التعصب الجنسوي، بعض أشكاله، وتأثيراته

التعصب الجنسوي، بعض أشكاله، وتأثيراته

 

المجتمع الجنسوي بدأ يتشكل ويتقولب مع تشكل وتأسيس الدولة

وكلما تعمق بنيان الدولة أكثر،

تعمق التعصب الجنسوي داخل المجتمع بشكل أكبر”

 

منال حج علي

 

من القضايا المجتمعية الأكثر إشكالية هي قضية الواقع الفعلي المعاش للمرأة، وما ينجم عنه من مآلات على المجتمع والأسرة والفرد، كونها كينونات مترابطة ومتناسقة مع بعضها البعض. وبالتوازي مع هذه القضية تطرح قضية جوهرية في المجتمع، المعاش بشكل يومي والتي تتعلق على وجه الخصوص بالمرأة، قضية “التعصب الجنسوي”، التي تؤثر في أدق التفاصيل الحياتية للإنسان سواءً المرأة أو الرجل، الصغير أو الكبير، بغض النظر عن السويات التعليمية والثقافية والمادية، فالتعصب الجنسوي موجود ضمن كل هذه التصنيفات والطبقات، لتشكل بحد ذاتها سوية طبقية لها خصوصيتها وماهيتها وتأثيرها ومخاطرها على المجتمع. لذا سنحاول أن نبحث في ماهية التعصب الجنسوي.

يقصد بالتعصب الجنسوي (التحيّز أو التمييز) بناءً على جنس الفرد، وللأسف هذا المصطلح يعبر عن التمييز ضد المرأة على وجه الخصوص، وهو مرتبط بالصورة النمطية عن مهام الجنسين (الذكر والأنثى)، بحيث يتم الاعتقاد بأن أحد الجنسين متفوق على الآخر بشكل فطري. فالتعصب الجنسوي يعبر عن بنية اجتماعية من الأفكار والمعتقدات؛ التي تعرّف الأدوار والمواقف والصور والتوقعات الخاصة بالرجل تجاه المرأة.

الجندرة والجنس

ومن هنا ظهر مفهومي الجندرة والجنس، وذلك لشرح وتفادي المغالطات التي تنتج عن الخلط بين المفهومين واسقاطها على المرأة والرجل، فالمجتمع الجنسوي يحكم على المرأة من خلال جنسها (الأنثى) بالدونية، ويكون للرجل (الذكر) اليد العليا عليها. لذا لابد من التمييز بين المصطلحين لكي نستطيع إدراك ما المقصود بالمجتمع الجنسوي؟ ونحدد استراتيجيات تغييره. فالجنس؛ هو المصطلح الذي يصف الفروقات البيولوجية للإنسان، ليكون وفقها ذكراً أو أنثى، ولا تتغير بتغير الزمان أو المكان (ننوه أن الجنس لا ينحصر بالذكر والأنثى فقط من الناحية الفيزيولوجية، فهناك الخنثى التي تمتلك أعضاء تناسلية ذكرية وأنثوية معاً، وكذلك انتشر في السنوات الأخيرة التحول الجنسي، لتضاف فئة جديدة ألا وهي المتحولين جنسياً، ولكن بالمجمل يبقى الجنس معبراً عن الفروقات البيولوجية)، بينما الجندر يشير إلى الأدوار الاجتماعية والثقافية لكل جنس في المجتمع، وهي تختلف حسب الأزمنة والأمكنة. ففي المجتمع الطبيعي كانت المرأة تدير المجتمع، وبعد نشوء النظام الدولتي أصبحت السلطة بيد الرجل، فهنا حصل تغيير في الأدوار الاجتماعية. وكمثال آخر في العصور الوسطى كان الرجال يلبسون الحذاء ذي الكعب العالي لإضفاء سمة الرجولة والقوة، أما في القرون الأخيرة أصبح الكعب العالي رمزاً للأنوثة والرقة.

لأجل توضيح مفهوم الجندر، يمكننا أن نستدل على أشكال التعصب الجنسوي داخل مجتمع ما، فالأدوار الاجتماعية داخل المجتمع الجنسوي تصنف وفق الجنس، أي أن هناك أدوار تصلح للمرأة ولا تصلح للرجل، وبالمقابل هناك أدوار تصلح للرجل ولا تصلح للمرأة، هذا التوزيع في الأدوار بين الجنسين أدى إلى غياب المساواة والعدالة الجندرية، وأدى إلى تكبيل مقدرات الجنسين ومحدوديتها – خصوصاً بالنسبة للمرأة – لأنه كما أسلفنا، التعصب الجنسوي يتوجه إلى المرأة على وجه الخصوص.

المجتمع الجنسوي

وقد ظهر المجتمع الجنسوي، بتولي الرجل السلطة والتقلص التدريجي في إدارة المرأة للمجتمع، وليستطيع الرجل التحكم بزمام الأمور؛ كان عليه أن يقضي على ثقافة المرأة – الأم ووجودها، فبدأ برسم الصور النمطية لكل منهما داخل المجتمع، فأنزل المرأة من مرتبة الألوهية لتكون مومساً، وعلا بمنزلته (الرجل) ليكون الرب القوي ذي النفوذ، وحصر دور المرأة داخل المنزل وتربية الأطفال، بينما كافة الأعمال التي تحتاج إلى القوة والحماية والذكاء حصرها بنفسه، متذرعاً بالضعف الجسدي للمرأة، وأن المرأة عاطفية ولا تستطيع اتخاذ القرار المناسب، وأنه أقدر على ذلك منها، وبالرغم من أن عمل المرأة داخل المنزل تعد من الأعمال ذات الأهمية الكبيرة؛  إلا أنه تم النظر إليه باستصغار، لتترسخ هذه الذهنية من خلال مؤسسة العائلة، التي أسسها لتكون خانعة له وهو الامبراطور الصغير لهذه المملكة.

فالمجتمع الجنسوي بدأ يتشكل ويتقولب مع تشكل وتأسيس الدولة، وكلما تعمق بنيان الدولة أكثر، تعمق التعصب الجنسوي داخل المجتمع بشكل أكبر. حيث يقول المفكر عبد الله أوجلان: حقيقة هيمنة الرجل هي بالأصل نابعة من التعصب الجنسوي للرجل، الذي بدأ يستعرض سيطرته بدءاً من الدولة والمجتمع، وصولاً إلى علاقته الجنسية مع المرأة، إن تقييم القضايا التي تحياها المرأة أولاً في المجتمع ضمن أبعادها التاريخية – الاجتماعية يتحلى بالأهمية. فقضية المرأة هي منبع كافة القضايا”.

قد يأتي شخص ويقول؛ إن هذا التمييز الجنسي كان في سالف الأوان، أما الآن فالمرأة تعيش على قدم المساواة مع الرجل، للأسف هذه رؤية بعض النساء أيضاً وليس الرجل فقط. إن المجتمع الجنسوي مازال قائماً وبشدة حتى الوقت الراهن الذي ينادي فيه جميع الأنظمة بتحرر المرأة ونيلها لحقوقها، فالذهنية المتشكلة عنها ترضع مع الصغير منذ ولادته، وأحياناً حتى قبل الولادة عندما يتم البدء بتجهيز حاجيات المولود الجديد القادم، فإن كان ذكراً يتم اعتماد اللون الأزرق، وإن كانت أنثى يتم اعتماد اللون الزهري. ناهيك عن مدى تقبل جنس المولود، فيظهرون للصبي إجلال الجنس القوي، وللبنت احتقار الجنس الأضعف، لتبدأ عملية تنميط أنه سيكون رجلاً أو أنها ستكون امرأة خلال كل مرحلة من مراحل تطورهما، (ويحدث كل ذلك لا شعورياً من قبل الوالدين فهم يعيدون انتاج الأدوار التي قسروا عليها)، كما تقول أورزولا شوي الباحثة الجندرية.

تقول أورزولا شوي: “نحن لا نولد بنات، بل هكذا يصنعون منا”، فيتم حض البنت وتشجيعها على تحمل المسؤولية في سن أبكر من الصبي. سنجد البنات نظيفات أبكر من الصبيان، كما أنهن يلبسن ثيابهن لوحدهن أبكر، يتناولن طعامهن بشكل مستقل بوقت أبكر، وفي عمر صغير يندفعن إلى خدمة الأسرة. من جهة ثانية؛ الوالدين يقومان بتهيئتها لتكون الأنثى الخانعة والخاضعة، بينما يتم تربية الصبي على عكس من ذلك، عوضاً عن أن يكون أيضاً مساهماً في الخدمة إلا أنه يتم تربيته بأنه من يتلقى الخدمة.

تقسيم العمل

ليبدأ تقسيم العمل بينهما، بحيث تنحصر البنت داخل المنزل وتمسك بذيل ثوب أمها، أما الصبي فينطلق إلى الفضاء الخارجي اللامحدود. إن هذا التقسيم ليس بالشيء الهين، فهي تحدد مدى اتساع مدارك ووعي كل شخصية، فالبنت يجب أن تكون قليلة الكلام، خجولة، لا يسمع لها صوت تنفذ دون أن تفكر أو تعترض، ضعيفة، دائمة البحث عمن يحميها. بينما الصبي يحق له كل ما لا يحق للبنات، وهو القوي الذي يحمي أخته وأمه مهما كان أصغر منهن، بدليل في أغلب المجتمعات الشرقية لا يسمح للأم أن تخرج من بيتها، إن لم يكن معها رجل حتى وإن كان ابنها الصغير ذي الأعوام القليلة. إن هذا التقسيم للعمل منذ الصغر بين الجنسين هو تقسيم خاص من نوعه، من حيث افتراض وجود علاقة سلطوية اجتماعية معينة بين المرأة والرجل، وطالما هذا التقسيم باقٍ فسيتم إعادة إنتاج هذه العلاقة السلطوية دائماً من جديد.

العلاقات العائلية

في تلك الأعمار الصغيرة للأبناء، أبغض الأمور إلى الوالدين، وخصوصاً الأب، إذا تشبّه الصبي بالبنت، فلا يسمح له بأن يلعب بألعاب البنات ولا أن يكون لطيفاً، مع أنه يسمح أحياناً للبنات أن يصعدن إلى أدوار الصبيان. إن الالعاب تكسب مهارات ومواقف وأنماط سلوك معينة، لذا تم تصنيف الألعاب إلى ألعاب بناتية من دمى ولباس الدمى وعدة الزينة أو عدة المطبخ، وألعاب صبيانية من مركبات كبيرة وعدة الحدادة أو النجارة أو عدة الطبيب. فالمعيار هنا هو الدور الذكري وعليه يقاس الدور الأنثوي، وهذا المعيار هو أكثر ما يميّز المجتمع الجنسوي الذي يميل إلى تأنيث كل الأشياء لإلزامها بصفة الخنوع والخضوع والاستسلام للسلطة المهيمنة “فالرجل أيضاً مؤنث بالنسبة إلى سلطة الدولة المهيمنة، كما ذكر المفكر عبد الله أوجلان في مرافعاته.

وهكذا كلما يكبر الطفل في العمر، يصبح التمييز الجنسي أكثر بروزاً، فالبنات الصغيرات يقمن بأعمال منزلية من مساعدة الوالدة في التنظيف والترتيب والطبخ، بينما الصبيان يوكل إليهم الأعمال الخارجية، كالذهاب إلى الدكان لجلب بعض المستلزمات أو مساعدة الوالد في أعمال الصيانة أو التصليح ضمن المنزل.

في التعليم أيضاً نجد فروقات جندرية، حيث تنصّب كافة جهود الأسرة على إتمام الذكور لتحصيلهم العلمي، بينما لا يولون تلك الأهمية لتعليم المرأة، فمرجعيتها إلى البيت مهما تقدمت في تحصيلها العلمي، وليس هذا فقط؛ ففي الكويت لابد أن تحقق المرأة التي ترغب في الدراسة في بعض المجالات التقليدية الخاصة بالرجل مثل الهندسة، متوسط درجات قبول أعلى من متوسط الدرجات الذي يحققه الرجل، وفي عمان، ينبغي أن تؤجل الطالبات دراستهن الجامعية لمدة عام واحد وهو شرط لا ينطبق على الرجل.  ليستمر هذا التمييز في الحياة المهنية، فهناك مهن أنثوية من قبيل التعليم والتمريض والسكرتارية، ومهن أخرى ذكورية من قبيل الطبيب والمهندس والتاجر والقاضي والسائق. ونجد دائما صور متلازمة للمهن المقسمة بين الرجل والمرأة من قبيل (الطبيب والممرضة)، (مدير الأعمال والسكرتيرة)، (مدير المدرسة والمعلمة) (الطيار والمضيفة)، وهكذا صور ثنائية، تدل على مدى ترسيخ التعصب الجنسوي داخل المجتمع.

وتستمر سلسلة التمييز الجندري، فالمرأة يحق لها أن تدرس القانون وأن تصبح محامية، ولكن نادراً ما نجد امرأة قاضية، حتى في مهنة المحاماة يتم توكيلها في القضايا البسيطة، كما أن بعض الدول تخلو من وجود المحاميات، كما في السعودية فغير مسموح لها بدراسة القانون، ولا تجد المرأة من يمثلها أمام القضاء سوى الرجال، فكيف لهذا الرجل أن يتفهم حقيقة ما تعانيه هذه المرأة، وهو من الذين ينظرون إلى المرأة نظرة (الدونية)وأنها متاع للرجل.

دول الشرق الأوسط

إن أغلب الدول الشرق أوسطية، وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مع التحفظ على المواد والبنود التي تتعارض مع الشريعة، بدون استثناء حتى دولة لبنان المعروفة بانفتاحها على الغرب لديها تحفظاتها، وهذه البنود تخص قانون الأحوال الشخصية في أغلبه، والتي تعاني المرأة من خلاله من تمييز مجحف بحقها. ففي الميراث قانونياً لها الحق في الميراث، ووفق الشريعة لها حصة وللذكر حصتين في بعض المواضع، إلا أنها تحرم من الميراث بشكل كامل نتيجة العادات السائدة، والأنكى أن بعض معتنقي الديانة المسيحية، في بعض الأماكن كمصر، أصبحوا يلجؤون إلى الشريعة الإسلامية فيما يخص الميراث للاستيلاء على حصص أكبر من النساء.

الموضوع الآخر: الشائك بالنسبة للمرأة موضوع الطلاق، فالرجل يستطيع تطليق زوجته حتى دون أن يقدم مبررات مقنعة لهذا الطلاق، في حين على المرأة أن تقدم الدلائل المادية على استحالة الحياة الزوجية، حتى تستطيع الحصول على حق الخلع وليس الطلاق. لأن الرجل وحده يتمتع بهذا الحق لأنه السيد القوَام، وفي حالة الخلع لا تستطيع المرأة الحصول على أي حق من حقوقها، من مهر وهدايا الزواج والنفقة وحضانة أولادها، وأصبح الخلع وسيلة يلجئ إليها الرجل حيث يقوم بالضغط على المرأة لتطلب بنفسها الخلع وتتنازل عن كافة حقوقها للرجل.

كذلك الأمر بخصوص شهادة المرأة، فشهادة الرجل بشهادة امرأتين في بعض الأحوال. ومن الطريف – المبكي قصة ٌقرأتها لأحد مناصري المرأة، يتحدث عن إخراج شهادة وفاة والدته، لدى مراجعة اخته (المعلمة) وزوجته (الطبيبة) مختار الحي لإجراء اللازم، لم يعتبر المختار بشهادة الامرأتين بحادثة الوفاة؛ لأنها تمثل شهادة واحدة بينما استشهد بشهادة غريبين أتى بهما من الشارع.

المفارقة الأخرى أيضاً ما يتعلق بالجنسية، فالرجل يستطيع منح جنسيته لزوجته الأجنبية وأولاده منها دون شروط، إلا أن معظم الدول الشرق أوسطية لا تعطي هذا الحق للمرأة، وإن أعطته فيكون بشروط مجحفة. كما أن المرأة لا تستطيع أن تتزوج من خارج ديانتها، إلا إذا غير الرجل الطالب الزواج منها ديانته إلى ديانتها، في حين لا يشترط ذلك على الرجل، إذا أراد أن يتزوج من خارج ملته.

قانون العقوبات

أما قانون العقوبات (حدث ولا حرج)، حيث أنه في جميع دول المنطقة يحوي تمييزاً واضحاً وجلياً تجاه المرأة، في دعاوي الشرف، التي توقّع حكماً مخففاً للرجل، ولا تطلب منه أدلة مادية تبرر ارتكابه للجرم، في حين تطلب من المرأة أدلة مادية وملموسة، لتثبت أن زوجها يخونها داخل منزل الزوجية حصراً، إن لم تكن خيانته معلنة للعامة. وفي كل الأحوال، العقوبات التي تطبق بحق المرأة في هذه الجريمة، أقسى بكثير من العقوبات التي تطبق بحق الرجل، حيث تعتبر جريمة كاملة الأركان إذا قامت بها المرأة، حيث يعتبر الشرف أمراً رجولياً بحتاً. وهذا ما نستشفه خلال محاكمة ريحانة جباري في إيران عندما سأل القاضي ريحانة: لماذا قتلتِ الضابط؟ أجابت: “دفاعاً عن شرفي”، فقال القاضي: “هذا ليس مبرراً،” فصفعته بردّها: “لأنك بلا شرف”.

الجانب الاقتصادي

اقتصادياً؛ المرأة مازالت غير مستقلة، وليس هناك تكافؤ في فرص العمل بالنسبة للجنسين، فالرجل لديه فرص أكثر وأوسع من المرأة في الحصول على العمل. كما أن أجره أعلى من أجر المرأة، بالرغم من أن العمل وساعات العمل هي نفسها، فقد أوضحت بعض الدراسات أن التفاوت بين أجور الرجل والمرأة في المغرب، تتراوح بين 30 -40 % في القطاع الصناعي، وفي فلسطين تشير التقديرات إلى أن النساء يحصلن على 65% فقط من أجور الرجال في الضفة الغربية، و77% في قطاع الغزة.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى إذا كانت المرأة تعمل فإن أجرها يعود إلى عائلتها، فهي تسلمه بالكامل معظم الأحيان كمصروف للمنزل، في حين أن الرجل غير ملزم بذلك بحجة أنه يؤسس لمستقبله. وكما أسلفنا الذكر هناك صورة نمطية عن العمل. أن هذا العمل مناسب للرجل وهذا مناسب للمرأة، بحيث أصبح عقبة أمام المرأة لتطور ذاتها في مجال العمل أيضاً، وقد ذكرنا سابقاً، في بعض الدول يتطلب من المرأة معدل درجات أعلى من معدل درجات الرجل، لدراسة نفس الاختصاص، وذلك لإتاحة الفرصة لزيادة عدد الرجال، بحكم أن مستقبل المرأة هو الزواج وترك العمل.

الاضطهاد السياسي

كلا من الرجل والمرأة يعانيان من اضطهاد سياسي وتقييد حرية الفكر، لكنَّ وقعها مزدوج على المرأة. ففي الأحزاب والتنظيمات السياسية والمجتمعية، لا يوجد تمثيل كافي ووافي للمرأة للتعبير عن صوتها، وأغلب النساء المنضويات يبقين كأعضاء عاديات، حيث لا يفسح أمامهن الطريق للعب أدوار قيادية، كما أن انتساب المرأة إلى أي حزب، يشبه انتماءها إلى دين والدها (هذا ما وجدت عليه والدي).

 وعلى مستوى الحكومة، نجد قلة قليلة من النساء العاملات في رئاسة الوزارات أو في السلك الدبلوماسي، وإن سلمت لهنَّ حقائب وزارية، فهي التي تتعلق بشؤون الأسرة والطفل أي تحجيم دور المرأة وتنميطه هنا أيضاً. يكفي أن نعرف إلى الآن لا يسمح القانون الكويتي للمرأة، بالترشح إلى انتخابات المجالس البلدية والبرلمان، رغم سعي أمير الكويت إلى إشراك المرأة في الحياة السياسية، إلا أن تلك المساعي تتصادم مع الرفض من قبل المحافظين داخل البرلمان.

إن أكثر ما تفتقده المرأة كونها امرأة هو الأمن والأمان في منطقة تعج بالصراعات والاقتتال، تحكمها العادات والتقاليد التي ترى المرأة سبباً لكل بلاء، خصوصاً في المناطق التي تعاني تطرّفاً دينياً، فالمجموعات المسلحة التي تقوم باختطاف النساء واغتصابهن أو بيعهن، تشكل ضغوطاً إضافية على حركة المرأة وأصولها التنظيمية.

فأي امرأة تتعرض لهكذا ممارسات لا يعود بمقدورها العيش في ذاك الوسط أو تلك البيئة، وهم ينظرون إليها نظرة العار، حتى أن الكثير من العوائل، تتبرأ من هؤلاء النسوة ولا تقوم باستقبالهن مجدداً ضمن العائلة، ليبقين هكذا لمصيرٍ مجهول، ولا تمتلك الدول أي استراتيجية أو خطة لمساعدة هؤلاء النسوة، كما يحصل في الجزائر على يد الجماعات المسلحة الأصولية.

إن فقدان الأمان في التنقل، لا يقتصر على المناطق التي تعاني من الصراعات، فحتى في المناطق الآمنة نسبياً من الصراعات، هناك تقييد على حرية المرأة في التنقل، سواء بالسفر إلى الخارج أو حتى القيام بالزيارات العائلية أو للصديقات، وخصوصاً في الليل، فهي بحاجة إلى موافقة وليّ الأمر، أو أن يرافقها رجلٌ في حركتها، وإلا تتعرض إلى المضايقات الشتى، حتى من قبل عناصر الشرطة كما في السعودية والكويت.

التعصب الجنسوي

إن التعصب الجنسوي لا يقتصر على الشعوب الشرقية وحتى في الغرب أيضاً، النساء يعانين من هذه القضية، وتبرز في مدى إمكانية وصولهن إلى مراكز صنع القرار، لمجرد أنهن نساء، بالإضافة إلى التحرش الجنسي الشائع في أماكن العمل، وعدم قدرتها على الرد، واتهامها بأنها هي من تسببت في تعرضها لذلك، دون أي معاتبة أو لوم للرجل الذي قام بالتحرش، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اعتداء المحارم جنسياً عليها، سواء باللفظ أو بعض التصرفات، وإن لم تتطور إلى حالة الاغتصاب، الأمر الذي يحظر الحديث عنه أو التطرق له بأي شكل.

هذه بعض الأنماط الموجودة في المجتمع المتمتع بالذهنية الجنسوية الذكورية، ولها مآلات على المرأة. فالمرأة التي تكبر وتنشأ في ذاك المجتمع، لا يراها سوى ناقصة وعورة ومحل للعنات، ونتيجة ذلك يلقين الإهمال الشديد والقمع، وليس أمامهن من سبيل إلا الخضوع والابتعاد عن تحقيق الذات أو المعارضة، وتنبذ من قبل المجتمع. هذه المرأة بكل الأحوال ستعاني أضراراً وتشوهات نفسية خطيرة، من عدم إدراك الذات وصولاً إلى القيام بالانتحار.

قضية المرأة هي قضية اجتماعية

لا يمكن اعتبار قضية المرأة قضية خاصة؛ بل هي قضية مجتمعية، مرتبطة بمدى تطور وتنمية المجتمع، حيث تؤثر وتتأثر به، فالتنمية لا تتدهور بتدني مستوى التنمية عند الرجال والنساء فقط، وإنما تتدهور أيضاً باتساع فجوة التنمية بين جميع فئات المجتمع أيضاً، وفي كافة المجالات. إن أغلب قوانين الدول تتضمن حقوقاً منصفة للمرأة، باستثناء بعض القوانين، التي لم تحقق تقدم ملموس في وضع المرأة بسبب سيطرة العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية. فهي تلعب دورها المستمدة من الشريعة، والتي تم تفسيرها وفقاً لمصالح ذهنية الرجولة ذو العقلية السلطوية.

والمثال البارز أمام العيان؛ كما حصل في العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية، التي أدت إلى انهيار الاقتصاد العراقي، وعدد الضحايا يقدر بين ربع إلى نصف مليون قتيل، ناهيك عن الأوضاع الاجتماعية والصحية المأساوية. وبنفس الوقت في محاولة من حزب البعث وقائده، لدعم نظامه المتهالك والحد من المعارضة المتزايدة، اتخذ صدام حسين إجراءات لمهادنة القيادات الدينية والطائفية المحافظة والحصول على تأييدهم؛ فأصدر قرارات إلغاء عددٍ من القوانين التقدمية التي كانت محل اعتراض العناصر المحافظة في العراق؛ كمنع المرأة من الزواج من شخص أجنبي، وكذلك خفض عقوبة السجن من 8 سنوات إلى ما لا يزيد عن 6 شهور للرجال في جرائم الشرف، والسماح للرجل بالزواج من الثانية والثالثة دون أخذ موافقة الزوجة الأولى. وتم تجاهل التعليم الإلزامي للمرأة كلياً.

من تجربة العراق والقوانين الوضعية في باقي الدول الشرق أوسطية وحتى في الغرب، يتضح أن القوانين لوحدها غير كافية لكسر هذا التابو (الذهنية الجنسوية الذكورية)، إن لم تصاحبه تغيير في المفاهيم المجتمعية، بحيث تتضافر كافة الجهود الحكومية والمحلية والدولية للقضاء على التمييز الجندري. وأن ينظر إلى المرأة كونها إنساناً أكثر من كونها مادة للجنس. بذلك يمكن حل أغلب القضايا المجتمعية تعقيداً.

يقول المفكر عبد الله أوجلان:

” حتى إذا تمعّنّا في حالة المرأة في عائلة كادحة فقيرة في راهننا، فلن نتمالك أنفسنا من الذهول إزاء أبعاد القمع والخداع المطبَّقين عليها. وما كون جنايات الشرف والعشق حِكْراً على الرجل، وبدوافع تافهة للغاية، سوى مؤشرات وميضة لما يجري حولنا. إن ربط تلك الحقبة بالفوارق البيولوجية سيكون من أهم الأخطاء المقترَفة. إذ لا يمكن أن تكون الأدوار (أو القوانين) البيولوجية سارية المفعول في العلاقات الاجتماعية. ولا يمكن دراسة تلك العلاقات، إلا بموجب العلاقات المتبادلة بين الخصائص الذكورية والأنثوية. وهذا ما ينطبق على كافة الأجناس والأنواع. لقد أُقحِمَت قوة المرأة الأم تحت الهيمنة والتسلط، بدوافع اجتماعية في أساسها. والقمع والأيديولوجيات المطب‍ّقة، إنما هي لهذا الغرض تماماً. أما تعليل ذلك بالغرائز الجنسية والبسيكولوجيا (علم النفس)، فهو تحريف وخيم.”

على هذا الأساس؛ علينا تحليل مفهوم أو مصطلح التعصب الجنسي بشكله التاريخي والفكري العميق. وخاصة من ناحية المرأة، بأن تكون بتلك القدرة على تقييم ومراجعة هذا المفهوم، وتحويله لفلسفة التحرر الجنسوي.