فلسفة المرأة، الحياة، الحرية في مفهوم مجتمعات الشرق الأوسط
فلسفة المرأة، الحياة، الحرية في مفهوم مجتمعات الشرق الأوسط
“أثبتتْ المرأة في مجتمعات الشرق الأوسط كينونتها كأنثى حرة،
مهما اختلفت عليها الرموز،
مستعينة بهويتها وتكوين وجودها وبفلسفتها”
ديلبر يوسف
حافظَ الشّرقُ الأوسطِ، ومنذُ نشوءِ المجتمعِ البشري على استمرارية نظام الحضارة الديمقراطية ويستمرُ وسيستمر بها، لأنّه مهد الإنسانية وذو ثقافة مجتمع طبيعي ديمقراطي قائم على حرية المرأة منذ القِدَم. بدا واضحاً من خلال الدراساتِ والأبحاثِ العلميةِ بأن هذه الأرض هي البكرُ في خلقِ المجتمعية، ثورةُ اللغةِ، الزراعةِ، ثورةٌ القريةِ وبالإضافة إلى ثورةِ المرأةِ، وبالأخص لعبتْ ترابُ ميزوبوتاميا الخصبةِ الواقعةِ بين نهري دجلة والفرات، والتي تمثّلُ قلبَ الشرقِ الأوسط دوراً ريادياً لثوراتٍ اجتماعيةٍ كبرى.
وقد انتشرتْ كافة التطوراتِ التي حدثتْ في ميزوبوتاميا، إلى جميع أصقاعِ العالم من بعد الشرق الأوسط. خلقت القيم الأخلاقية والمعنوية من بعد تطور وعي العيش المشترك على هذه الأرض بريادة المرأة أيضاً. لقد كان اكتشاف الميثولوجيا، الدين، الفلسفة، العلم، الفن، المعمار، الكتابة وما شابه ذلك لأول مرة في جغرافيا الشرق الأوسط، هي من نتاج ثقافة المرأة الآلهة. كما جاء قداسةُ وعظمةُ المرأةِ من قوتها المجتمعية الطبيعية في حماية الحياة وقيادة المجتمع واستمراره. قُدست الآلهة الأم، رمزُ البركةِ والخصوبةِ والجهدِ لأول مرة في التاريخ على هذه الأرض لذا، فإن للشّرق الأوسط قوة اجتماعية جذرية، وتاريخ ثقافي عريق، وميراث حرية المرأة. لذا ما لم نغوص في التاريخ بشكل صحيح وإن ما لم نحلل الانقلاب الاجتماعي الحاصل إزاء المرأة، حينها يستحيل حتى التفكير بكيفية حصول التكون الذكوري الاجتماعي أيضاً.
التكوين الاجتماعي
إن لم نمرِّر التاريخ من مصفاة النقد البناء بشكل أكيد، ولم نصحح مسارهن من هذه الزاوية؛ فإن أية ثورة ستقوم، لن تنجو من التحول إلى ثورة فاشلة، وخلال فترة وجيزة. بدون إدراك التكوين الاجتماعي للرجل، من المحال تحليل مؤسسة الدولة، أو أساليبها لا يمكننا استيعاب السمات الأولية لثقافة المجتمع الذكوري المهيمن اللاحق لتلك المرحلة، أو تفهمها على نحو صحيح، وصياغة تعريف سليم لثقافة “الحرب” و”السلطة” ارتباطاً بالدولة. إن الدافع وراء تركيزنا المكثف على هذا الموضوع هو تسليط الضوء على حقيقة الشخصيات الربانية (الإلهية) الفظيعة، وعلى كل حدودها واستعماراتها ومذابحها المرتكبة؛ والتي لم تكن سوى حصيلة لكافة التمايزات الطبقية الظاهرة بعد تلك المرحلة.
فإذا ما حللنا المفاهيم السوداوية لـ (السلطة السياسية، الدولة) وبمنظارها في التقديس، ستتحقق حينها اسوأ كارثة مضادة للعقلية الإنسانية. وهذا ما يحصل فعلاً. أما تسمية ذلك بالمؤثر الضروري لأجل التقدم، فتُعَد أخطر الثورات. لذا، إنْ لم نمرِّر التاريخ من مصفاة النقد البناء بشكل أكيد، ولم نصحح مسارهن من هذه الزاوية؛ فإن أية ثورة ستقوم، لن تنجو من التحول إلى ثورة فاشلة، وخلال فترة وجيزة.
يمثل التنظيم العسكري الذروة التي تبلغها ثقافة الصيد والحرب. ويتطور هذا التنظيم كلما تبعثر المجتمع الطبيعي والاثني. وبينما يُطوِّر التنظيم الملتف حول المرأة الأم علاقات النَّسَب والجِينات والقرابة، يتخذ التنظيم العسكري من الرجال الأشداء المنقطعين عن هذه العلاقات أساساً له مع انهيارِ عالمِ المجتمعِ الطبيعي للمرأة أولاً، ومن ثم الشبيبة والأطفال، وتأسيس الهرمية المعتمدة على القوة والخداع (الميثولوجيا)، وتسليطها عليهم؛ يتحول ذلك إلى شكل مهيمن للمجتمع الجديد. في حين يتزامن ذلك مع تصاعد ثورة مضادة جذرية أخرى، حيث تبدأ مرحلة التضاد مع الطبيعة، والتوجه نحو تدميرها وتخريبها. إن الاعتقاد باستحالة العيش والتطور من دون وجود نموذج القتال وممارسة الصيد، ليس بفرضية ذات أصل. إن هذا التعليل المقتضب كفيل بما فيه الكفاية للإشارة إلى التشوه والضلال الناجم عن التطور الاجتماعي المرتكز على ممارسة الصيد والقتال.
حيث يمثل التنظيم العسكري الذروة التي تبلغها ثقافة الصيد والحرب. ويتطور هذا التنظيم كلما تبعثر المجتمع الطبيعي والاثني. وبينما يُطوِّر التنظيم الملتف حول المرأة الأم علاقات النَّسَب والجِينات والقرابة، يتخذ التنظيم العسكري من الرجال الأشداء المنقطعين عن هذه العلاقات أساساً له.
وغدا يقيناً أنه ما من شكل للمجتمع الطبيعي يمكنه الوقوف في وجه هذه القوة، حيث تدخَّل العنف الاجتماعي، وهنا يكمن المثال الحي في “إيران” عند قتل النساء تحت مسميات عدة وشرّعنة قتلهم لأنهم تجاوزوا قوانين الدولة وشريعتهم الدينية، حيث كانت قضية مقتل “جينا أميني” الأكثر بشاعةً، والتي عملت صدى عالمياً بين كافة الدول العربية، وفجرت ثورة لا بداية لها ولا نهاية، لأن قتلها بهذه الطريقة أثارت غضب بقية النسوة الأخريات أيضاً للتضامن معها ورفع شعارها وصوتها عالياً ليصل لأبعد نقطة على هذا الكون.
أما في مصر نجد سلسلة متتالية من جرائم القتل والعنف والذبح التي هزت بكيان المجتمع المصري مثل مقتل الطالبة نيرة أشرف، التي طُعنت وذبحت أمام جامعة المنصورة، ولا زال الحبل على الجرار ونرى أمثال هذه الجرائم تتكرر في تركيا واليمن والعراق غيرها من الدول العربية في الشرق الأوسط، هكذا تُفتَح الطريق أمام المُلكية الخاصة أيضاً، ويمكن الاستيعاب أن العنف يتخفى في أساس المُلكية.
العنف وعواقبه الوخيمة
إن الاستيلاء بالعنف وسفك الدماء، يعزِّز عاطفة الـ “أنا” بشكل مفرط إذ لا يمكن تطوير وسائل العنف وتطبيقها، دون وجود التحكم والهيمنة على العلاقات. أما الهيمنة والتحكم، فمنوطان بدورهما بالتملُّك وهي علاقة جدلية والتملك هو لُبُّ كل الأنظمة المُلكية… وما يلزم عمله هو، ترسيخ هذا التكوين الجديد في عقل الإنسان المستحكَم على أنّه تطور عظيم ومهيب. فحرب إضفاء المشروعية عليه، تستلزم تفنُّناً ومهارة في الجهود، بقدر تطلبها العنف الفظ بأقلِ تقديرٍ. حيث يجب توطيد عقيدة في عقل الإنسان، وكأنها القانون المطلق كل المعطيات السيسيولوجيا تشير إلى أنه تم بلوغ مصطلح “الإله الحاكم” في هذه المرحلة هكذا يُصوَّر اصطلاحها الرمزي. لا يمكن التفكير بإمكانية العيش دون الامتثال الصارم لحياة وضوابط التنظيم المرأة وهي ليست مصدر خوف أو ورع، بل عامل تعزيز وتوطيد، تُكسِب المرءَ الشخصية وتمده بالقوة تملاك المرأة هو أساس كافة العبوديات.
إلى أي مدى نشعر بعمق النضال الذي تم خوضه إلى الآن؟ باتت الظواهر التي نحياها ضمن حياتنا جزءاً من أسلوب تفكيرنا. ما هو مدى جموح رغبتنا بمعرفة ومحاسبة ما نحياه اليوم، ووثاقة ارتباطه بالماضي؟ وهل هو امتداد له؟ وماهية المستقبل الذي هيّئه لنا؟! من هم الذين يلهثون وراء تلك الظواهر التي ركزنا أبصارنا عليها وأهدينا أفئدتنا لها؟ وما هو عددهم؟
يقال بلغتنا الراهنة بأن الانسانية والمرأة على وجه الخصوص تحوّلتا إلى بؤرة لعبودية حديثة. هذه الحقائق هي من النوع الذي تصادفه أذهاننا وتصطدم بها في أي وقت كان. إلا أن درجة إحساسنا وتفكيرنا بما طرحناه من أسئلة يعتبر موضوع جدلاً مغاير. مئات الحالات المفيدة للعبودية التي فيها إما أن تُقتل أو تقتل، نسمع بها أو نتابعها عن طريق الإعلام. وكأناس شرق أوسطيين فإننا نتقابل مع العادات والتقاليد وجرائم غسل العار والضغط وما شابه ذلك، كلّ يوم وليس عن طريق الإعلام فقط.
فلسفة الرموز وتأثيرها على نمط الحياة
لا بّد من طرح السؤال التالي: كيف استمرت عبودية الإنسانية والمرأة خاصة لآلاف السنين، ولم تتغير مقدار ذرّة، بل تعمّقت أكثر من السابق؟ رغم أن العلم والتكنولوجيا والمعرفة والوعي في تقدم مستمر، إلا أن الإنسانية لم تجتث ذاتها من براثن إبادة الذات (الجوهر). وما نطرحه الآن يعتبر من أهم المواضيع التي يجب أن يدرسها العلم بمختلف جوانبه. أما في سطورنا هذه نخص فيها الواقعة لتكون إحدى الأجوبة ورافداً من روافد الحل، هي البحث في مكانة الرموز الموجودة في حياتنا. فما هي الرموز التي توجه حياتنا؟
المرأة، الحياة، الحرية، وتحريف لمعانيها الطبيعية
المرأةُ روحٌ حرةٌ وجهدٌ وإبداع. أفقها ليس بالضيق، ولكن بيد العقلية الذكورية وبحكم عقليته شُتت هذا العالم ومازال يشتت، وفقاً لحاجة وروح الرجولة الجامدة والمحددة بأطر دائماً. إن التعبير عن حقيقة المرأة، الحياة، الحرية ضمن مجتمعات الشرق الأوسط تم تحريفها والتعبير عن معناها الحقيقي بشكل خاطئ. ومن هنا تحليل الكثير من الرموز المؤلفة أمام ناظرنا سيكون الأسلوب الصحيح لإعطاء حقيقة المرأة الحياة الحرية تعريفها الصحيح.
حين نتطرق إلى العادات والتقاليد التي فرضت على المرأة هي تلك التقاليد المبنية على أساس هذا المفهوم الذكوري المهيمن في جميع مجتمعات الشرق الأوسط، ومن هنا بدأت شرارة ثورة المرأة في أغلب الدول العربية، مثل إيران ومصر واليمن والعراق، للتغيير الجذري في بنية المرأة شكلاً ومضموناً بفكرها الفلسفي وتطورها الحضاري لأن تغيير معايير العالم أجمع، بأن حريتها بدأت بنضالها ومقاومتها على كل القوى الحاكمة والسلطات المستبدة.
فالمرأة كانت ولازالت هي الحياة الحقيقية ومنبعاً للحرية، وعالم المرأة عالم ديناميكي ودائمُ الجريانِ ومتعددُ الجوانبِ. المرأةُ روحٌ حرةٌ وجهدٌ وإبداع. أفقها ليس بالضيق، ولكن بيد العقلية الذكورية وبحكم عقليته شُتت هذا العالم ومازال يشتت، وفقاً لحاجة وروح الرجولة الجامدة والمحددة بأطر دائماً.
الصورة الرمزية للمرأة عبر التاريخ
في عصرٍ ما، رُمزت للمرأة كجسد، وفي آخر لجنسيتها، وكذلك رمزت للأمومة، ورمزت كمريم العذراء من دون أي لون. ولكن يبقى الشعار كما هو: “المرأة هي الحياة والحرية”. فكما الحياة ذو ديالكتيك ووحدة متكاملة لا تتجزأ، هكذا كان عالم المرأة قبل أن تمتد يد الرجل لعالمها.
لقد أعطت المرأة الحياة للإنسانية والمجتمع بكل جوانبها، وليس من جانب واحد فقط. أعطته الروح، وأعادت الحياة إلى مسارها الصحيح بفلسفتها التي تعشق للحرية. لكن منعت لغة المرأة باسم الشرف والدين والتقاليد في العهود الذكورية، أو أنها شكّلت من جديد وحضرت لتستخدم للسلطة وباسم الحرية، وبالنتيجة جعلت حقيقة المرأة عُرضة للاستعمار، ووضعت القيم العائدة للمرأة تحت نير استعمار لا نهائي، واستخدمت ضد المجتمع والحياة والمرأة بحد ذاتها تحولت إلى موضوعاً للشراء والبيع والمُلك، وهكذا المرأة والوطن والعلم والوطنية تحولوا إلى مُلك.
السبب الكامن وراء كل هذا هو أن جميع هذه الظواهر معجونة بعجينة الذهنية الذكورية كما أن كل أيديولوجية تتخذ من هذه الذهنية أساساً لها فإنها بداية تضع المرأة ضمن هذه المفهوم ومن ثم تطمح إلى وضع النساء جميعاً. لآلاف من السنيين تحدثوا وقيّموا رموز وقوة الأم المقدّسة أو الآلهة الأم؛ المرأة ضمن الحياة هي الحياة بعينها. إلا أنه بتأسيس البطرياركية حقيقة المرأة التي رمزت تحولت إلى المرأة المتخلفة والعبدة والكلاسيكية ولأن هذه المرأة ليست حرة فلن يكون بمقدورها أن تُحرّر.
تأثير الرموز على السياسة
الرموزُ بأجمعها تؤثرُ على السياسةِ بشكل من الأشكال، كنا قد ذكرنا في الأعلى كيف تسير القوة الحاكمة والمتسلطة السياسة من خلال الرموز، إن نظرنا بعينا امرأة عندها سنرى كم يعاش وضع سيء. بتقييمنا للفترات الماضية أي من بداية تحكم الذهنية الذكورية إلى يومنا. هنا فسنرى أنّها كانت مليئة بالصراع والمناوشات المستمرة التي قام بها الرجل ضد المرأة، ايديولوجياً وسياسياً، والمرأة كانت في مقاومة دائمة ومواجهة مستمرة.
مقاوماتها كانت فردية أو جماعية منظمة أو واسعة أو ضيقة إلا أنها قاومت بكثرة. ولكن بكل أسف لم تستطعْ أن تنهي التحكم الذي استغله الرجل لتصبح قوة في النهاية. كلّما تطوّرت المرأة، فإن وسائل تعبيد المرأة تتطور هي أيضاً، لتصبح موافقة للتطور، أي النظام المضاد للمرأة يترسخ أكثر لتكون نظريته قوية. في الفترات التي كانت المرأة فيها خائرة القوة والوعي والمعرفة النظام المتسلط لم يرَ أية حاجة إلى أن يُسيّر نظامه بخفاء، ومن دون أن يشعر به الطرف المضاد، ولكن مع انقلاب الموازين بالعكس فإن الأمور تغيرت فأصبحت المعادلة كالتالي / كلّما تطوّرت وانتشرت آفاق المرأة، كلما كان على العقل الذكوري أن يعمل على خداع المرأة ووضعها ضمن نظامه وجعلها وسيلة للاستخدام من دون أن تشعر بذلك ومن ثم جعلها بديلاً ليستخدمها متى شاء، ومن كل هذا يجعل المرأة أن تتحول إلى نوع، وبالتالي يخفي نواياه من وراء ما يفعله/.
تمردات المرأة نحو الحرية
كل ما طرحناه سابقاً، لم يكن حصيلة ليلةٍ وضحاها، بل كان على مدار ألفي عامٍ، أو حتى أكثر، وكان في صراع مرير على طول السياق التاريخي بأكمله، والتمردات في كل عصر من العصور ودرجة الوعي والمعرفة فيها مع تاريخ الحيلة والخداع في النظام الذكوري، فأن تلك التمردات تبقى بدائية على صعيد التجربة؛ لذا مازال النظام الحاكم يعمل على استخدام المرأة من خلال الرموز، وتطبيق قوة الرموز عليها، ومازال يستحوذ على القوة النوعية التي تجعله قادراً على أن يستعبد المرأة، ويجعل المجتمع شريكاً له في تلك الألعوبة.
لم تستطعْ أيّة انطلاقة منطلقة باسم أيديولوجية الشّعوب، أو أية عقيدة، من أن تنهي عبودية المرأة مهما كانت درجة قوتها. والآليات الأساسية لبناء الحياة مثل المؤسسات السياسية والحقوقية والبنى الاجتماعية، لم تزل تعطي المرأة مكانة رمزية فقط، وحتى الثمن المقابل لتلك المكانة حتى ولو كانت رمزية فإنها باهظة وتدفعه المرأة.
ولأن مكانة المرأة غير واضحة في ميادين أشغال الدولة والدين وإعمار المجتمع، لذا لا يكون بمقدورها أن تنهي الآليات غير المفهومة، والتي تستعبد المرأة وبالنتيجة لا يتحقق التغيير والتحول، وإن تحقق فإنه ينظر إلى المرأة على أنها آلة أو رمز للإنتاج البيولوجي/ هي أم للإنجاب.
الأمومة الحقيقية هي إحياء ثقافة المرأة – الأم
الأمومةُ هي خاصيةٌ أساسيةٌ من خصائصِ طبيعةِ المرأة وهي مقدسةٌ للدرجة التي منحت اسمها للنظام الذي أبدعته. هذا النظام المُعاش لآلاف السنيين كنظام الأمومة وقوانين الأمومة والربة أو الآلهة الأم.
الأمومة ذات طابع خلاّق ومُحي ثقافة الانُثى في كل مكان وزمان، إلا أنها استخدمت بالشكل المناقض لجوهرها فأعطت شكل الوطن الأم أحياناً، وأم للوطنية في أحيان أخرى، وأم للجنود، وأم للأطفال، إلى ما هنالك من الرموز التي منحوها للأمومة واعتبروها هي المفيدة للأمومة الحقيقية وبات المجتمع بأكمله يقبل بتلك الأمومة.
وبالمقابل على الأم أن تدافع عن سلطة وتقاليد وهيمنة الدولة، وكي تستمر تلك الهيمنة، عليها أن تُنجب الأطفال وخاصة الذكور منهم فهم الأهم. من خلال هذا الدور يظهر عدم تحمسهم إلى أن تتحول تلك الأم إلى رمز للسلام والعدالة والمحبة والاخوة، ويشجعون الصفة التي منحوها للأم من خلال المسلسلات والفن والأدبيات والمواعظ الدينية، وبكل مؤسسات الدولة، كما أن هذه الصفة أو لنقل الموديل، لأنه بالفعل جعلوها كموديل، وموضة، فإنه ينتج على أنه الأنسب، فلذا على كل الأمهات أن يلبسنَّ الثياب المفصلة لهنَّ من خلال ذاك الرمز.
ما نتوقف عنده هنا ليستْ الأمومةُ المقدسة، والتي تعطي الحياة فهي ذاتها المقدسة، إلا أننا نتوقف ونشير هنا إلى الأمومة التي رمزت بيد النظام الذكوري، أو رمز الأم التي ترمز إلى العائلة، البذرة الأساسية للدولة. الأمومةُ هي خاصيةٌ أساسيةٌ من خصائصِ طبيعةِ المرأة وهي مقدسةٌ للدرجة التي منحت اسمها للنظام الذي أبدعته. هذا النظام المُعاش لآلاف السنيين كنظام الأمومة وقوانين الأمومة والربة أو الآلهة الأم.
أثبتتْ المرأة في مجتمعات الشرق الأوسط كينونتها كأنثى حرة، مهما اختلفت عليها الرموز، مستعينة بهويتها وتكوين وجودها وبفلسفتها، للتعبير عن رؤيتها للمستقبل التي هي جزء أساسي في تكوينه وتشكيله، والحياة الحقيقية التي تسير بخطاها الراسخة شيئاً فشيئاً نحو الحرية.