أيديولوجية تحرير المرأة هي بمثابة تدخل ثوري

 أيديولوجية تحرير المرأة هي بمثابة تدخل ثوري

علينا التخلص من الذهنية السلطوية التي جعلتنا عبيد،

ولنتبنى أيديولوجية نعيش بحرية

 

 

زينب قنبر

إذا كانت المعرفة هي الإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق الوعي والفهم، أو اكتساب المعرفة من خلال تجارب الحياة وتجارب الآخرين واستنتاجاتهم، وكانت الركيزة الأساسية والضرورية التي تقوم عليها فلسفات العلوم المختلفة، فإن أيديولوجيا (الفكر الاستراتيجي المنظم) هي من الظواهر التي تزامنت مع ظهور التحول المجتمعي والحياة الاجتماعية.

وهي التي مكنت أنسنة الإنسان، وميّزتهُ عن باقي الكائنات الحية، فشكل الحياة الاجتماعية للإنسان بدأ بحراك على شكل مجموعات بدأت بتنظيم حياتها اليومية في المجتمع الطبيعي باختراع الأدوات، واكتشاف الزراعة، ونقل المعارف من جيل لآخر وتطويرها. فالإنسان يرتقي على باقي الكائنات في تناغم ووئام معها لا يتحكم بها. وبما أن المجتمع الطبيعي كان معروفاً ومتمثلاً بمجتمع الأم (المطرياركية) كانت تلك الاكتشافات والتطورات تحمل هوية (الأم) وبصماتها على مر التاريخ.

 وإن حللنا تلك المرحلة ومدى تطورها الأخلاقي، نرى بأن المرأة هي صانعة الهوية الأيديولوجية للحياة الاجتماعية بكافة مجالاتها وميادينها، فكانت هي صاحبة الاكتشافات والبدايات التاريخية، والتي ميزت تطور مكانة المرأة وقدسيتها لدرجة الألوهية عبر التاريخ، والذي يعبر عن التطور الطبيعي للمجتمع البشري، أي أنه وبمعنى آخر الهوية الأيديولوجية للمرأة هي أيديولوجية أمومية تشاركية تعددية خلاقة، فهي الهوية الخالية من الحكم والاستعباد، حيث مفعمة ومشحونة بالمساواة والعدالة والأخلاق، مبنية على الثقة والاحترام. هنا كان يُنظر للمرأة كالأرض فهي المسؤولة عن ثمارها، وهي مسؤولة عن الأطفال والمجتمع، وجميع الاكتشافات الأثرية تظهر دور المرأة بأنها الأم الواهبة للحياة. ووجود الاكتشافات المادية كالزراعة، صنع الخبز، بناء البيوت، تطوير الآليات، وضع القوانين المنظمة للمجتمع، طورت أنسنة الإنسان، وهذا يشير إلى القوة المجتمعية المرتكزة حول المرأة.

 سلسلة جبال طوروس وزاغروس

حسب الدراسات اكتُشف أن تطور الحياة كان في ميزوبوتاميا (سلسلة جبال طوروس وزاغروس) أو الهلال الخصيب، ولهذا فكل اكتشاف جديد كل يوم، لها مكانتها الساطعة في الحياة الإنسانية والاجتماعية، والقيم التي تم إبداعها بطليعة المرأة التي فتح لها المجال أمام تطور المجتمع وخلق معه ثقافة الإلهة، وتوسع الحياة والمجتمع حول المرأة وهنا تقوى هويتها، بالإضافة لغياب المصالح الطبقية في هذا النظام الأمومي المتمحورة حول المرأة – الأم – وغياب مصالح السلطة، وخلو جنس المرأة من الميل إلى التحكم في السلطة، فهي المبدعة والمنتجة والمخترعة وبالتالي المطوّرة لإنسانية الإنسان والزمن الاجتماعي وطريقة تعامله مع الطبيعة بطليعة القيم الأخلاقية التي اظهرتها المرأة بجوهرها الأنثوي.

أي أن المجتمعية الأولى تطوّرت حول طبيعة المرأة في المجتمع الأمومي فتكونت الحماية الأولى، والهوية الأولى، وحياة الجماعة المشتركة الأولى، وأول حقوق الجماعة، وأول إنتاج جماعي، والقيم الأخلاقية الأولى في تلك الفترة، وانضم الرجل إلى نظام المجتمع الطبيعي ضمن قوانين عُينت من قبل الأم والمرأة.

 نظام المطرياركي والبطرياركي

إلا أن الرجل بدا يشعر بالنقص في أجواء المجتمع الطبيعي، واستهلك كل طاقاته في الميادين الحياتية الأخرى، بهدف كسب المواهب التي سيتمكن عبرها من تفادي نقصه الذي بدا يشعر به نحو المرأة، استغلال الفرص لأجل مصلحته الأنانية، ومع الزمن أنكر ورفض رمز الأم التي طوّرت الحياة وخلقت ظروف الاستقرار في الحياة التي بنتها في حضارة ما بين النهرين، وكان الشرق الأوسط شاهداً عليها، كما كان شاهداً على المرأة التي تم تقطيع أوصالها من قبل ولدها، وبدأ سطو الرجل على كافة نواحي الحياة على أساس الملكية والمجتمعات الطبقية، وهنا بدأ تاريخ عبودية المرأة على أساس هيمنة الرجل عليها وعلى إنتاجها في مرحلة الإلهات، وتم ذلك بالتحرك بمعرفة تامة نحو أيديولوجية الذكورة، وتم التحول من المطرياركية إلى سطوة الأب والبطريارك.

وهنا وضِعت أدوار لكلا الجنسين في الحياة الاجتماعية، فالرجل يمثل دور الإنسان والمواطن والحاكم وصاحب الدساتير، والرئيس الأول في المجتمع، والمرأة لا تُعتبر من المرتبة الإنسانية، ولا تملك أي حق من حقوق المواطنة والإرادة، وتحولت لمنجبه ومربية لأطفال الرجل. وحتى الأديان التوحيدية التي مثّلت ثورة الخلاص والأخلاق في بداياتها، غلا انها فرضت اللاأخلاقية على المرأة والمجتمع تحت اسم الأخلاق. فتعمقت عبودية المرأة وفُرضت الشرعية عليها باسم الأخلاق، وبالتالي ومع مرور الزمن إخضاع روحها وجسدها لحكم الرجل، وإعاقة كل ما هو مؤثر في تحقيق حرية واستقلالية المرأة التي كانت موجودة في السابق، بالإضافة إلى الحط من مكانتها الاجتماعية بأوامر مقدسة من السماء ومن يناهضها يُناهض الرب، والقاسم المشترك بين تلك الأديان هي مؤسسة (عبودية المرأة والهيمنة الرجولية المطلقة)، بكل أشكالها الاجتماعية الجنسوية الصلبة، والرجل هو الأقوى وله حق التملك والحاكمية على المرأة، لأنه يراها الأضعف جسدياً وعقلياً، وبالتالي أصبحت هذه الذهنية مؤثرة كقوالب إلى يومنا الراهن.

وهذا ما جعل المرأة تفقد كل مواهبها الإبداعية الخلاقة، فبات كل شيء مفروض عليها من ملامحها وتصرفاتها وتعابير وجهها. بذلك أُخرجت المرأة من الساحة الإنتاجية، وحُطمت سلطتها الطبيعية السابقة، ودُمر تأثيرها المعنوي، فحول الرجل إرادته إلى إرادة مطلقة لا تقبل الجدل، وبالتالي غرقت المرأة في عبوديات أعمق وأشمل من كافة أنماط حقيقة جوهرها، لأن الحياة المغرية هناك لممارسة الأنوثة جعلت المرأة تعاني من أعنف وأشد استعمار جنسي.

 النظام الرأسمالي

النظام الرأسمالي المعتمد على العلم والتقنية في وقتنا الحالي اتخذ أبعاداً كبيرة، لأنهم اعتمدوا في تكوين العلم واستخدامه بأسلوب مرتبط بالعنف والشدة، حيث ظهر واضحاً أن مسؤولية رجال العلم لا تقل عن مسؤولية رجال السيادة والقادة العسكريين، فظهرت الحروب العالمية وظهر معها الفقر والتلوث البيئي والتمييز الجنسي، التوازن النووي، الزيادة السكانية، الطيش التكنولوجي وامتيازاتهم الطاغية على المجتمع، وبالتالي بات التشابه بين هيمنة الرجل في السياسة والاقتصاد مع هيمنته من الجانب الاجتماعي، وأرسى النظام الذكوري نفوذه عبر مؤسساته على جميع مناحي الحياة، بتجسيد ثقافته ضمن هذه المؤسسات، وأصبحت كل الصلاحيات والامتيازات للرجل.

بعد أن أنزلوا كل القوى والسلطات الإلهية من السماء إلى الأرض، مشرّعين شن الحروب للانتشار والتوسع. وهكذا طوقوا المجتمع كالأخطبوط بأجهزة رأس المال والسلطة انطلاقاً من القوموية، الدينوية، الجنسوية، العلموية، بكل أبعادها بواسطة الفن، العلم، الجنس، الرياضة، السياسة، الجامعات، مراكز اللهو، هدفهم خلق مجتمع بلا أخلاق لترسيخ العبودية، وتعتيم أفق الحرية الإنسانية والأنانية بعيداً عن الكرامة.

فاعتبروا المرأة كالجنس الثاني، واستطاعت أن تنتفع نوعاً ما من إنتاج عمل المرأة بالإضافة لحياتها المنزلية، وأصبحت صاحبة حياة عملية، كما أنها أخذت مكانها في النضال والثورات الطبقية والقومية عبر التاريخ، ولكن كان انضمامها كما رسمه الرجل في المجتمع الجديد، وليس ضمن نشاطات منظمة للمرأة ضمن الثورات في ذلك الوقت، مثال على ذلك النساء اللواتي قاتلن لأجل كومونة باريس، ولكن بعد النصر لم تُعرف سوى بنماذج رمزية، وتعددت الأمثلة ولكن البرحوازية اخفت هذه النماذج كونها تريد دائما دور المرأة بعد الرجل، ولا تريد اي حركة تقود إلى تحرير المرأة، والسيدة ( اولومبيا داغوغس) التي أعدمت بالمقصلة عندما نشرت كتيب يتضمن حقوق المرأة بعد إصدار بيان فرنسا لحقوق الانسان الذي كان لا يحتوي على حقوق المرأة.

وعندما تناقضت المرأة مع فلسفة الثورة توجهت إلى الافتراق عن السبيل العام إلى الخاص، وتشكلت النظرية المنظمة لحقوق المرأة وتم تسميتها بـ الفامينية.

الحركات الفامينية

تطورت الحركات النسائية مع حركات الكادحين، فأصبحت كلاً من روزا لوكسمبورغ، كلارا زتكين، الكسنددرا كولونتاي، كروبسكايا، رموزاً في الثورات الأوربية والسوفيتية، ولكن في روسيا تحولت رموز النساء امثال(جينالابوارا) سمو بالنتاشا اي المومسا.

والفامينية عرفوها بأنها الخوض في النضال النسوي لتحقيق المساواة في الحقوق وفرص الحياة بين الرجل والمرأة ضمن تنظيم نفسها إما جمعيات او منظمات نسائية. وهي كأيديولوجية، ظهرت خاصة ومستقلة بذاتها تعمل لحقوق المرأة والنضال لتحقيق ذلك. وظهرت بتفسيرات واشكال عديدة للتيارات الفكرية (اليبرالية، وجودية، اشتراكية، ماركسية، أيكولوجية، أنارشية، إسلامية)، إلا أن المنطق الرجولي التابع لمؤسسات النظام الأبوي اتهموا الفامينية بأنها عدوة الرجل، وذلك كي لا تتطور وتهدد كيانه. ورغم أن المرأة اليوم استطاعت أن تتعلم في الكيانات التي تختارها، إلا أنها تحتل مكانتها بنسب معينة، وبفرص غير متكافئة في الكيانات السياسية والمجالس، رغم أنها تستفيد من حقوقها في الترشيح والانتخاب، والأعمال الاقتصادية، ولكن بشرط لا يناقض ذلك النظام الذكوري المهيمن.

هذا في الغرب إما في الشرق فزجت الأنوثة في الحضيض، وتحول النظام الاجتماعي الذي خلقته المرأة المليء بأجواء السعادة والمساواة والسلام، يعيش حالة الانفصال والانعزال التام بين الجنسين، فزادت حدة الاغتراب بينهما وهي مستمرة ليومنا هذا.

أي أن عصر الرأسمالية هو النقطة الأخيرة لاغتراب المرأة عن ذاتها وبنات جنسها، ورغم ظهور الحركات النسائية المنظمة إلا أنه طغى عليها التلقائية، وظهرت بعض الشخصيات النسائية الطليعية، إلا أنها لم تحمل مواقف استراتيجية عامة تستهدف الحل الجذري للقضية، رغم أنهم أدركوا أن أول استعمار طبقي هو ما طبق تجاه المرأة. إلا أن وضع الحلول إزاء قضية تحرير المرأة كان سطحياً يفتقد التعمق. وذلك لعدم القدرة على الربط بين المادة ورأس المال وتحليله بكل أبعاده، وهذا ادى لعدم القدرة على اكتساب رؤية موضوعية لحقيقة واقع المرأة التي تعتبر أقدم طبقة تعرضت للاستعمار والاضطهاد في التاريخ الطبقي، وبقيت المرأة تعيش على هامش الحياة وهذا أدى مع مضي الوقت لأرضية خصبة لتفسخ المجتمع وانحلاله. لذلك أستطيع القول بأن الشرق الأوسط شاهد على المرأة التي بعثت الحياة في ميزوبوتاميا، وشاهد على قتل المرأة، ورغم أنهم أحاطوا بعرشها إلا أن جذور المقاومة والحياة عند المرأة حيّة لم تنضب، ولم يستسلم حبها للحرية لكل الهجمات. ولهذا نرى أن المرأة اليوم تنبت فوق جذور المقاومة هذه.

ولاريب أن المجتمع الانساني طالما بحث عن الحقيقة، وبرزت العديد من الخيارات كجواب لأبحاثه بدءاً من الميثولوجيا إلى الأديان، ومن الفلسفة إلى العلوم الراهنة. ولكن كما يقول المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان: “مثلما لم يتم تصور العيش في حياة خارج هذه الخيارات الناتجة عن تلك الأبحاث، فلا يمكن إنكار وجود واقع هزيل يشير إلى أن الكم المتراكم من القضايا العالقة نابع من تلك الخيارات”. أي أن القائد عبد الله أوجلان تناول ثورة الحرية كنشاط فلسفي وركيزة هامة، وقام بالبحث الدائم عن الحياة والسؤال عن كيفية الحياة مع المرأة، والكشف عن الكائن الذي أذعنت له المرأة كجنس معرض لأعتى أنواع الغزوات الطبقية. والبحث عن كيفية تبعيتها وتربيتها وتخطي ما يستهتر بها، فالمرأة الحرة تعني الحياة الحرة والمجتمع الحر، ولهذا لم تعتمد حركة التحرر الكردستانية على الذهنية القمعية الاستعمارية.

تاريخ 1978

ومع انفتاح حركة التحرر الكردستانية في عام 1978 بدأت المرأة تتعرف عليها، وتحتل مكانتها في الوحدات الموجودة، وكانت ساكينة جانسز أولهن حيث قاومت في سجون الفاشية التركية في ثمانينات القرن الماضي، وسجلت ملاحم بطولية في تاريخ حركة التحرر الكردستانية.

حيث تم تحليل تعرض جنس المرأة للاستعمار الجنسي تاريخياً، وخلق الأجواء المساعدة على تحرير المرأة، واعتِبر التحرر الجنسوي من المبادئ الأولية للتحرر الاجتماعي، لتصل المرأة لمكانة كبيرة في صفوف النضال، ولتتمتع المرأة بهذه الحياة المشرفة، كان انضمامها على شكل موجات متتالية. ومنذ ثمانينات القرن الماضي والمرأة تناضل، وبرهنت على مدى عزمها وإصرارها على مستوى قرارها في المضي بـ ثورة الحرية، وخلقت الأرضية لتأسيس التنظيم السياسي الخاص بها، وكان ذلك عام 1987م ويوماً بعد يوم تجلت قوة المرأة، وبدأت بأروع الملاحم البطولية والتضحية، ونالت الشهادة بشجاعة، وهذا دليل على قوتها وتطلعاتها للحرية وتعمقها في العبودية المفروضة عليها عبر آلاف السنين.

وكانت المقاومة التي أبدتها الشهيدة بريتان تعبر عن عزم المرأة على التحرر والتحدي للعقبات والعراقيل، والتي بلغت من المستوى الذي يظهر  قوتها القيادة وتجييشها.

كما أعطت الشهيدة زيلان من خلال عمليتها في ديرسم جواباً كاملاً وقاطعاً للقوى التآمرية، وبرهنت على قوة المرأة الحقيقية في الحرب والجيش والتنظيم والحياة، ولذلك تعتبر عملية الرفيقة زيلان أقدس عملية في النضال التحرري في حركة التحرر الكردستانية وأكثرها إنتاجاً، حيث أضافت معاني سامية على اتحاد وحرية المرأة الكردستانية، لتحقيق الاشتراكية على أساس المساواة والحرية لكل إنسان بعيداً عن العبودية وثقافة الاعتداء التي تهاجم المجتمع من خلال المجزرة اليومية التي تعانيها المرأة على يد الرجل، والتي أفرغت الانسانية من مضمونها وحطت بالأخلاق إلى الحضيض.

وأكد المفكر أوجلان على أهمية البحث والتحقيق في الوضع الذي تعانيه الرجولة في مجتمعاتنا، لتحقيق حياة اجتماعية معتمدة على المساواة والحرية. كما طرح نظرية الانقطاع اللانهائي من أجل كلا الجنسين، وانفصال المرأة عن الرجل هو تعريف لقوتها المستقلة، واختبار لردود فعل الرجال تجاه المرأة المستقلة والمتحررة، والتي لا يقبلها الرجل الذي لا ينحاز لنهج الحرية. وهو ليس انفصال فاميني، بل أسلوب نضالي يسعى لفصل كلا الجنسين عن واقع النظام المتسلط لتحقيق استقلاليتهما.

وكانت هدية المفكر أوجلان للمرأة في الثامن من آذار 1998م الهدية العظيمة، وهي الأيديولوجية التحررية المتمحورة حول المرأة، والتي كانت ميراثاً لتاريخ نضالي أوصل المرأة للوعي ضمن حركة التحرر الكردستانية، وتشكيل جيش المرأة.

 طرح أيديولوجية تحرير المرأة

نشأت عليها كمبدأ أول، وتطور الإرادة الحرة والفكر الحر في المبدأ الثاني، أما المبدأ الثالث فهو بلوغ المرأة لتنظيم معتمد على الفكر والإرادة الحرة، وذلك لإعادة بناء مستوى تنظيمي قوي في المجتمع، وممثل في شخصية المرأة مثلما كانت عليه في بداية التاريخ، والمبدأ الرابع هو تطوير النضال على أساس الإرادة الحرة والمشاركة في الحياة بالتساوي، أما المبدأ الخامس فيهدف إلى إعادة البناء على أساس مفاهيم ومقاييس وأنماط جديدة لتطوير المستجدات الناجمة للوسط وتصعيدها، أي يعبر عن إنشاء الجديد على أساس الجمال في الفرد والمجتمع وكافة ميادين الحياة، بدلاً من القديم البالي المدمر، وعلى المرأة التي تود العيش حقاً أن لا تهمل الاهتمام بالفن والاستتتيك والثقافة، بل ترتبط على أساسه بدءاً من جمال جسدها إلى جمال فكرها، ومن خطاباتها إلى تنورها الروحي.

وأكدت العملية التي قامت بها الرفيقة سما يوجه على أنها كانت مؤشراً على مستوى المزمن والقرار الحاسم لدى المرأة لإحياء مشروع الحياة المتمحورة حول المرأة. وهي تظهر حقيقة محاكمة الذات بأرفع المستويات باعتبارها تشكل هوية لحل البيئة النسائية الموجودة.

وكان إصرار المرأة على الحرية والتوسع يوماً بعد يوم، هو نتيجة إيمانها وقناعتها بأيديولوجيتها. وقد تعرضت المرأة لخيانات ومؤامرات الدول التي تقع كردستان تحت سيطرتها (سوريا، العراق، إيران، تركيا)، والرفيقة الشهيدة شيلان كوباني ورفاقها وبأسلوب وحشي خير دليل على ذلك.

وترسخت أيديولوجية تحرير المرأة يوما بعد يوم، وتجلى ذلك بانضمامها للثورة متحدية كل العوائق والصراعات، فواجهت العائلة وناهضتها، وتعددت التنظيمات النسائية، وكان في روجآفا وشمال وشرق سوريا فيما بعد التأثير الملحوظ، فعملت المرأة على توحيد النضال التحرري لقضية المرأة بين كافة الشعوب وبدأ بـ اتحاد ستار وفيما بعد بمؤتمر ستار حيث كان عملها بهدف الوصول إلى حل للقضية الكردية وقضية المرأة في سوريا، حيث تعمل على ترسيخ نموذج تعددي تشاركي ديمقراطي، عن طريق تنظيم طاقات المرأة لتجسيد السلام الاجتماعي وتحقيق حرية المرأة للوصول لبناء مجتمع ديمقراطي حر وعادل ومتساوي، مجتمع أيكولوجي ومتحرر جنسوياً، بغض النظر عن الفروقات القومية والإثنية أو الطبقية، لتكون الدعامة الأساسية لتأمين التعددية والتنوع الكامل. وليتم ذلك يتطلب تأسيس نظام الحقوق الداخلية الذي يضمن لها الحقوق الممثلة بالأخلاق الاجتماعية، وتعزيز دورها في بناء المجتمع السياسي والأخلاقي الحر.

 مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية

باتت المرأة تناقش كافة متطلبات الحياة والحرية والهوية على جميع الأصعدة، وإتخاذ القرارات بحق تطبيق الحلول لجميع القضايا، وهي بقدر ما تتخذ إطاراً فلسفياً وأكاديمياً، وبالوقت نفسه تعرب عن قوة التجمعات الديمقراطية، مما أدى لأهمية هويتها وطابعها الخاص، ونتيجة لذلك كان انضمام المرأة لمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية بطابعها الخاص وإرادتها الحرة، لأنها ستنضم بميثاقها الاجتماعي لمشروع الادارة الذاتية الديمقراطية، ولكونها مؤمنة بمشروعها الديمقراطي، ونضالها تحول لثورة ضد الذهنية السلطوية ألا وهي ثورة المرأة، فقد أصبحت هدفاً لكل من يستهدف حرية الإنسان وإرادته، والرموز كثيرة وسأذكر بعض الأسماء (آرين وأفيستا وهفرين خلف وزينب صاروخان وهند وسعدة و يسرى وريحان و….).

وعلى مبدأ (إن لم تتحرر المرأة لا يمكن للمجتمع أن يتحرر، ولا يمكن بناء المجتمع الديمقراطي)، فاليوم يتم بناء المجتمع السياسي والأخلاقي الديمقراطي الحر في شمال وشرق سوريا، حيث المرأة الرائدة في الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والحقوقية والأخلاقية. وهذا ما يتضمنه علم المرأة جنولوجي الذي هو من فلسفة القائد عبد الله أوجلان، والذي لم يكن طرحاً فقط، بل يتطور بإيقافه لإبادة المجتمع والمرأة، بخروج مصادرها للتحليل وتجاوز هذا بعقل المرأة، كونها العلم الذي ينقل من هم في الظروف الأكثر صعوبة إلى الأكثر حرية، حيث ينظر إلى علم الأخلاق والجمال أنها جزء لا يتجزأ من علم المرأة، لأن أثقل المسؤوليات تقع على عاتق المرأة. فيقول المفكر أوجلان (التي تحارب تصبح حرة، والتي تصبح حرة تصبح جميلة، والجميلة تعشق).

خلاصة لكل ما سردته أستطيع القول بأن مقاومة النظام الذكوري المهيمن والذي قاومته المرأة آلاف السنين وتمردت عليه، يحتم علينا كتابة بطولاتها التي لم يذكرها التاريخ لبلوغ المرأة الحرة التي يُحتذى بها، رائدات للمرأة والمجتمع في الشرق الأوسط والعالم، وهذا يحتاج لفكر نستهل منه في حياتنا واثناء مسيرتنا بقدر الماء والهواء.

علينا التخلص من ذهنية الرجولة التي جعلتنا عبيد، ولنتبنى أيديولوجية كيف نعيش بحرية، لنكون سبيل الخلاص من كل الرواسب المؤدلجة في ذاتنا ومجتمعاتنا، ولأجل هذا على المرأة أن تفهم العلاقة بين حرية الفرد وحرية المجتمع، ومعرفة العلاقة بين المرأة والحياة، لأننا عندما نتحدث عن حرية المرأة فإننا نطرح عليها مسؤولية الثورة في المجتمع، لتكون الخلاص من العبودية بأشكالها.

وعلينا أن لا ننسى أن تحرير المرأة مفهوماً ومنهجاً، وضعها المفكر أوجلان على جدول أعماله قبل 25 سنة، اليوم يترك بصماته في القرن الحادي والعشرين، لقد أوصلنا إلى الانتساب، لذا علينا أن نفهم علم المرأة جيداً لأنها أساس تحرير المرأة، وأن الوطنية والمعرفة والإرادة الحرة والتنظيم، الأخلاق والجماليات لا يمكن الفصل بينهما، وكلما تعمقنا في معانيها نزداد تقربا من الحرية، لأن السعي إلى الحياة التشاركية تحتاج منا لمناهضة الذهنية السلطوية، والتمسك بالحداثة الديمقراطية كحل بديل عن الحداثة الرأسمالية، ولأجل ذلك علينا طرح الحياة التشاركية الحرة في كل المجالات الحياتية، للوصول لمرحلة المساواة والحرية الاجتماعية على أساس الاختلاف، وبالإرادة المتكافئة نصل لحياة ندية تليق بالإنسان، وبفكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان وتطبيق مشروع الأمة الديمقراطية، وبريادة المرأة الحرة كفيلة للوصول بنا للحياة السامية التي لأجلها نناضل ونقاوم ونضحي.