التطور الاجتماعي يبرز مكانة المرأة في المجتمع
التطور الاجتماعي يبرز مكانة المرأة في المجتمع
” التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات مرهون بواقع المرأة،
ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع،
فهي تشغل دوراً أساسياً في بناء أسرتها ورعايتها لهم”
بروين يوسف
مع نشوءِ البشرية، بدأ معها الإنسانُ – كحالة طبيعية – البحثَ عن سبلِ استمراريته في الحياة، وإيجاد حلولٍ أفضل للعيش ضمن الطبيعة، والتكيف مع الجماعة، وكان أول نشوء لها؛ هو “الكلان” وبالرغم من قلة الأبحاث الاجتماعية والتاريخية، فإنّ المواقع الأثرية واكتشافاتها تؤّكد أنّ المجتمعات البشرية بدأت معها، وأنّ الفردَ لم يستمرْ ديمومته البشرية ما لم يندمج في وسطه الذي اختاره، واستطاع التكيف معه، والتأقلم مع المجتمع أو مع الكلان، والتي هي أولُ وأصغرُ تجمّعٍ، ليكوّن معها فكرة المجتمع عبر التاريخ.
الكلان ونشوء المجتمعات
يعود الفضل إلى الكلان في اكتساب الفرد شخصيته في المجتمع. لأن الفردُ من خلالها يبقي سلوكه الاجتماعي الذي يتضمن الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، والقدرة على التنبؤ باستجابات الآخرين بصفة عامة. وتعلّم الفرد المهارات اللازمة، والنظم الأساسية وحتى الضرورية، وذلك لتحقيق أهداف المجتمع في إكساب الفرد مبادئ واتجاهات المجتمع، الذي يعيش فيه حتى يؤدّي واجباته.
من هنا يتوجبُ فهمَ دورِ المجتمع في تكوين شخصية الفرد واستمراريته، وأن المجتمع بصفته ساحة تجتمعُ فيها الأخلاقُ والقيمُ والمبادئ، وعملياً تؤثر هذه القيم على سلوك الفرد ويتأثر بها، كذلك إنّ المجتمعات منذ بداية نشأتها، كان للفرد الدور الأساسي في تكوينها، ونظراً لأن الفرد بطبيعته كائن اجتماعي، لا يمكن أن يعيش في عزلة، بمنأى عن الآخرين، فنجد أن كل فرد ينتمي إلى جماعة معينة، لشعوره بالانجذاب نحوها، ونحو النشاطات التي تمارسها.
أخلاقيات المجتمع الملتزم
يأتي الدور الأساسي للفرد في تطوير الحياة الاجتماعية، انطلاقاً من مبدأ الولاء والانتماء التام من الفرد إلى المجتمع، فيأخذ على عاتقه تطوير الحياة الاجتماعية، وتقديم كل ما يلزم لها، وذلك لمواكبة التقدم والتطور، ولأن الفرد هو نواة المجتمع، وهو مصدر قوته، واليد العاملة فيه.
المجتمع هو الذي يضع الأهداف العامة، والمهام المتوقعة، لكل أفراده الذين يقومون بتحقيق هذه الأهداف، وهم من يؤدون الأدوار المطلوبة منهم، ويشاركون كلٌّ بحسب دوره في تحقيق الأهداف التي رسمها المجتمع له، وفقاً لمعايير الأداء المتوقع منه، حينها يوصف الفرد بأنّه ملتزم أخلاقياً بمجتمعه.
أمَّا إذا لم يلتزم الفرد بهذه المعايير فهو بذلك يخالف الإطار العام الذي رسمه المجتمع له، ويعدّ مخالفاً للقواعد الموضوعة، وهنا يوصف بالإهمال، لأنه لم يؤدي دوره الاجتماعي المطلوب منه، ولذلك يجب على الفردأن يعمل على تقديم الأفضل لمجتمعه.
دور المرأة في المجتمع
كما لا يُغفل الدور الأساسي للمرأة، كونها الفرد المنفعل ومحور العملية الاجتماعية، ويقع على عاتقها تكوين المجتمعات، لذلك يجب تسليط الضوء على دورها الريادي في بناء المجتمع، حيث يعود الفضل الأول والأخير إلى المرأة (الأم) في ذلك، فهي التي أبدعت بكلّ القيم المعنوية والمادية، وعملت على تطبيق هذه القيم بشكل عملي، تسميتها بالآلهة ليس خطأً، لأن كل قيمة أنتجت وخلقت في هذه المرحلة هي من نتاج فكر وجهد المرأة، فهي العالمة والحكيمة والمدبرة لشؤون منزلها وعائلتها، فبحكم تطور الذكاء العاطفي لدى المرأة، وعلاقتها مع الطبيعة، تنعكس على مظاهر المجتمع، لتصبح مفهوماً يحدد ذهنية المجتمع.
المرأة الفاعلة والناشطة
طبيعة المرأة الإنجابية وتربيتها لأبنائها وتنشئتهم وتنميتهم في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ليست من الأمور البسيطة، إضافة إلى عملها في الزراعة ساهمت في ديمومة الجنس البشري واستمراريته وحمايته من الانقراض. كما تُعد المرأة إحدى الركائز الأساسية في المجتمع، وقد شغلت المرأة عبر العصور أدواراً مهمة، وكانت فاعلة وناشطة في وضع القوانين والسياسات والمجالات لطبية والأدبية والعلمية والفكرية، وبذلت مجهوداً كبيراً على حماية ثقافة مجتمع بأكمله وطوّرتها.
حيث أنّ مسألة تحرير المرأة، تحريراً صحيحاً وليس استغلالياً ودعائياً فقط، هي مسألة جوهرية وملحة للغاية في هذا الـزمان، وذلك لاعتبارات عـدة، فتحريرها تحريراً حقيقياً مسؤولاً، كما تقتضي إنسانيتها، يجب رفع الظلم عنها والكف عن تهميشها واستبعادها وحتى استعبادها، لأن ذلك من حقها الطبيعي والقانوني، وليس منةً ولا هبةً من أحد.
الذهنية السلطوية وتأثيرها السلبي
لكن سرعان ما تدخّلت الذهنية الذكورية، وعملت هذه الذهنية على تقويض هذا الوعي المجتمعي، وجعل من المرأة وسيلةً أو أداةً لمصلحته الخاصة في السلطة. حيث تعمل الذهنية السلطوية الذكورية على إحباط طموحات المرأة، وذلك بأن تدفعها إلى الرضا بالحياة المنزلية الروتينية وإضعاف إرادتها وجعلها مختبراً للمشاريع الاستغلالية وتتحول لـ “موديل” و”شخصية سطحية”، فتكون لقمة سهلة للنشاطات الزائفة تحت مسمى الإنسانية، فتقول أنا “حرة”، وبذلك تتنازل عن دورها الرئيسي الفعال في قيادة المجتمع، وتفقد القدرة على توجيه الأفراد نحو العلم والثقافة والتطوير الذاتي.
وهنا يقع على عاتق المؤسسات النسوية القائمة على رفض هذه الذهنية، فتطالب بحقوق المرأة، والخروج من تحت عباءة المظلومية والبؤس، ودعمها كي تطور من ذاتها ومن شخصيتها وتدعوها كي تمضي بقوة فكرية لتعالج مشاكلها وتجد الحلول لأزمات المجتمع، فتثبت للعالم بأنها ليست بضحية بل هي عنصر بشري فعّال، وبإمكانها التأثير ثم التغيير.
لعبت المرأة دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة، وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل، ومساندتها له، له دليلٌ على كونها عنصراً أساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع.
الدور الإيجابي للمرأة
إن التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات مرهون بشكل كبير بواقع المرأة، ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع، فهي تشغل دوراً أساسياً في بناء أسرتها ورعايتها لهم، من خلال ما يقع على عاتقها كأم، من مسؤولية تربية الأجيال، وما تتحمله كزوجة من أمر إدارة الأسرة، ومع تقدم المجتمعات وتطورها نجد أن المرأة لم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها وتربية الأبناء، بل أصبح لها دوراً اجتماعياً كبيراً في شتى المجالات، وبناءً على مؤهلاتها العلمية والثقافية والاجتماعية تنوعت أدوارها في المُجتمع على مُختلف الأصعدة.
بعض الأدوار المهمة التي تشغلها المرأة في المجتمع
دور المرأة في الرعاية والدعم: للمرأة دور كبير في أُسس الرعاية والدعم المجتمعي في العديد من المجالات، حيث أنها تبذل أقصى طاقتها في رعاية الأطفال وكبار السن.
دور المرأة في التعليم: تسهم المرأة بشكل كبير في تطوير الأسس التعليمية المختلفة في دول العالم، وذلك من خلال التدريس الأساسي المتضمن لقواعد ومفاهيم القراءة والكتابة في البيت والمؤسسات التعليمية المتنوعة.
دور المرأة في العمل: للمرأة دور كبير وعالمي في تطوير سبل العمل في المجالات والقطاعات العملية المختلفة، كما أنها تسهم أيضاً في بث التأثيرات الإيجابية التي تطرأ على المجتمع، ومكوناته، كون المرأة عضوٌ في المجتمع، فيجب أن تكون شريكة في إدارة المجتمع وتحمل شؤونه، وكونها تقوم بالأعمال المنزلية لا يجب أن يلغي دورها الاجتماعي؛ لأنّها شريكة الرجل في تحمل المسؤولية، ففي ظل حالة النمو والتقدم، التي تشهدها المجتمعات، يحتاج الأمر إلى كلّ الجهود والطاقات المجتمعية.
ومن هنا ينبغي أن يتم تعزيز دور المرأة الاجتماعي، ومساندتها بشكل مستمر، والعمل على تذليل الصعوبات التي يمكن أن تواجهها، مثل التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تلغي كيان المرأة، وتفرض عليها التبعية للرجل، وبعض القوانين والأنظمة المجتمعية التي تعيق تحقيق المرأة لذاتها، بالإضافة صعوبة التوفيق بين الدور العائلي والنشاط الاجتماعي.
إن المرأة اساس المجتمع من حيث التكوين، وهي كل المجتمع من حيث التأثير في النشأة والتكوين، فهي الأم والأخت والزوجة والجدة والمعلمة والمربية والعاملة و…إلخ، وعلينا أن نكرم المرأة بمنحها كافة حقوقها كي تستطيعَ أن تنخرط في شؤون البناء والتنمية على نحو فعال وحيوي، فالإحصاءات تشير إلى أن تعليم المرأة، وتمكينها من العمل، ينعكس إيجاباً على الأسرة، سواءً في الأمور التربوية أو الاقتصادية أو الصحية.
لذا أصبحت المرأة في أغلب الدول تشكل قوة ديناميكية داعمة للتطور والتحول في المجتمع، ومن الجيد التأكيد على أهمية تمكين المرأة، كي تكون قادرة على القيام بأدوارها الاجتماعية والسياسية بفاعلية كبيرة، والمقصود بالتمكين هي العملية التي تُشير إلى امتلاك المرأة للموارد، وقدرتها على الاستفادة منها، وإدارتها بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات للارتقاء بالفرد والمجتمع.