دور علم المرأة – Jineolojî في التخلص من تأثيرات مفهوم التعصب الجنسوي
دور علم المرأة – Jineolojî في التخلص من تأثيرات مفهوم التعصب الجنسوي
“على المرأة، أن تتسلح بأيديولوجيتها التحررية
المتجاوزة لنطاق الفامينية بمصدرها الرأسمالي؛
وأن تكافح تجاه الأيديولوجية الذكورية المهيمنة”
روهلات عارف ناصر
لكل شيء خصوصيته وتاريخٌ مَدروس ومُندرج حسب الأوضاع والمصالح التي تصب مصالحهم منها. التعصب الجنسوي أو النوع الاجتماعي وغير ذلك، لذا التاريخ يَأخذنا إلى البداية المخفية في الموجودة في حاضرنا.
للتعصب أشكال مختلفة قد يرتبط بعضها ببعض ومنها: التعصب الديني – الفلسفي – العلمي – التكنولوجيا المسيطرة على الحياة الإنسانية، التعصب السياسي، التعصب الاجتماعي، التعصب القبلي – والعشائري، التعصب العرقي – والقومي، التعصب الطائفي، التعصب المذهبي، التعصب الفكري، تعصب اللون الأبيض على الأسود وغيرها من الألوان، الغني على الفقير. والنساء لسن مجموعة واحدة متجانسة من ذوات الحقوق، ولذا التمييز الموجه ضدهن عديدة الأشكال، والسياقات المختلفة.
ولأجل حماية حقوق المرأة وتعزيزها والنهوض بها، يجب على المدافعين وصانعي السياسات مراعاة الاختلافات بين النساء فيما يتعلق بما يلي: السن/ الحالة الاجتماعية والاقتصادية/ الأصل العرقي والاثني/ الدين/ الأصل القومي/ الجنسية/ الحالة الصحية/ الإعاقة، وعوامل أخرى.
وتُعد نساء الأقليات من بين الفئات الأشد حرماناً وضعفاً، حيث تتفاقم مشاكلهن بسبب أحوالهن غير المواتية في المجتمع، العنف ضد المرأة والعنف الجنسي كسلاح حرب. يُعطى العنف ضد المرأة بعض الأهمية بوجه خاص بسبب الإشارات العديدة إلى النوع الاجتماعي (الجندر)، في برنامج العمل. حث المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية (موقع شبكي من المحفوظات) الدول على التسليم بأن العنف الجنسي الذي كان يستخدم بصورة منهجية كسلاح من أسلحة الحرب، أحيانا بموافقة الدولة أو بتحريض منها، يعد انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي، ويشكل في ظروف معينة جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب، وبما أن تداخل التمييز على أساس العنصرية ونوع الجنس يجعل النساء والفتيات القاصرات بوجه خاص، عرضة لهذا النوع من العنف الذي غالباً ما يرتبط بالعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتبعه هو (تعصب).
الذهنية الذكورية
الذهنية الذكورية عقيمة الحلول ومعضلة تاريخية، تفرض الانسداد الاجتماعي أو فتح أي مجالات للحوار والنقاش الديمقراطي. فكأن الرجل يقول للمرأة: “حل المشكلة تعود إليكِ، ها أنا أمنحكِ الفرصة، ولكن تخسرين”. أي أنّه بهذا الشكل أيضاً يريد أن يُشَرْعِنَ نظامه غير العادل (كما حصل في الكويت وغيرها من الدول القومية الأخرى)، الذي يعني أن عدم تكافؤ الفرص في سائر نواحي الحياة، وعدم وجود الديموقراطية في المنزل، في العمل، والشارع، وعند الأحزاب، لا يمكن لهما أن يؤديا إلى تحقيق الديمقراطية في السياسة وجميع جوانب الحياة – واستمرار هذا الواقع يعني استمرار سيطرة الرجال على آليات صنع القرار كافة.
لن يكون من الصحة القول: إن نتائج هذا النظام الجنسوي يؤثر على المرأة فقط؛ إذ أن ما تعانيه المرأة، في الحقيقة، من انعدام الحق نفذ إلى العلاقات الاجتماعية والسياسية كلها، الرجل القوي ينظر نظرةً فوقيةً إلى الرجل الضعيف، شعوب الشمال تنظر إلى شعوب الجنوب، نظرةَ الرجل إلى المرأة، القوميات الحاكمة تنظر إلى الشعوب الواقعة تحت سيطرتها؛ على أنها شعوب جاهلة وناقصة، ورغبة الإنسان في التحكم في الطبيعة هي أيضاً انعكاس للعلاقة القائمة بين المرأة والرجل.
ألا يجوز أن يكون تشبيه الأرض والطبيعة بالأم! نابعاً من التشابه الهائل بين العلاقتين؟ نعم، إذ إن علاقة العبد والسيد موجودة في عصرنا الراهن أيضاً، وجذورها تأتي من أول صراع بين المرأة والرجل. وهذا يعني أن الجنسية الاجتماعية تحكم سائر العلاقات الموجودة في العالم، بغضِّ النظر عن نوعها.
نظام الإيكولوجيا
عند النظام الإيكولوجي كلُّ شيء في توازن مع الطبيعة، ولكلِّ شيء في الطبيعة دور خاص به؛ كل الأدوار في الطبيعة ذات أهمية، ولا يوجد أي كائن أو مادة ليس له أو لها دور خاص به. لكننا نقيِّم الطبيعة، وبحسب نظرتنا نمنح بعض الكائنات أدواراً مركزية محورية، وبعضها الآخر نقيِّمها على أنها ثانوية.
وذاك يعود إلى نظرة الإنسان المركزية (anthropocentrism)، وهو قد وضع كلَّ شيء في خدمة الإنسان، دون أن يتم التفكير على أن الإنسان هو جزء من الطبيعة، مما يؤدي إلى دمج كلِّ شيء في محور الإنسان، كون بدن المرأة يحمل خصائص بدن الرجل، أي وجود (النطفة – البيضة) معاً. ولكن إنجاب الإناث فقط سيؤدي إلى انعدام التوازن في المجتمع البشري، لذلك فإن حماية التوازن الطبيعي أمر مهم للجنسين معاً.
النظام الذي أنشأه الوهم التي خدعت الرجال والنساء تتوجه نحو الهاوية؛ الفيلم الذي مثله الرجل، والتي استمرت معنا آلاف السنين، ها هي ذي تنتهي وتغرق في مستنقع كذبها ورياءها. كل ما هناك هو العمل على التحرر من آثارها والعودة إلى المنبع الأصلي، إلى أحضان المجتمع الطبيعي، حيث كان كل شيء فيه في سلام وانسجام: الإنسان مع الإنسان، والإنسان مع الطبيعة – أليست هذه هي الحياة التي تليق بنا؟!
الرجل بذاته هو المسؤول عن المرأة التي قال عنها بأنها كاذبة ومحتالة وفاسدة اخلاقياً وفاحشة وغيرها من الصفات الغير منتهية. إذ ما من امرأة ترى حاجة للقيام بالحيلة والفحوش، إن تُرِكَت وشأنها. فلا جسدها، ولا كيانها البيولوجي ملائمان لذلك. الرجل هو المبتكِر الحقيقي للحيل والدسائس. كلنا نعرف أن أول بيت دعارة مشهور افتُتِح في نيبور، عاصمة السومريين، في أعوام 2500 ق.م، تحت اسم “مصاقدين”. وكانت سلطة الرجل هي التي افتتحته، وكأنه من ابتكار المرأة، بل ولا يُنقِص من عصا الضرب وممارسة المجازر على المرأة ولعنها وسبّها بكل ما يخطر على البال من وسائل؛ بعد أن يرمي بأثره هو، وبالجُرم الذي ابتكره هو، على عاتق المرأة، ويطوِّر– بناء عليه – مفهوم الشرف المزيف.
الحلول الجذرية
النتيجة التي يمكننا استخلاصها من هذا التعريف الملحَق، هي ضرورة الوقوف أولاً في وجه الهجوم الأيديولوجي للرجل (الرجولة). على المرأة، أن تتسلح بأيديولوجيتها التحررية المتجاوزة لنطاق الفامينية بمصدرها الرأسمالي؛ وأن تكافح تجاه الأيديولوجية الذكورية المهيمنة. علاوة على أنه يتوجب الإدراك جيداً لكيفية تعزيز قدراتها الذهنية الطبيعية والتحررية في الميدان الأيديولوجي أولاً، إزاء الذهنية الرجولية السلطوية الحاكمة.
ولا ننسى هنا أن الاستسلام الأنثوي التقليدي ليس جسدياً، بل هو اجتماعي. وهو يأتي من العبودية المدروسة فيها والمهضومة. فمن المهم التغلب على الأفكار والعواطف الاستسلامية في الميدان الفكري الحر أولاً.
نحن لا نتكلم هنا عن الحياة التشاركية. فهذه نقطة يمكن أن تكسب معناها وفقاً لمفهوم كل شخص في الحرية والمساواة. بل نتكلم عن الزواج والأسرة بمعانيهما التقليدية الكلاسيكية المترسخة، والتي لا تعني سوى التملُّك الأكيد على حساب المرأة، وانسحابها من كافة الميادين السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية …الخ وعدم قدرتها على جمع أشلائها بالسهولة المتصوَّرة. قد تؤدي الزيجات والعلاقات القائمة، والنابعة من الضوائق الفردية والغرائزية ومن مفهوم الأسرة التقليدية، دوراً يماثل أخطر أنواع الانحرافات على درب الحياة الحرة؛ ما لم تتوطد مقومات الحياة المشتركة الديمقراطية والحرة الهادفة إلى حرية الجنس، بعد تمرير الأشكال الموجودة منها من محاسبة كل شيء براديكالية قوية.
تتمثل الحاجة الماسة في الأمر في تحليل الذهنية والميدان الديمقراطي والسياسي، بغرض الترسيخ الكامل لحرية الجنس، وإبراز إرادة الحياة المشتركة. إذاً إحياء العشق المفقود من جديد هو أحد أصعب المهام في الحياة، إذ يتطلب الجهد والكدح الكبير والتنور الذهني والحب الإنساني.
ومن أهم شروط العشق
أولاً: النظر إلى العصر ضمن آفاق الحكمة، والحذو حذوها.
ثانياً: فرض السلوكيات العظيمة إزاء طيش نظامه المتهور.
ثالثاً: استحالة تواجه الجنسين أو النظر إلى بعضهما البعض في حالة غياب الحرية والتحرر، وجعل ذلك كسلوك أخلاقي أساسي.
رابعاً: الغريزة الجنسية وضبطها بموجب متطلبات النقاط الثلاثة السابقة، وأكثر من شروط ممكن تثبيتها.
يمكن معرفة أنه يجب الإدراك يقيناً بأن أية خطوة تُخطى على درب العشق ستكون إنكاراً للعشق؛ ما لم ترتبط الغريزة الجنسية فيها بالحكمة وبأخلاق الحرية وحقيقة النضال والصراع السياسي والاجتماعي والعسكري.
ومن هذا المنظور يتحدث المفكر عبد الله أوجلان ويقول: “إذا كان لا بد من التحدث عن حقيقة العشق في راهننا، فهذا غير ممكن إلا بالوصول الى اكتساب الشخصيات التي تتجاوز في عشقها مثل “ليلى ومجنون” بأشواط ملحوظة، وتتخطى كل أهل التصوف، وتتحلى بدقة وحساسية رجل العلم، وتقدر الخروج من الأزمات المتعفنة الحالية إلى الحرية الاجتماعية، يمكن وقتها الحديث عن الأمانة في الحياة لكلا الطرفين”.
دور الجنولوجيا
يتحدث القائد عبد الله أوجلان في الكثير من كتاباته وكرّاساته وحتى المرافعات الأخيرة التي دونها في سجن إمرالي، وّنوه على التثبيتات التالية: “تم إضفاء المعنى على الجنسويّة كذهنيّة سلطويّة منذ ظهور الهرميّة”.
ويقول في الوقت نفسه “يمكن أن تصبح الجنولوجيا انطلاقة أساسية”. فهل نستطيع أن نتناول هاتين الانطلاقتين كمناهضةٍ ديالكتيكية وحلٍّ دياليكتيكي؟ إحداهما، أصبحت ذهنية (أيديولوجية) تمثل مخرجاً لجميع القوى السلطوية على مدى خمسة آلاف سنة، ذهنية أوصلت بالمرأة من كافة النواحي إلى عتبة الطمس والإبادة.
وأوصلتها بشكل أيديولوجي مدرجة إلى حافة الإمحاء. والأخرى، أنها انطلاقة تعهّدت ببحث كافة تخريبات هذه الذهنية، ومقابل هذه التخريبات تدّعي بأنها؛ تمثل الحرية والسلام والحب والعدالة والجمال وبناء عالم المرأة الذي يستند إلى العديد من القيم. إننا ندعو إلى الجنولوجيا في قرن أفلست فيه الجنسوية، (يمكن أن تصبح انطلاقة أساسية) في العصر الذي تلوّثت فيه الجنسويّة. لأنها تعطي الذهنية الجنسوية حقوقاً بلا حدود للرجال بما فيها حق قتل النساء واللعب بحقيقة التاريخٍ. وضمن هذه الحقيقة السوسيولوجيا في عالمنا، فإننا نعيش مع الرجال الذين يطبّقون هذه الحقوق اللامحدودة يومياً.
حينها فأية حرية وأية قيم نسوية معاشه نستطيع أن نذكرها؟ ضمن حقيقة العلاقات التي أكثرها عبارة عن تجاوزات وتحرّش وتهجّم وإهانة وعدم احترام، أين وكيف نستطيع أن نجد الحب والعشق؟ فهل توجد في الحقيقة ثورة نسويّة نفرضها على هذه الحقيقة؟ وجوابنا هو طبعا يوجد.
الجنسوية الاجتماعية
لكي يتم تحليل الجنسويّة الاجتماعية بشكل موسّع ويتم تجاوزها وإزالتها، ولكي ننجح في محاسبة الخمسة آلاف سنة، فإننا بحاجة ماسة إلى تعزيز دور Jineolojî – الجنولوجيا في عصرنا، وبشكل لم يحصل في أيّة مرحلةٍ تاريخيّة، يتمّ استخدام المرأة كأداة استغلال، وتمرّ بلحظاتٍ صعبة للغاية مثل (المستعمرة الأولى والأخيرة).
منذ آلاف السنين تتم إبادة وإفناء المرأة بشكل أيديولوجي وذهني، وفي يومناً هذا تتم إبادتها بطريقةٍ منظمة من الناحية البيولوجية. فوجودٌ لا تُعطى له أيّة قيمة، لا يبقى له أيّ معنى ليستمر في وجوده بشكل طبيعي. فالجنولوجيا ضرورة من أجل تثبيت هوتيها الوجودية، مقابل اللا اعتبار الأيديولوجي والإبادة البيولوجيّة.
ولكي نحاسب هذه الذنوب ونطهّر المشاركين من هذا الذنب، فإنّنا نحتاج إلى علم المرأة (Jineolojî – الجنولوجيا):
- يجب أن نطوّر نضال الوجود والبناء الفكري الذي نبذله منذ سنوات ضد الإبادة الفكرية، ونجعله مستمراً لكي نزيل الإبادة الفكرية بالكامل.
- يجب أن نحاسب جميع المشاركين في ذنب ارتكاب هذه الإبادة الفكرية.
3- محاسبة جميع الحجج وكيف استطاعت الميثولوجيا أن تدمرنا أيديولوجياً؟ وكيف استلم الدين هذه الإبادة واستمر بها؟ ومن ثم، كيف استمرت الفلسفة والعلم بذلك؟
4 – كيف تداخلت جرائم الميادين الأربعة وتضاعفت في أيامنا وفي أي الميادين تستمر هذه الجرائم؟
5 – من خلال استخراج الكثير من الأسئلة، يجب أن نتخلص من هذه الجرائم ونكشفها ونحاسبها.
6 – أننا بحاجةٍ إلى تعزيز وجودنا بشكل أيديولوجي بقدر حاجتنا للطعام والماء.
7- يجب إصلاح جميع المصطلحات التي استخدمت ضد المرأة مثل (الرجال قوامون على النساء)، أي هو رب البيت، فينبغي لنا أن نطوّر الجنولوجيا – علم المرأة.
ومنها نستطيع محاسبة الميثولوجيا التي اختزلت جميع القيم الإلهية بشكل يومي. ونستطيع محاسبة تلك الافكار أو الذهنيات المتطرفة والبعيدة عن جوهر الأديان وخاصة جانبها الانساني. وبتنظيم قوّة الارادة والعزيمة لدى المرأة لأجل خدمة مصالح المجتمع. ونستطيع أن نحاسب الفلسفة بتجاوز عقلية الرجل المتسلط في الفلسفة اليونانية التي تقول بأنّ “المرأة، هي رجل خلق ناقصاً” السائدة على عقلية الغرب والعالم. ونستطيع أن نحاسب العلم بأن نزين أنفسنا بالإيمان والجرأة والجمال والفكر الحر وبعقل هيباتيا.
إنّ توضيحات المفكر عبد الله أوجلان التي تقول: “عندما يقوّي الإنسان، المرأة من الناحية الفيزيائية والروحية والذهنية، فربما تكون هذه المحاولات الثورية الأكثر قيمة. وضمن ثقافة الشرق الأوسط التي مثلت مركزاً لثقافة الإلهة الأم لوقت طويل، فإنّ إيصال المرأة مجدّداً الى قوتها يتطلب قيماً اجتماعية متطوّرة ومستقلة وعزيمة اتخاذ القرار وقدرة على الترجيح، والمشاركة في العطاء، وبِطولة حريةٍ حقيقية.” تعزّز جرأتنا في حوار هذا الموضوع.
ويطلق القائد عبد الله أوجلان على هذه المرحلة ضمن ثقافة الشرق الأوسط التي تطوّرت بالمقولات الميثولوجية تسمية بـ (الثورة المضادة للانكسار الجنسي الأولى). ويُطلق على التطوّرات الحاصلة ضمن تاريخ الأديان التوحيدية، والتي تحققت حول المرأة، ثقافة الانكسار الجنسي الكبير الثانية. وتتحوّل ثقافة الانكسار ضمن الزمن الميثولوجي والثورة المضادة، إلى قانون على شكل أمر إلهي. وتتخذ جميع هذه التطورات، من الأيديولوجية الجنسوية التي تُعاش كأيديولوجية سلطوية، أساساً لها.لذا يقول القائد عبد الله أوجلان: “شعارنا من الآن وصاعداً هو تحقيق الانكسار الجنسي الكبير الثالث ضد الذهنية الذكورية.” بالانكسار الجنسي الكبير الثالث، يجب أن تُعطى مكانة لمسيرةٍ كبيرة مع المرأة، ولنقاء المرأة اللائق بتاريخها.
فالنهوض من السقطات الكبيرة كبيرٌ أيضاً. وعلى هذا الأساس، فإذا تقرّبنا كمؤمنين بدين جديد للإلهة، نستطيع بلوغ الأمومة المقدسة التي أصبحت حقاً، ونصل إلى نسوية العشق. في الوقت نفسه فإنّه يعبّر عن هدف آخر للجنولوجيا، وهو بناء الانكسار الجنسي الثالث ضد الذهنية الذكورية. ولمناقشة الانكسار الجنسي الكبير الأول والثاني وكافة تأثيراتهما، والأشياء التي سلبها منا وكيف سنستعيدها، وكيف نبني ونؤسّس الانكسار الجنسي الثالث ونجعله معاشاً فإنّنا بحاجة إلى تكوين الذات عبر الجنولوجيا.
تكوين الذات
عندما تسير الجنولوجيا في الطريق الثاني من الرحلة نحو ذاتها، أي في الطريق الذي سنطلق فيه اسماءنا على أنفسنا، فأول ما ستفعله مقابل وجود تلك المرأة التي تم إخراجها من ذاتها، وشتتوها وأصبحت تشبه نقيضتها، هو إبداء رد فعل عدم القبول الطبيعي. فالهويات التي يريدون جعلها عائدة لنا ومهما قاومناها فإنها هوياً تقبّلناها بصعوبة. الخطوات التي سنخطوها في البداية، هي أن يعرف الإنسان بأنها غير طبيعية ويتخلص من هذه الهوية ويطوّر وجود المرأة على هذا الأساس. ومن أجل هذه الخطوات يجب أن نخلق جدالاتنا وبراهيننا الفكرية بشكل سليم.
وسنتحرك بناءً على معرفة وجود تاريخ ثقيل في منبع مشاكل وجودنا. وسنميّز بأن كل مشكلة قد تمخّضت ضمن مرحلة تاريخية معينة. وفي الرحلة على هذا الطريق الثاني، سنتحرك وفقاً للمقياس الذهبية الذي يقول “الشيء المبني بيد الإنسان يمكن تغييره بيد الإنسان أيضاً”. وسنبدأ بالتغيير الذي تم بناؤه، بتحطيم الاستسلام الإيديولوجي المفروض على المرأة. وإذا ما عرفنا هذا الاستسلام المبني فعندها نستطيع أن نغيّره وندمّره. وسنحرّر أنفسنا من التسميات الخاطئة التي أطلقت علينا بالضغط والتعنيف الفكري الجدي ونسمي أنفسنا بأنفسنا، وبيها سنبدأ بالتغيير، كما أنّ ثقافة الحياء والشرف والمنع والإبادة التي تم تطويرها حول هوية المرأة، هو هجوم إيديولوجي موسّع وطويل المدى ممارساً على وجودنا. لأنه وقبل كل شيء فمصدر القوة الأكثر أهمية للنساء، هو القوة الداخلية للمرأة. وإنْ لم توجد ولم يتم خلقها خطوة بخطوة، فإنّ الإيمان بها سيذهب سُدىً.
ففي مصدر ثقافة الأم – الإلهة ومواقف النساء القويات اللواتي عشن في المرحلة التاريخية، هناك ثقة جوهرية سليمة. وهناك إبداع قوي يخرج عن هذا الإيمان. وفي الرحلة نحو وجودنا، يجب أن تكون هذه الثقة وهذا الإيمان مصدرنا الأكثر قوة، والذي سيصبح ركيزة ودعامة لنا. يتم تعريف الأنطولوجيا كـ “علم جوهر ما هو موجود”. وإذا ما تطوّرت أنطولوجية (علم الوجود) المرأة، فينبغي لها بداية أن تفك هذه العُقد عن بعضها. لتطور أنطولوجيا المرأة، وإذا ما كان وجود الإنسان يأتي أولاً، ومن ثمّ يعرّف نفسه ويخلق جوهره، فالمرأة سوف تقوم بتعريف وجودها البيولوجي (الحيوي) وتعريف ذاتها وتبدأ بخلق جوهرها من هذه العقد العمياء. وستنزل إلى مصدر كل عقدة عمياء تكوّنت منذ آلاف السنين. وسيتم تطوير البحث عن أركولوجية المرأة أيضاً، لكي تفك هذه العقد العمياء. “ليصبح الوجود موجوداً، فيجب أن تُعبّر عن المعنى كموجودٍ حصل على هويته وحريته”. ستواجه المرأة بعض المصاعب في مرحلة خلق وجود هويتها وحياتها الحرة. لكنها ستتعلم بناء نفسها، وأن تصبح موجودة وتصون وجودها بذهنية وحكمة وجودها. باختصار، ستصحّح وجودها مجدّداً وتتجاوزه، بحسب عالم الذهنية الذي ستكتسبه.
ضمن هذا الاكتساب فإنّ الجنولوجيا مؤهلة لتقوم بدور مهم جداً وهذا هو:
1- المطلوب هو ذهنية جديدة للنساء والرجال على حد سواء.
2- لأن الذهنية التي تُسند إليها جميع أفكارها وأبنيتها هي المسؤولة الأساسية عن المآسي الاجتماعية.
3- أتت العلوم الاجتماعية الموجودة، بالمجتمع متجسّداً في شخصية المرأة إلى حافة الفوضى.
4- وبدل أن يعرّفوها كعضوةٍ بدأت ببناء المجتمعية، عرّفوها كعضوة المجتمع الأضعف التي لا قوة لها.
5- في هذا الإطار، وفي المجتمعات الحالية، تم رؤية المرأة كمصدر لجميع المشاكل، ووُضعت في عزلة شديدة بعيدة كل البعد عن حقيقتها التي تعيشها المرأة ضمن المجتمعات الحالية، وما لم تقم العلوم الاجتماعية بدور قوة الحل، فإن هذه مشكلة أساسية، لكن يجب فتح طريق تحرير العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى بإدخالها في مجراها الصحيح.
الجنولوجيا والذهنية التحررية
هناك إثباتات تعبّر عن ماهية الجنولوجيا التي ستطور ذهنية جديدة أو ما الذي يجب أن تكون. هي علم يرفض تعاريف المرأة الخاطئة الموجودة في أساس المشاكل الاجتماعية! وستوضح جنولوجيا هذه الأخطاء للعيان بشكل علمي وتطوّر التعاريف والمصطلحات التي ستأخذ المجتمع والمرأة نحو الحقيقة. ستُخرج للعيان حقيقة الحياة والمجتمع والمرأة التي لا يجب تفريقها عن بعض. وستكشف العبودية العميقة التي تفرض على المرأة كصيغة وجودية والمراحل الأساسية لهذا الفرض. وفي الوقت نفسه ستبحث طرق وأساليب تطوير هوية المرأة الحرة والمستقلة وفضائل الإلهة بحسب تجارب النساء.
وستعرّف وجود المرأة والتاريخ وتشكل المجتمع وحريتها وفقاً لنظرتها. بدون أن تنقطع عن الحياة والمجتمع والمرأة، ستقوم مع النساء والمجتمعات بإنتاج الفكر العلمي، لأجل المرأة والمجتمعات وستبدأ ببناء الأكاديميات الاجتماعية. وستناقش جيداً علم وجود المرأة على هذه الأرضية. وستجمع كل الموروث المتشكل بخصوصها ومجتمعها وتحللها. وعندما تتوقف عند المسائل اليومية وتبحث في حلولها، فستأخذ بعين الاعتبار الخلفية التاريخية لها بشكل دائم، لأنه بدون تحرير المرأة التي تشكل العنصر الأساسي للحياة، ستبقى الحياة تُعاش كسراب على الدوام. وستبقى السعادة خيالاً أجوفاً، ما لم يتصالح الرجل مع الحياة والحياة مع المرأة.
إنّه ضرورة لديالكتيكية تطوّر الكون، أساساً فإنّ فكرة أن المرأة والرجل يكملان بعضهما بحد ذاتها، تستند إلى فكرة تكامل الإنسان والطبيعة. فقد خلقت إيديولوجية العصر الأبوي، العداوة والاختلاف بين الرجل والمرأة، وبين الإنسان والطبيعة – والكون. وتاريخ هذه الحالة، هو موضوع يجب تناوله وبحثه بشكل خاص من قبل المناضلين النساء والرجال الذين يسيّرون نضال الحرية. ومن الجلي بأنه عامل مهم جداً ضمن تاريخ تشكّل وجود المرأة وفي الوصول إلى هوياتها في يومنا هذا. فالميثولوجيا والدين والفلسفة والعلم لم تقم بخلق الجنسوية الاجتماعية والمجتمع الأبوي بتصغير المرأة فقط. بل ابعد الرجل أيضاً عن الحقيقة الطبيعية والاجتماعية ورغبة الحريّة، وبقدر ما يضيّع ويفقد شخصيته فقد مُنح حصّة من السلطة كرشوة. ويتم رؤية هذه الحقيقة في الميثولوجيات أولاً.
وتتحول طريقة الخلق هذه ضمن الأديان التوحيدية، إلى الخلق من الطين والوحل. وضمن هذا الخلق يتم تطوير هرمية مجدّداً. حيث يُخلق الرجل من الطين، والمرأة من ضلع الرجل الأعوج. والصحيح هو أن اختلاف الخلق ما بين المرأة والرجل، يبدأ من بعض الميثولوجيات والأديان التوحيدية. وبهذه الطريقة عندما يبقى الرجل صامتاً تجاه اختلاف طريقة الخلق هذه، فإنه يصبح شريك ذنوب القوى السلطوية، فإنّ مهمة الجنولوجيا هي تحديد، متى وبأية وسائل دُمّرت هذه الألوهية وكيف سيتم بناؤها مجدّداً، وتطوير البحث والاستقصاء والمحاولات. هي تضخيم وتنظيم هذه المحاولات بقوة المعنى وبالمقاربة العقلانية والفلسفية. وكذلك فإنّ ممارسة مفاهيم الجمال والعدل والمساواة في المجتمع بشكل جيد جداً يمر طريقه بحرية المرأة، فطبيعة المرأة تظهر فقط في محيط اجتماعيٍّ حرّ، لكنّ الحرية الاجتماعية تتطور بتحرّر المرأة. وتؤدّي هذه العلاقة الجدلية دور المفتاح من أجل فهم وتعريف وتجاوز مسائل وجود المرأة. وتُبنى هوية المرأة كما في عصر الإلهة الأم بشكل اجتماعي. وتطوّر المرأة مجتمعيتها بخصائصها القوية جداً. وهذا الارتباط يبني الشخصية الأساسية لرحلتنا نحو ذاتنا، وينبغي لنا أن نستطيع التقدّم بهذه المعرفة. وعلى هذا الأساس، فإنّ إحدى قواعد الجنولوجيا في تطوير أساس حرية وجود المرأة هي، إعادة تركيب خصائص الإلهة – الأم القوية تلك، والتي تم تشتيتها وقاموا بتدميرها، ضمن هوية المرأة.
النقد هو السلاح البناء للوصول الى مفهوم الجنولوجيا
هُنا نريد التوقف عند المواقف التي نحللها وننتقدها هن النساء اللواتي يربطن طموحهن بالرجل ويتشبّهن به. تلك النساء هنّ على الأقل يشكلن تهديداً لطبيعة المرأة بقدر الرجل المتحكم. ويتم رفض دور الجنسوية الاجتماعية، ولا تُقبَل المرأة التي تطبق الجنسوية بشكل معكوس، باسم الإرادة والفكر الحر. ولا تصبح حالة تنبغي حمايتها باسم الحرية الفردية. لأنّ أية هوية وموقفٍ تصبح وجوداً للمرأة، يجب أن تتجاوز ثنائية الحاكم والمستعبد (العبد). لأنّ هذه الثنائية مخالفة تماماً للطبيعة الاجتماعية. وهي مخالفة ومضادّة لقواعد الحرية، والإنسانية، ولمجتمع أخلاقي وسياسي وحتى للديمقراطية. ولا ينبغي تناول النسويّة كحدثٍ فيزيائي فقط. فأنْ تكون امرأةٌ أنثى جسديّاً، لكنها ذكرٌ روحيّاً وثقافياً وفكريّاً، فهذا يعني قمّة الاغتراب. فالمرأة التي تعيش اغترابها كهوية لها وتصونها ليست لها أية فائدة لمجتمعيتها. وبحسب هذه الذهنية الأساسية، فإن الجنولوجيا ترفض رجولية المرأة وتشبهها بالرجل المؤنث ورفضها لطبيعة المرأة.
ونستطيع أيضاً أن نناقش بشكل جماعي نظامنا الكونفدرالي، كوموناتنا، وإنْ لزم الأمر قرى ومدن النساء، وما شكل النظام الذي نتوقعه مستقبلاً في أماكن الحياة هذه. الشرط الأوّل لوجودنا هو التكوين الاجتماعي (المجتمعيّة). فإن لم توجد المجتمعية فلن توجد هوية ووجود للمرأة أيضاً. هذا القدر من تقييماتنا وأبحاثنا حول وجود المرأة، تكسب معناها فقط ضمن المجتمعية. لهذا السبب فكل نقاش حول هويتنا ووجودنا، وكيف نربطها بالحياة الاجتماعية، وكيف نجعل منجزاتنا والنتائج التي توصلنا إليها جمعيّة، وما هو شكل المجتمع الذي سنشيّده على هذه الأسس، هو موضوعٌ متعلقٌ بمسائل وجود المرأة وحلولها.
تناول الموضوع ومناقشته وفقاً لهذه المعرفة، سيكون أحد العوامل الأساسية التي ستطورنا في رحلتنا التي بدأناها. ومنها تقوم الجنولوجيا بالعمل والنضال على أساس هذا الميثاق، ضدّ هويات المرأة والرجل التي بُنيت وفقاً لموقف السلطوية الرجولية، البراديغما العلمية والقوة الفكرية للعصرانية الديمقراطية وتعمل على كافة المعطيات العلمية قد أثبتت منذ وقت مبكر؛ بأنّ هوية الأنثى هي التي تطوّرت مسبقاً وأنّ الرجل صُنع من جسد المرأة. ورغم هذا، فإنّ إصرار عقل الرجل المسيطر بالحكم المسبق في عدم تغيير موضوع المرأة والمعتقدات التي لا أساس لها، متعلقٌ كلياً بالموقف الفكرية، لأن التحفّظ والاحتراز تجاه خوفه من فقدان سلطته، لذا النضال والكفاح المطلوب من الجنولوجيا هو القيام بالعديد من الطرق الفلسفية والفنية والأدبية …والخ، والعمل ضد هذا التحفّظ.
لذلك إن أحد الأساليب الأساسيّة لتجاوز هذه الصعوبة هو أن يُخضع المرء طبيعة وأنطولوجية الرجل للبحث والاستكشاف. وهذا موضوعٌ يجب أولاً أن يُشرف عليه الرجال ويتشاركونه في خضم البحث عن الحرية وفي مسار الحياة التشاركية الحرّة. لكن توجد مشاكل ومصاعب جدية في استيعاب الرجل بخصوص معرفة مشكلته في الحرية لأنه قبل كل شيء هو عملٌ كبير لعلم الأخلاق والجمال والنضال. وينبغي أن تقوما طبيعتا المرأة والرجل اللتان مزقتهما وشوهتهما ثقافة المجتمع الأبوي وغربتهما عن بعضهما، ببناء معتقد الجمال الذي من الممكن أن يتحقق فقط بالحرية التي يمكن خلقها بجهد وكفاح كبير، وتطوّرها على الدوام.