الجنولوجيا آفاق الحرية نحو بناء عائلة ديمقراطية اجتماعية
الجنولوجيا آفاق الحرية نحو بناء عائلة ديمقراطية اجتماعية
“رجوع المرأة الى جوهرها
هي بناء أسرة متعلمة ومتطورة
كي تعبر عن نواة مجتمع متقدم”
نوجين يوسف
تعرّف العائلة بأنها الوحدة الأولى للمجتمع، وأولى مؤسساته التي تكون العلاقة فيها بين الأفراد في الغالب مباشرة، ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعياً، ويكتسب منها الكثير من معارفه ومهاراته وعواطفه واتجاهاته في الحياة، ويجد فيها أمنه وسكينته.
تختلف غايات العائلة بحسب النظام الاجتماعي السائد، وفي مجتمعاتنا يكون الهدف الأساسي للأسرة هو تزويد المجتمع بالأفراد القادرين على خوض الصراع والمساهمة في إدامة العجلة الاقتصادية للدولة، وبالطبع هنا دولة الذكور، فغايات العائلة تقع خارج الإنسان وتهدف في النهاية لخدمة مؤسسة الدولة التسلطية.
تدور الكثير من النقاشات المختلفة حول موضوع العائلة، ويخلق هذا النقاش تباينات كثيرة في الرؤية والفهم، تتراوح هذه التباينات بين المطالبة بإلغاء مؤسسة الأسرة، وبين اعتبارها الخلية الأولى في بناء المجتمع.
على الرغم من أن المطالبات بإنهاء نظام الأسرة تستند إلى مبررات فلسفية واجتماعية واقتصادية قوية، إلا أنها تتعارض مع الطبيعة البشرية الاجتماعية والضعيفة وحاجة الإنسان إلى الآخرين وإلى الانتماء.
إلا أن النضال الذي خاضته المرأة خلال القرن الماضي خلق معه الكثير من التغييرات الهامة في بنية مؤسسة العائلة، وطرحت أسئلة جوهرية حول الأسرة والعلاقات داخلها وعلاقاتها مع بيئتها الاجتماعية. وهذه الأسئلة وغيرها يسعى علم الجنولوجيا للإجابة عنها. وقد ظهرت الجنولوجيا لأول مرة في عام 2008 مع علم اجتماع الحرية للقائد عبد الله أوجلان كمفهوم.
مفهوم الجنولوجيا
الجنولوجيا (جين) جن – لوجيا ( علم – منطق ) مصطلح باللغة الكردية يعني علم المرأة. حيث يتم إعادة تعريف كلمتي المرأة والعلم على أساس “البراديغما القائمة على الحرية الديمقراطية والإيكولوجيا وحرية المرأة”
والجنولوجيا هو العلم الذي يقوم بإخراج الديناميكيات الاجتماعية، وتطوير العلوم والأفكار الجديدة ليطغى عليها الإحساس بروح العصر. وهو علم الجمال الرافض لكل القوالب الدوغمائية والمادية الجامدة لبناء الفكر الطبيعي للمرأة والرجل والطبيعة الاجتماعية ضمن روابط تاريخية واجتماعية وأخلاقية بأسلوب تحليلي علمي.
البراديغما: كلمة يونانية تعني القالب أو النموذج أو وجهة نظر معينة.
الدوغمائية: كلمة يونانية تعني الاعتقاد القوي والتأكد منه.
من المهم بداية التعرف على طبيعة تكوين شكل العائلة ومعرفة الشكل، الذي كانت قائمة عليه ببداياتها، ففي بدايات التاريخ لم تكن هناك الحاجة لتخصيص بعض الأشخاص لإطعام بعض الأهالي أو للعمل على جلب الطعام لهم، ولم يكن كما معنى الكلمة في الإنكليزية (فئة أو أفراد عائدين لرجل ما)، بل كانت الأم والخالات والأخوال بشكل طبيعي يهتمون بالطفل فور ولادته. ولكن؛ مع مرور الوقت وترسخ ظاهرة السلطة، فقد تغير ذلك ليؤدي إلى ظهور الكثير من الأنماط والأشكال للعائلة. وإلى يومنا الحالي، تتواجد هذه الأشكال فالكثير من القبائل إلى الآن تقوم المرأة بإدارة أمور العائلة فيها. ولكن؛ النمط الذي توسع بشكل كبير، هو شكل العائلة التي يتحكم بها الأب أي الرجل.
تغير شكل العائلة
يمكننا القول وبكل تأكيد أن ظهور السلطة خلق معه تغيراً في شكل العائلة، فتحولت إلى مؤسسة ترسخت فيها ثقافة السلطة أكثر فأكثر، ومورست فيها هذه السلطة بشكل فج، بالطبع لم يقتصر الأمر على المرأة فقط، بل طُبق على الأطفال أيضاً. لهذا؛ يتم تقييم العائلة على أنها أيديولوجية الدولة ونواة نظامها، فشكل النظام العائلي الذي منحه الأب للأسرة، هو في الوقت ذاته شكل نظام الدولة نفسها، وانتقد القائد عبد الله أوجلان نظام العائلة أو الأسرة بالقول: “في الوقت الذي تعتبر العائلة الركيزة الأساسية لسلطة الرجل، فإنها تعتبر أيضاً النواة الأساسية لتشكل الدولة، فالرجل المتسلط في العائلة يعمل كنواة للدولة”.
لإنهاء هذه الوضعية التاريخية المقلوبة لشكل العائلة وتكريس تحرر المرأة ومن ثم الأسرة، تم طرح مفهوم العائلة الديمقراطية في مواجهة العائلة المستبدة التي تقوم على تسلط الذكر واستبداده.
فالعائلة الديمقراطية هي القائمة على أساس المساواة بين الزوجين في تعاملهم مع بعضهم البعض، ولا يتمتع أي منهم بسلطة على الآخر تتأسس على الإرادة الحرة وحرية المرأة، ومثل تلك الأسرة تتسم بالمحبة والتعاون بين أفرادها، وعطفاً على ما ذكر في تعريف العائلة فهي هنا تسعى إلى غايات ترتبط بجوهر الإنسان، غايات تنتمي إلى حقل الحرية والإرادة الحرة.
الجنولوجيا في مفهوم العائلة
يسعى علم الجنولوجيا في فهمه للعائلة إلى العمل على إبراز التحولات، التي يجب إحداثها في بنية وشكل العائلة بدلاً من العمل على إنهائها؛ وذلك كونها تشكل أساساً متيناً في بناء المجتمع وتملأ الحيز الاجتماعي، وانهاؤها سيسبب نتائج كارثية على المجتمع، فعلى الرغم من أن العائلة تعتبر مؤسسة للتسلط، وعلى الأخص لسلطة الرجل على المرأة والأطفال. لكن يجب ألا نتناسى بأن للعائلة دور هام على مرِّ آلاف السنين في الحماية المجتمعية.
تستند فكرة التغيير على جملة من الآليات والخطوات يمكن إجمالها في:
الذهنية الذكورية السلطوية
هذه الذهنية التي تعتبر المرأة إما أداة للمتعة أو لإنتاج الأفراد، وهي في الحالتين تنتقص من قيمتها وجوهرها الإنساني باعتبارها أداة. وتستعبد المرأة لتنال رضى واهتمام الرجل، وبالتأكيد في هكذا حال لن يكون المجتمع حقلا لتفتح طاقات إمكانات الكل الإنساني، سيكون مجتمعاً أعرجاً أو مشوهاً، يجب الانتقال على مستوى الذهنية إلى النظر إلى المرأة كشريك انساني كامل الأهلية والإمكانات، في الوضعية الأولى يصبح تعدد الزوجات ومسابقات الجمال أمراً طبيعياً ومقبولاً، وسوق عمليات التجميل وحتة الرقيق الأبيض رائجاً، وغاية وجود المرأة تقع خارج ذاتها وبعيدة عنها، وهذا التغيير يجب أن يكون لدى المرأة أولاً، من حيث فهمها لذاتها وأدوارها وبما يزودها بالقوة اللازمة لانتزاع حقوقها ولدى الرجل ثانياً، ليقبل ويساهم في تعزيز وتطوير هذا التغيير.
شكل الملكية
طالما اعتبر أفراد الأسرة (المرأة والأطفال) كأحد ممتلكات الرجل، وطالما اعتبرت ملكية الأشياء المادية مقتصرة على الذكر في الأسرة، لهذا فإن تحرير أفراد الأسرة يسير في اتجاهين أولاً اعتبارهم كائنات إنسانية كاملة الحقوق، وليس أشياء، وثانياً تعزيز حقهم في الملكية الخاصة كأساس للتحرر الاقتصادي الذي يعبر ضرورة لتحقيق الحرية بمعناها الأوسع. فالمرأة كانت مثلاً تحرم من الميراث والتملك واليوم تستطيع أن تدير عملها الخاص، وأن يكون شريكة الرجل في تملك وسائل الحياة المادية.
الحياة المشتركة
يجب أن تكون الحياة بين الطرفين حياة تشاركية مبنية على معرفة خصوصيات بعضهم، وليس بنمط الحياة التي يُنظمها المجتمع لهم مسبقاً، فمثلاً إن رغب طرف ما بأن يبقى لوحده، ينبغي ألا يكون هذا سبباً يؤدي إلى قيام القيامة، كما أنه لن تكون العائلة ديمقراطية، إن لم يكن للمرأة خصوصيتها فيها، والتي تكون مبنية على أساس إرادتها، عندما نتحدث عن الخصوصية، فإننا لا نقصد به الانقطاع والانفصال، بل احترام أن تكون المرأة صاحبة قرارها، ولأجل هذا يلزمها الوعي والاقتصاد المستقل، وأن تكون الشروط والظروف ملائمة، وحتى أن تكون المرأة نفسياً مهيأةً لذلك.
العائلة الديمقراطية
الديمقراطية نمط حياة وثقافة، تنعكس ديمقراطية الأفراد على سلوكهم اليومي وعلاقاتهم ببيئتهم الأقرب، وبالتالي فالمجتمع الديمقراطي هو نتاج علاقات اجتماعية ديمقراطية وأفراد ديمقراطيين، والعائلة كبنية اجتماعية أولية وكخلية أساسية في بناء المجتمع. يجب أن تتمتع بهذه الصفة من طريقة اختيار الشريك وصولاً إلى تربية الأولاد وإدارة الحياة المشتركة، فبعض الأسر لا تتخذ أي قرار يمس الأسرة إلا بالتشاور بين أفرادها وإشراك الأطفال في النقاشات حول تخطيط حياتهم وأسلوب عيشهم.
أخيراً فإن القدرة على القيام بتغييرات حاسمة في مسار التاريخ يرتبط بالقدرة على استيعاب أوفهم النظام الطبيعي، وفلسفته الحرة لحياة المرأة. لأن التغيير يبدأ من الفهم الصحيح. بدون هذا النظام لن نقدر أن نبني مجتمعاً خالياً من الذهنية التسلطية أو السلطوية البحتة.
من هذا المنطلق الحلقة الفعالة ضمن هذا النظام هي المرأة، ورجوع المرأة إلى جوهرها يعني بناء أسرة متعلمة ومتطورة كي تعبر عن نواة مجتمع متقدم. لذلك فإن توعية المرأة وتنظيمها ووصولها إلى مستوى من المساواة في العائلة والمجتمع يشكل الارضية الأساسية للاتحاد الديمقراطي الحر، لأن ريادة المرأة هي الإساس في الحياة الاجتماعية وشتى الميادين وفي كل التنظيمات. لذلك فإن المرأة ستلعب دوراً أساسياً في هذه المسألة، وعلى ضوء ذهنية التحرر الاجتماعي والديمقراطي للمرأة فأنها ستصل إلى الإرادة الحرة.