ذهنية التحرر الجنسوي، يقوّي الحركات النسائية لأجل الخروج من الأزمات

ذهنية التحرر الجنسوي، يقوّي الحركات النسائية لأجل الخروج من الأزمات

“المرأة هي أساس الفلسفة

التي حملت على عاتقها ذهنية التحرر الجنسوي”

 

زليخة عبدي

توَغّلت الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط من خلال الذهنية التسلطية، مثلما فعلت على الصعيد العالمي. إن الحروب التي تخوضها الحداثة الرأسمالية حروب فكرية وذهنية، وبالأخص وجدنا الشرق قد فقد استقلاله الذهني اعتبارا من القرن التاسع عشر، وبسطت نفوذ الأفكار الاستشرافية وجعلت القوموية بمثابة الإله على وجه الأرض، وعملت على تحريك التيارات الإسلاموية باتجاهات تخدم مصالحها. ولدى إضافة القضايا الناجمة عن أجهزة القمع والاستغلال الرأسمالي نجد بأنه يغدو لا مهرب أمام المرأة من عيش حياة يحفها كابوس مرعب داخل المجتمع الشرق الأوسطي.

فأنْ تكون امرأة ربما يعني أن تكون إنساناً في أحلك الظروف وأعسرها. ذلك أنه يتم تطبيق أشد درجات القمع والاستغلال الفظ الذي يعانيه المجتمع على جسد وكدح المرأة. وبما أن المرأة كونها إنسانة، تم إدراكه حديثاً، فقد حان الوقت لتنحي التعاطي الجنسوي المتصلب عن مكانه لصالح الحاجة إلى بناء علاقة الصداقة بين الجنسين. كما بالمقدور القول قد حان وقت الجدال حول موضوع قضية المجتمع الجنسوي وبشكله الديمقراطي. حيث يستحيل عيش حياة ثمينة ذات معنى، ما لم يتحقق عيش سليم مع المرأة ضمن المجتمع. علينا صياغة الأقوال والأفكار والعمل على تطوير الممارسات انطلاقاً من الإدراك بأن الحياة الأثمن والأجمل يمكن تحقيقها مع المرأة الحرة المتمتعة بكرامتها وعزتها، لا بد من الإشارة والتركيز على فهم مصطلح التعصب الجنسي بشكل عميق، ذلك، لأن في مجتمعاتنا سابقاً كنا نعيش حياة طبيعية خالية من هذه المفاهيم، التي بنيت على التمييز الجنسي، والأخذ بنا إلى متاهات وسلوكيات لا تناسب طبيعتنا الاصلية. الحقيقة التي ظهرت وبشكل واقعي، هي أننا لسنا عائدون إلى ذواتنا، بمعنى الذات الحرة.

ذهنية التعصب

متى بدأنا نفكر بهذه الذهنية التي جلبت لنا كل المآسي التي نعيشها الآن وأصبحنا أسيرين لهذه الذهنية؟. عبر التاريخ كانت المجتمعات تتعايش نظام اجتماعي أمومي. ساد فيه السلام والعدالة والبركة والخير. كما أنها حققت الكثير من الاكتشافات الرياضية والمعارف الحسية والتحليل، وخاصة أن المرأة تملك في فطرتها (الذكاء العاطفي). ولكن مع بداية سيطرة ذهنية الرجل (الرجولة)، وسرقة الإنجازات التي حققتها المرأة ومعها تبدلت كل المقاييس الأخلاقية والقيم ليتحول العالم إلى مجتمع يرزح تحت نير الظلم والإبادة. لذا علينا أن نصل للتعريف الصحيح لمفهوم التعصب، ومن ثم تحديد والصوب إلى معرفة ما هو التعصب الجنسوي؟ حتى نتمكن من الإيضاح، علينا تجاوز سيطرة الذهنية العبودية على ذهنيتنا نحن الجنسين، والتعمق في التحليل والعودة لإحياء الروح التي عاشتها البشرية آلاف السنين.

إننا أمام معايشة تعصب ذهني بحت ويظهر ذلك قبل الدخول في علاقاتنا الاجتماعية كمجتمعات. حالة التعصب البشري اتجاه الطبيعة وخلق حالة التمييز، والعبث في التوازن البيئي يأتي نتيجة التعصب للجنس البشري وهو بأن كل ما في الطبيعية هو مسخر للإنسان. إذاً؛ نحن أمام شرح مفهوم التعصب هو التقرب الذهني والذي تم تربية ذهنية الإنسان عليه بعد سيطرة النظام الذكوري بدلاً عن النظام الأمومي. علي التبيان لدى تحليل ذهنية التعصب الجنسوي وبالأخص في الشرق الأوسط، نجد بأن المرأة التي كانت منذ فجر التاريخ هي الخليقة والإلهة – الأم لتتحول اليوم إلى عبدة لا حول ولا قوه لها.

 المرأة التي تحوّلت على مدار الساعة تخدم غرائز الرجل، والذي يحولها إلى أسيرة لغرائزه التي لا تعرف التربية والوعي الثقافي. فالرجل أيضاً أصبح مجرد من كونه إنسان، ليكون في خانة الخيانة للحياة الطبيعية، التي كانت تعاش بروح المحبة والاحترام والتسامح. وعليه نرى بأن التعصب الجنسوي هو تمييز اجتماعي للجنس أولاً، وأيضاً الادوار التي تعزى للنساء والرجال في المجتمع والتي لا يتم تقسيمها بحسب الخصائص البيولوجية بلاءً وكارثة حقيقية على المجتمع. بواسطة القواعد والمعايير والمحظورات التي تحددها ثقافة الرجولة المزيفة تطبق على المجتمع. طبعا وبكل تأكيد ذهنياً ثم طبقت على أرض الواقع.

ولأجل تحليل الجانب الذي نحن بصدد تناوله؛ بأن الجندر، هو علاقة هرمية تتعلق بالسيطرة الذكورية وخضوع الإناث لدى المؤسسات التي تمثل النموذج الفكري في المجتمع (أيديولوجياته) ويتحول مفهوم الجندرة إلى طبع،ٍ يؤثر على المجتمع، ومتغيراً عبر الزمن والثقافة، ويعرف كممارسة اجتماعية منظمة في علاقتها بالحقائق المادية الملموسة للجسم الإنساني.

مشاريع الجندرية

فالذكورة والأنوثة هي مشاريع جندرية؛ بواسطتها تتداول الأفراد مفهوماتهم في علاقة أحدهم بالآخر، وبينما الاختلافات البيولوجية باقية بين الجنسين فقط خلال عمليات اجتماعية لتعريف الذكورة والأنوثة. يمكن لهذه الاختلافات أن تصبح اختلافات طبقية لكل جنس على حدى؛ أي لا نستثني النساء كونهن معرضات لأن تكنّ ضمن مضمار هذا الصراع القائم، وذلك نتيجة حتمية لما عاشتها المرأة عبر التاريخ. لذلك نجد سيطرة الذهنية التسلطية على المرأة أصبحت اعتيادية بالنسبة لها واعتبرتها واقع لا مفر منه (القدر)، وبالأخص ترى الذهنية الجنسوية إن للرجال الحق في قتل النساء بلا استشارة، وبكل بساطة تقتل بدماء باردة وكونهم ينظرون لوجودها مثل أي وجود يخدم مصلحة الرجل والسلطة. هم يحددون وظيفتها الأساسية ألا وهي الطاعة، والاستسلام، وأن تكون عاقلة (صامتة)، ولا وجودة لها.

للأسف إننا نعيش حالة يُرثى لها نتيجة ما نمر بها من ظواهر حكمت علينا كنساء، ألا نقوم بدورنا الحقيقي والعمل على القبول بكل ما يجري بحقنا، والأكثر عنفاً ما نقوم به نحن النساء النظرة الخاطئة لذواتنا؛ السؤال المهم هنا هو: لماذا نحن موجودين؟ وما هي أدوارنا؟. وبما أن؛ الرجال هم من يستطيعون فعل كل شيء، فما علينا إلا أن نكون مستعدين لاستقبال كل أساليب الشراسة لدى الرجل، وأن نتحمل منه كل انواع العنف والشدة.

العلاقات الاجتماعية

هذا الجو المشحون في العلاقات الاجتماعية، وإبعاد المرأة عن كل مفاصل الحياة، خلقت من المرأة التي تنظر لذاتها نظرة الاستصغار بأنها؛ ضعيفة غير قادرة على أداء أي عمل اقتصر وجودها في حالة الإنجاب، لإرضاء الرجل في أنجاب المزيد من الأطفال، والخوف من القيام بأي عمل خارج إطار الخدمة المنزلية، وبالأخص (المطبخ) التي تفكر من خلاله كيف ترضي معدة الرجل. إننا أمام تدمير فكري حقيقي يعاش نتيجة الذهنية الجنسوية التي عملت على تربية المرأة تربية خانعة وبالمقابل تربية الرجل وإظهاره بأنه الأسد القوي القادر على فعل كل شيء. هذا هو ذنب الذهنية التي عُملت ضد وجود المرأة.

وإذا ما أردنا التعمّق في المجتمعات العربية، نلاحظ مدى تطبيق هذه الذهنية التي لازمت المجتمع العربي حتى هذا القرن الحادي والعشرين. حيث لاتزال هذه المجتمعات تعاني من ذهنية التعصب اتجاه المرأة وتمارس ضدها كافة الأساليب لتبقى في الخانة التي رسمت لها، ولا يجوز أن تخرج من هذا الإطار.

وجدنا بعض الحكومات (الدول العربية) في أعوام السبعينات بالحديث عن الحاجة إلى إدخال المرأة في قطاع الإنماء، فأنشأت بذلك الدوائر المختصة وناقشت الخطط وتمخضت تلك الفترة عن الاهتمام على الصعيد الشعبي العام. حيث انعكس في العديد من المؤتمرات والحلقات الدراسية التي عقدت في المنطقة وخارجها حول المرأة العربية.

 ولا شك؛ في أن الاهتمام بنهضة المرأة العربية ومشاركتها الفعالة في التنمية، يتطلب تكاثف الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت هذه اليقظة جزءاً من الحركة العالمية التي اكسبتها دفعاً قوياً وكانت الدولتان العربيتان كـ مصر وتونس، من بين الدول السبعة التي قامت بمشروع قرار يومي لتخصيص سنة كاملة لتسليط الضوء على القضايا النسائية، حتى أصبحت عقداً يهدف لتحقيق المساواة للمرأة والتنمية والسلام.

ولكن اجتمعت كل أدبيات التنمية الحديثة على أن مشاركة المرأة في الحياة العامة هو السبيل الأنجح والأسرع لتقدم أي مجتمع، والمشاركة العامة في جميع سبل الحياة من الأسرة إلى المجتمع ككل. وهذه النساء كن يشاركن فقط من الناحية الجسدية، دون القدرة على طرح أفكارها أو مقترحاتها، حيث كانت العقلية المسيطرة هي العقلية الذكورية إن لم تكن شكلاً فإنها حقيقة. فبسبب هذه الذهنية الذكورية لم تستطع المرأة وبسبب عدم ثقتها بنفسها أن تمثل جهد عملها، بل قامت بتسليم جهودها إلى الرجل، وأراحت نفسها من تحمل الأعمال الموكّلة اليها، خوفاً من عدم نجاحها أو الفشل، وأنها لن تفلح في هذا المجال، وهذا ما أثّر سلباً على حركة التحرر الجنسوي، فأصبحت تؤثر بشكل أكثر سلبية وأعقدها على تلك البلدان ومنها العراق ولبنان.

لبنان

لا ننكر بأن البلد لبنان عمل على فتح المجال أمام المرأة، حيث سعت المرأة اللبنانية منذ عقود إلى الحصول على حقوقها وإلى إثبات وجودها في مختلف المجالات، واستطاعت بعد المحاولات التي قامت بها من الانخراط في مجالات عديدة، لطالما كانت هذه المجالات قد اعتُبرت حكراً على الرجل فقط، وأصبحت تحقق إنجازات لا تُعد ولا تُحصى على الصعيد المهني عبر المشاركة الفعالة، وأثبتت إمكاناتها وقدراتها في تحمّل المسؤوليات كافة التي يمكن أن تلقى على عاتقها.

 على الرغم من كل هذه الإنجازات، لا زالت المرأة اللبنانية تعاني إجحافاً بحقها، ومن التمييز بينها وبين الرجل في معظم القوانين التي تحرمها من حقها في المشاركة في الحياة السياسية وفي الحصول على حقوقها كاملة، وهذا الإجحاف يأتي نتيجة حتمية من الثقافة الذكورية السائدة والقوانين والمعايير التمييزية، التي هدفها دوماً أن تقلل من شأن المرأة في المجتمع اللبناني رغم أنها تخوض نضالاً وكفاحاً. حيث إن في لبنان هناك نوعاً ما، حالة من الديمقراطية، ولكن هذه الديمقراطية تمارس شكلياً والغير مناسبة، فقط في الشكل ودون الاخذ بعين الاعتبار الجوهر الحقيقي، وهذا الشيء يزيد من التحديات أمامها في مسيرتها لتحقيق المساواة.

العراق

حيث كانت هناك شريحة مثقفة وواسعة من النساء واللواتي تألقن في مكانهن، لكن العقلية الذكورية المهيمنة أثرت سلباً على هذا التحرر. وبالنسبة للنموذج الآخر الذي أريد الصوب اتجاهه هو هامش الحرية لدى المرأة العراقية بعد عام 2003 حيث شكلت الأحداث التي طرأت على المجتمع العراقي بعد سقوط النظام البعثي الكثير من المتغيرات، لا سيما فيما يخص المرأة العراقية.

تلك التي أخذت دوراً كبيراً في مجالات عدة، على حين كانت سابقاً لا نجد لها الدور الحقيقي وخاصة الدور السياسي مع الأحداث وجدناها تعمل وتسهم في الجانب السياسي، وباتت على درجة من استلامها مناصب متقدمة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، لكن هذا الدور لا يخفي حجم المعاناة التي عاشتها المرأة العراقية وبالأخص التضحيات الجسيمة التي قدمتها في مواجهة التنظيمات الإرهابية.

وما جرى للنساء الإيزديات في أحداث شنگال، لهو واقع مرير للمرأة العراقية، ولكن لم تحاول ان تتوحد وتشكل الجسر المنيع اتجاه التفكير الشاذ اتجاه جنسها كـ “امرأة”. على الرغم من انتشار الثقافة الديمقراطية في المجتمع العراقي، بعد كل المآسي التي جرت، لم يغير وضع المرأة لأجل الوصول إلى حرية المرأة العراقية.  كما أن الذهنية التعصبية الجنسوية بقيت هي المسيطر الأول. لذا لم نجد مع هذه التغيرات في الساحة العراقية لم تلبي احتياجات وطموحات المرأة باتجاه رسم مسار تحرر جنسوي حقيقي.

سوريا

لا بُّد أن أُلفت الانتباه إلى الثورة السورية؛ التي انطلقت بحناجر سوريا، غايتها التغيير والتحول الديمقراطي، ولكن اصطدمت بذهنية نظام ذكوري هدفه الوصول للسلطة، وأصبحت أسيرة أفكارها الملطخة بالذكورية والتحكم، ومن هنا تغيرت مسار الثورة لتتحول إلى أزمة سياسية اجتماعية اقتصادية …الخ، وحتى تبحث عن اساليب الخلاص.

هنا كان؛ لشمال وشرق سوريا موعداً مع الحرية واتخاذ نهج الخط الثالث والعمل بروح فلسفة الأمة الديمقراطية؛ التي من أهم أبعادها هي بناء الحياة الندِّية الحرة. قبل الخوض في صميم هذا البعد والاطروحات التي قدمها الفيلسوف عبد الله أوجلان بصدد قضايا المجتمع الجنسوي، حيث طرح الحل الأساسي ألا وهو التحرر الجنسوي الاجتماعي ذهنياً.

توالت ضمن هذه الفلسفة بتشكيل الجناح العسكري للمرأة وهي وحدات حماية المرأة، وتأسيس الحركات النسوية المستقلة وعملت بنظام الرئاسة المشتركة ضمن المؤسسات الإدارية الذاتية في كافة المجالات .حين نتحدث عن هذه المرحلة، علينا أن لا ننسى بأن أكثر المناطق التي كانت عرضة للتفكير الإرهابي هي مناطق الرقة وديرالزور والطبقة ومنبج، مع دخول  التنظيمات المتمردة والارهابية، حيث عبثت وشتت وحاولت لأجل شل ثقافات المجتمعات من الناحية الفكرية ونشر ذهنية وثقافة بأن (المرأة مجرد مخلوق خلق لأجل إشباع غرائز الرجل اللامتناهية)، وعدا ذلك أصبح لدرجة أن صوتها عورة ولاقت المرأة في هذه المناطق الويلات .

التحرر الجنسوي

إلا أن الفلسفة التي حملت على عاتقها عنوان التحرر الجنسي لكل من يتوق إلى الحرية، حيث كانت هذه المناطق على هذا الموعد الذي جلب معه السلام والاستقرار والعمل في البدء بتأسيس إدارات المرأة الخاصة بها، وبتطوير تنظيم النساء والحركات النسوية وتشجيعهن للعمل في المجال الاداري، والعسكري والاقتصادي والسياسي. إلا أن كل ذلك؛ اصطدم بواقع معاش والذي كان له التأثير الكبير على هذه المجتمعات مما تركته الأنظمة المتطرفة، من ميراث فكري رافضاً أي دور للمرأة. حاولنا تحليل الواقع ولكن مع مرور كل هذه الفترة من التحرير، إلا أن نسبة الوصول لكافة النساء لاتزال ضئيلة بالنسبة لحجم النضال والكفاح الذي تقوم به التنظيمات النسائية.

حالات الانتحار المتتالية دون السن القانوني، وحالات الطلاق والزواج المبكر لكلا الجنسين، دون مراعاة المضاعفات السلبية التي يتعرض لها الجنسين، من هكذا علاقة تسبب مشاكل عاطفية وصحية وحالات الشذوذ الجنسي. وتحكم النظام الأبوي العشائري المتمثل في الاستمرار بالتمسك بالعادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة، حيث يتم ترويض المرأة حسب ما يرونه لأنهم يريدون أن تبقى المرأة سجينة مكبلة بسلاسل تلك العادات، يحق لهذا النظام التصرف بها كما يشاء. ورغم كل ما ذكر من شواهد واقعية معاشة، نرى المرأة ضمن هذا التحول تسعى بكل الطاقات والإرادة التي تمتلكها، أن يكون لها وجود حقيقي.

إن النتاج الفكري غير الطبيعي والذي يتحيز لجنس واحد، سببه تراكم الذهنية السلطوية التي استمدت قيمها من مصادر التعصب الجنسوي وليس الجنس. هذه الحوارات ليست نقاشات المرأة ضد الرجل، إنما هو التصدي والاستمرار في النضال والمواجهة للحصول على الحرية المجتمعية. أساس هذه النقاشات هي التخلص من تلك الارتباطات المباشرة بهيمنة السلطة الذكورية المتمثلة في النظام الأبوي، الذي يعد نظام وموروث اجتماعي آمنت به المرأة كما الرجل، حيث استخدم المجتمع المتمثل بكلا الجنسين العديد من المفاهيم التي أثرت على التنشئة الاجتماعية. مثل: التلاعب، وهنا يبرز دور الأسرة حيث تنقلب المفاهيم لإقناع كل من الذكور والإناث بأدوارهم عن طريق تحريف الحقائق، وهذا للتحكم بطريقة الكلام والحوار وجعل الأطفال يتقمصون دور الكبار.

التخصيص: مثل الألعاب واللباس وما إلى ذلك. ألعاب الفتيات خاصة والصبيان خاصة.

الأسلوب والمخاطبة: بتوجيه كلمات برّاقة لكل على حدى، الصبيان أقوياء كما الأسد في الغابة، والبنات غزلان تحتاج إلى الحماية دوماً.

التوجيه والتأثير: حين تُعلّم الفتاة كيف تخضع وترضخ لأخيها، فهي تعتقد بدورها بأنه هو من يوفر لها الحماية، فتخضع لسلطة الأب والأخ والزوج وكل ذكور العشيرة.

وعلى الرغم من انطلاقة الثورة في مناطقنا وعمليات التحرير، مازلنا نعاني من تراكم النزعات التي اثرت سلباً على فكر المرأة  والتي مازالت مقتنعة بفكرة عدم التحرر والخوف من خوض هذه التجربة الناجحة والخروج من قوقعة الذهنية المتمثلة بالسيطرة الذكورية، ونحن نخطو خطوات جيدة، لكن نحتاج إلى أيدي بناءة؛ تبني وتحرر وتكسر هذه القيود التي قيدت المرأة وهذا لن يتحقق إلا بالتعليم والتدريب والفكر، ونحن بصدد اعداد فئة نشطة من المدربين الذين سوف يكونوا مشاعل تنير هذا الدرب .البناء يحتاج لفترة مناسبة وأدوات مناسبة، وإننا سوف ننتصر ونحقق هذا المجتمع الديمقراطي الذي نطمح لبنائه.

من الواقعي أيضاً اعتبار القرن الواحد والعشرون، بأنه المرحلة الاجتماعية التي ستتصاعد فيها إرادة المرأة الحرة. لذا، يتوجب التفكير في المؤسسات الراسخة اللازمة للمرأة، ربما لأجل القرن بأكمله، وتأسيسها. وقد تتولد الحاجة لأحزاب حرية المرأة. حينها ستكون ذرائع تأسيس هذه الأحزاب، ومهامها الرئيسية في الوقت نفسه متمثلة في توطيد المبادئ الأيديولوجية والسياسية الأولية للحرية، وإدراجها حيز التنفيذ، والإشراف على ذلك وتسييره.

 رغم تشكيل الكثير من المراكز والمؤسسات النسائية التي تخدم المجتمع مثل دار المرأة ومؤتمر ستار وتجمع نساء زنوبيا..الخ علينا أن نكون بتلك الثقة بأننا ما زلنا في بداية المسيرة ومشقات هذه المسيرة تحتاج إلى النضال المكثف والكفاح الدؤوب. السلاح الأكثر فعالية بيد المرأة؛ هي الوعي والقيام بالتحرر الجنسي. وبنفس الوقت التخلص قبل الجميع من رواسب تلك الذهنية البالية والمتخلفة البعيدة كل البعد عن فلسفة الحياة والحرية.

 الأشجار لا يمكنها أن تمثل الحياة حتى وإن كانت ترابها خصبة، الأشجار تحتاج للماء والأوكسجين. من هنا؛ الوعي والثقافة الحرة هما بمثابة الماء والهواء والأوكسجين للمرأة.

إننا على قناعة تامة؛ بأن المرأة هي أساس الفلسفة التي حملت على عاتقها عنوان التحرر الجنسوي لكل من يتوق إلى الحرية.