تحول الزواج من علاقة اجتماعية إلى ظاهرة سياسية
تحول الزواج من علاقة اجتماعية إلى ظاهرة سياسية
“الثورة التي يجب خوضها حتى يحصل التغيير
هي ثورة متكاملة على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية
حيث تكون المرأة فيها هي طليعة الثورة“
عذاب جمعان العبود
الزواج في اللغة
يعني الاقتران والازدواج فيقال زوج بالشيء وزوجه إليه، قرنه به وتزاوج القوم وازدوجوا: تزوج بعضهم بعضاً، والمزاوجة والاقتران بمعنى واحد.
اصطلاحاً
الزواج عادة ما يعني العلاقة التي يجتمع فيها رجل يدعى (الزوج) وامرأة تدعى (زوجة) لبناء عائلة، والزواج علاقة متعارف عليها ولها أسس قانونية، مجتمعية، دينية، وثقافية. وفي كثير من الثقافات البشرية ينظر للزواج على أنه الإطار الأكثر قبولاً للالتزام بعلاقة جنسية وإنجاب أو تبني الأطفال بهدف إنشاء العائلة، في كثير من الحالات يحصل الزواج على عقد شفوي وكتابي على يد سلطة دينية أو سلطة مدنية، مجتمعية وعادة ما يستمر الارتباط بين الزوجين طول العمر، وفي بعض الأحيان ولأسباب مختلفة يفك هذا الرابط بالطلاق وبتراضي الطرفين أو بقرار من طرف آخر كالقضاء أو المحاكم بالتطليق أو فسخ العقد.
تاريخ الزواج
يعود تاريخ الزواج كما هو متعارف عليه بين البشر لعهد آدم وحواء، مثلاً لأول بينّة زواج شرعي في تاريخ البشرية. اختلفت طرق الزواج على امتداد التاريخ البشري حيث إن الارتباط في البداية بين الرجل والمرأة كان مقتصراً على شرط القبول ببعضهما البعض، ثمّ تطور الأمر بتطور المجتمعات والعادات وظهور التشريعات الدينية، لتصبح عملية الزواج أكثر تنقيحاً ويصبح لها أسس وقوانين وشروط لإتمام الزواج، يعبر الله عز وجل عن حسن المعاملة في الأسرة، وإعطاء الحقوق بتعبير حدود الله ومثال عليها قوله تعالى:( فإن خفتم ألا يقيمان حدود الله) في شرح حكم الخلع، وهي أن تخلع المرأة زوجها إذا كرهته، وأذكر أيضاً ما استنتجته في التفسير بأن الحال التي يعتبر فيها العلماء عدم إقامة حدود الله هو غياب حسن الصحبة بين الزوجين.
هذه التشريعات الدينية التي لم أسمعها من عالم أو واعظ أو شيخ إلا متأخراً، إن حسن الصحبة والمعاملة في الأسرة هي من مقومات بناء العائلة السليمة، وفي مجتمعاتنا المعاصرة مهما قيل عن احترام المرأة يبقى مجرد حديث، حيث إن احترام المرأة يعني قبول حدوث خلافات معها، والسعي للحلول الوسط لأن لديها الحق أن تمتلك أهدافاً ونظرة للحياة، ومشاعر لا يشعر بالعيب عندما تحفزه لتغيير نفسه، لتهذيب أخلاقه ولتقويم اعتقاداته، ولتصحيح أخطائه عندما لا يقيم على أساس الجمال والإغراء، وتحويلها من كينونة لها حقوقها إلى منفعة مادية تُستهلك وترمى.
إذا لم نجد ما سبق ذكره في المجتمع فأننا سنصل إلى هذه النتيجة برأيي، اعتقاد الكثير من الرجال إن معرفة المرأة الحق أو الصواب قبلهم إهانة لهم، فالرجولة في مجتمعاتنا مقترنة بالصواب الدائم، والحق المطلق والتمييز النوعي لصالح الرجل، ويتم اجتزاء بعض النصوص الدينية لإثبات هذه القاعدة، فكل رجل أفضل من أي امرأة مهما سبقته فهماً أو علماً أو تجربة، وعندما تسبق امرأة رجل فيا للمصيبة فتكون المرأة ارتكبت في حق الرجل عيباً شنيعاً وإهانة، ويبدأ الرجل بالحقد عليها بانتظار اللحظة المناسبة حتى يثبت أنها ضائعة من دونه، فإذا عرفت الحق مرة فهي رمية من غير رامي، ومن محض الصدفة فإذا أُثبتت ذكائها أكثر من مرة، فلابّد أن تبقى تحت المراقبة وتحجيمها، لأنه سيصبح من الصعب السيطرة عليها لاحقاً.
العلاقة بين الرجل والمرأة
أتأمل كيف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:” وأصابت امرأة وأخطأ عمر” وقبل أن تصححه وتقومه، وفي هذا الزمن وفي المجتمع الشرق أوسطي لا قداسة ولا اعتبار للزواج، أو لأسرة لا يراعي الرجل حب زوجته لها ولا يراعي حق أولاده، لأن يصعب عليه تقويم نفسه، فأما أن تقبل المرأة ما هو حاصل أو أن ترحل وسوف تتحمل هي ذنب تدمير الأسرة، وتوضع المرأة أمام خياريّن أحلاهما مر، أما أن تقبل بالظلم وأخذ حقوقها مقابل أن تبقى تحت جناح رجل، ويقول البعض أن المرأة قوية وتستطيع العيش بدون رجل.
إن ما هنالك بالنسبة لي يعتبر هذا الفكر تردي في القيم، حيث إنَّ الله عز وجل خلق الذكر والأنثى ليحتموا ببعضهم البعض، وأن تحافظ على حقوقها مقابل أن تستقل بنفسها تماماً، فلا تخضع لرجل. وتعقيباً على ما أقوله أذكر حلقة لأحد دكاترة قيل عن امرأة:( كان زوجها يضربها ضرباً مبرحاً، وتأتي الشرطة لتبعده عنها، ثم هي بنفسها تسقط حقها شوقاً له)!
قال الدكتور لها: هل تحبينه أم تكرهينه؟ تأملت الدكتور وقالت له: الاثنين معاً. رد عليها الدكتور: إذن أنتِ مجنونة! التي لا تستطيع الاستغناء عن الرجل، أستطيع فهمها، أي أنها تحب وجود هذا الرجل في حياتها، ولكنها تكره عنفه لها).
من هذا المثال انطلق؛ قليلة من النساء على هذا النحو، فالمرأة بشكل عام في هذه البقعة مهمشة، واستيقظت بوقت متأخر، وهي تشاهد وتستنكر هذا التهميش لعقود، والتي وصفت من دون حق أو مشرع ديني لها.
الأمية
من أهم ظواهر الظلم المسلّط عليها هي الأمية، حتى وإن سنحت لها الفرصة في التعليم، فمجال دراستها محدود لا تتعدى كونها معلمة أو موظفة في مؤسسات حكومية، تعمل ليل نهار بدون أن تكون لديها رغبة في الإبداع والبحث، وعدم الإبداع يأتي دائماً من كون المرأة تعيش في قالب فكري معين. تصبح فيه بعيدة عن بعض مجالات الدراسة والتحصيل العلمي، الذي يراها المجتمع أنها حكراً على الرجل، كما أنها تعاني من الفقر.
هذا الأمر الذي يدفعها للعمل بأجر بخس وبساعات عمل طويلة، حتى تأمن قوت يومها، وأحياناً تتعرض للاستغلال والابتزاز الجنسي والجسدي، مقابل حصولها على المال خاصة أثناء الأزمات الاقتصادية التي تمر بها دول الشرق الأوسط. وفي المجالات السياسية والأخلاقية التي يعيشها الشرق الأوسط، تدفع فيها المرأة الثمن الأكبر متعرضة للعنف بكافة أشكاله الجسدي واللفظي، وكأنها ملكية متنقلة تولد مستعبدة من والدها أو أخيها الأكبر، لتعيش مرحلة أخرى تكون ملكاً لزوج ليس دائماً لها، وغير متفهم لجوهر المرأة وكينونتها المفعمة بالطاقة الحب والإبداع.
وفي أحيانٍ كثيرة بسبب عدم وصول طرفي الزواج لنتيجة، وعدم حدوث حوار وتفاهم مشترك بينهما كلاهما يحصل الطلاق حتماً، ومرة أخرى المرأة هي من تتعرض لضغوطات من قبل المجتمع الذي ينسب أسباب الطلاق إلى المرأة دائماً، دون معرفة الأسباب الحقيقية لهذا الموضوع، واعتقاد المرأة بأنها غير قادرة على تحمّل المسؤولية في إدارة شؤون العائلة.
وأحياناً تلك الأسباب يستغلها الزوج تبريراً لنفسه أو للمجتمع، حتى يشرع تعدد الزوجات الذي يوصف بأنه أشد أنواع العنف ضمن العائلة في الشرق الأوسط ايذاءً للمرأة، فالمرأة بكل حالاتها ضحية سواء تزوجت أم بقيت عزباء، فإن تجاوزت السن الذي يضعه المجتمع حسب تقاليده البالية، والتي تقيّم المرأة من خلال عمرها فقط، ستصبح بنظر المجتمع منبوذة وأقل قيمة من تلك المتزوجة ويطلق عليها اسم عانس، وتتعرض للتنمر حتى من أهلها في بعض الأحيان، وتحال بعض العائلات تلافي الوصول إلى هذه الظاهرة من خلال الإسراع في تزويج بناتهم بعمر القاصر، حتى وإن كانت غايتهم التأمين على ابنتهم إلا أنهم يدفعون بها إلى التهلكة والانهيار الجسدي والمعنوي.
حق المرأة في الميراث
تحرم المرأة من حقها في الميراث الذي شرعته الكتب السماوية، فحدث ولا حرج، فهنالك نسبة قليلة من النساء في المجتمع تطالبن بحقوقهن، والتي تطالب بحقوقها قد تعرض نفسها لنبذها من قبل العائلة، وكثير من النساء هي من تتنازلن عن حقوقهن، وفي هذا الموضوع، هل سيتنازل المجتمع والعائلة للمرأة عن حقه في حال ارتكاب المرأة لذنب كجرائم الشرف؟
حيث تحدث يومياً عشرات بل مئات حوادث قتل المرأة باسم الشرف وتتناسى، لأن الشرف للرجل وللمرأة على حد سواء، والقانون شرع هذه الجرائم كونه قائم على عدم المساواة والعدالة الاجتماعية، وعند إضافة القضايا الناجمة عن أجهزة القمع والاستغلال الرأسمالي الحالي إلى تلك القضايا القديمة السابقة، يتحتم على المرأة أن تعيش حياة يهددها كابوس حقيقي ضمن المجتمع الشرق أوسطي، بتطبيق أشد وسائل القمع والاستغلال الفظي على جسد وكدح المرأة.
أصبحت القضايا التي تعاني منها المرأة داخل المجتمع ضمن أبعادها الاجتماعية تتجلى بأهمية فائقة وعظيمة، فقضية المرأة تكمن في منبع كل القضايا إذ نلاحظ هيمنة النظام الأبوي وتماسكه على المرأة قبل الوصول إلى المجتمع الطبقي الدولتي، حيث تمَّ اللجوء إلى صياغات ميثولوجيا ودينية لتمويه حاكمية الرجل، وملحمة الآلهة(انيانا)هي انعكاس لهذه الحقبة الزمنية، حيث تتجسد هذه الملحمة بالحنين إلى الطبيعة والآلهة والأم المقدسة، والواقع المعاش في هذا السياق يكون أشد وضوحاً ولفتاً للانتباه.
المرأة في الميثولوجيا
في ملحمة باب النزاعات بين إله بابل العظيم، وتيامات الآلهة الأنثى، وفي الميثولوجيا السومرية المرأة خلقت من ضلع الرجل الأعوج، وهذا ما نقل عن الأديان التوحيدية، فالمرأة التي دخلت الزيقورات السومرية (المعابد) كإلهة قد خرجت منها كعاهرة المعبد، وبعدها ترفع من عاهرة المعبد إلى جارية القصر.
كما تعد موضوع عبودية المرأة لا غنى عنها في الأسواق، وباتت أيضاً مستعبدة بشؤون المنزل، ولا مكان لها في السياسة وأداة جنسية تابعة للرجل، وفي المدن الرأسمالية فقد اكتسبت المجتمعات بنية معنوية وجنسوية محضة، مع تسلط الذكورية بامتياز وينعكس التأنيث أي عبودية المرأة في المجتمعات التي تسود فيها مفاهيم الاستغلال والقمع والاضطهاد، وتحولت العائلة إلى مؤسسة عبودية تخضع لعبودية المجتمع.
فالزواج الحالي المفروض على المرأة بشكل أحادي الجانب، هي أول مؤسسة عبودية في التاريخ، فقد أصبحت فيها المرأة مسلوبة في اختيار شريك الحياة، ويكون أغلب التركيز على الحالة المادية للزوج دون النظر إلى مستوى الوعي والإدراك، الذي يمتاز به هذا الشخص، وهل يؤهله لأن يصبح إدارياً في العائلة أو المجتمع أو ماهية الصفات التي سيغرسها في نفوس أبنائه والجيل القادم.
نموذج المرأة في الزواج
في هذا النموذج من الزواج لا يسمح للمرأة حتى أن تعبر عن رغبتها أو استعدادها لإقامة أو ممارسة العلاقة الجنسية مع زوجها، تكون فيها بحالة نفسية غير مستقرة ناهيك عن أنواع من الزواج تفرض على المرأة كزواج البديلة، وكأن المرأة شيء أو مادة يتم بيعها كوسيلة مقايضة وزواج الشغار والدٌية، والتي تستخدمها بعض العشائر كوسيلة من وسائل الصلح الاجتماعي في حوادث القتل والثأر، حيث تحصل نتيجة التعصب العشائري.
أما الجريمة الأكبر التي تمارس بحق المرأة هي النوع الجديد والخطير من الزواج، الذي ظهر نتيجة فتاوي بعض الرجال، وخاصة أثناء تغلغل عدد من الجماعات الدينية المتطرفة في أكثر من بقعة من الشرق الأوسط، أو حتى بعض الأنظمة التي تنتهج دساتيرها منهج إسلامي وديني متشدد، وهو زواج المسيار الذي لا يكلف الزوج بدفع مهر أو رعاية المرأة، أو حتى ملزم بتامين سكن لها، وكأنها عشيقة وجارية يتم اللجوء إليها كلما دفعته الشهوات الجنسية.
ناهيك ذلك عن زواج المتعة الذي شرعته بعض المذاهب الذي تتعهد بين الطرفين لمدة معينة، وكأنه عقد عمل بين مدير العمل وموظف أو عامل بوفيه، ليس عقد زواج قائم على الرحمة والمودة، وفي الأزمات والحروب التي ظهرت أثناء الربيع العربي أجيال جديدة من أنماط الزواج التقليدي هي زواج الجهاد، الذي يحمل بطياته بقايا العصر الجاهلي الذي كان يشرع وأد البنات والسبي خاصة أثناء هجوم تنظيم داعش الإرهابي على سوريا والعراق.
كان التركيز كبيراً جداً من قبل الدول المهيمنة التي تحاول امتلاك قرار الشرق الأوسط على إحداث خلل في بنية المجتمع. من خلال تمزيق الروابط الاجتماعية والغنى الثقافي والحضاري المتأصل والمتجذر في بنية المجتمع الشرق أوسطي الذي كان منبع الحضارات ومهد الديانات السماوية. كان الفضل للمرأة في جميع هذه الإنجازات من اكتشاف الزراعة والاكتشافات العلمية واستدامة حالة السلام، وعدم وجود صراعات بين الشعوب الموجودة نتيجة أن المرأة كانت هي محور الحياة وكانت المرأة مصدر الحياة.
المرأة المضطهدة
هذا ما جعل الغرب يدرس هذه التركيبة، ويعرف نقاط القوة ونقاط الضعف الموجودة فيها حتى يستطيع التغلغل والتوغل بين طياتها، وتم إدراك حقيقة أن حدوث خلل في بنية العائلة أو الأسرة، والتي تعتبر هي نواة تشكل المجتمع سينعكس سلباً على بنية المجتمع. لذلك تم التوجه إلى ضرب العلاقة بين الجنسين حتى تنشأ عائلات هشة، يتم فيها إعداد وتدريب الرجل بسلوكيات جنسية بالغة الكثافة من عمر الشباب، وحصيلة التعاطي الجنسوي يستفحل حتى يصل إلى حالات الشذوذ الجنسي، وتغدو المرأة عبدة والرجل العبد أيضاً يصبح كزوجة خاضعة للحكام والفئات والطبقات القمعية.
تنتقل الفئة الفوقية السياسية والحاكمة بالمجتمع إلى الفئة الجنسوية الحاكمة، فإذا أردنا أن ندرك الشلل المجتمعي الذي نعيشه سوف نرى بأنه تم استهداف الأسرة لتدمير أركان المجتمع، فقد مُورٍست شتى أنواع الغزو على الأسر من عقائدية وثقافية وحرب خاصة لتحول الحياة من حياة تشاركية تعاونية إلى حياة مشابهة للنظام العالمي، الذي تديره السلطة من قبل الشخص الواحد، وتشهد المؤسسة الاجتماعية الأسرية تشابكاً وتعقيداً، فالواقع السياسي والأيديولوجي والأخلاقي ينعكس على الرجل والمرأة بشكل قاس وشديد وعدواني، فالتناقضات القائمة في مؤسسة الأسرة ليس أقل من التناقضات في مؤسسة الدولة، ففي العائلة تكتم الأنفاس وتقبع تحت وطأة التقاليد والعنف في المجتمع، فظهور الأيديولوجية السلالية ترك أثر كبير على العائلة، ونظام رئاسة الرجل للمنزل اقتفاء بالثالوث (السلالة – السلطة – الدولة).
المؤسسة الهرمية
فالطبقة لا تولد السلطة والدولة بل بالعكس فتكوينات السلطة والدولة المبنية على العائلية (المؤسسة الهرمية) هي التي تؤدي إلى التمايز الطبقي، فالعبودية لا تؤسس على الكدح المادي فحسب، بل تبني أيضاً على الأذهان والمشاعر والأبدان، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إدخال الثورة الذهنية ثورة الأخلاق والجمال والجسد إلى كل عائلة. بيد إن الكثير من الناس يرفعون شعار المساواة بين الرجل والمرأة كمطلب يحقق العدالة بين الجنسين، ولا شك إن كثيراً من تلك الشعارات جوفاء أو تخفي ورائها غايات سيئة تستهدف النيل من استقرار المجتمعات من خلال خلق انحرافات، وتغذيتها بين الجنسين ضمن العائلة والأسرة الواحدة.
فالمجتمع نسيج اجتماعي يجب أن تسوده المحبة والمودة والاحترام والعدالة، وإن نسيج المجتمع يبدأ بفهم حقيقة العلاقة بين المرأة والرجل، لأنهما سر الترابط الاجتماعي فإن فهم حقيقة هذه العلاقة تعتبر من الركائز الأساسية لبناء المجتمع وتطوره، وهي التي تحدد مصير المجتمع، وعلى هذا الأساس فإن بناء مجتمع أخلاقي سياسي يرتكز على تطوير العلاقة المتوازنة القائمة بين الرجل والمرأة على أساس الحياة الندّية، التي من خلالها يحافظ كل طرف على وجوده وكينونته بعيداً عن تحكم الطرف الآخر، ولابد لنا هنا من التركيز على تحرر المرأة كون كل التحولات والضربات التي تعرض لها المجتمع عبر التاريخ بظهور السلطة والدولة.
وصولاً إلى يومنا هذا وتحكم الحداثة الرأسمالية بمفاصل الحياة كافة، كانت سبباً بإلحاق الضرر والانكسار على المرأة بالدرجة الأولى، لذا لابد أن يكون تحرر المرأة البوابة والمفتاح الرئيسي لتحرر المجتمع والانطلاق نحو الحياة الندّية الحرة، ولابد من التأكيد على أهمية تحرر الرجل كونه عنصر رئيسي في الحياة الندية الحرة مع المرأة فالرجل أيضاً، تعرض للاستعباد من قوى السلطة والدولة لذلك لابد من الأخذ بعين الاعتبار أهمية تخلص الرجل من الذهنية الذكورية، والوصول إلى حالة الصفاء والتوازن فيما بين الرجل والمرأة، بغية الوصول لحياة ندية قائمة على المساواة والحرية بين الجنسين المتخذة من المرأة الحرة، والرجل الحر على حد سواء بعيداً عن الامتثال أو التبعية من كلا الطرفين.
كفاح المرأة
كفاح الحرية والمساواة تجاه العبودية هي التي تؤسس العائلة الديمقراطية، ونماذج لحياة جديدة وأنماط زواج ديمقراطي، يكون لبنة أساسية لتحول وتغيير ديمقراطي في المجتمع بشكل تدريجي، حيث جميع الطروحات التي من قبل عدة فلاسفة وعلماء اجتماع وأيضاً الحركات والأحزاب السياسية من أجل نجاح ثورات في دول الشرق الأوسط. يتم فيها تغيير أنماط الحكم التي تمارس الاستعباد بحق المجتمع لم تتكل هذه الثورات بالنجاح كون رؤيتها كانت محدودة ومقيدة، أما بإيديولوجيات دينية أو قومية أو إن المشاريع التي تقدمها عبارة عن مشاريع شكلية تركز على تغيير راس الحكم، وغالباً ما تكون الانقلابات العسكرية هي الطرح الموجود لتحقيق هذه الغاية.
أما الثورة التي يجب خوضها لأجل التغيير، هي ثورة متكاملة على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية، وتكون المرأة فيها هي طليعة الثورة لكن قبل خوض هذا المضمار يجب عليها معرفة نفسها ودراسة تاريخها، وتدريب ذاتها حتى تكون صاحبة إرادة قوية واثقة الخطى تستطيع تحدي جميع العقبات، التي تعترض طريقها تكون أيضاً صاحبة الخلق والإبداع والمبادرة. فإن امتلكت كل تلك المقومات تستطيع أن تنشأ عائلة ديمقراطية تؤسس لمجتمع ديمقراطي، يتمتع أبنائه بالحرية والعدالة والديمقراطية، فالمرأة هي التي تلد نصف المجتمع تربي النصف الآخر، فهي الام والزوجة والأخت والمعلمة والشاعرة والسياسية الأولى في المجتمع والاقتصادية، وبهذا الشكل يمكن حل معظم القضايا العالقة في المجتمع، وحل الصراعات الداخلية وحماية جوهر المجتمع والتصدي لجميع أشكال الاستعباد التي تطاله.