تأثير العقائد الدوغمائية على جوهر المرأة
تأثير العقائد الدوغمائية على جوهر المرأة
“ فُرضت المرأة وجودها في كافة نواحي الحياة،
الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى العسكرية،
لتساهم في بناء مجتمعنا“
ابتسام خيرو العبد
منذ بداية وجود الخليقة وعلى مر العصور كان دور المرأة يتأرجح في المجتمع الذي تعيش فيه بشكلٍ مستمر، فكانت المرأة أحياناً مهمَّشة، واعتبروها أداة للإنجاب والإشباع الذكوري فقط. وبعد مرور العديد من العصورِ، وتطور المجتمعات أصبحت قيادية تقود مجتمعنا بأكمله أمثال زنوبيا المرأة القوية التي اشتهرت بحنكتها وذكائها.
الأساطير والمعتقدات
فقد قيل الكثير عبر الأساطير الأوليين عن المرأة إنَّ في مرحلة ما كانوا يمجدونها ويقدسونها، فقد ذكرت العديد من النساء على أنهن أساطير مخلّدة ارتبطت في أذهان المؤرخين حول الجمال، ومنهن “هيبا تيا” رمز للعلم والطهارة والنضال، وفيلسوفة وعالمة وأسطورة الجمال.
فكانت أول امرأة تحكم مصر، وكانت مرسخة حياتها للعلم والثقافة والفكر الحر، إلى أن لقت حتفها على يد الرجال الذين اعترضوا على أيديولوجيتها من ناحية فكرها وفلسفتها.
وهناك أيضاً بعض الأساطير التي اعتبرت المرأة مشعوذة وساحرة، ويجب التخلص منها، وظلَّت على هذا الحال إلى أن ترسَّخت وتراكمت هذه المعتقدات والعادات السيئة في المجتمعات، وهذه العادات مؤرخة ومتراكمة عبر العصور.
فوصلت المرأة إلى حالة مزرية، وتغيرت النظرة إليها، وأصبحت عبدة ذليلة خلقت لتلبّي حاجات الذكر وغاياته التي لا حدود لها، وتقوم برعايته وخدمته، ومحظور عليها العمل والاختلاط، وحتى الزواج بمن تريده زوجاُ لها، وإنّما هي ملك للرجل يقوم ببيعها وشرائها متى ما أراد دون وجود رقيبٍ أو حسيب.
فمنَ الضروري علينا الرجوع إلى واقع المرأة في المجتمعات العربية، وذلك في محاولة لإجراء استقرار وتحليل اجتماعي لوضعها آملين تجاوز جميع القيم السلبية والاستبدادية من تلك المجتمعات، والتخلص من العادات والتقاليد البالية التي أدت إلى تخلف المرأة وخضوعها لهيمنة الرجل.
فقد بات من المعلوم أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين السلطات الاستبدادية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية التي تحمل أفكار دوغمائية دون الرجل.
حيث تبدأ الترابطية المطبقة في مجتمعاتنا من سيطرة الاقليمية المهيمنة على السلطة السياسية المستبدة أو من تشويهات دينية متطرفة، وهذا ما أثر بشكل كبير على وضع المرأة، فسلب منها انسانيتها وحاضرها ومستقبلها في أن تلعب دوراً ريادياً في المجتمع.
فالقضية الجوهرية في قضية المرأة تكمن في أنه تمّ استبعاد النساء عن شتى المجالات الفكرية والثقافية والسياسية، وسبب ذلك أن مجتمعنا لا يزال يعتمد على النظام الدوغمائي المعقّد.
وباعتقادي حينما نبحث عن جذور مشكلة وضع المرأة نجد أنه يتمثل في حالتين:
أولاً: العادات والتقاليد البالية التي لبست لباس الدين لإطفاء حالة من القداسة، فأصابت المجتمع بأمراضٍ لن يشفى منها ما لم ندرك خطورتها وأثرها على أفراد المجتمع عامة والمرأة خاصة.
ثانياً: تنميط صورة المرأة: فأغلب المفاهيم المتداولة في ثقافتنا هي نتائج العقلية الاجتماعية كشعبية أفكارها الغريبة البعيدة تماماً عن النصوص الدينية التي عادةً يطلقونها بها والمرتبطة المفروضة بالمكان والزمان الخاصة لتعثراتها.
شكلّت هذه المفاهيم والأفكار كمجموعة من الممارسات والسلوكيات التي اتخذت بعداً دينياً طبقت على المرأة فقط، وبشكل خاص مجتمعات الشرق الأوسط التي ارتبطت بالدرجة الأولى على جسد المرأة، فسيطرت فكرة امتلاك الرجل للمرأة، وجعلها ملكاً من ممتلكاته الثمينة الخاصة به دون الالتفات إلى أن شرف المرأة نفسها، وأيضاً متمثل في والدها وزوجها وولدها، فقد فصلت مسائل الشرف في مجتمعاتنا إلى حد التطرّف، حيث تم التعامل معها قانونياً على أنها مسألة تخص الرجال في العائلة.
العادات والتقاليد المعادية لوجود المرأة
معاملة المرأة بقوة وحرمانها من حقوقها والتعدي على حريتها، والتعامل معها على أنّها مخلوق لأعمال محددة وإلغاء فكرها ظلم كبير يقترف بحقها. قتل امرأةٍ موضوع للشك على يد أحد أفراد عائلتها، وتعتبر جريمة في حقها، وغالباً ما تلقى حكماً قانونياً محافظاً، ونحن نعاني للأسف من تخبّط وحالة من عدم التوازن وتناقضات ما بين السلبي والإيجابي، ودوغمائيات الفكر بدءاً من العادات والتقاليد التي أنصفت المرأة في جوانب وظلمتها في جوانب أخرى مثل شعور المرأة بأن والدها وأخوها وزوجها مسؤولون عنها مسؤولية احتواء وتكريم، كإنصافٍ للمرأة ولمشاعرها ومعاملتها باحترام وتقدير دورها كأم وأخت وزوجة وامرأة عاملة خارج المنزل، وإعطاء المرأة حقوقها.
المرأة هي الأم الريادية القادرة على تربية الشباب والشابات والمجتمع تربية طيبة، وهي الأكثر تأثيراً فيهم، وتساهم في نجاحاتهم في الحياة.
تتميّز المرأة بقدرتها الطبيعية على رعاية الآخرين والشعور بهم، ويساهم ذلك في زيادة شعورها بزوجها وفهمه ومعرفة ما إذا كان يشعر بضيقٍ أو يعاني من شيء ما، فتقوم بمساندته ودعمه والتخفيف عنه، كما أنَّها تقدم الدعم العاطفي والتشجيع لجميع أفراد العائلة، وبالتالي تزداد قدرتها على المقاومة، فهنا تكمن أهمية دور الأمومة في حياه المرأة إلى كونها عاملاً أساسياً في قيام الحضارة في الأمم فمن دونه لا يمكن أن يكون هناك علماء وعظماء يساهمون في تغيير الواقع بما يفيد الإنسانية.
ويشمل دور الأم الكثير من الأدوار الفرعية المهمة لضمان الاستقرار العاطفي والنفسي لأفراد العائلة، وبناء شخصيات متوازنة، وتتمتع بالقيم والأخلاق الحميدة لما ينعكس على المجتمع ككل سواء كان ذلك عبر اهتمام المرأة بأفراد العائلة ومشكلاتهم، أو تقديم الدعم العاطفي والنفسي لهم.
وتثبيتهم واحتوائهم خاصة في أوقات الشدائد إلى جانب تربية أبنائها وبناتها وتنشئهم على مبادئ الحياة الاجتماعية، والعادات السلمية وتعزيز طاقاتهم وزيادة الوعي في الأمور الدينية والفكرية والسياسية والثقافية، التي من شأنها ترسيخ القيم السلوكيات الصحيحة، وهذا يتطلب من المرأة الثقة بالنفس، وسمو في الطموحات والأفكار وخلق ما هو جديد دائماً، والمبادرة والمواظبة والرغبة الكامنة في العمل والإبداع.
فالمرأة هي الأم الريادية القادرة على تربية الشباب والشابات والمجتمع تربية طيبة، وهي الأكثر تأثيراً فيهم، وتساهم في نجاحاتهم في الحياة.
الأم أساس المجتمع الطبيعي
يعتبر دور الأم من أكثر الأدوار الإنسانية تأثيراً في المجتمعات، وقد أثبتت ذلك في الوقت الحاضر بأنها تستطيع أن تتكيف مع تطورات الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بها، وتؤكد تقدمها الملحوظ في جميع المجالات التي تتطلب المعرفة والنقاش والعمل على ذلك.
وقد أثبتت نجاحها وكفاءتها في رعاية البيت والعائلة، وذلك أدى بالمقابل إلى إزاحة المساحة التاريخية الخاصة بالمرأة الفعَّالة، وصاحبة الدور في التاريخ الشعبي القبلي العشائري، ونبش تاريخ المرأة وتقديمه.
وقد برزت أهمية فكرة النخوة عند العشائر والقبائل من أهمية دور المرأة فيها، والنخوة عند عشائرنا كلمة تشير إلى شيء ثمين، أو حادثة مشرقة، أو امرأة تفتخر فيها العشائر، ويمكن إثارة الحمية والنخوة لهذه العشيرة، وطلب بخدمتها وحمايتها وعفوها عند ذكر اسمها، وقد تكون هذه النخوة باسم امرأة وأغلب العشائر العربية تنتخي باسم المرأة، وقد تكون هذه المرأة قوية الشخصية وشريفة السمعة.
وإذا تتبعنا قصص نشوء هذه العادات التاريخية الأصيلة المتوارثة أباً عن جد بين عشائرنا لكشف جانباً مشرقاً من تاريخ المرأة، والدور الذي تلعبه في هذه العشائر على اختلاف عاداتها وتقاليدها وثقافاتها ولهجاتها أيضاً.
هذه العادات متجذّرة ومتأصلة في مجتمعنا المتمسك بهذه العادات والتقاليد العشائرية القبلية الجيدة، وأنا ذكرت مثالاً للنخوة إذا كان الانتماء بالمرأة غالباً ما يقترن باتخاذها أماً او أختاً للعشيرة مثل /أخو وضحة/ أو /أبناء حمده/، وهذه النظرة تختلف باختلاف العشيرة وعاداتها وتقاليدها الموروثة.
بالإضافة إلى ذلك لعبت المرأة دوراً مهماً في هذه العشائر، فهي الأم التي تلد شيخ العشيرة وتربيه على عادات الآباء والأجداد من إكرام الضيف وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج، وهذه الصفات الجميلة مازالت تحافظ عليها الجدات والأمهات في عشائرنا، وتحاول أن تورِّثها للأبناء والبنات كي تبقى خالدة على مر العصور وتطور المجتمعات.
وهذا يتطلب طاقة ومجهود من المرأة حتى لا يندثر هذا التاريخ العريق من الحضارات والقيم الأخلاقية العشائرية، ونحن ركزنا على موضوع العائلة ودور المرأة فيها وعلاقتها بالعادات والتقاليد، وذلك بقصد الوقوف على طبيعة العائلة ثقافياً واجتماعياً بين زمني الحاضر والماضي؛ لأن العائلة في جميع المجتمعات التي تحتوي جميع المكونات تمر بتغيّرات ذات أهمية بالغة ألقت بظلِّها على تركيبته العضوية.
الأسرة التقليدية
ففي الوقت الذي كان فيه مجتمعنا قبل بضع سنوات مجتمعاً قروياً محافظاً على أساس الأسرة التقليدية، وكانت العائلة هي النواة التي تدور حولها كل القضايا، وهذا إن دل على شيء يدل على مدى قدرة المرأة على المقاومة والصمود، ونحن نعلم أن المرأة منذ وجودها في الحياة وهي تقاوم من أجل العيش بكرامةٍ وسلام.
فالمقاومةُ مولودة مع كل امرأة، وتستمر هذه المقاومة من جيل إلى آخر بدون القدرة على تحقيق الأهداف، ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع وهذا السبب يعود إلى عدة عوامل اجتماعيه ودينيه وبيئية وعقائدية وعشائرية، وعادات وتقاليد كل مجتمع من المجتمعات.
مقاومة المرأة
سيكتب التاريخ عن ثورة وانتفاضة المرأة ومقاومتها ومسيرتها النضالية الحافلة بالانتصارات. إن المقاومة التي أبدتها المرأة عبر التاريخ واستطاعت العديد من النساء أن يبرزن في مجتمعاتهن من خلال التصدي وتحمل العديد من المسؤوليات المهمة والحساسة، ومشاركة الرجل في قيادة المجتمع والعشيرة والدولة والتعليم والصحة والعلوم والفن والأدب وغيرها، وهذا بفضل تكاتف جهود جميع النساء من كافة المكونات كالعربية مع الكردية والتركمانية والشركسية والسريانية، لتشكلنَ قوة لا تقهر، وتسطعنَ من خلالها التحرر.
إنَّ المرأة لن تقبل بهذا الظلم والاستغلال والاستعباد، وقد كان هناك انتفاضة للمرأة على هذا الواقع المرير، والنضال ضد كل المفاهيم السلبية التي قيَّدت إرادتها القوية، وتستعيد أمجادها التاريخية من خلال قيادتها لثورتها العظيمة “الثورة الفكرية ضد الظلم والعبودية”.
ولقد فرضت المرأة وجودها في كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى العسكرية، لتساهم في بناء مجتمعنا وهذه الخطوات أظهرت تقدماً ملحوظاً في واقع المرأة، فوضعها يسير نحو التغيير في كافة مناحي الحياة، وسيكتب التاريخ عن ثورة وانتفاضة المرأة ومقاومتها ومسيرتها النضالية الحافلة بالانتصارات.
واليوم يشهد التاريخ على ما قامت به المرأة من صمود وإصرار وتحدي لكلّ الظروف والصعوبات، وامتداد ثورتها في جميع أنحاء العالم لتمثل جميع النساء وترفع شعارها “المرأة – الحياة – الحرية”. وبما أنَّ جوهر المرأة يكمن في الحياة المشتركة والروح الجماعية من خلال عملها في الأراضي الزراعية، حيث تحمَّلت أعباء الحياة الصعبة، استطاعت أن تترك أثراً واضحاً في تاريخ المرأة العربية والبدوية والكردية، واتصفت بقوتها وعزيمتها التي استمدتها من الصحراء والأرض والطبيعة بأكملها، وعبَّرت بفكرها وفلسفتها عن الحياة الحقيقية.