إصرار المرأة على استمرارية ثورتها يعني نجاحها ووصولها إلى الحياة السامية

إصرار المرأة على استمرارية ثورتها يعني نجاحها ووصولها إلى الحياة السامية

 

 

” القضية هنا ليست قضية المرأة وحقوقها فقط،

إنّما هي قضية حرية شعب ومجتمع بأكمله،

وهي قضية العدالة والسلام ومجتمع ديمقراطي”

إلهام أحمد

تتكرر هذه المقولة أو هذا التوصيف في العديد من المناسبات، لكن ماذا يعني ذلك في حكم الواقع. هل تعتبر مجاملة للمرأة؟ أم أنّه بالفعل لها دلالات تؤدي إلى أن توصف المرأة بأنها فلسفة للحياة؟ للوصول إلى جوهر الحقيقة، لا بّد لنا أن نعرفَ الحياة بمعناها الفلسفي، الذي يعبّر عن الشعور بالكينونة والتجدد والاستمراريّة، يعني الوجود.

هذا الوجود لا يمكن أن يمتلك معنى إذا لم يرافقه الوعي، بمعنى الوعي بالوجود يمكن أن يعبّر عن الحياة الحقيقية أيضاً، فالمرأة باعتبارها كائن حي، لديها خاصية التجدد كما الكون المتجدد بشكل مستمر، ففي هذه النقطة هناك خاصية مشتركة بين المرأة والحياة.

الكون والثنائيات

 الكون له خاصية في الرغبة بالتغيير والتجدد بشكل مستمر، وكل شيء في هذا الكون خلق ليكمل الآخر حتى يعطي أبهى صورة للنظام، الذي يربط كل كائن بالأخر، ضمن نظام قياسي فرضته قواعد فيزياء الكون، والعوامل المؤثرة فيه بدقة لا متناهية.

بهذا الشكل يحافظ الكون على توازنه، ولكن الإنسان كما الكوارث كان، ولا زال هو العنصر الأكثر تسبباً في ضرب قواعد هذا التوازن، وسأتحدث هنا عن العلاقة بين الجنسين الأنثى والذكر.

معلوم أنّهما مخلوقان موجودان في الكون كما أي كائن آخر، يميزه الوعي فقط. يعني الذكاء التحليلي الذي يحلّل كلّ ما هو موجود في الكون حسب خاصية معينة، فعندما أصبح المسيطر على سلوكيات الانسان، خلق حالة عدم التوازن بين الجنسين، وبين الإنسان والطبيعة، بين القرية والمدينة..إلخ من ثنائيات الكون.

المرأة والرجل، هما العنصران اللذان يؤسسان الحياة معاً، وليس بانفراد، لكن عندما تكون العلاقة غير متوازنة بينهما تسير الحياة بشكل غير متوازن، وعلى قدم واحدة.

تجربة المرأة في شمال وشرق سوريا

 تجربةُ المرأة الكردية في شمال وشرق سوريا، خلقت واقعاً جديداً بالنسبة لكل النساء السوريات، لقد ضحّتْ وقدمت الكثير، لكي تكون تجربة عملية مرتبطة بالفكرة والنظرية التي تمثلها، ومن غير الممكن أن تخلق تجربة بدون نظرية.

بالتأكيد النساء بغالبيتهن تفكرن بتحسين ظروف حياتهن، وذلك من خلال توفير حيز من الإمكانيات التي تحقق لها الحرية، أو تشعرها بوجودها. كم هو صعب أن تغير من التقاليد المترسّخة بالمجتمع باسم الأخلاق، الاحتشام، الآداب.

وكل هذه الأمور متمحورة حول المرأة، وكيفية إبقائها تحت الخدمة الطوعية، بكلّ تفاصيل الحياة للرجل ونظامه، وكم هو صعب أن تُقنع المرأة التي تعودتْ على العبودية الطوعية ظناً منها، أنّه القدر المنزّل من الله، وكيف يمكن أن تغيّر المرأة هذا القدر المحتم عليها، والذي يظهر بأنها تمثل العار وليس الحياة. كيف يمكن أن تصل لموقع العمل مع الرجل جنباً إلى جنب، وبنفس الفعالية والصلاحية في كلّ مجالات الحياة.

وبعد أن تخلصت من فكرة الاقتراب من الرجل أو العمل معه، يُعتبر من المحرمات، ومآله الجهنم؟ الموت يكمن في فكرة القدر، من يستسلم للقدر يعني أنه مستسلم للموت، فتغيير هذا الواقع بحدّ ذاته يعتبر ثورة، وهذا ما حققته المرأة في شمال وشرق سوريا، غيّرت المرأة من مسار القدر ورسمته بنفسها.

نعم انقلبت القواعد في هذه المنطقة الصغيرة من سوريا، والتي يمكن أن نسميها بجزيرة الحرية، بدأت المرأة مسيرتها بحضور كلمة خطابية عن المرأة وحريتها وحقوقها وواجباتها في احدى المراسيم، التي تقام في المنطقة، أو السماع لحديث يدور بين مجموعة صغيرة من النساء حول قضايا المرأة واهتماماتها.

مسيرة المرأة الحرة

 بدأت مسيرتها عندما رأت مجموعة نساء شابات قررن أن تكن القدوة في تغيير هذا الواقع، وحققنَ تجربة غنية، وأثبتن أنّه لا فرق بين الرجل والمرأة في القدرة على التفكير والعمل والإرادة.

وتشكل الكلمات نقطة تفكير بدئيه للانطلاقة الأولى، ينحسر الجهل بدءاً من معرفة ألف باء الحياة، تأتي الخطوة التالية في الرغبة بمعرفة المزيد عن حقيقة المرأة والحرية، فتذهب للاطلاع على تجارب الغير من خلال الكتب والروايات، ومنها تنتقل إلى خطوة أكثر عملية ألّا وهو الانخراط في عمل ما خارج إطار المنزل.

نعم العمل الفكري خارج إطار المنزل له مذاق مختلف عن الأعمال الأخرى، التي تقوم بها المرأة خارج المنزل، مثل: العمل في الأرض أو المصنع أو أي عمل جسدي آخر. هذه الاعمال لا تحرر المرأة إذا لم تكن نابعة من عمق الوعي بالعمل الذي تقوم به والهدف منه.

عدم الوعي بها تحولها إلى عميل مستهلك القدرات والتفكير، وهو لا يختلف عن النشاطات المنزلية التي تقوم بها المرأة من إنجاب الأطفال والخدمة الطوعية للزوج، وبالتالي هذه الأعمال تزيد من نسبة الإرهاق الجسدي، وتضاعف من القضايا الفكرية لدى المرأة.

لقد انيط للمرأة دور الإنجاب في المجتمع، نعم بالمعنى الفيزيائي تقدم المرأة عطاء للبشرية من خلال عملية الإنجاب، لكن هل فعلاً تعني الحياة الوجود الفيزيائي فقط، أم تعني الوعي بالحياة؟ هذا ما يتطلب من النساء علمه؛ لأن الثقافة الذكورية الموروثة لم تتركْ مجالاً تتنفس منه المرأة أو تشعر بوجودها، فهي تنشغل بحمل الجنين تسعة أشهر، ولا يبقى لديها المجال كي تفكرَ بمعنى ما تنجبه.

انطلاقة ثورة المرأة

 لقد انطلقت المرأة التي كان قدرة الخيال لديها محبوس بين أربعة جدران المنزل، انطلق إلى عالم العمل خارج إطار الجدران، وخارج إطار العمل المنزلي الروتيني المتكرر، فبعدما كانت تفكر بتأمين احتياجات أسرة لوحدها، أصبحت تفكر بإدارة قرية ومدينة ومنطقة بالكامل.

من أين اكتسبت هذه القدرات والجسارة؟ بالأساس تمتلك المرأة بداخلها قدرات وطاقات هائلة تكفي لإدارة مجتمع ودولة بأكملها، لكن تلك الطاقات بقيت محبوسة لأزمان متعددة، فعندما يتم فتح المجال أمامها، نراها تنطلق للأمام دون أن تنظرَ للخلف.

وهذا ما يحدث في مرحلة الثورات، لكن ما بعد الثورات ومن خلال التجارب التاريخية، التي حدثت في العالم، كانت المرأة دائماً هي الخاسر الأكبر من نتائج تلك الثورات. لماذا لأن مشاركتها لم تحدث بشكل منظم وواعي، إنّما الاندفاع والحماس للخلاص من الظلم والوصول لحياة أفضل كان هو السائد على الاحتجاجات النسوية.

وما بعد الانتهاء تنكرت الثورة بنفسها للمرأة ومطالبها المحقة، ومن هذا المنطلق أخذ الدروس من التاريخ هو الطريقة الأسلم لتحقيق حياة أفضل. ثورتنا في روج آفا خلقت فرص عظيمة أمام المرأة كي تتعرفَ على ذاتها وإمكاناتها، وخاصة عندما يكون هناك تنظيم نسائي ينظمها يشجع ويدفع بها للأمام، ويضمن لها فرص النجاحات المتتالية، وتحققت ثورة المرأة التي أثبتت أن المرأة هي الحياة بالفعل.

ومع انطلاقة ثورة المرأة تغيرت الحياة رويداً رويداً، نظام الرئاسة المشتركة، وضع أسس جديدة للحياة المتوازنة بين الجنسين. هذا النموذج هو الأول في التاريخ وضعت نظريته وتم تنفيذها بواقعية. للرئاسة المشتركة تأثير مادي ومعنوي ونفسي على المجتمع بأكمله، ويعيد التوازن بين الجنسين إلى حالتها الطبيعية.

هذا النموذج قلب كل القوانين والعرف والتقاليد القديمة، التي كانت ترى من المستحيل المساواة بين الرجل والمرأة، والتي كانت تميز بينهما نسبة للفوارق البيولولوجية رأسا على عقب.

هذا النموذج فتح آفاق جديدة أمام المرأة، وأظهر قدراتها، وجعلت المرأة تثق بنفسها، وبمن حولها من النساء في تجاوز الحدود التي تم وضعها لهن من قبل المجتمع والنظام الذكوري، وإعادة وضع القوانين الخاصة بالأسرة والمرأة وتنظيم الحياة العائلية في شمال وشرق سوريا.

القوانين الخاصة بالمرأة

 يعتبر من أهم الخطوات التاريخية التي حدثت في تاريخ المرأة، وبالرغم من صعوبة تنفيذ هذه القوانين على أرض الواقع، لكن بمجرد المصادقة عليها في المجلس العام، ونقاشها مع رجال الدين، ومع شرائح واسعة من المجتمع خاصة النساء، والترويج لها والعمل على تنفيذها من خلال وضع ضوابط للخروقات التي تحدث من قبل المجتمع، كانت كافية لأن تعطي تصوراً عن شكل الإدارة التي تسعى لأن تكون مثالية في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، من بين كل الأنظمة التي تحكم دول العالم والمنطقة.

وأيضاً موضوع الدفاع المشروع من منظور المرأة. يوجد تجارب خاضتها المرأة في ثورات وحركات عالمية وفي الجيوش أيضاً. لكن تلك التجارب لم تحقق للمرأة ذاتها ولم تحميها من هجمات واعتداءات الذكورة، إنّما خدمت الأنظمة الحاكمة كما الرجل.

لكن في ثورتنا حققت المرأة معجزة حقيقية، حيث أثبتت أن مشاركة المرأة في الفعاليات الدفاعية، يمكن أن تشكل الضمان في إبقاء القوات العسكرية في حدود الدفاع، وإبعادها عن العنف المفرط، أيضاً كشفت عن القدرات القتالية لدى المرأة وصدقها في مبادئها، وحرصها على الامن السلمي المجتمعي.

ثورة المرأة المجتمعية

 كانت لهذه الثورة التأثير الكبير على ظهور أحداث جديدة في إيران، حيث رفعت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”. هي ثورة منطلقة في سبيل إنقاذ الحياة، حيث أن طراز الحياة تظهر مدى العلاقة بين المرأة والحياة.

حيث ترى القيود المفروضة على المرأة أوصلت بالحياة إلى درجة لا تُحتمل، في إيران قُتلت الحياة في شخصية المرأة. ومن المعلوم أنه كانت للمرأة محاولات متعددة للقيام بانتفاضتها للمطالبة بحقوقها وبالتحرر، لكن وجهت هذه الانتفاضات بممارسات قمعية من قبل النظام الحاكم وتمّ افشالها، لكن مع بدء الثورة في روجآفا، وظهور الحركة والنشاط النسوي بهذا الزخم والمكاسب التي حققتها أعطت الجرأة للنساء في الإطار الإقليمي والدولي أيضا، واستعادت النساء قوتهن وقدرتهن على السير مرة أخرى نحو النضال. لذلك بدأت المسيرة هذه المرأة تحت شعار “المرأة الحياة الحرية”.

فالنساء تستلهمنَ الفكر والمعنويات من تجارب بعضهنَ، والمجتمع أيضاً يستلهم من المرأة الأمل والنشاط والحيوية، وهذا ما نراه في طبيعة الحراك الثوري في إيران بأكملها. القضية هنا ليست قضية المرأة وحقوقها فقط، إنّما هي قضية حرية شعب ومجتمع بأكمله، وهي قضية الحياة، ففي إيران تم قتل الحياة. لذلك عندما تنهض المرأة تنهض معها الحياة أيضاً؛ لأن المرأة كانت هي القائدة والرائدة للانتفاضة ونادت بالحياة، كان من الصعب على النظام إنهاء المظاهرات.

وخاصة أن المرأة أصبحت تملك تجربة تحققت على أرض الواقع في شمال وشرق سوريا. بمعنى أن المرأة في إيران ليست لوحدها هذه المرة، وإنّما هناك تجربة غنية وواقعية حدثت، وكان حدثاً مهماً في تاريخ المرأة بشكل عام تستلهم منها النساء القوة والمعنويات والطاقة.

لماذا بدأت النساء ثورتهن بخلع الحجاب؟ هل فعلاً أن المرأة تحصر حقوقها في حرية اللباس أم هناك حقوق أخرى مشروعة حرمت منها بشكل كامل؟ بالتأكيد إن خلع الحجاب كان رمز من رموز الثورة، ومنها تنطلق نحو المطالبة بكامل حقوقها المشروعة.

ولمجرد إحداث أي تغيير بهذا الخصوص لا بّد أنه سيتم الانتقال إلى تغيير شامل، باعتبار أن جميع الأنظمة تعتمد استعباد المرأة كأساس لسياساتها القمعية، وبقدر ما يتم تشتيت المرأة يتم التحكم بزمام السلطة أيضاً. هذه المرة لن تترك المرأة مجالا لإفشال ثورتها، وستسمر بشكل أو لآخر للاستمرار حتى تحقيق العملية السياسية في إيران.