تحديات المرأة ومرحلة إنشاء نظام الإدارة الذاتية

تحديات المرأة ومرحلة إنشاء نظام الإدارة الذاتية

“التحديات كبيرة، ولكن

أيديولوجية تحرير المرأة تعطيها العزيمة

والإرادة التنظيمية “

 

 آهين سويد

 

نظام العولمة التي تم الادعاء بأنّها المنقذة للإنسان والمجتمعات والمرأة بشكل خاص، اتضح بأنها أضاعت الكثير من القضايا المعنوية والروحية والفكرية، التي تتيح القوة المعرفية والعلمية لطبيعة الإنسان والمجتمع. تحت مفاهيم التطور والحداثة؛ فإن الكثير من الميزات والصفات الأصيلة التي تتحلى بها المرأة قد أضاعتها.

بدلاً من أن تكون المرأة متحررة وتملك إرادتها الحرة وتدير المجتمع بطبيعتها المتوازية مع العدالة والديمقراطية والمساواة والمحبة والتوافق بين كافة الأمور، العكس تم تطبيقه وهو تحت اسم الحداثة الرأسمالية، لكن الجانب المادي ازداد أكثر، وتم الاستهتار بطبيعة المرأة المجتمعية وإضعاف حقيقتها وميراثها التاريخي التي تحمله بكل المعاني. ازدادت الحروب والدمار والاحتلالات الجغرافية والتغييرات الديمغرافية والهجرة والظلم على كافة فئات المجتمع.

الهجمة على إسرائيل لم يكن هجوماً عادياً، وعلى وجه الخصوص، علاقات إسرائيل في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. وتم التأكيد على أن إسرائيل قد حافظت على سياسة دبلوماسية خارجية مع العديد من الدول العربية في الشرق الأوسط، التي كانت معادية لها سابقاً. كما وطّدت علاقاتها التجارية والدبلوماسية. هذا ما شكل خطراً على كل من أيران وتركيا، كونه جعل من إسرائيل القوة الرئيسية في المنطقة، واكتسبت المزيد من الهيمنة في الشرق الأوسط سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي.

لهذا السبب هناك قوى تريد إنهاء هذا السلام والأمان الاجتماعي واستغلال هذه الفوضى. ورغم أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا تبدو جيدة الآن، فلربما أن ذلك سيتغير تبعاً لطريقة الحرب وأسلوبها. أي أنه إذا حققت إسرائيل النصر الذي تريده وضمت الدول العربية إلى جانبها، فإنها لن تحتاج إلى تركيا بعد الآن. لا ننسى أن الشعوب الأصلية التي تسحقها هذه الحرب وتتضرر دوماً كالشعب الكردي والأرمن والفلسطينيين والشعب اليهودي.

وعلى وجه الخصوص، الوضع في الشرق الأوسط، وواقع الحرب بين الدول القومية والمجازر التي ترتكب بحق الشعوب، والتمييز الجنسي الذي تواجهه المرأة، وأسلوب حرب الدولة القومية في سياق المفاهيم القومية وخاصة ما ترتكبه الدولة التركية باعتبارها الجهات الفاعلة الرئيسية في هذه الحرب، وجرائم التي ارتكبها النظام التركي، من الأجدى التوقف عليها. الدولة التركية التي تتذرع دائماً بحماية أمنها القومي وحماية حدودها (لكنها تتعدى حدودها)، حيث تبعث المرتزقة التابعين لها إلى سوريا وخاصة المناطق التي احتلتها جغرافياُ مثل عفرين وإدلب وإعزاز وسري گانية وگري سبي.

إن السياسة التركية الفاشية هدفها الأساسي؛ هو إضعاف إرادة المرأة المناضلة والحرة والتواقة لحرية المجتمع وكيان المرأة بالدرجة الأولى. فالكثير من تصريحات رئيس النظام التركي هي عن أخوة الشعوب وعن حماية حقوق المرأة والطفل وسيكولوجية الأمان والسلام بين أفراد المجتمع، ولكن الواقع والحقيقة غير ذلك. مازالت ولسنوات تقوم الدولة التركية بالكثير من المجازر والممارسات الهمجية ضد المرأة. ذهنية حزب العدالة والتنمية لها أضرارها على المرأة والمجتمع، بحيث يوجه المجتمعات نحو الهاوية. إننا لن ننسى الحرب الضروسة التي استمرت لسنوات على الشعب الأفغاني، من استفاد منها؟ ومن حقق الديمقراطية والعدالة المجتمعية وماذا حل بوضع المرأة؟ الحروب دمرت البنية الفكرية للإنسان وضحيتها الأولى كانت المرأة. وفي باكستان وكذلك المرأة الليبية والمصرية والأفريقية والجزائرية.

بالطبع حين نتحدث عن المرأة؛ فإننا نركز على تلك المرأة التي تكون قضيتها هي قضية إنسانية ومجتمعية. حيث من غير الممكن فصل قضية المرأة عن كافة القضايا، هي قضية أساسية ليس في الشرق الأوسط فقط، بل في كافة بلدان العالم. المرأة هي أساس الحياة، فالقضية الأساسية هي كيفية العيش في هذه الحياة. الحياة المفروضة والتي لا تتناسب مع الطبيعة الإنسانية ستكون مشكلة عويصة.

ومن هذا المنطلق؛ بشكل عام الرؤية السياسية  تُظهر لنا عدة خطوط أساسية, أولها حقيقة مفهوم الإدارة الذاتية، وما الذي يميزها عن النظم الحاكمة الأخرى، وكيف سيكون دور المرأة ضمنها وإلى أي مدى ستلعب دورها، هذه الأسئلة وغيرها تطرح لمعرفة كيفية إدارة المرأة لمختلف الأمور المجتمعية.

في هذه المرحلة أهمية الإدارة الذاتية تكمن في إدارة الشؤون الاجتماعية والسياسية والتوجيهات نحو بناء مجتمع ديمقراطي متوافق مع جميع الأنظمة الملائمة لتحرير المجتمع، فكرياً، وخاصةً التخلص من العلاقات والعادات البالية التي أصبحت عقدة أمام تغيير المجتمع, نظام الإدارة الذاتية هي هيكلية استراتيجية, أيديولوجية تحوي في فحواها قبل كل شيء أيديولوجية تحرير المرأة.

عندما نقول بأن الإدارة تعتمد على أيديولوجية المرأة الحرة، بمعنى أن نظام الإدارة الذاتية تحوي كمحتوى وكجوهر إدارة ذاتية خاصة بالمرأة. هنا؛ أريد أن أنوه وألفت الانتباه على هذه النقطة الأساسية والتي هي قضية تاريخية, السيرة السياسية الموجودة والأنظمة العالمية التي تسير في مسارات ومتاهات لا  نهاية لها، هي بنفسها نظام (العولمة) الموجودة، والتي تخلق القضايا العقيمة، هدفها واستراتيجيتُها الأساسية إضعاف المرأة.

وعندما أقول المرأة؛ أنا لا أشير إلى جنس المرأة كفرد أولاً وكنجس ثانياً، ولكنني أشير من منطلق مفهوم الإدارة الذاتية؛ بأن المرأة تمثل الحياة وتتأقلم مع جميع مجالات إدارة المجتمع، لأن المرأة بطبيعتها ومنذ المجتمع الطبيعي، وحتى الآن تملك هذه الطاقة والتي نسميها (الطاقة الحياتية).

من خلال ذهنية المرأة وأيديولوجية تحرير المرأة، فالمرأة اليوم بدأت بثورة، وهذه الثورة أعتبِرُها العودة إلى جوهرها، وإدارتها للمجتمع، لما تتمتع به من صفات ومميزات في العدالة والمساواة والتفاهم، ولم شمل جميع فئات المجتمع. الثورة الذهنية التي تمضي بها المرأة ليست بالشيء القليل، وهنا؛ أريد لفت الانتباه أيضاً، على أنه ثورة المرأة هي ثورة “المرأة، الحياة، الحرية”، التي طرحها القائد عبد الله أوجلان كـ فلسفة الحياة التي لا بد منها. إنها مازالت مستمرة حتى وصلت إلى روجهلاتي – شرقي كردستان باستشهاد جينا أميني وحتى هذه اللحظة.

المرأة ريادية في البيت وفي العائلة, ريادية في إدارة الشؤون المؤسساتية وفي طرح الرأي الآخر، ومبدعة في التوجيهات والاقتراحات الجديدة لسير العمل نحو الأفضل، ولكن ومع الأسف الشديد، منذ خمسة آلاف سنة تصطدم بالذهنية الذكورية السلطوية، التي لم يفلت منها حتى الرجل. حيث كانت قبل مائة عام تحول المرأة لـ عبدة ومتنفساً للضرب، وممارسة كافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي والسيكولوجي والفكري.

هذه الذهنية وحتى هذه المرحلة مستمرة، ربما تغيرت الأساليب في طريقة التعامل، ولكن ذهنية رؤية المرأة على أنها سلعة أو مادة لا إرادة لها، فقط هي كالمزهرية الجميلة بألوانها، ولكن بالنتيجة يعتبرونها (شيء)، بمعنى؛ متى ما أرادوا يستطيعون كسرها ومتى ما أرادوا يستطيعون بيعها أو شرائها وحتى الاستغناء عنها. بمعنى أن تلك الأيديولوجية السلطوية وتعريفها للمرأة لم تتغير.

هنا؛ أريد أن أشير، أن نظام  الإدارة الذاتية المعتمدة على مفهوم (حرية المرأة)، هي نتاج ثورة شمال وشرق سوريا، ونحن فخورون جداً بأننا وصلنا إلى هذه المرحلة وخاصةً في ظل التأثير الكبير للمرأة ومشاركتها في الإدارة الذاتية وفي الحياة التشاركية ضمن المجتمع، والرئاسة المشتركة في جميع المؤسسات، وقيادية في الساحة العسكرية تُدير جميع الألوية والطوابير وجميع الأكاديميات.

ثورة 19 تموز فتحت المجال لها بالفعل لتكون نموذجاً متحرراً وريادياً، ليس لأجل ثورة نساء شمال وشرق سوريا أو سوريا بشكل عام، وإنما تحّولت إلى أيقونة نضالية تاريخية ومثالاً يحتذى بها في الشرق الأوسط  والعالم أجمع. فقد أرسلت نساء أفغانستان منذ فترة رسالة خاصة إلى جميع نساء شمال وشرق سوريا و كتبوا فيها:

 “إنكم النموذج الأمثل لنا، عندما نتابع ونراقب نضالكم وكفاحكم فإننا نقول أن المرأة بخير ونحن هنا سنتحمل جميع الإجراءات التعسفية بحقنا، لأن حركة طالِبان أولى أهدافها تحطيم إرادة المرأة ضمن كافة المجالات حتى ضمن العائلة “.

هنا؛ أريد أن أشير أن المفهوم السياسي، والاستراتيجية السياسية التي تستمر في المنطقة، هي بقيادة المرأة. وعندما أقول (المرأة على مستوى مناطق الإدارة الذاتية)، لا نحتاج إلى نظريات عالية المستوى، أو نبالغ  أن نوصف أنفسنا, بأننا تحررنا بالكامل وحررنا مجتمعنا وكافة النساء. إلا أن الحقيقة الملموسة والمباشرة للعيان، والتي نمضي من خلالها كل يوم، بـ مشاركة جميع النساء من جميع المكونات: الكرديات, العربيات, السريانيات, والتركمانيات والآشوريات، دليل على أن الثورة غيّرت وبنت تلك المرأة التي بالفعل تكون قادرة على أن تكون موجودة ليس فقط جسدياً، بل أيديولوجياً وسياسياً واجتماعياً.

والآن نحن نطمح إلى مشاركة جميع النساء السوريات في المقاومة ومنها السويداء وحتى في المدن الداخلية السورية، لأن المرأة تناضل وتكافح من أجل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي وواعي وحر.

الاجتماعات والمؤتمرات والحوارات التي عُقدت، والتي لا تزال مستمرة هدفها الأساسي؛ نشر أيديولوجية تحرير المرأة في جميع المجالات. من هنا؛ استطعنا في (مناطق شمال وشرق سوريا) إحراز خطوات متقدمة ومتطورة في ذاك المنحى، وسنستمر في النضال من أجل ذلك لتشمل كافة نساء المنطقة والعالم.

الأحداث السياسية والعسكرية والنضال والكفاح المستمر والنجاحات والمكتسبات التي يتم إحرازها في هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة، دليل على وعي وقوة المرأة، رغم حرب الإبادة التي يشنها  الاحتلال التركي وعدم مساواة التوازنات الخارجية العالمية، لكن الثورة مستمرة، فالثورة التي بدأت بدماء الشهداء وبنضال المرأة، سوف تستمر حتى ينتهي الاحتلال الفكري والإبادات الجسدية، والاحتلال الجغرافي لمناطقنا من رأس العين (سري كانيه) و تل أبيض (گري سبي) وعفرين، وحتى مناطق إدلب وباب وإعزاز لأن الإدارة الذاتية تهدف إلى بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية، وتتخذ في ذلك وحدة سوريا أرضاً وشعباً أساساً لها، وتركز على أيديولوجية تحرير المرأة للوصول إلى الحقيقة الجوهرية لمفهومي الديمقراطية والحرية.

فالتجربة التي عشناها خلال سنوات من مقاومتنا ونضالنا هي تجربة تاريخية، وأنتجت ثمارها من خلال المكتسبات التي تحققت، لذا أفسحت لنا المجال للقيام بمهامنا التاريخية والمصيرية بنفس الوقت. لا أستطيع القول بأننا في قمة الحرية والتحرر من مفاهيم التعصب الجنسوي وكذلك التعديات التي تتعرض لها المرأة بمختلف أنماطها، إلا أننا ماضون في مسار إرجاع الطبيعة الجوهرية للمرأة وإضفاء فلسفة الحياة الحرة على طبيعة المجتمع، وأن تنتقل هذه الفلسفة إلى خارج مناطق شمال وشرق سوريا.

وعلى أساس مشروع المفكر والقائد عبد الله أوجلان بطرحه لمشروع الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب، فإن العيش المشترك بين كافة الشعوب هو الحل الأنسب بدلا من الحروب والدمار والإبادات الجماعية. وبطبيعة الحال.

 فإن نضال الشعب الفلسطيني أيضاً مهم بالنسبة لنا. فإن الشعب الفلسطيني له ميراث عظيم من المقاومة والتصدي للظلم والشدة والعنف لسنوات. حارب ودافع عن حقه حتى بالحجارة. وكثيرة هي الدول القومية  التي تنظم قوات شبه عسكرية، لتديم نفسها ومصالحها. هنا؛ نهجنا الثالث مهم جداً، ليس بالنسبة لشعوب شمال وشرق سوريا فقط، وإنما بالنسبة لكافة شعوب العالم. الشعوب تطمح للحرية والمحبة والسلام والتعايش المشترك، فهذه الميزات هي مشتركة تحت مظلة مشروع الأمة الديمقراطية. كما نطمح بالعيش المشترك، بنفس الوقت نطمح إلى إيصال السلام والأمان لكافة الشعوب.

ضحينا بالكثير من الرفيقات العزيزات والعظيمات والمناضلات، لكي نصل إلى قمة الثورة التحررية. الرفيقة الشهيدة هفرين خلف، التي هي بالنسبة لنا نبراس الإرادة الحرة، والمناضلة في كافة الظروف الصعبة، والتي حاولت أن تكون ريادية حقيقية كي توصل كافة النساء إلى قمة الحرية. والشهيدتان يسرى درويش وليمان شويش خلفوا ورائهم أكبر بصمة تاريخية، وأثبتوا بأن المرأة في كافة ظروف الحرب، لها القدرة على الكفاح والعمل بجد، لأجل الوصول إلى الأهداف السامية للحياة الحرة. والأم عقيدة ورفيقاتنا شرفين سرحد وجاندا أوجلان ونورجان …الخ والكثير من المناضلات والمقاتلات القويات اللواتي ضحين بكل ما يملكن وبقين صامدات رغم كل الظروف التي مررن بهن في الثورة.

المرأة في شمال وشرق سوريا تدير الحرب الشعبية، الفكرية والسياسية والحماية الجوهرية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية. وأقولها رغم كافة التحديات الكبيرة، إننا مستمرون وسنمضي كنساء أقوياء كي نصل إلى المستوى المطلوب، لأجل الوصول إلى الرقي بمستوى المرأة كما عهدناها في بداية التاريخ، والتي تناضل الآن بفلسفة “المرأة، الحياة، الحرية”.