العشق هو الحقيقة والحقيقة هي الحياة الحرة

العشق هو الحقيقة والحقيقة هي الحياة الحرة

“الإلهة تعني المرأة المدركة بكينونتها

والآخذة مكانتها في توازن نظام الأمة الديمقراطية”

أيتان فرهاد

 

المجتمعية هي نتاج التغيرات الكبيرة في العالم الحسي والمعرفي أو الوعي لدى الإنسان، وعندما نتحدث عن مفهوم وماهية العشق ومستواها الأخلاقي، فإن العاطفة والفكر التي تغير من تطور دنيا الحياة الاجتماعية ستحتوي على كافة المشاكل والاختلافات والفروقات، كل هذا مجتمعاً خلق قوة مشتركة وقوة الحل ذاته. يمكننا القول إن ما بين فترة الخلافات والفروقات يتخذ الإنسان شكلاً معيناً، وإن الاختلافات والفروقات تبدأ من الإنسان نفسه، هناك حقيقة نستطيع طرحها على الساحة مثل حكاية الروح ببنية الجسم والوعي مع العواطف وعلاقة كل هذه المواضيع مع الكون والمجتمع.

التحول الاجتماعي

تخلق حقيقة التحول الاجتماعي حيث تتحول القوة المولدة من اختلافات وفروقات التحول الإنساني والاجتماعي إلى طاقة إضافية، وبطبيعة الكون ففي بدايات المجتمع لم تكن السلطة والهيمنة من ناحية الإنسان موجودة (يعني الرجل والمرأة لم يكونا معرضين للخطر)، ولكن عندما بدأت السلطة بالظهور، أو ولدت السلطة قامت بترسيخ قوالب ذهنية في ذهنية الإنسان حسب ما يجدها مناسبة له، ولتسيير الإنسان حسب مراده وتحقيق غاياته في المجتمع بتحقيق عبودية المرأة أولاً، ومن ثم الرجل والمجتمع ككل. وقد حققت حالة من الاغتراب لدى الإنسان الأمر الذي أدى إلى انقطاعه عن جوهره وحقيقته، فكان الانكسار الجنسي في المجتمع وتحطم التوازن ما بين المرأة والرجل، وأصبح المجتمع آحادي الجانب يتحكم به الرجل، أو تدار كل مفاصله بذهنية الرجل الحاكم والمسيطر.

جوهر الإنسان           

لدى تحليل واقعنا لابّد من التطرق إلى جوهر وحقيقة الإنسان، ومقاييس العشق دون إحداثيات الواقع الكوني الذي نعيش فيه، وبالأخص لا نستطيع أن نتحدث عن جانب واحد لكن هناك جانبان لهما تأثير على بعضهما البعض في الواقع الاجتماعي. فتظهر ديالكتيك قوي في حقيقة العواطف والمشاعر التي لا يمكن إنكارها منذ معرفة المرأة على ذاتها في الكون، فهذا يدل على الارتباط العظيم بالطبيعة والكون التي تباشر الوجود الإنساني، فيتوقف التحليل العاطفي بالاندماج والتوازن مع الذكاء التحليلي للواقع. إذاً يتطلب الجهد العظيم والتناول الذهني الحب الإنساني من خلال العوائق التي كانت تظهر في الواقع المأساوي التي عاشتها الشعوب في ثورتهم ومسيرتها الكردستانية.

 قوة التغيير المجتمعية

اندفاع الثورة من منظور وواقعيات الأحداث المتسارعة للواقع الإنساني والكردستاني على وجه الخصوص، والتي كانت منها انطلاقة الثوريين من خلال الانتفاضات التي عاشتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أجزاء كردستان عبر التمردات والصراعات قاومت تلك الأحداث، وحققت تحولات ثورية مميزة أوصلتها إلى تحقيق الثورة الذهنية في المجتمع الكردستاني، حتى وصلت إلى ذروة النصر، وأصبحت قوة التغيير المجتمعية التي باتت تمثل أثر الفراشة في العالم أجمع.

حيث كانت المرأة الكردستانية أولاً في حركة حرية المرأة قدوة تقتدي بها النساء في العالم أجمع. وكما أصبحت حركة حرية كردستان بما قدمته من تضحيات عظيمة المظلة التي تظلل كافة الشعوب المضطهدة، التي ترى من خلالها خلاصها وحريتها، ولاسيما التواجد الكبير للمرأة فيها، وإعطاءها الأهمية العظمى لتواجد النساء ضمن صفوفها. كل ذلك بريادة القائد عبد الله أوجلان الذي بدأ من المرأة أولاً، لإدراكه حالة الموت السريري الذي يعاني منه المجتمع الكردستاني. إن إعادة إحياء المجتمع الكردي يمر عبر حرية المرأة الكردية، وأخذها مكانتها المرموقة في المجتمع ولعبت دورها الريادي فيه.

مفهوم العشق

لقد تحول العشق الأزلي والأدبي بنهوض الشعب في وجه جلاده عبر المقاومة العظيمة التي أبداها، ويكمن هذا في البحث عن الحقيقة الأساسية في أعماق التاريخ، فعندما يدون التاريخ عشق رجاله ونسائه لكردستان يتحول العشق إلى كينونة الوجود بثقافته وتراثه وأدبه، وتتحول ملاحم العشق إلى أساطير تاريخية بعشقه الترمذي والصوفي وأله العشق في محاربته لتلك الأدمغة التي لا ترى سوى تميزه العنصري، وتمارس بحق الشعب الكردي سياسات الإنكار والإقصاء والإمحاء والفناء.

إذا ما تمعنا في مفهوم العشق بين الإنسان والكون وبين المرأة والرجل، وحتى ما بين الإنسان والإنسان نجد حالة من العبودية الكثيفة والدقيقة. إذ لا يمكن تسمية هذه العلاقة بالعشق، وإنما هي حالة من العبودية التي باتت تغرق أصحابها وتوصلهم إلى مستوى من الحضيض بدرجة تصبح فيها الحياة قبيحة وكريهة ولا معنى لها. لذا فإن الانطلاقة من العائلة وعلاقة المرأة والرجل والكشف عن الممارسات، والأساليب والعادات والتقاليد العائلية والمجتمعية، وتحليلها سيعطي نتائج إيجابية أكثر من أي انطلاقة أخرى، وسيؤدي إلى تنوير القلوب والعقول وبناء تفكير جديد لإعادة الحياة إلى مسارها الصحيح، وجعلها مفعمة بالمعاني السامية والجميلة والبراقة.

سيصل المجتمع برمته إلى التقرب الصحيح من القضايا، وتناولها من حيث المضمون والجوهر لا من حيث الخداع والأمور الظاهرية. لذا فما هو منتظر من أصحاب العشق الحقيقي للخروج من فوضى النظام الرأسمالي وفوضى الحياة هو خلق القدرة العظيمة المتمحورة حول المرأة وتحقيق الانطلاقة بها. إن هذا من أقدس وأنبل الأعمال التي سيقوم بها أبطال العشق الحقيقين الذين وهبوا أفئدتهم وعقولهم للعشق بكل طواعية، فإذا كانت عين العشق عمياء فقد يؤدي إلى أكثر الحالات سفالة، وإلى أدنى درجات الجهل وذلك سواءً كان لعشق السلطة أو لعشق الجنس.

وإذا كان العشق مفعماً بالمعاني النبيلة فهو قيم، ومن الممكن أن يصل لحدود النيرفانا، ويعني الفناء في ﷲ والانصهار في الحقيقة والاندماج بها. نستطيع القول إن التوجه إلى العشق الحقيقي وارتباطه بقيم ومبادئ الوطنية والتراب والأرض سيحقق انسجاماً قوياً وعظيماً في الضمير الوجدان الحي، دون وضع فوارق دينية ومذهبية في ذلك. والحقيقة الأكثر صحة هي السير على طريق (درويشي عفدي وعدولة –  ليلى  والمجنون)، والالتحام بالقيم الاجتماعية والتاريخية من عاداته وتقاليده، لعظمة حبهم عندما توجه درويش إلى تلك الصحراء القاحلة وصراعه مع أعداء الإنسانية. من أحفاد جلجامش وماردوخ الذي مزق بحربته تلك القيم وإنجازات تلك الإله العظيمة (تيامات)، ومواجهتهم لتلك العادات والتقاليد البالية في ذاك المجتمع.

ولا ننسى هنا أن القائد عبد الله اوجلان كتب قصيدة عن هذه الملحمة التاريخية المعبرة وبشكل جليل عن حقيقة العشق الحقيقي المندمجة مع قيم الوطن حيث قال:

آه لو كنت ودرويشي عبدي على ذرى سنجار!

أعدو به سهل الموصل على صهوة حصان أبيض

متسلقاً جبال كردستان ودرويش الجريح على ظهري

وأقول انظر، هناك الآلاف من عدولة والأثني عشر

نم قرير العين على قمم الجبال التي على عرشها الإلهات تعتلي

لا تغتم، فأهلا بالموت اين وكيفما جاء

ما دامت الكرديايتية والحياة الحرة حلتا، وغدتا حقيقة أبدية

العلاقة بين الرجل والمرأة

يجب عدم الانزلاق إلى الانحطاط الغريزي والعاطفية الرخيصة، وألا يكون هناك انجرافا وراء الغرائز والنزوات، لأن هذا التقرب قد وأدت الحياة تحت ستار الغرام والعشق وإشباع الغرائز. فالعشق مرتبط بتجاوز اللذة الجنسية والغريزة، وفضح سياسيات الخداع والمكر تحت مسمى العلاقة (الصداقة، الزواج). والأصح يجب الوصول بالرقى لمستوى الحرية المتبادلة بين الرجل والمرأة ضمن العائلة، وفي كافة مؤسسات المجتمع للوصول إلى بناء عائلة ديمقراطية تحت مسمى أو أطروحة الحياة الندّية الحرة. أي ربط العشق الكائن بين كافة عناصر الكون، وليس فقط بين الرجل والمرأة بالانسجام الوجود وتألفه على الأقل كما كان هناك العشق في ذهنية ليلى والمجنون.

 كدح العشق

أما الآن فلا أثر لأي عشق حتى لو كان أعمى، والنتيجة هي الانتحار (النهيليستيه) أنها المحطة الأخيرة لافتقار الوجود الإنساني معناه، فالعشق يستلزم البسالة الجليلة والحب الكبير (من لا نجاح له لا عشق له، ووجه العشق متوجه دائماً نحو الحرية)، فهذا مرتبط بأن فلسفة الحب السامي وحقيقة معرفة الذات وبحثه دوماً عن القيم التي تليق بالمرأة في الحياة العملية، وتواجده في مجتمعه على أسس القيم الإنسانية المرتبطة بالحرية، وبإمكان تعريف كدح العشق الذي هرعت ورائه على هذا النحو.

أيكولوجية المجتمع  

الذهنية التي يتبعها الرجل بمكره وخداعه لحقيقة ذاته، وارتباطه بالسلطة والهيمنة التي تستقطب بممارساته ووضع فوارق لأنوثة المجتمع، وذلك من خلال التعصب التي يضغطها بممارساته وأفعاله على الواقع الأنثوي، فهذا يدل على بعده التاريخي عن معرفة ذاته في المجتمع الطبيعي، على الرجل أن يعرف أن الرجولة الحقة الواثقة من ذاتها تحت تقديم المساعدة والمؤازرة والتضحية العظمة لا زرع العراقيل في سبيل تحرر المرأة، فتسيس العواطف واستمرار الطاقة الإيجابية وعدم هدرها في مكان أخر، فستكون تلك العلاقة مبنية على أسس أخلاقية وسياسية لأجل وصول إلى مجتمع أيكولوجي حر، عوضاً عن القول أنها الملكية الخاصة لي.

الشرط الأساسي هو تكافئ المرأة والرجل في القدرة على الحرية والمساواة، كي تتمكن من استخدام حقها في الاختيار، وهذا يستلزم تخطي مقاييس الهيمنة والحاكمية التي أكتسبها الرجل على مدى آلاف السنين بما يناهض مصلحة المرأة وتجاوزها واستغلالها في ذاته والمجتمع الحاكم، وبالتالي بلوغ القوة تماشياً مع المرأة.

إن نضال الحرية والمساواة الديمقراطية الذي سيخاض في سبيل تجسيد هذه الشهود وتلبيتها، فيقرب الفرد من ظاهرة العشق أكثر، وهذا بدوره يمر من أنكار ظواهر العشق الماشية في أحضان النظام السائد، إن أشكال المعرفة الأحق قدماً في الحياة هي تلبية لاحتياجات الحياة وذلك للاستمرار بوجودها، فاستحالة خلو الفرد الذي قد حثته على الحل بتطوير الطاقة في إعادة الإنتاج لذاته ضمن شخص أخر.

نستطيع أن نقول الإلهة تعني المرأة المدركة بكينونتها والآخذة مكانتها في توازن نظام الأمة الديمقراطية المميزة في الحرية والمساواة في علاقتها الاجتماعية. وأن يصبح حراً عادلاً متسماً بقوة التوازن الديمقراطي، فحينها بإمكانها انتظار الحب والتقدير من المرأة المتميزة بمقاييس أخلاقية يجب فهم ذلك كمبدأ أولي، وربما تتطور الظاهرة المسماة بالعشق إذا ما تم الامتثال له، وهذا بدوره يمكن تسميته حدثاً لتطوير وتصاعد البسالة في النضال في سبيل الديمقراطية والحرية والمساواة، كل موقف عدا ذلك هو مجرد خيانة، وإذا ما حصلت خيانة العشق لا يمكن تحقيق الوصل والإبداع أبداً.

العشق الإنساني

العشق الحقيقي ممكن في كردستان والشرق الأوسط، هنا يجب الإدراك يقيناً بأي خطوة تخطى على درب العشق ستكون إنكاراً للعشق مالم ترتبط الغريزة الجنسية فيها بالحكمة، وأخلاق الحرية وحقيقة النضال والصراع السياسي والعسكري. كل من يعجز عن تأمين فرصة يؤسس فيها المرء عشه الزوجي الحر بقدر العصفور الطليق ويتكلم بالمقابل عن العشق والعلاقة والزيجة. إمّا يشير بكل جلاء إلى استسلامه لعبودية النظام الاجتماعي السائد، أو إلى جهله بالقيم النبيلة السامية لنضال الحرية شرط وجود البسالة والشجاعة المثبتة بوجودها لأحراز النصر المظفر، وتخطى كل أهل التصوف وتتحلى بدقة وحساسية أهل العلم، ويؤدي إلى الخروج من الأزمة الحالية، والتوجه نحو الحرية الاجتماعية، وهذا برهان على العشق والبسالة والتضحية والنصر.

إن العشق يحتاج إلى وطنٍ لنحقق فيه هذه الرغبة، ويمكن القول هنا حتى الطيور تبني أعشاشها قبل أن تعشق، يجب تطوير العلاقات في الحياة، ويجب البحث عن الإجابة لسؤال، ما هو عشقنا؟ ما هو قيمته؟ وإلى أين سيؤدي بنا؟ والجواب على سؤال كيف نعيش؟ يكمن في الإصرار في مسألة الحرية للتسامي والوصول نحو أسمى درجات الجمال بخلق العلاقات الحرة الجميلة والعظيمة، هذا ما يحتويه العشق الإنساني العظيم الذي نتحدث عنه.