فلسفة القائد أوجلان في إرجاع المعنى الحقيقي لمفهوم المرأة، الحياة، الحرية
فلسفة القائد أوجلان في إرجاع المعنى الحقيقي لمفهوم المرأة، الحياة، الحرية
“لا يمكن الفصل بين المرأة والحياة والحرية
وفق نهج وفلسفة القائد عبد الله أوجلان”
فوزة يوسف
يقال بأن الإنسان هو وليد بيئته، إنّه بالفعل تشخيصٌ مهمٌ، ومن الصواب القول بأن الإنسان أيضاً يمكن أن يساهم في خلق بيئة اجتماعية جديدة نظراً إلى قدرته الفكرية والإبداعية التي يمتلكها، ويمكن رؤية هذه الحقيقة بشكل واضح في شخصية القائد والمفكر عبد الله أوجلان.
أهم القضايا الاجتماعية
عندما تكون القضايا الاجتماعية عميقة، فإنها تؤثر على الأفراد الذين يعيشون فيها بطريقتين، أمّا أن يتمَّ العمل على فهم أسباب هذه القضايا ومعالجتها بشكل جذري، ويتم تحقيق انطلاقة اجتماعية، ويتم العمل على الخلاص الجماعي. وأمّا أن يتمّ التهرب منها، ويتمّ العمل على الخلاص الفردي.
في الحالة الأولى، هناك حاجة إلى مواجهة واصطدام دائم، مع هذه القضايا، والقوى التي تعمل على الحفاظ عليها سواء الدولة أم العادات والتقاليد الاجتماعية. هذا الاصطدام يقوي الشخصية ويضعها أمام خيارات صعبة، وهي لعبت الدور القيادي من أجل خوض هذا الصراع. في حين الحالة الثانية تستسلم الشخصية للواقع، وتصبح مع الزمن جزءاً منها، أو تختار الخنوع والخضوع للأنانية الفردية، وتلجأ إلى إنقاذ الذات والتهرب من المسؤوليات المجتمعية.
من خلال مسيرة القائد والمفكر أوجلان، نرى بأنه اختار الطريق الأول، ولذلك كانت حياته دائماً حياة صراع ونضال فكري وعملي منذ الطفولة وحتى الآن. ما جعله أن يكون قائداً ومفكراً هو هذه الصفة، وهو عدم التفكير في الخلاص الفردي، وإنّما تركيزه الدائم على الخلاص الجماعي، لأنه لا يرى الجدوى في الخلاص الفردي، وينظر إليها دائماً بعين الشّك والريبة.
ولأنه في مجتمعنا كلّ شيء محاصر من قبل القوى المحتلة، ولا يمكن للفرد أن ينجو دون أن ينكر قيمه وهويته ولغته، وكلّ شيء يمتلكه، لذلك يقول القائد أوجلان: “عندما ينكر الإنسان الكردي هويته تفتح أمامه جميع الطرق بما فيها حصوله على رئاسة الجمهورية التركية، في حين إذا ما تمسك بقيمه، فإنه أما أن يقتل أو يكون مطارداً من قبل الدولة أبد الدهر”.
بالفعل هذا هو الواقع المفروض على الكرد، ليس في تركية فقط، وإنّما في الأجزاء الأخرى من كردستان أيضاً. والسبب الأساسي فيما يواجه القائد والمفكر أوجلان من تعذيب في سجن إمرالي، هو لأنه لم ينكر قيمه وهويته وعمل من أجل تحرير مجتمعه، ولم يفكر في الخلاص الفردي.
الحرية تبدأ من الطفولة
من أجل التعرف على فلسفة الحياة للقائد والمفكر أوجلان، من المهم جداً العودة إلى طفولته. الطفولة بقدر ما تعبّر عن البراءة والعفوية، فإنّها تعبر عن الحرية بنفس الوقت. الحرية في التفكير، في الحركة وفي البحث عن جديد. كلّ طفل يكون لديه طموحات، ويكون فيلسوفاً صغيراً حيث يسأل عن كل شيء، ويريد التعرف على كلّ شيء.
إلّا أنَّ الأم والأب يكونان أول الأشخاص اللذين يكبحان جماح هذا الخيال الواسع، ويعيقان تحوّل حب المعرفة هذه، إلى حالة إبداعية. لأن قمع الأفكار وقمع الجديد بات طريقة حياة بالنسبة للمجتمعات المقموعة، ويعمل الأفراد ذاتياً على إنتاج القمع في البيت حتى، وإن لم تكن هناك أجهزة تفرض القمع.
الفرق هنا هو أن القائد أوجلان لم يخن طفولته، وبقي سائراً وراء خياله الطفولي الذي كان يرفض كلّ العادات والتقاليد البالية في محيطه، وهذا أمر مهمٌ جداً، لأنه يضعنا أمام المسائلة إلى أي درجة تمكّن كلّ منا من الحفاظ على طموحاته في الطفولة؟ إلى أي مدى قام بمواجهة المحيط لتحقيقها؟ هل استسلمنا أم قاومنا؟ باعتقادي كل إنسان يجب أن يسأل نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على نوعية مسيرة حياته.
قضية المرأة قضية أساسية
من القضايا الأساسية التي كانت ملفتة للقائد أوجلان، وهو صغير كانت قضية المرأة. عندما تتزوج صديقته وهي مازالت طفلة، ويتم إعطاء أخته لشاب مقابل المهر، والعلاقة الموجودة بين والدته ووالده كلها، كانت الأحجار التي رصفت الطريق لفلسفة الحرية التي اعتمدها المفكر أوجلان.
كونه كان يعيش في بيئة إقطاعية وتقليدية، فإن التناقضات الاجتماعية تكون عميقة جداً، حيث يصطدم الإنسان يومياً بعشرات المواقف والمقاربات، فإذا كان هناك ذكاء عاطفي ومجتمعي، لابّد أن يؤثر ذلك على الأفراد، وخاصة هذه التناقضات تؤثر وبشكل كبير على الأطفال. لأن الطفل يشعر بكل شيء ويحفر كل شيء على ذاكرته، ولو أنّه يفكر وكأنّه نسيها إلا أنها تبقى مخفية في الذاكرة تظهر في وقت ما وحينها نعلم بأن ذاكرة الإنسان هي كالكون لا يوجد فيها شيء فاني كل شيء يبقى ولكن بأشكال أخرى.
الاضطهاد التي عانته المرأة في البيئة التي يعيش فيها المفكر أوجلان جعلته يفكر بهذه القضية، ويركز عليها وكانت بالنسبة له عقدة لابّد من حلها، كذلك العائلة كانت من المؤسسات المهترئة التي كانت تثير اهتمامه نظراً إلى الوضع المزري التي كانت تعيشه المرأة والأطفال في ظلّ حكم الأب.
أود القول هنا بأن فلسفة الحرية التي تبناها المفكر أوجلان لم تأتي من الفراغ، وإنّما كانت وليدة الواقع الذي عاشها، طبعاً الفرق بينه وبين رفاقه هو عدم الاستسلام لهذا الواقع، والعمل بشكل دائم على تحليله والبحث عن البديل، وهذا ما يجعله مميزاً عن الآخرين. أيضاً الشيء الأخر الذي يميزه هو أن هذا البحث لم يقتصر على فترة الطفولة فقط، ولم تتحول إلى ذكرى، وإنّما استمر في البحث ولم يتوقف إلى الآن.
لا ثورة دون المرأة
بعد أن انتقل إلى الجامعة وقرر الانخراط في السياسة، أصبحت صداقته للمرأة التي بدأت حياتها في القرية تركت مكانها لتتحول إلى صداقة جديدة، وهو رغبته في مشاركة النساء في العمل السياسي، حيث شاركت النساء في المؤتمر التأسيسي للحزب، وكانت القائدة ساكينة جانسيز واحدة منهن. هنا كانت الفكرة هو إنه لا يمكن تحقيق الثورة دون مشاركة المرأة. لا يمكن للثورة أن تنجح دون الدور الريادي للنساء، ويجب ألا تبقى ثورة المرأة بعد الثورة الوطنية، وإنّما يجب تحقيق الثورتين في آن واحد.
لأنه هناك علاقة تناسبية بينهما، إهمال إحداهما يؤدي إلى تراجع الأخرى. من هذا المنطلق مشاركة النساء في السبعينات في السياسة كانت ثورة بحد ذاتها وتهيئة الأرضية لثور نسائية، لقد كانت خطوة جريئة من قبل القائد والمفكر أوجلان في ذاك الوقت.
لقد كان هناك ثورات وطنية تحررية، ثورات شيوعية، ونظريات مختلفة في السبعينات، لكن معظمها كانت تؤكد على أن قضية المرأة يمكن أن تحل بعد تحقيق تلك الثورات، وعندما تتحقق تلك الثورات كان يتم إرجاع النساء إلى المطبخ وجعلها مصنع لإنجاب الأطفال فقط. نظرية المفكر أوجلان “بأن قضية المرأة يجب أن تحل ضمن الثورة، ليس بعد الثورة” كانت مهمة جداً من أجل منح الأولوية لهذه القضية في كل مراحل النضال التحرري في كردستان. وتجاوز المفكر أوجلان المقاربات التكتيكية السابقة لقضية المرأة من قبل الحركات التحررية الوطنية، والحركات الطبقية التي ضحّت بقضية المرأة أو همشتها تحت ذرائع مختلفة.
بهذا الشكل تحولت قضية المرأة إلى قضية استراتيجية، ومهما كانت الظروف لا يمكن الاستغناء عنها أو التضحية بها، فهي نقطة الانطلاقة، وهي جزأ لا يتجزأ من الثورة الاجتماعية التي يجب أن تتحقق في كلّ لحظة.
المرأة والعائلة العقدة الكأداء
العلاقات العائلية تعيش أزمة كبيرة نتيجة الممارسات القمعية الموجودة ضمن العائلة، علاقة الأب مع الأم ومع الأولاد تعاني من تشوه كبير، الظلم الأبوي والفاشية التي تُمارس من قبل الأب على أفراد العائلة تذكر الإنسان بالأنظمة الدكتاتورية التي تحول الأوطان إلى سجن من أجل شعوبها، بالفعل العائلة أيضاً تحولت إلى مؤسسة تستهلك المرأة، والأطفال وكأنهم رهائن ليس إلا.
بالطبع قضية العائلة وما تعانيها من أزمة ليست مقتصرة على المجتمع الكردي فحسب بل هي قضية عالمية، لكن هناك خاصية للعائلة في مجتمعنا، وهي أن الدول التي تحتل كردستان منعت المجتمع الكردي من تشكيل أية مؤسسات أو حتى جمعيات، وتمَّ فتح المجال فقط لمؤسسة العائلة هذه المؤسسة يرأسها أب يقوم هو على كسر إرادة الأطفال، ومن ثمّ الدولة المحتلة عن طريق مؤسساتها الأمنية والفكرية تعمل على ترسيخ ما بدأ به الأب، بحيث تخلق مع الزمن جيل من العبيد لا حول لهم ولا قوة، فقط يعيشون لإشباع غرائزهم الجنسية، ويسيرون ليل نهار وراء لقمة العيش، وتتحول هذه المؤسسة مع الزمن إلى جزء من مؤسسات الاحتلال والأكثر تأثيراً على الإطلاق لأنها تعمل على مدى ٢٤ ساعة.
هذه السياسة الممنهجة ضد المجتمع الكردي أدى إلى تركيز المفكر أوجلان على العائلة، والعلاقات التي تحيط بها وما تنتجه من شخصية. كتابه المرأة والعائلة في الثمانينات كشفت عن حقيقة العائلة في كردستان، أيضاً فتحت الطريق أمام تساؤلات كثيرة بخصوص هذه المؤسسة التي كانت تطحن الشخصية الكردية وتجعلها قزمة، لأن العائلة المقدسة التي كانت يتم الافتخار بها انكشف عن أمرها، وتم المعرفة بأنها مثل صندوق باندورا تخفي في داخلها كلَّ أنواع العبودية، الخنوع، الذل والاستسلام.
من أجل أن يتم تحليل الشخصية الكردية، المرأة الكردية والرجل الكردي، لقد كان تحليل العائلة، وتشخيص وضعها الخطوة الأولى من أجل معالجة الأمراض والقضايا التي نعانيها كمجتمع. لقد عرّف المفكر أوجلان وضع العائلة الموجودة في كردستان “بأنّها مخفر للعدو، وهي دولة صغيرة يرأسها الرجل الدكتاتور” بالفعل الرجل في كردستان فقد كل سلطاته وبقيت لديه فقط السلطة على المرأة والعائلة، أنه يخفي كل إخفاقاته في الحياة بتهجمه على أطفاله وزوجته، يطمأن ذكوريته بهذا الشكل، الرجل الكردي الذي فقد رجولته أمام الدولة وأمام المحتل، يمارسها بأفظع الأشكال على العائلة.
إذاً ومن أجل تجاوز هذا الوضع المزري كان لا بّد من البحث عن نموذج جديد للعائلة واُسلوب وسلوك جديد، كان لابّد من خلق رجل جديد وامرأة جديدة من أجل خلق عائلة جديدة، وكان طرح كيف يجب أن نعيش خطوة جديدة في البحث عن حياة بديلة.
كيف يجب أن نعيش؟
من القضايا الأساسية التي أحظت على اهتمام القائد والمفكر أوجلان هو معنى وهدف الحياة. إنّنا كبشر نختلف عن الكائنات الأخرى كوننا نمتلك العقل والفكر والعاطفة. لذلك أكد على أن الإنسان يجب ألا يقبل بما يملي عليه الآخرين، أو المستبدين، أو النظام الذكوري، أو نظام الدولة من نمط الحياة.
إنه بنى فلسفته على أن الحياة يجب أن يكون له هدف ومعنى، وألّا يكون هذا الهدف أو المعنى منقطعاً عن الحرية والأخلاق والوعي المجتمعي.
الأنظمة الاستبدادية تفرض علينا نمط حياة تشبه حياة الحيوان أو النبات، حياة منقطعة عن التفكير، عن الشعور، مكبلة بالغرائز، سواء غريزة التكاثر أو غريزة البقاء، بحيث يكون الهدف هو الأكل والشرب والتكاثر ليس إلا. خاصة بالنسبة للمجتمع الكردي، القوى المحتلة فرضت علينا نمط حياة مفروغة من كلّ القيم، بحيث أما أن تعيش مذلول أو أن تموت.
في حين أكد القائد أوجلان على أن الحياة المفرغة من القيم هي الموت بحد ذاته.
الحياة التي تفتقد الإرادة الحرة، الاختيار الحر، الذات الحرة لا يمكن القبول بها. لذلك ركز على سؤال كيف يجب أن نعيش؟ وهذا السؤال لم يكون موجهاً للشعب الكردي فقط، وإنّما في حقيقة الأمر كانت موجهة لكلّ البشرية، لأن أزمة الحياة باتت قضية عالمية، والحياة بشكل عام واقعة تحت تهديد الحرب، الدمار الايكولوجي، الأزمة الاقتصادية وتجار الحرب، كلّ شيء بات ثميناً، فقط الحياة أصبحت رخيصة جداً. موت ملايين الناس بسبب الحرب والفقر والمرض هو خير دليل على ما نعيشه من مخاطر. لذلك عمل المفكر أوجلان بوضع أسس جديدة للحياة وللعيش. ووضع قوانين الحياة الحرة، الحياة الندية بين الجنسين، بين المرأة والمجتمع، والرجل والمجتمع، وعرف العلاقات من جديد.
حيث أكد على أن كل علاقة مبنية على العنف والعبودية وتملك الآخر هي محكومة بالفشل، وهناك حاجة إلى تحول ديمقراطي، سواء بالنسبة للعلاقة بين الرجل والمرأة، بين المواطن والدولة، بين الشعب والسلطة، بين الشباب والمسنين … وما إلى هنالك من علاقات.
ووضع المقاومة في صلب البحث عن الحياة الجديدة، بدون مقاومة ونضال وفكر حر لا يمكن أن نصل للحياة التي نصبو إليها، ويجب ألّا نخاف من التضحيات في سبيل ذلك لأنه لا يمكن تحقيق الحياة الجديدة دون ثمن، أن شعار المقاومة حياة التي أطلقها رفيق درب القائد المناضل مظلوم دوغان “المقاومة حياة” كانت منعطفاً جديداً في حياة المجتمع الكردي. لأنه من المستحيل تحقيق حياة كريمة دون خوض النضال، وهذه الجملة أصبحت طريقاً جديداً وثقافة جديدة بالنسبة للإنسان الكردي في الربع الأخير من القرن العشرين وإلى يومنا هذا.
ووضع القائد أوجلان المرأة الحرة في مركز الحياة الجديدة، لأن المرأة هي العنصر الرئيسي والأساسي في تنشئة الإنسان وتنشأ الحياة. فالعيش مع المرأة الحرة يمكن أن تخلق نمط متحرر في الحياة، وأيضاً العيش مع رجل متحرر يمكن أن يخلق مجتمع متحرر من النظام الذكوري.
من أجل تحقيق هذه الحياة ركز وبشكل كبير على تنظيم صفوف المرأة لجعلها إرادة أمام النظام الرجولي. من أجل خوض الصراع مع الرجولة المشيدة كان هناك حاجة لقوة نسائية منظمة لذلك تجييش المرأة، تحزب المرأة، نظام المرأة كلها كانت خطوات تاريخية تمَّ تحقيقها بتوجيه من القائد أوجلان لتتمكن النساء من استعادة الثقة بذاتها، واستعادة قوتها لتواجه جبروت الذكورية التي باتت وحشاً تهدد الكون.
وبالفعل خلال مسيرته تمكن من خلق قوة نسائية هزت العالم في حربها ضد داعش الذي انهزم أمامه أعتى الجيوش. أيديولوجية تحرر المرأة، وعلم المرأة الذي طرح من قبل المفكر أوجلان تحولت إلى مانيفستو للنساء في جغرافية ميزبوتاميا. ليس النساء الكرد فحسب بل أصبح طريق النجاة لكل النساء والمجتمعات في هذه الجغرافية، وأثرت على العالم أجمع.
الحرية كهدف ونهج للحياة
يمكن أن نسأل ما هي القوة المعنوية التي استندت عليها النساء والرجال ليحققوا كل هذا التقدم، الجواب بالتأكيد هو فلسفة الحرية التي قام المفكر أوجلان بزرعها في مجتمعنا خلال سنوات نضاله. لقد ركز القائد أوجلان على أهمية الحرية بالنسبة للبشرية جمعاء في مرافعته سوسيولوجيا الحرية.
إنه جعل الحرية من المقاييس الأساسية التي يجب أن تتحلى المجتمعات والأفراد بها. ويقول بأن الحرية هي خصوصية كونية وليست مقتصرة على الإنسان فقط، وإنّما يمكن رؤية ذلك في الطبيعة بشكل واضح. إنه يؤكد على أن الفرد يجب أن يملك حرية الاختيار، وهذا يمكن أن يتحقق فقط إذا كان هناك نظام ديمقراطي يحقق للفرد أرضية الاختيار الصحيح والحر.
إننا نفتقد الحرية الفردية والحرية الجماعية، لذلك شخيصتنا تكون هزيلة، الشخصيات الحرة هي شخصيات قوية تملك قوة قيادة نفسها، وكذلك المجتمعات الحرة هي المجتمعات التي تقود نفسها بنفسها. في حين نرى بأن النظام الذكوري والمتمثل في الحداثة الرأسمالية يقضي على كل إمكانيات قيادة الذات، وتجعل المرأة والمجتمعات مثل الأطفال لاحول لهم ولا قوة، تدار من قبل حفنة من الناس بحيث تتحكم فيهم كيفما يشاء.
لذلك طرح المفكر أوجلان لطرح الكونفدرالية الديمقراطية الذي يرفض السلطة والمركزية، ويدعو إلى نظام ديمقراطي لا مركزي تتمكن فيه المجتمعات بالإقرار بحق نفسها وتنظيم احتياجاتها نفسها بنفسها، كان طرحاً مهماً جداً. حيث لا ينتقد الموجود فقط، وإنّما يقدم البديل وهذا ما يميزه عن الساسة والمفكرين الآخرين في هذ الحقبة.
المرأة، الحياة، الحرية
خلال المسيرة النضالية للقائد والمفكر أوجلان هذه المصطلحات الثلاثة كانت مرتبطة ببعضها البعض، وأصبحت طلسم أو تعويذة أساسية بحيث لا يمكن أن نستغني عن واحدة منها. كيف أن الساج لا يمكن أن يرتكز على رجلين، وتكون معرضة للوقوع كذلك فلسفة المفكر أوجلان بنت نفسها على هذه الأرجل الثلاثة. لأنه هناك علاقة جدلية قوية بينها، لا يمكن أن نفكر بالمرأة دون الحياة والحرية، ولا يمكن نفصل الحياة عن المرأة والحرية، وكذلك لا يمكن أن نعيش الحرية دون المرأة والحياة.
بالفعل أنَّه جمع سحري كما قاله المفكر أوجلان. أنَّه بمثابة الدواء لأجل معالجة كل ما نعانيه من أمراض، خاصة في ظلّ ما نعانيه من أزمة وفوضى، وما يعيشه النظام الذكوري من تفسخ وفساد وانهيار، البشرية بحاجة إلى عقل وعاطفة جديدة، إلى طريقة وسلوك جديد، وإلى نظام ومنهج جديد، وكل هذا يمكن أن نحصل عليه إذا ما تمّ قراءة أفكار القائد أوجلان. بالطبع فلسفة المفكر أوجلان لها أبعاد كثيرة ولها خاصيات كثيرة، ولكنها بالمعنى العام تضع المرأة والحياة والحرية في مركزها. والأمر الآخر الذي يميزه عن المفكرين، والقادة الآخرين هو أنه وحد بين الفكر والذكر والعملية. أي أنه يعيش كما يفكر ويفكر كما يعيش، وهذا ما جعله مفكراً وقائداً بنفس الوقت.