المرأة الحرة هي مصدر الحياة الحرة

المرأة الحرة هي مصدر الحياة الحرة

 

المرأة هي قوة التغيير الحقيقية لأي مجتمع،

 فالتاريخ شاهدٌ على ريادة المرأة في بناء المجتمعات الإنسانية

 والحفاظ على هوية الحضارات”

آريا ملا احمد

 

كانت المرأة في الكثير من الحضارات القديمة رمزاً للجمال والخصوبة والحياة، وسميت الكثير من الآلهة بأسماء الإناث، فما الذي أنزل المرأة عن عرشها المقدس إلى الدرك الأسفل؟ لتنشر المفاهيم السلبية والخاطئة في العلاقة بين المرأة والحياة والمجتمع! وما الذي ساعد على تغلغل العادات الموروثة والبالية في الذهنية الشرقية، ليجعل من المرأة كياناً مسلوباً؟

تبدأ تلك المفاهيم السلبية والخاطئة في طرح مفهوم العلاقة بين المرأة والحياة، منذ مرحلة الطفولة، عندما يتم تربية وتوجيه الأطفال منذ الصغر على التمييز الجنسي، عندما أذكر التمييز الجنسي: فإنني أقصد التقاربات البالية في التفرقة بين الذكر والأنثى. مثلاً: الطفل الذكر يحظى باهتمام أكبر من قبل الأب والأم وحتى الجدة، وحين يمدحونه ضمن العائلة ويوجهونه ليكون قوياً، وفي الوقت ذاته يُعاب عليه البكاء أو التعبير عن مشاعره، لماذا؟ بالطبع لأنّه ذكر.

أمّا الفتاة بمعنى التقاربات العائلية منها هي لأجل إحباط مشاعرها، وتكوين الشخصية الضعيفة المبنية على الخوف من العادات والتقاليد أو الأصول العائلية. فحسب منظارهم فهي فتاة ولا يجوز لها أن تلعب كما يلعب أخوتها الذكور، ولا يحقّ لها حتى الكلام، أو إعطاء آرائها ومقترحاتها في جميع الشؤون المتعلقة بالبيت. حيث يتم جبرها على قبول هذا التمييز الفاجع، والرضوخ للسلطة المفروضة عليها، لماذا؟ بالطبع لأنّها أنثى.

المقاييس الأخلاقية الاجتماعية

حين يصل الإنسان إلى مرحلة البلوغ والمراهقة تصبح الأمور أكثر تعقيداً وأشد وطأة، إذ يبدأ النضوج الجسدي لدى الجنسين. وتعتبر هذه المرحلة أو الظاهرة عبئاً أو معضلة معقدة للعائلة. حينها تزداد الضغوطات على جسد الفتاة تحت اسم الاحتشام والعيب والحرام والعادات والأصول والعشيرة والأخلاق، وما إلى ذلك. هنا الظاهرة الخطيرة والذهنية البالية تحدد شخصية الفتاة، بمعناها الحقيقي الشخصية المستعبدة والمضطهدة، لأنها لا تملك أي قرار مستقل وحرّ، لا لأجل شخصيتها أو مستقبلها. وهنا التأثير السلبي يُطبق عليها بشكل مجحف. مثلاً: على الأنثى أن تخفي أنوثتها وأن تخجل من جسدها، وأن تتوخى الحذر في كل حركاتها وتصرفاتها، كي لا يُعاب عليها في المجتمع ولا تشكل عاراً على أسرتها. وبذلك تصبح الأنثى منذ نشأتها أسيرة لجسدها، مما يحجم المرأة، ويحصر دورها الإنساني في الحياة ضمن إطار القيام بالمهام الجنسية، وإرضاء الرجل وإنجاب الأطفال فقط، وبنفس الوقت عليها أن تتحمل ضغوط الأعباء المنزلية.

الحقيقة هنا، هي أنها وأن كانت للأم الدور البارز في تربية أطفالها وإدارة الشؤون المنزلية، ولكن بسبب وجود الذهنية السلطوية والذكورية البحتة، فأنه حتى يتم تهميش هذا الدور أيضاً. فالأب يتحكم في تربية الأطفال أيضاً، وحتى في جميع الأمور المنزلية، وكأنّ الرجل هو الحياة والمرأة لا شيء. فالمفهوم الأسوأ في هذه المعادلة حين تعتقد المرأة هي أن سترتها هو الرجل وبدون الرجل لا معنى لحياتها.

تحريف طبيعة الأمومة

بالرغم من عظمة الأمومة، فإن نشأة الفتيات كي يكنّ في المستقبل أمهات وربات بيوت فقط، يعني سلب المرأة شخصيتها الفردية، عبر تنميط دورها الكياني، وحصرها في زاوية محددة لا تتجاوزها إلا بصعوبة بالغة. ومن خلال هذه الممارسات والعادات يتم ترسيخ المفهوم الخاطئ بأن ارتباط المرأة بالحياة يكون من خلال البدن فقط، محطمين بذلك منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع.

وفي ذلك تقول الكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دي بفوار في كتابها (الجنس الثاني) (نحن لا نولد نساء إنّما بعد ذلك نصبح نساء)، وبذلك ترى تلك الكاتبة أن الجسد بمفهومه البيولوجي لا يشكل وعي المرأة سلباً او إيجاباً بل كيفية استجابتها له من خلال تفاعلها بمجموعة معقّدة متشابكة من العلاقات الاجتماعية والتاريخية والإنسانية المنكرة لوجودها كفرد وكيان ذات شخصية مستقلة.

وهكذا تبقى المرأة أسيرة في مصيدة الجسد، ومصيدة ما رسمته لها العلاقات الموروثة والبالية التي خطّها الرجل ليتمكن من التسلط على حريتها وإرادتها. وبذلك تصبح العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن مؤسسة العائلة علاقة قائمة على التملك والتبعية من قبل الرجل والطاعة والخنوع من قبل المرأة.

استمرارية هذا النوع من العلاقات السامة يؤدي إلى قولبة المرأة وتجريدها من كل القيم الإنسانية لتصبح المرأة مهمشة لا قيمة لها سوى أنها آداة بيد الرجل، ومستبعدة عن مفهوم الحياة بمعناه الحقيقي، مستسلمة لدورها التقليدي لها وبذلك تكون قد ساهمت في خلق مجتمع مشوه.

مفهوم الحياة الحرة الندية

الممارسات الدونية ضد المرأة لا تجلب معها إلا الإبادة لهوية المرأة. فإلى متى تبقى المرأة مجرد تابعة للرجل ولإرادته؟ وراضخة ومستسلمة لسلطته؟ ولسلطة المجتمع الذكوري الذي يتناسى شراكة المرأة ووجودها في كل مجالات الحياة؟ ويتناسى أيضاً أن المرأة والحياة معادلة متكافئة وثنائية يستحيل فصلها.

ولتصحيح مفهوم العلاقة بين المرأة والحياة وإعادة ربط هذا الثنائي (المرأة والحياة) لا بّد من تغيير المفهوم النمطي والتقليدي لهذه العلاقة، والانتقال إلى علاقات قائمة على أسس العيش المشترك بين الرجل والمرأة، لأنها أساس بناء المجتمع الحر.

بهذا الصدد يقول المفكر وقائد فلسفة الأمة الديمقراطية عبد الله اوجلان: “بدون تجاوز المواقف التقليدية فإن أي مناقشة لقضية المرأة وحريتها لن يتجاوز إطار الثرثرة “.

بذلك يتوضح أنه بدون تخطي مفهوم التملك والسلطة ضمن العلاقات، وتحرير العقول من الأفكار المغلوطة والمفاهيم البالية التي جعلت من المرأة ملكية خاصة للرجل، كي يتصرف بها كما يشاء ويفرض سلطته عليها دون حق، وبدون تحرير المرأة من سجن الجسد، لتمتلك إرادتها ورؤيتها الحقيقية للحياة، لايمكن الانتقال بالعلاقات من مفهومها التقليدي إلى مفهوم الشراكة الندية، وبتحقيق ذلك فقط تصبح المرأة شريكاً فعالاً للرجل، وتعمل على بناء المجتمع وتطويره، فلا تبقى مجرد أداة للنسل والتكاثر، فهي إنسان قبل أن تكون أنثى أو حاضنة للنسل وهذا لا يعني أن المرأة على طرفي نقيض مع الرجل، ولا يعني إعلان الحرب ضد الرجل، بل على العكس تماماً المرأة في الحياة المشتركة الندية الحرة تكون شريكة ورفيقة درب وصديقة، تساند الرجل كما يساندها، ويعملان معاً لتحقيق أهدافهم في حياة حرة وبناء مجتمع إنساني يخلو من السلطة وسيطرة أي طرف على الآخر.

الحياة الحرة مرتبطة بالثورة النسوية

القدرة على تحويل العلاقة بين المرأة والرجل إلى علاقة شراكة حقيقة، له مرهونٌ بواقع المرأة ذاتها، فأي تغيير إيجابي للمجتمع مرتبط بشكل وثيق بواقعها، ومدى قدرتها على تغييره، فالواقع المفروض عليها بحاجة ماسة إلى ثورة حقيقية، لأحداث تغيير جذري في المفاهيم الكلاسيكية التي لطالما عملت على تشيئ المرأة، فيستحيل الوصول إلى الحياة الحرة بدون ثورة نسائية جدية، تتحقق من خلالها التغيير في ذهنية وحياة الرجل، وعندما تدرك المرأة أنها كيان مستقل بذاته، وترفض الأفكار التي تجعلها تابعة ومملوكة، سيكون بمقدورها أن تخطو أولى خطواتها اتجاه بناء مجتمع متوازن حر، فمن يحقق الحرية لنفسه سيكون بمقدوره إنشاء مجتمع جديد وبمفاهيم جديدة، ومبنية على أرضية الحياة الحرة.

ربما ما يجب التركيز عليه في هذه المرحلة، هو تجاوز كل الآثار التي ترتبت على شخصية المرأة، وحاولت تندسيها وإخراجها من كينونتها، لأنه سيكون من الصعب تحقيق الحياة الحرة التشاركية بيدِ شخصيات مدنسة بالعبودية والاغتصاب والسلطة الفاقدة لهويتها المجتمعية، وبعدم تجاوز هذه الآثار سيصعب على المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص، في الوصول إلى الحياة الحرة، ولذلك علينا أن نتخلص من جميع هذه الأفكار السلبية لنرتقي إلى المفاهيم المنشودة.

عبر السرد المنطقي لكل ما كان ولا يزال، نرى أن المرأة هي قوة التغيير الحقيقية لأي مجتمع، فالتاريخ شاهد على دور المرأة الريادي في بناء المجتمعات الإنسانية والحفاظ على هوية الحضارات، وهذا يعني أنها قادرة على بناء الحياة الحرة التي تمثل الخصوبة والإبداع كما كانت في الحضارات القديمة، من خلال فكرها الواعي وإرادتها، حيث وصلت إلى المستوى الثقافي والحضاري المتطور المرتبط بثقافة كافة الشعوب المتقدمة التي تنظر إلى المرأة على أنها الحياة، بل هي كل الحياة.