فإنّ هذا مصدر للسعادة والفخر.
خلال ثورة “المرأة – الحياة – الحرية” في إيران، رأينا مدى الخوف والرعب الذي كان يسيطر على النظام الحاكم. لم يكن النظام قادراً على الصمود أمام امرأة عرفت نفسها واتخذت قرارات خاصة بها وقررت إحداث ثورة. لهذا السبب تعرضت الحركة النسائية وإرادتها للكثير من الهجمات، وتعرّضت للمجازر، وكانت ضحية الصراعات على السلطة. لا ينبغي لنا أن ننسى مئات النساء اللواتي يواجهن حالياً عقوبة الإعدام في إيران وغيرها من بلدان المنطقة، أو النساء اللواتي لا يزلن يُقتلن تحت اسم الشرف والعادات والتقاليد البالية في العديد من المجتمعات. نحن ندرك أنّ هذا النظام يخلق رواية لنفسه حتى يتمكن بسهولة من اتخاذ قرار قتل النساء بحجة تلك القصص والروايات الواهية، هذا يأتي من خوفه من قوة المرأة المُنظّمة.
5ـ كلمة أخيرة تودين قولها في نهاية هذا الحوار؟
- يمكنني القول إنّ مستوى الثقة التي تتمتع بها المرأة يمكن أن يخلق تغييرات قويّة جداً بناءً على تلك الثقة. كأفراد، لا ينبغي للناس أن يخافوا، فعندما أنظر إلى المجتمع الكردي وإلى شمال وشرق سوريا وإلى المنطقة التي أعيش فيها، لم أعد أخاف. قد تكون لا تزال هناك بعض الصعوبات، لكنني لم أعد خائفة حقاً، لأنّ المرأة عندما عرفت نفسها وأدركت ذاتها لم يعد هناك ما يوقفها.
لا يمكن إعادة المرأة التي ذاقت طعم الحرية إلى العبودية، فكلّما ارتفع مستوى معرفتنا كنساء في هذا المجال، كلّما اقتربنا من حريتنا. إنّ التنظيم مرتبط بالمعرفة، وحتى في صفات المرأة فإنّها تتسم بالعدالة والمساواة، وينبغي لها أن تُثري هذه الصفة أكثر بالعلم والمعرفة. أقول لكل النساء: مستوى دفاع المرأة عن نفسها هو معرفتها وعلمها، وكلّما كانت المرأة حرة، كلّما اقتربت من ذاتها. المرء لا يخاف على المرأة المتعلمة، لذلك أختم بهذا القول: “كلّما تعمقت المرأة في هذا المجال من حيث المعرفة، كلّما استطاعت أن تغيّر نفسها ومجتمعها ونظام بلدها”.