ذهنية التعصب الجنسي وتأثيراتها على الناحية السيكولوجية والفيزيولوجية لدى المرأة
ذهنية التعصب الجنسي وتأثيراتها على الناحية السيكولوجية والفيزيولوجية لدى المرأة
“حين تَتَحرر المرأة فٍكرياً وذهنياً
فإنّها تتحرر فيزيزلوجياً أيضاً”
رند محمود عبد الله
النظام العالمي حول المرأة – الأم إلى سلعة بسيطة وصولاً إلى الآلة، كي تكون مصدراً للدعايات التجارية ومصدر ربح أوفر. النظام العالمي المبني على الذهنية السلطوية – الذكورية تسيطر على المجتمعات من خلال طمس طاقتها الحياتية في إدارة المجتمع. المرأة – الأم هي الإدارية الأعلى، حيث تبدأ من تكوين وتنظيم العائلة والعشيرة والقبيلة والقرية والمدينة وكافة مجالات الحياة. تم طمس هذه الحقيقة من خلال استغلال تلك الطاقة الحياتية وإخضاعها تحت تصرف الظواهر والأساليب التعسفية وكأنه قدر محتوم عليها أن تتحملها.
وظيفة ذاك النظام هو نهب واستغلال الموارد الطبيعية للمرأة – الأم، والتي هي ملك للمجتمع وجهودها القيّمة. طبيعة المرأة – تحافظ على التعايش المشترك والتلاحم المجتمعي. وباسم الحداثوية أو الحداثة الرأسمالية طوّروا الكثير من أساليب الاستغلال والاحتكارات في تخدير الطاقة الإيجابية والمتكونة في المرأة والشبيبة.
ومن هنا؛ فظاهرة العنف والشدة على المرأة لها ميراثها التاريخي، بالطبع الذي لا يليق بطبيعة المرأة والبعيد عن ميزاتها الإنسانية من العدالة والسلام والروح الجماعية. نحن نجد الشدة والعنف الذي يمتلك نوعان بارزان في هذه المرحلة؛ العنف المباشر الذي يتحكم بكافة جوانب المرأة والأكثر (الجانب الجسدي)، استخدام التعذيب والضرب واستحقارها. والعنف الآخر هو العنف الغير مباشر، هنا أريد أن أشير، أن الأخير هو أخطر بكثير، لأننا نرى بعض البلدان على انهم أصحاب أفكار أيديولوجية تدعم تحرير المرأة وتدعي بأنها تحمي حقوق المرأة، لكنها في الحقيقة، وتحت ذاك المسمى أو إعطائها القيمة، فإنها مسلوبة من كافة الحقوق، إن كان في المساواة أو لعب دورها في الساحة السياسية واتخاذ القرارات التاريخية.
العنف الأسري
ذهنية التعصب الجنسي في المجتمعات وخاصة مجتمعاتنا الشرقية، لها التأثير السلبي على الأسرة. الأسرة؛ التي نحن نجدها نواة لبناء المجتمع، هي مخالفة لجوهرها ولعب دورها الصحيح، وذلك للمداخلات التي تتعرض لها من قبل أمثال هذه الذهنيات. العائلة؛ هي التي تربي وتكون وتحضن الاجيال، ولكنها تحولت إلى قاع بئر، تسبب الأزمات والبقاء ضمن أطر متخلفة.
العنف والشدة؛ هي الذهنية المستمرة لآلاف السنين، لها رواسبها السلبية في التكوين الخاطئ، حتى على شخصية المرأة بالذات. المرأة أو بمعنى اصح الأم تصبح الضحية، فهي تضحي بجسدها وحالتها النفسية، ومستقبلها كي لا يضيع مستقبل أولادها. نعم؛ تضحي، ولكنها ضحية المفاهيم الخاطئة والمستعبدة.
حتى ضمن العلاقات العائلية، بما أن الأب هو (الآمر الناهي – رب البيت)، فجميع تصرفات وأسلوب تعامل الافراد تكون حسب تلك الذهنية أو مفهوم الأب. الأب؛ مستعبد من قبل الحكومة أو الدولة العليا وحتى من قبل مدير العمل، ولكنه يتحول ضمن الأسرة إلى (دولة مصغّرة). في طبيعة الأسرة (الأم)، هي العمود الفقري لها، لأنها تنجب وتدير كافة الأمور، وتراعي جميع الظروف التي تمر بها العائلة، هي حلّالة المشاكل، وهي التي تكون بتلك القدرة على الحفاظ وحماية توازن العلاقات العائلية. من هذا المنطلق حين نعلّق او نطرح العنف الأسري، نبدأ من طرح الانتقادات البناءة لأجل التخلص من رواسبها.
من غير الممكن التعايش مع الأسرة التي تحمل في طريقة تعاملها إلى طبقتين؛ الطبقة الفوقية ألا وهو الأب، والطبقة التحتية (الضحية)، هي الأم. فمنذ عمر الطفولة يتم فرز العمل بين أفراد الأسرة، الفتاة لها خاصيتها بأن تطبق عليها كافة قوانين الأسرة، لأنها واجهة السمعة والشرف للعائلة، أما الولد أو الصبي (حتى وإن كان صغيراً في العمر)، فهو رب البيت مستقبلاً وله مستقبل زاهر، وله كافة الحقوق في التصرف أو أن يصل إلى ما يطمح له. هذه المفاهيم تؤثر سلباً على صحة الأم أو الفتاة، بمعنى على الناحية الفيزيولوجية. بسبب تلك التقرّبات فإن لغة الجسد لدى المرأة تكون خجولة وغير واثقة من نفسها، وتعيش الكبت النفسي. من هنا، نجد الكثير من الأمراض النفسية التي تعاني منها المرأة وإيجاد الصعوبة في معالجتها.
الحروب تُزيد من مفهوم التعصب الجنسي
الحرب، الاحتلال، التدمير، النهب، الإبادات، القتل، التخويف، زادت من تعمق مفهوم التعصب الجنسي الذي أوصل حياة البشرية إلى حافة الهاوية والهلاك المدمر، التي تفرض هروب الإنسان من حقيقته، والتي بات الابتعاد عن جوهره والتغريب عنه عنوة، إلى كارثة فكرية، وسياسية، وثقافية وسيكولوجية عميقة.
وضحيتها هي المرأة التي أصبحت تائهة، تبحث عن منارة تهتدي بها، والبحث عن (الذات)، تلك الذات الضائعة. الحروب تلاعبت بالمصير الإنساني، الذي يكون بعيداً عن ذهنية التدمير والنهب، التي تسببها هذه الذهنية العقيمة، وأوصلت بالإنسان المبدع والخلاق والمبتكر، وثقافة الأم – الإلهة، إلى حالة تشرذم وانحطاط في المجتمع.
ولم تكتفي هذه الذهنية بذلك فقط، بل تعدّت إلى أقصى وأبعد من ذلك؛ بالتّعدي على قوة التفكير والعقل والمنطق واستخدام العلم في مآربها ومخططاتها وسياستها العنصرية، في التحكم بمصير البشرية والبيئة والكون. هي التي وضعت برامج كيفية التحكم بالعلم وقوة العقل التحليلي، واستغلاله لأجل التعدي على قوة الإنسان وتفكيره في تحليل الأمور، التي تحدث في حياته بأسلوب علمي، الا أنه تم تحريفه وبعده كل البعد عن منطق الأخلاق والضمير والوجدان الانساني وقيمها الاجتماعية. لهي كارثة تاريخية بأن تقوم هذه الذهنية البشعة في إيجاد الدمى البديلة لجسد المرأة، تحت اسم صنع (المرأة الجميلة). من الملاحظ هنا مدى الانحطاط والتدني في استغلال جسد المرأة.
الحروب هي مصدر اختلال في التوازن الاجتماعي والكوني والبيئي. حتى اختراع الفيروسات واستفحال الأمراض والأوبئة المدمرة للطبيعة والمناخ والإنسان تحت اسم (نحو نظام الحداثة الجديدة)، وبنفس الوقت طرح الكثير من الأدوية على اساس انها علاج لأجل معالجة صحة الإنسان، ولكننا نجد أن هدفها إنهاء الإنسان. عندما نتابع نتائج الحروب الموجودة إن كان في العراق، وسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان …الخ والكثير من دول العالم، ومنها أوكرانيا أيضاً، نقول؛ من المستفيد؟ هل المجتمع مستفيد؟ هل المرأة هي المستفيدة؟ هل يكون سبباً لإنهاء المآسي والتشتت والهجرة والضياع الاجتماعي؟ بالطبع كلا!
الحرب تسببت في الكثير من المجازر والإبادات الجماعية. وبين فترة وأخرى نجد نموذجاً جديداً لمرض جديد، مثلاً: الكورونا في الفترة الأخيرة، وما مضى كالكوليرا، حيث لا تبقى أي قيمة لا لصحة الإنسان ولا للوجود الفيزيولوجي، لان الحروب تقوم بالتسيس عليها.
تأثيرات الحروب
حين تزداد الحروب شدة وخاصة الحروب العرقية والطائفية والمذهبية والطبقية والدينية، تكون ركيزتها على كافة أفراد المجتمع. تأجيج الحروب الداخلية بين كافة فئات المجتمع لهو أخطر الحروب. من هنا يأتي دور الرجل القوي الذي يفرض الحروب الطاحنة وكأنه بطل العصر، بدلاً من السلام وتكوين المجتمع الكومينالي.
يُخلقون الرجل المصارع القوي، كي يحارب ويحقق السيطرة على أكبر مساحات احتلالية في تلك البقعة، والتوسع في حروب طاحنة وتحقيق الحماية لذاك النظام، فهو البطل القوي بعضلاته وعبقري في استخدام القوة، وأساليب التكنولوجيا الحديثة المتطورة العسكرية والكيمياوية والبيولوجية؛ المدمرة للبيئة والطبيعة – الأم، أي إبادة واستهداف الطبيعة الحية كالمدن، والمزارع والأشجار وإبادة كل ما يمس الحياة بصلة. المحور الأساسي في القضية هي؛ أننا لا نقيّم التأثيرات السلبية للحروب على المرأة والأطفال فقط؛ وإنما الرجل أيضاً هو أكبر ضحية لهذه الحروب. ضحية جسدية وفكرية وإنسانية.
صحة الإنسان متعلقة بسلامة صحة المجتمع
في الحقيقة أن أغلب الحالات أو التحليلات الطبية حين نراجعها أو نحللها، نستكشف أن أغلب الأمراض الجسدية نابعة من الواقع المرير الذي تمر به المجتمعات، لا أتحدث عن المجتمع السوري فق (لأننا في حالة حرب وعدم الاستقرار)، بالطبع لها التأثير الكبير على الصحة وسلامتها، والهدوء النفسي لدى الأم أو الفتاة أو المجتمع كافة.
كينونة المرأة
طبيعة المرأة التي تطمح للأمان والسلام والمحبة والسكون، تجعلها مركزاً كونيا تدير الحياة. حتى أننا نرى وفي الكثير من ظروف الحرب التي مررنا بها؛ بأن الأم خاصة تتحمل الكثير كي تحمي كينونتها وأمومتها، وحتى المحيط الذي تعيش فيه. كثيرة هن الأمهات اللواتي (مقاومات ومناضلات) يواجهن الكثير من الصعاب. حين تكون المرأة تنهمر كخرير الماء في كل مكان فهي تبني وتربي وتكافح وتغيير وتجدد وتبدع. الحالة البدنية للمرأة المكونة من التجديد الدائم يخلق لديها روح الصبر والسكينة والتحمل والتضحية.
لذلك وهذه حقيقة أقولها؛ أن المرأة حين تملك روحاً وجسداً وفكراً سليماً، ويتم انضمامها لكافة المجالات، وتدير المجتمع بذهنية المرأة الواعية صاحبة الثقافة التوعوية، حينها سنحي في مجتمع لا طبقي، مبني على العدالة والمساواة، وبنفس الوقت سنمضي حسب التوازن الأمومي للحياة. الحل الأمثل للتعايش ضمن حياة حرة ومسالمة وبعيدة عن ذهنية الجندرة، لا نحتاج لاستخدام الأودية الكثير من المسكّنات، كي ننهي الضجيج المثقّل في رؤوسنا، بل نحتاج للمقاييس المجتمعية والتعاونية والحوارات الديمقراطية البناءة وكسر الكثير من القوالب التي تأزم حياتنا، وتودي نحو الهاوية الإنسانية.