نظيرة كورية الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد السرياني لـ “آفاق المرأة”

نظيرة كورية الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد السرياني

لـ “آفاق المرأة”

 “ تبدأ مسيرةُ المرأة نحو الحريةِ،

بجهودٍ وخطواتٍ قويةٍ واعية، وفلسفة المرأة، الحياة، الحرية الشاملة لفهمِ جوهر الحياة الصحيحة.

تجربة نظام الإدارة الذاتية لأجل فتح كافة المجالات للمرأة

ومن كافة المكونات لإنجاح الثورة، لأنها ثورة بحد ذاتها”

 

اعداد الحوار: نرجس إسماعيل

 

  • في البداية كيف تحللين مفهوم المرأة الحياة الحرية عبر تجربتكِ في هيكليّة الإدارة الذاتية؟ وما رؤيتك الفلسفية للمفاهيم الخاطئة في تعريف معنى ومضمون حقيقة فلسفة المرأة، الحياة، الحرية؟ على المستوى المجتمع السوري بشكل عام، وعلى مستوى شمال وشرق سوريا بشكل خاص؟

أولاً أبارك الإصدار الجديد لمجلة آفاق المرأة الخاصة بقضايا المرأة، ويعتبرُ فخرٌ لنا بوجود مجلة كهذه تعبّر عمّا تحتاجه المرأة.

تعتبر قضية المرأة قضيةً هامةً وجوهرية، ولكنها قضية شائكة ومعقدة، وتحتاجُ إلى دراسةٍ معمقةٍ ونقاشٍ طويلٍ، فمنذ قديم الزمان وإلى يومنا هذا، نجد المرأة أمُاً ومربية وربّة أسرة، وسيدة العشيرة، فكانت العائلات تُنسب إليها، لا إلى الأب، لأنّها هي التي تنجب وتربي الأطفال.

ومع تغيير موازين القوى في العالم القديم، وظهور هيمنة وسلطة الرجل، وسلبت منها هذه الإمبراطوريات الناشئة عبر التاريخ قيمتها، كالإمبراطورية الآشورية أو الفارسية وغيره، والتي كانت بقيادة ملكات وقياديات وعسكريات وسياسيات، وكان للمرأة دورٌ فعالٌ بالإدارة والقيادة والمجال العسكري، وتركت بصمة في التاريخ مثل ملكة “شاه ماران” و”زنوبيا” و”نفرتيتي” وغيرهنَ.

 ومن خلال تسلسل الحقبات التاريخية بالتزامن مع وصول العبودية والرأسمالية، وكل هذه الأمور فإنها قلَّلت من قيمة المرأة، وظُلمت وأخذت منها حقوقها، سواء كان من خلال القوانين أو التشريعات التي فرضت عليها لحد الآن. خاصة في الشرق الأوسط.

إذا أردنا تسليط الضوء على القوانين الموجودة في الدول خلال التاريخ حتى في الدول القومية أو الدول التي قبلها، فكان هناك اجحاف بحق المرأة، وسُلبت حقوقها كاملةَ، وأصبحت ضلع قاصر وملك، وبُيعت في أسواق النخاسين، واستغلَّت جنسياً، حتى كانت نقطة ضعف للرجل والعائلة والعشيرة التي تنتمي إليها، أي عند الحروب في الغزوات كانوا يسبون ويستغلون النساء.

على سبيل المثال في الإقطاعية كان الفلاح يعمل لدى الإقطاعي أو الرأسمالي، فكانوا يستغلون ضعفهم بأخذ بناتهم ونسائهم، كلّ ذلك أدى إلى تخلف المجتمع، وخروجه عن السياق التاريخي، وعن مساره الصحيح.

وفي الوقت الراهن فأن الدول الأوروبية والأمريكية ترى نفسها دول ديمقراطية، ولديها القوانين من خلال منظمات “الأمم المتحدة” و”un” وغيرها، لكن إذا تمعنَّا النظر في سياساتها وفي مجتمعاتها، وأجرينا بحوثاً على القوانين المعمولة لديها، فسنرى إنَّه مازال هناك إجحافٌ بحق المرأة، ومازالت المرأة تُعنَّف، وتُغتصب، وتُمارس بحقها أبشع الجرائم.

 ومن خلال إحصائيات سنوية نجد أنَّ أعداداً هائلة من النساء تُقتل وتُعنف من قبل الرجل، سواء أكان (الأخ أو الأب أو الزوج أو الابن)، وحتى من الدولة ذاتها، أو مؤسسات الدولة، أو من القوانين الموجودة ضمن هذه الدول.

كل هذه الأمور موجودة حالياً على الأرض الواقع، لذلك تعتبر قضية المرأة قضية شائكة، ويجب أن يُجرى لها بحوث وعمل وجهد، لإمكانية الوصول إلى حقوقها كاملةً.

من خلال تجاربنا في شمال وشرق سوريا، نعلم أنَّ الدول العربية والشرق الأوسط بشكل عام من ضمنها تركيا وإيران وغيرها من الدول، حيث كانت قوانينها وتشريعاتها بالمجمل هي قوانينٌ مجحفة بحق المرأة، وغير منصفة نهائياً، سواء أكان بقوانين الأحوال الاجتماعية أو القوانين السياسية، أو غيرها، أي عدم وجود المرأة في المجال السياسي، حتى إن وجدت، فتُستغل بأي مجال كالاجتماعي والعسكري، وغيرها من المجالات الأخرى.

دائماً ما تحاول المرأة أن تكون موجودة، فتجاهد وتناضل، لكن هناك عقبات كثيرة أمامها من خلال القوانين الموجودة، وغيرها من المعوقات التي تواجهها، حتى من خلال الثورات التي جرت “ثورة الشعوب”، وحتى قبلها من الثورات، كانت المرأة طليعة وموجودة في جميع الخطوات ضمن هذه الثورات، لكن عند انتهاء تلك الثورات، واستقرار الأمور توضع المرأة على رفٍ عتيق لم يمنح لها أي حقٍ من حقوقها، والرجلُ هو الذي يأخذ المناصب والأماكن، أي عند الاستقرار المرأة تصبح للبيت والأمور المنزلية، والرجل للسلطة، وكل شيء.

انتفاضات شعوب الشرق الأوسط التي بدأت في عام 2011 التي أسموها “بالربيع العربي”، ولكن في الحقيقة هي ربيع شعوب الشرق الأوسط بكافة مكوناتها، والتي لها أمنية بأن يتحقق الاستقرار والأمان، ومجتمع ديمقراطي، والوصول إلى الوعي الكافي والحرية، أيضاً المرأة كانت طليعة ضمن هذه الثورات، وحتى في ثورة شمال وشرق سوريا، كانت موجودة لتثبت إمكانيّتها، وتناضل لأجل أن ينالوا حقوقهم والوصول إلى هدفهم المكنون.

اليوم إذا أردنا مقارنة سوريا بغيرها من الدول، والمرأة كيف وأين كانت سابقاً. فالمرأة نوعاً ما أخذت حقوقها من خلال الدراسة بالجامعات، وفي الآونة الأخيرة رشحت لمجالس الشعب، وشاركت بشخصيات موجودة ضمن الدولة، لكن ما مدى تأثير هذه المرأة ضمن هذه المؤسسات؟ فهي تمثل صورة واقعية في العديد من المؤسسات، لكن قوانين الدولة لحد الآن غير منصفة بحق المرأة، وعدم إمكانية المرأة أخذ مكانتها وحقوقها من خلال المحاكم والتشريعات الموجودة ضمن هذه الدولة.

وفي ثورة شمال وشرق سوريا، كانت المرأة في الصدارة، وأثبتت بجدارتها وقوة إرادتها وإصرارها على النضال، لذلك سميت الثورة باسمها “ثورة المرأة”، فشاركت في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والتمثيل من خلال تنظيم نفسها ومجتمعها خلال مؤسسات وتنظيمات نسائية، وتعتبر ذلك شيء ثمين لتدخل في تاريخ المرأة، خاصة بالتشكيلات العسكرية التي شاركت فيها بمجابهة أعتى قوة ارهابية في المنطقة، وفي العالم كتنظيم داعش الذي نشأ على الفكر الإرهابي، وفكر إبادة المرأة كاملةً، وإعادتها إلى أسواق النخاسين وتملّكها، وكانت بريادة موجودة ضمن قوات عسكرية التي حاربت الإرهاب، وقدمت تضحيات كبيرة وشهيدات، لتحرير مناطقها.

الإدارة الذاتية من خلال مشروعها والمكتسبات التي استطاعت الحصول عليها ضمن هذا المشروع الذي جاء لمطلب الشعب لإمكانية إدارة وحماية نفسه، وإمكانية تأسيس مشروع فعلي، ليكون جواباً لمطلب الشعوب من خلال قوانينه وخدميته لهم، وكذلك من خلال إصدار القوانين ضمن الإدارة الذاتية، ومجلس التشريع بدايةً في عام 2014 لإقليم أو مقاطعة الجزيرة تم تشريع قانون خاص بالمرأة.

وهذا القانون يخص بكل ما تعنيها المرأة إن كانت تشريعات مدنية، أو سياسية بكل ما تخص المرأة، لإمكانية أخذها لحقوقها. بدايةً من خلال منع تعدد الزوجات، والطلاق التعسفي، وأخذ حقوقها بتبني أطفالها، أو رعاية أطفالها بكامل حقوقها ضمن القوانين الموجودة في الإدارة الذاتية. والكثير من هذه القوانين بما يسوق في حق المرأة.

والنقطة الأساسية في الإدارة الذاتية التي هي نظام الرئاسة المشتركة، يعتبر هذا النظام بحد ذاته بحاجة إلى شرح كامل، ما الهدف منه؟ وما الذي حققناه ضمن هذا النظام الجديد بما يصب لمصلحة المرأة، وحتى لشكل الإدارة الكامل للإدارة الذاتية الذي هو نموذج بالفعل يحقق المساواة، وتحقيق الفرص، وتحقيق التشاركية الكاملة ما بين المرأة والرجل باتخاذ القرارات، وبإدارة نفسها، وبوضع كامل تطبيقات القرارات الموجودة فيما يخص المرأة، وحتى تكون المرأة مشاركة ليست بالأمور المتعلقة بالمرأة فقط، وإنما بالقرارات الشاملة أو الكاملة العامة في الإدارة الذاتية.

بهذا الشكل نرى في الإدارة الذاتية من عام 2014 وحتى الآن كم هائل من القوانين كقانون العقد الاجتماعي، وبحسب الإحصائيات التي أجريت تعتبر نسبة النساء الموجودات ضمن الإدارة الذاتية تجاوزت 50%، ويعتبر هذا إنجاز كبير، وأيضاً أمر آخر الذي وهو شيء أساسي ضمن التشريعات التي خرجت ضمن المجالس التشريعية، وحتى المجلس العام هي جندرة كل القوانين الصادرة عن المجالس التشريعية الموجودة في شمال وشرق سوريا.

وضمن هيكلية الإدارة الذاتية أيضاً التي هي خصوصية المرأة بوجود هيئة المرأة ضمن هيكلية الإدارة الذاتية كأي هيئات موجودة فيها، تقف على قضايا المرأة، وأمور المشاريع التي تخص المرأة، وبتواصلها مع التنظيمات النسائية، والاتحادات النسائية الموجودة لإمكانية إيجاد حلول للقضايا العالقة بخصوص المرأة.

النقطة الأساسية التي لابد لنا أن نقف عليها هي إنَّ تحرر المرأة ليس فقط قضية شكلية مثلما كان سابقاً، وإنما هي وضع القوانين ووضع المرأة بشكل فعلي في المناصب وجميع المجالات.

أحياناً نواجه بعض من الانتقادات بأننا نسلط الضوء على المرأة شكلياً، لكننا لا نقبل بأن يكون بهذا الشكل، فالإدارة الذاتية تسعى لتحرر المرأة فعلياً وفلسفياً، وتعمل على تثقيف ذاتها، والعمل على إخراجها من القوقعة الموجودة بداخلها، وكسر القيود المجتمعية التي تسيطر عليها، وإمكانية المرأة بذاتها أن تخرج من هذه القوقعة وكسر القيود.

تحرر المرأة ليس فقط أمراً شكلياً، أي ليس بشكل أنّنا نحارب الرجل ونريد حقوقنا بشكل دغمائي، وإنما فلسفياً لإمكانية تغيير ذهنية المجتمع، والترسبات التاريخية التي فرضت على هذه الشعوب الموجودة في المنطقة.

يجب العمل على قضية المرأة بشكل جاد ومستمر، ووضع سياسة مستدامة لإمكانية العمل عليها، وعدم الوقوف بمكان واحد، فلا يجوز أن نقول بأننا وصلنا إلى المكان الصحيح، وحصلنا على كل شيء، فهذا مفهوم خاطئ، وليس في محله، حينها سوف نخسر جميع المكتسبات التي توصلنا إليها، والاستمرار بالنضال للوصول إلى أفضل ما نريد منه أن يتحقق.

اليوم نعمل على تغيير الذهنية المجتمعية من خلال المحاضرات على سبيل المثال التي تعطى في المؤسسات ومجالس المرأة ضمن جميع النواحي والمقاطعات، ومن خلال التضامن والتعاون مع اتحادات نسوية، لإمكانية تنظيم دور المرأة بشكل عام.

نرى تحرر المرأة بالشكل الفلسفي وليس بشكل التحدي مع الرجل، ففي الشرق الأوسط من خلال الأنظمة التي نعيشها ليس فقط المرأة مضطهدة، وإنما الرجل ايضاً مضطهد، والنهضة أو التحرر مطلوب لكلا الجنسين سوياً، لأن القضية ذهنية وليست فيزيولوجية.

تغيير الذهنية الموجودة يتم من خلال أساليب عدة، كتسليط الضوء على المناهج الدراسية، فالمناهج السابقة كانت تكرَّس مفهوم أنَّ الرجل هو الذي يعمل في الخارج، والأم يكمن عملها فقط داخل المنزل، والتربية في المنزل، كإحضار للفتاة دمى، وأدوات المطبخ، وللولد سيارات، وما يدل على العمل في الخارج.

لأن التوعية تبدأ منذ الطفولة، يجب أن يكون هناك تغيير في مناهج الإدارة الذاتية، للوصول إلى تغيير جذري لهذه المفاهيم غير الصائبة. لبناء مجتمعٍ جديد، واعي ومتصالح مع نفسه، ويتقبل الاختلافات الموجودة بداخله، ويقبل الحياة التشاركية، والمساواة بين الرجل والمرأة.

  • للمرأة الدور الريادي في بناء مجتمع واعي وحر، المثال والنموذج الواقعي الذي رأيناه هنا منذ ثورة 2011 على مستوى شمال وشرق سوريا فانضمامها لجميع المجالات والمؤسسات، في شمال وشرق سوريا وانضمام النساء من كافة النساء الكردية والعربية والسريانية والتركمانية والشركسية، ومن جميع الأطياف. كيف تحللون دور المرأة؟

إن تجربة الإدارة الذاتية من خلال القوانين التي وضعت، ومن خلال العقد الاجتماعي لتضمين حقوق المرأة، وتضمين تمثيلها 50% ضمن الإدارة سنح الفرصة للمرأة بالمشاركة في جميع مفاصل الإدارة الذاتية.

وإذا أردنا تقييم تواجد المرأة ضمن الإدارة الذاتية فإنَّها جيدة نوعاً ما، وحدثت تطورات وتقبل بمشاركة المرأة في الأعمال الإدارية والسياسية، وفي جميع المجالات الموجودة ضمن الإدارة الذاتية. كما نعلم في السابق ذهنية المجتمع لم تكن تسمح للفتاة أن تخرج، وتعمل خارج المنزل، حتى هذه الذهنيات تقلصت، ولم تعد كما في السابق في هذه المناطق، فعلى العكس أصبح هناك تقبل من قبل المجتمع لهذه الفكرة، والنظر إليها بفخر لما وصلت عليه المرأة الآن.

لكن ليس بوسعنا أن نقول هذا كافٍ لأن تمثيل المرأة لا يكون شكلياَ فقط في الإدارة الذاتية، وإنما فعلياً من خلال منسقيّة المرأة التي تتألف من جميع النساء الموجودات كالرئاسة المشتركة، والنائبات في جميع مجالسها التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، هناك منسقيه ضيقة على مستوى الإقليم، أو على مستوى شمال وشرق سوريا التي تتشكل من رئاسات ومقاطعات.

وضمن هذه المنسقيّة تتم مناقشة وضع المرأة، وآلية تمكين المرأة إدارياً ومهنياً واختصاصياً، وتتوقف على المشاكل التي تواجه الموظفات من النساء الموجودات ضمن الإدارة الذاتية لإمكانية حلها، والوقوف على القوانين التي تصدر عن الإدارة الذاتية من خلال اجتماعات دورية ولقاءات، ووضع برامج كاملة، كمحاضرات ودورات تثقيفية للنساء، والتدريب هو النقطة الأساسية.

من خلال هذه الأمور نتوقف على النواقص الموجودة لإمكانية تفاديها، وإمكانية تكوين امرأة إدارية وفعلية، لتكون قادرة على إدارة هذه المراحل، وتكون مشاركة مع الرجل، والوقوف أمام فكرة إنَّ المرأة شكلية في الإدارة الذاتية.

إنَّ نموذج الإدارة الذاتية هو نموذج التشاركية بين كافة الشعوب والمكونات الموجودة ضمن المنطقة، لتكون المنطقة كالفسيفساء لها جمالية كبيرة بتنوعها، والنساء من جميع المكونات متواجدة في مجالات المرأة، كالكردية والسريانية والعربية والشركسية والأرمنية، وغيرها من المكونات.

قضية المرأة قضية شاملة تشمل كافة المكونات بغض النظر عن الاختلاف في القوميات، فهي قضية موحدة، ويجب أن تتكاتف جميع النساء بدون أية اختلافات للوقوف على القضية.

بمبادرة المرأة الريادية كوّنت نموذجٌ لتشاركية المكونات، بتشكيل “مبادرة النساء السوريات” التي تشكلت في 2013 قبل نشوء الإدارة الذاتية من كافة المكونات كمؤتمر ستار، واتحاد النساء السرياني، ونساء عربيات، وقياديات ومستقلات، للوقوف أمام المشاكل التي تواجه المرأة.

نرى أنَّ جميع النساء التي شاركنَ في هذه المبادرة، وأخذنَ مكانتهنَّ، ولهنَ الدور البارز في التنظيمات التي تشكلت في شمال وشرق سوريا “مجلس المرأة”، والتي تأسست عام 2017 / 2018، فالتنوع بين الفئات يعطي الوجه الديمقراطي، وصحة للمشاريع التي تُقام في الإدارة الذاتية.

طبيعة الشرق الأوسط ليست كطبيعة الدول الأخرى، فهنا يوجد التآلف، والعشرة، والمجتمعية، وحب الآخر، فالسياسات التي مورست عليها عبر التاريخ من الأنظمة والدول، التي كانت تعتمد على نظام التفريق بين الشعوب أثّرت على عقلية المكونات والشعوب الموجودة ضمن المنطقة، فاليوم سوف نتحرر من هذا النظام الذي فُرض على الشعب.

أريد أن أتحدث عن تجربتي كسريانية، فأنا سليلة شعب أصيل يعيش منذ قديم الزمن في منطقة ما بين النهرين، فإذا كانت لدي فكرة عدم تقبل الآخر، كالمكون الكردي، كيف سنصل إلى التقدم الحضاري والتطور والحرية، لأن الأرض ملك للجميع، ويجب علينا أن نزرع بذور حب الآخر، وتقبله في البداية، حتى نستطيع أن نتعاون ونتشارك في العمل ونحقق التطور والتقدم لأنفسنا وللمجتمع ككل.

نحن نتعايش منذ آلاف السنين سوياً في منطقة واحدة بحلوها ومرها، حاملين ثقافاتنا وحضارتنا المتنوعة، وهذا التنوع هو الشيء الإيجابي في هذه المنطقة، كتقبل الآخر فأنا إنسان وهو إنسان بغض النظر عن اختلافنا في الثقافة والحضارة والدين، فحريتي تنتهي عند تبدأ حرية الآخر، فنعيش على مبدأ العيش المشترك، والدفاع عن الأرض والوجود والحرية.

نحن كشعب في شمال وشرق سوريا نهضنا لأجل الثورة والكرامة والحرية، وإذا رفض بعضنا الآخر ولن نتقبله، فلن يكون بوسعنا الوصول إلى الثورة التي نبتغيها.

لذا يجب أن يتحقق تغيير جذري وشامل لذهنية المجتمع الرجعية، كالتعددية، وتقبل الآخر، وتقبل اختلاف الثقافات، وتقبل اختلاف الرأي، ومساندة الآخر، والدفاع عن الأرض، والمرأة يجب أن تكون رائدة، لأن جوهرها يكمن في العدل، والاستيعاب، والسلام، والأمان لعائلتها وأولادها ومجتمعها، فتواجدها في حل وتغيير المنطقة سوف يكون مساعدة إيجابية على التغيير بالفعل، وتغيير سليم، ولصالح المجتمع والمنطقة.

  • ما هو الاختلاف بين ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا ومثيلاتها في مختلف بلدان العالم، ولا سيما أنّ هناك الحركات النسائية الفامينية التي تنادي بحرية المرأة والمجتمع؟ ما هو الفرق بين طرحكم لمفهوم المرأة الحياة الحرية وتقارباتهم؟

الفامينية عبارة عن تنظيم خاص بالمجتمع المدني، حيث تتواجد العديد من النساء اللواتي ترغبن الانشغال بأمر ما، هذا ما تدفع العديد من النساء لعقد العلاقات مع الفامينية، من هنا نستدل بأن العلاقات التي بنيت على الفامينية لم تكن على أساس قوي وهادف، وبالتالي لن يكون صائباً أن نترقب خروج امرأة ريادية قوية.

الحراك الثوري النسوي قول وفعل، وليس مجرد شعارات، ولا تقدم إلى الفئة الشابة التوجيهات المناسبة في موضوع النضال التاريخي للمرأة، ولا يتم تدريبهن أو نشر التوعية بينهن، هذا يسبب ضعف وعدم الثقة في شخصيتها، ولكن بالإصرار والإرادة بأن تعمل وتناضل دفاعاً عن فكرها الفلسفي وحريتها، فستصل المرأة بهذا التفكير إلى بر الأمان، ولكن إلى أين وصلت المرأة بنضالها؟ وهل حققت المبتغى المطلوب؟

إن نضال المرأة أصبح مثلاً يقتدى به عالمياً، ولأنها خرجت وانتفضت لتثور في وجه كل من يريد أن يحكم على حياتها بالظلم.

على سبيل المثال في عام 2014 ألقينا محاضرة في سويسرا عن قوانين المرأة في الإدارة الذاتية، وتمثيل المرأة في حينها كان 40 بالمئة، حيث أن رجلاً أراد أن يضيف كالمداخلة على المحاضرة بات متعجباً كيف لدولة عظمى مثل سويسرا لحد الآن تمثيل المرأة فيها لم يصل إلى 15 بالمئة، فهناك جهات تود الوصول إلى حقوق المرأة، لكن لحد الآن لم تصل إلى حل لقضاياها، ولحد الآن يوجد التعنيف والظلم على المرأة، وإحصائيات كبيرة بأعداد النساء اللواتي تُقتلنَ على أيدي أزواجهن ورجال من عوائِلهن.

حتى الآن القوانين الموجودة ضمن الدول مجحفة بحق المرأة، وهناك قوانين بأوروبا المرأة المتزوجة لم تكن متأهلة للتوظيف في مؤسساتهم، لأنها غير قادرة على العمل السليم، بسبب الزوج والمنزل والأولاد، ولكن هنا النظر والتحليل والخطوات لقضية تحرر المرأة يعّد تحليل عملي من خلال إصدار القوانين، وتطبيقها فعليّاً. والقرارات التي تجرى ليست فوقية إنّما قرارات وقوانين بالتشاركية مع المرأة، من خلال الاجتماعات والندوات، والوصول إلى كل امرأة في كل منطقة ومدينة وقرية.

ما زلنا مستمرين على خطواتنا بشكل جدي، بوضع برامج أمامنا والعمل عليها، ولكن لم نصل بعد إلى تحقيق كافة المطالب فيما يخص المرأة. نضال المرأة في شمال وشرق سوريا أصبح مثالاً يحتذى به، ويضرب المثل به دولياً وإقليمياً ومن كل مكان من خلال الوفود التي تزور المنطقة، وترى وتتلمس الخطوات التي تجرى، وإيصال الفكرة إليهم.

  • منذ عام 2023 والفعاليات التي بدأتم بها في 8 آذار والكثير من النشاطات تحت شعار المرأة الحياة الحرية، جميع الأوساط تأثرت بهذا المفهوم، وحولتها إلى فلسفة للوصول إلى مجتمع واعي. كيف تقيّمون التأثير الإيجابي لهذه الفلسفة على انتفاضة النساء في روجهلات كردستان؟

من خلال تجربة المرأة في شمال وشرق سوريا أصبحت تعتبر مثالاً تحتذى بها، وتغييرٌ مجرى الأنظمة الموجودة في الشرق الأوسط الصغير الذي بدأ في عام 2011 في الدول العربية، واليوم نخطو على التغيير في أنظمة الشرق الأوسط الكبير التي من ضمنها تركيا وإيران، وهذه الأنظمة لا تختلف عن الأنظمة الموجودة في الدول العربية كالشوفينية، وعدم منح الحقوق للمكونات، وعدم منح المرأة حقوقها وتعنيفها في إيران كمنع خروجها وإجبار الحجاب والنقاب عليها، وتحديدها وعدم مشاركتها في كافة مجالات الحياة.

الثورة التي أطلقت شرارتها في إيران لم تنتهِ وتعتبر مثال للنّضال والكفاح المستمر، وصوت المرأة المنذور للحرية، وسيعلى صداها أكثر وأكثر للوصول إلى جميع الدول في العالم لفهم مدى صعوبة عيشها وسط عالم يسود فيه السيطرة والهيمنة المفروضة عليها، وتعنيفها وعدم منحها أدنى مستويات حقوقها.

المرأة الآن تأخذ قواها من امرأة أخرى، ثورة النساء في شمال وشرق سوريا كانت بداية لنشر القوة لدى جميع النساء في الدول الأخرى، للوصول إلى مطالبها كاملاً.

 

  • كيف يمكن للمجتمع أن يصل إلى حياة حرة بدون قيادة امرأة حرة والغير مساهمة في جميع المجالات ضمن المجتمع؟ هل يمكن أن نتحدث عن مجتمع حر؟ وماذا تعني فلسفة المرأة، الحياة، الحرية؟

عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، وبسبب الترسبات التاريخية القديمة أحدثت حروباً وغزوات بين الدول، ولوجود الكثير من القضايا العالقة التي تشبه قضية المرأة، ولا تزال تحتاج إلى حل لها للوصول إلى مجتمع ديمقراطي محرر إلى حد ما، وخلال بحوثيات رفيق المرأة القائد عبد الله أوجلان نجد سد لبعض الثغرات الموجودة. فهو يملك طرازاً غنياً حيث لا يطرح القضية فقط بل يطرح معها منهاج الحلول الجذرية. هنا الاختلاف. نأمل على تحقيق مجتمع ديمقراطي مجمع بحرية المرأة. لا يمكن أن يتم تحرير المجتمع بأكمله وحل القضايا العالقة، إلا من خلال حل قضية المرأة.

“ثورتنا هي ثورة المرأة المناضلة، والقائدة التي شاركت في جميع مراحل البناء وأقسامه، كانت المثال الحقيقي للقيم والأهداف التي ترفعها وتعتنقها ثورتنا ومجتمعنا”.

من المهم أن نعرف أن نجاحنا والانتصارات التي حققناها ما كان لها أن تكون لولا عزيمتنا وارتباطنا الذي تمكنا من خلاله كسر وتجاوز جميع العقبات والصعاب والتهديدات التي واجهتنا طوال الطريق الذي قطعناه داخلياً وخارجياً وعسكرياً وسياسياً وإدارياً، وسنتمكن من تجاوز الصعاب والتهديدات التي لا نزال نواجه، سنحطم العقبات التي تعترض طريق ديمقراطيتنا وحريتنا”.