تاريخ حرية المرأة وحقيقة نضالها الشامل
تاريخ حرية المرأة وحقيقة نضالها الشامل
“سيكتب التاريخ بفلسفة المرأة المناضلة،
حقيقة المرأة، والحياة، والحرية أعمق من كافة الشعارات البراقة”
لنا حسن
الحياةُ قيمةٌ مقدسةٌ، كونها تمثّل طاقة الكون الطبيعية في التجدد والازدهار، وهي لا تنفصل عن طبيعة المرأة، فمن البديهي البت بأنَّ “الطبيعة والمرأة والكون” ثلاثية معقدة متداخلة، ولا يمكن الفصل بينها، إذ أنَّ لها تفاصيل ومجريات، تتشابه جداً مع بعضها. فمنذ بداية المجتمع الطبيعي ولعصر الآلهة، ومع كلَّ الشرائع التي حاولت تدنيس طبيعة المرأة، بقيت هي والطبيعة والحياة والكون، على علاقة متينة على الأقل روحياً، فطبيعة جسمها تكاد تشبه الفصول السنوية، وتشبه الكون في تنوعه.
ماهية الحياة المقدسة
لقد وجّه القائد “عبد الله أوجلان” الكثير من تحليلاته للمرأة، لتحاول الالتفات لماهيتها المقدسة، وأطلق مفهوم “المرأة، الحياة، الحرية” بناءً على تلك التوجيهات، التي استهدفت نساء كردستان والعالم، واليوم نجد هذا الشعار يجوب البلدان، ويترجم لعشرات اللغات، وتتبنّاه المسلمة والمسيحية، ومن كافة الأديان والطوائف، فقد وجدت هذه التحليلات طريقها للعالم، وأدركت المرأة أنَّها هي الحياة، وهي الحرية.
وفي الوقت نفسه الحياة هي التي تخلق معنىً للنضال والمرونة، كما أنَّ الحرية بكرامة تستحق الحب، والحياة الحرة انعكاس لحب الحياة، كما يقول المناضل والثوري العظيم “كمال بير” إننا نحب الحياة بقدر ما نضحي بحياتنا من أجلها”.
مقاومة المناضلات
ومن هذا المنطلق فقد ضحّت المئات من المناضلات بحياتهن، من أجل حب الحياة الحرة الذي يدق في القلوب، بالنضال من أجل الحرية. مع آمالٍ جديدة بوطنٍ حرّ، زرعن بذور الحرية في كل مكان، فقصص انتفاضات وتجارب النساء في (ديرسم، أكري، بوطان، آمد) تقام اليوم على أرض روج أفا، ومن لم يسمع عن حقيقة الحياة الحرة، وجدها في ثورة روج آفا، وشهد المقاومة المعاصرة للمرأة.
تضحيات المناضلات
كانت تضحية الشهيدة أرين ميركان في جوقة مقاتلات وحدات حماية المرأة YPJ في مقاومة كوباني، اسماً للشجاعة والإيمان والنضال. كما أصبحت الشهيدة “أفيستا خابور” رمزاً للمقاومة، لتلهمَ المرأة ثقافة التضحية بالنفس على نهج الثوريات “بسي، وظريفة، وليلى قاسم، وبيريتان، وزيلان، وسما يوجه”، وكتبت صفحات التاريخ تضحياتهم بسبب مقاومتهم ونضالهم اللامحدود.
لذا حددت المرأة واقع الحرب من خلال فلسفة المرأة الحرة والروح الفدائية، وعلى هذا الأساس، تواصل المرأة كفاحها بروح المرأة المناضلة، لأن دائرة المقاومة التي امتدت بالتضحية، وتمجيد الحياة الحرة بأفعال النساء الجريئات، أدّت بكلّ لحظة من الثورة إلى النصر من أجل أن تتفتح جميع زهور ربيع المرأة.
لقد ضحى العديد من الأبطال بحياتهم من أجل الوصول إلى معنى الحياة الصحيحة، لأن تثمين الحياة العظيمة يكون عبر العمل العظيم، بهذا تبلّغ الحياة ذروتها في المعنى الحقيقي لها، ويصبح الفعل أيضاً وجه الحقيقة. والحقيقة التي يبحث عنها طالبوا الحرية، هي حقيقة بلغت ذروتها في ثورة روج آفاي كردستان. وفي خضم هذا النضال، أصبحت هذه المرأة تعشق المقاومة والنضال ضدّ الظلم والهيمنة والاحتلال.
وإيماناً بفلسفة القائد “عبد الله أوجلان” والتي بنت نموذجاً للفكر الديمقراطي وتحريراً للمرأة. وانطلاقاً من مقولته: “الأمل أكبر من الانتصار“. فالأمل صدى لا محدود في القلوب، وكأنَّها خصلة شعر مجدولة بإحساس الحرية، ينتشر فروعها ليصبح الأيمان، وحب الوطن والحرية والأخلاق لأجل حياة كريمة وإنسانية.
الحرية الكونية
تطرقنا للصلة المتجذرة لمفهوم الحياة والحرية، وتمحورها حول حقيقة المرأة. الحرية تعد مطلباً وحقاً كونياً – غريزياً، فهي مقياس لتطور المجتمعات الإنسانية بشكل عام، إذ لا نقصد بالحرية بمفهومها الضيق الملتصق والملازم للفرد، إنّما الحرية الكونية، والتي تنعكس على حرية البشرية، وتخلصها من الاستعباد والانحلال.
لا يمكن لأي ثورة أن تدرسَ قضية حرية المرأة إلّا وإذا تعمّقت بشكلٍ سليم فلسفياً، وأيديولوجياً، وتنظيمياً، وعملياً، وتُموضِعها بموجب ذلك. إذن، ثمّة معضلة جدية في تداول قضية المرأة عانت منها الكثير من الثورات، فكانت نتيجتها تتمثل في أسلوبين:
الأسلوب الأول: إمّا أنَّ النساء والتنظيمات النسائية قالت “المصالح العامة فوق كل شيء” فتراجعت عن تطوير نضال حرية المرأة، وفقدت خاصياتها مع الزمن في متاهات النشاطات والمشاكل العامة. أي انحلت واضمحلت.
الأسلوب الثاني: وإمّا أنَّها قالت: “حرية المرأة قبل كل شيء”، فبترت نفسها من القضايا العامة للثورة، وانقطعت عن المشاكل الاجتماعية، فاهترأت في داخلها، وتفسخت، بسبب عدم تشغيل الطاقة الكامنة في المرأة، أو تسخيرها في خدمة الثورة والمجتمع.
وقد أدى هذا التقرب أيضاً إلى انحلال واضمحلال خاصيات المرأة، ولكن من زاوية أخرى. فبدلاً من تحديد وجهة أيديولوجية، وتنظيمية صائبة في النضال، والصراع بشكل راديكالي تجاه المواقف التسلطية للرجل، في سبيل بناء شخصية الرجل، الذي يمكن العيش معه؛ نظرت إلى مسألة الهيمنة والتسلط بشكل ضيق، وحصرتها في جنس الرجل فحسب. مما أدّى إلى اتباعها مواقف فظة ومتمردة.
كما أنَّ تطور المجتمع الأبوي من أحشاء المجتمع الأمومي الطبيعي، وتناميه كان أخطر انحراف في التاريخ، إنَّما يعبر عن مضمون أشكال القتل والاستعمار الفظيعة الممارسة، على مرَّ التاريخ وحتى راهننا. هذا التطور، بدلاً من أن يكون قدراً محتوماً أو شرطاً ضرورياً لأجل التقدم، صار انحرافاً وضلالاً، بكل ما للكلمة من معنى.
المبادئ الديمقراطية بالنسبة للمجتمع
إن المجتمع الطبيعي الذي نتحدث عنه اليوم، ونسعى لإعادة إنشائه من جديد، حسب المبادئ الديمقراطية للمجتمع الحر، يعني عكس النظام الطبقي الجنسوي الذكوري إلى ضده. فكي نكون قادرات على تحقيق المجتمع العادل الحر، يجب أولاَ، أن نقوم بتصحيح ما تمَّ الخلط فيما بينه من أخلاق المجتمع الطبيعي، وعادات المجتمع الطبقي.
فكلّ ما قمنا بذكره في الأعلى يسمى بعادات وتقاليد المجتمع الطبقي، والتي تمَّ وضعها مكان الأخلاق، أي تم تبديل الأخلاق بالتقاليد الرجعية للمجتمع الطبقي، والتي تفرض العبودية على المرأة. لذلك يمكننا القول إنَّ الأخلاق تعني الفضيلة، المعرفة، الوعي، الجماعية، التواضع، المحبة، البحث عن الخير، ونبذ الشر، العدالة. وكلها مصطلحات تنصبّ في تعريف الحياة، وتقرّب المجتمع من المرأة إن لم يكن أخلاقياً، لا يمكنه أن يكون مجتمعاً حراً وديمقراطياً، فالديمقراطية أيضاً ملازمة للأخلاق.
الأخلاق تمثل جوهر الديمقراطية والحرية.
باعتبار أن مجتمعاتنا هذه ليست ديمقراطية بشكل عام. فلا يمكننا القول: إنَّها مجتمعات حرة وأخلاقية. فما يتطلب تغييره لإعادة إنشاء المجتمع الديمقراطي هو القواعد الأخلاقية، والتي تضبط المجتمع بمقاييس الحرية والاشتراكية الديمقراطية، وتصحيح ما تمّ تحريفه خلال آلاف السنين والعقود الطويلة. يجب أن تتمحور هذه التغييرات حول حرية المرأة والمجتمع الديمقراطي.
فلسفة المرأة، الحياة، الحرية مستلهمة من نضال وكفاح مديد
وأخيرا نستطيع القول: إن شعار المرأة، الحياة، الحرية مستلهم من نضال وفلسفة تمتد لعشرات السنين. وعند دراستنا لهذه المفاهيم ندرك العلاقات الوثيقة بينها، فعندما يسعى أي مجتمع إلى حياة هادفة وذي قيمة، فعليه أن يعيش بشكل هادف ومنظم، وعليه أن يعرف حقيقة الحياة ويفهمه، وعندما ندرك معنى الحياة الحقيقية سنحظى وقتها بحياة حقيقية.
فما هو تعريفنا للحياة؟ وما هي تعاريفنا للحياة الكريمة؟ وكيف نبني حياة كريمة، ونحافظ عليها؟ كل هذه الأسئلة تراودنا، ونحتاج لتقييمها بشكل موضوعي وشفاف، بما يتناغم مع تطلعاتنا لكيفية عيشها وتعريفها. فإذا أردنا أن نعيش حياة حقيقية وكريمة، علينا أولاً أن نخلق حياة حرة، لا يوجد فيها اضطهاد واحتلال ووحشية، حياة تكون فيها جميع المجتمعات متساوية في الحرية، عندها فقط نكون قد خلقنا الفرق، وارسينا المعادلة الصحيحة.