المرأة هي القوة المحركة لأي تحول جذري بديل
المرأة هي القوة المحركة لأي تحول جذري بديل
“ثورة المرأة،
أصبحت قوة للنساء في الشرق الأوسط والعالم”
نوجين يوسف
إن الشرق الأوسط هو مفتاح في صناعة الحضارات البشرية التي امتدت آلاف السنين ولها حضارة بشرية تاريخية غنية بالإنجازات، وكذلك الحضارة الثقافية التي أسستها المرأة – الأم. أنجزت المرأة الثورة الزراعية، ووضعت أسس الإنتاج النباتي والحيواني من دون إيذاء البيئة والتراب، بل انطلاقاً من احترامها للطبيعة، لأنها كانت رمز (الأم) وأساطير الإنسان والمجتمع والكلان والقبيلة والعشيرة، وأبدعت في بناء السكن، وملأت الثقافة الرمزية والروحية والفلسفية بالتعابير والتصورات التي أسست الفكر الثقافي وتقدمت بالبشرية نحو خطوات شاسعة، فالشرق الأوسط كان رمزاً للحكمة والفلسفة والأديان التوحيدية.
وبعد تكون النظام الدولتي بيد الرجل المستولي على إبداعات وإنجازات المرأة، تحولت المرأة من المرأة الإلهة إلى المرأة المستعبدة، بتحويل الرجل كل شيء في الحياة على أسس الملكية الخاصة، وحول المرأة إلى مُلك عام ومُلك خاص يتيح التصرف بالمرأة كما يشاء من قبل الذهنية الحاكمة والمهيمنة على المجتمع.
هذه الذهنية حرّفت تاريخ المرأة والشعوب في الشرق الأوسط، واصطنعت تاريخاً يحفّه التعتيم والتشويه المقصود والممنهج منذ خمسة آلاف سنة، أي بدأت الذكورية السلطوية تطغى وتتحكم بمسار التاريخ، وبدأ عصر الحروب والصراعات، وأصبحت الشعوب وخاصة النساء، أكبر ضحايا لهذه الحروب، ولكن الشعوب والنساء لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل خاضوا مقاومات شرسة من أجل الحفاظ على وجودهم والعيش بسلام. وبظهور الأديان التوحيدية التي نادت بالمساواة والأخلاق والتسامح بين المجتمعات، إلى جانب كل ذلك تم فرض قواعد وإجراءات قاسية على كل تصرف للمرأة في المجتمع.
الشعب الكردي وكردستان
كون كردستان والشعب الكردي جزء من جغرافية ومجتمعات الشرق الأوسط، فالأحداث التاريخية التي مر بها المجتمع الكردي والمرأة الكردية أثّرت هذه الحقائق سلباً عليها، وأُلحقت بها أضرار جسيمة، فالاحتلال والاستغلال أديا إلى خنقها، وخاصة هجوم الحداثة الرأسمالية على قيم مجتمعات الشرق الأوسط، وخاصة المجتمع الكردي والمرأة الكردية، حيث عانى من حملات الإبادة الثقافية والجسدية، ولكن طبيعة المرأة الكردية المجتمعية ذات شخصية جبلية قوية وتشبثها بالتقاليد والأعراف القبلية والعشائرية والعائلية والأرض، ولها دور أساسي إلى يومنا الحاضر.
وبظهور فلسفة المفكر والقائد عبد الله أوجلان في كردستان، والذي رأى الواقع، وحلل السلطة القمعية للمجتمع، وأدرك أن القوة الأساسية للمجتمعات للتخلص من السلطة الحاكمة والمهيمنة على رقاب الشعوب هي المرأة، مستنداً في إدراكه هذا إلى واقع وتاريخ المجتمعات في الميثيولوجيا والفلسفة والدين، وكذلك إلى نضالات المرأة ودورها عبر التاريخ، ولكن لم يذكر هذا الدور والنضال، لذا يقول القائد عبد الله أوجلان: “إن تاريخ عبودية المرأة لم يدوّن بعد، وإن تاريخ تحرر حرية المرأة ينتظر التدوين”.
الحركات النسوية
يمكننا القول أن حركات المرأة النسوية التي ظهرت في الغرب والشرق، وعلى الرغم من نضالاتها، إلا أنها لم تستطع أن تلبي مصالح المجتمعات عموماً والمرأة خصوصاً، وكذلك لم تستطع تطوير وتوسيع فكرها لدخول المرأة في كافة مجالات الحياة، لكن المفكر عبد الله أوجلان وجد أن هذه النضالات غير كافية للتخلص من ذهنية السلطة، واتخذ خطوات تاريخية واستراتيجية في مجال المفاهيم والأفكار والمنظمات المستقلة خاصة بالنساء، فوجدت المرأة وجودها ضمن الحركة التحررية الكردستانية، وانضمت بأعداد كبيرة إلى صفوف مسيرة الحرية.
حلل المفكر عبد الله أوجلان مكانة المرأة في الأسرة معتمداً على تحليل واقع المجتمع الكردي في الأسرة، وتغيير المفاهيم الكلاسيكية للثورات الكردية التي شملت النساء ولم تشمل مفاهيم حرية المرأة، واتخذ أول خطوة، والتي كانت نوعية في الشرق الأوسط، وخاصة في كردستان، حيث أسس تجيش المرأة وحزب المرأة.
لماذا تجيش المرأة وتشكيل حزب خاص بها؟ حيث أن تشكيل قوات دفاع المرأة كان بهدف التعّرف على إرادة النساء وقوتهن وذاتهن ورؤية قيادتهن، فالدفاع الجوهري للمرأة كان الأساس في تطوير التنظيم الخاص بها، وفي مواجهة كافة سياسات الحرب الخاصة التي يسيّرها النظام المستبد والذهنية الذكورية المتحكمة بالمجتمع باسم العادات والتقاليد.
الدفاع الجوهري
كيفما يكون الدفاع الجوهري حق طبيعي لكافة الكائنات الحية في الوجود، للمرأة أيضاً الحق في الدفاع عن ذاتها في مواجهة كافة أشكال الهجمات والاستغلال، التي تتعرض لها من كافة النواحي السياسية والأيديولوجية والجنسية. فالدفاع الجوهري يعني اكتساب المعرفة التاريخية والاجتماعية والسياسية وتنظيم ذاتها.
أما أيديولوجية تحرير المرأة؛ فهي الفكر الاستراتيجي المنظم، وهي إحدى الظواهر التي تزامنت مع ظهور التحول المجتمعي والحياة الاجتماعية، ومكنت من أنسنة الإنسان ورقيه وبروز شكل الحياة المجتمعية، بحيث لا يكون متحكماً بباقي الكائنات الحية، وأيديولوجية تحرر المرأة هي معيار التوازن بين الذكاءين؛ الذكاء العاطفي والذكاء التحليلي، واسترداد المرأة كل ما سلب منها في الحياة المجتمعية، لتوسيع إطار الصراع وعدم حصره فقط بالمساواة الشكلية أو بتحرير جنس المرأة، بل تشكيل ذهنية جديدة للحياة، وهي؛ أي أيديولوجية تحرير المرأة، القوة المحركة لأي تحول راديكالي، فإنها تعني إعطاء المعنى للنضال ضد شتى أشكال ومؤسسات التسلط أو التحكم القومي والطبقي والثقافي والسياسي والاقتصادي والقانوني ..الخ.
المبادئ الأساسية
من ناحية أخرى؛ فإن مبادئ أيديولوجية تحرير المرأة هي:
١ـ الروح الوطنية: فحب المرأة للوطن يعني ارتباطها بأرضها وحبها لوطنها وثقافتها وتاريخها.
٢- مبدأ الفكر الحر والإرادة الحرة: ويعني مشاركة المرأة بفكرها وإرادتها الحرة وبهويتها ونضالها وحياتها في المجتمع.
٣- مبدأ التنظيم: وهو ضروري لأجل تكريس الحياة التشاركية الحرة، إذ لا بد من تأسيس تنظيم نسائي خاص وشبه مستقل، لأنه بالتنظيم يتم إثبات هويتهن وإرادتهن، وكذلك تصبح المرأة لذاتها ولا تصبح ملكاً لأحد.
٤- مبدأ النضال: فحياة المرأة هي بحد ذاتها كفاح ونضال ومحاربة خصوصيات العبودية والمفاهيم الخاطئة وتنظيم نفسها في كافة المجالات وإثبات إرادتها.
٥- مبدأ العلاقة بين الأخلاق والجمال: فالجمال هو معايير السلوك والتصرف وفق علم الجماليات والأخلاق، وهو جوهر المرأة والعشق الحقيقي والاحترام المتبادل بين الجنسين، أي أن الجمال هو جمال الفكر والروح وليس الشكل.
على أسس هذه المبادئ، تمأسست استراتيجية تستند إلى القوة الذهنية والفكرية والسياسية والعسكرية والاقتصادية ..الخ للمرأة، بحيث أصبحت المرأة ريادية وقيادية لتكريس مصالح المجتمع وتكوين براديغما واستراتيجية للمرأة، والوقوف في وجه مخططات الحداثة الرأسمالية أيديولوجياً.
البراديغما الجديدة
بردايغما المفكر عبد الله أوجلان واضحة من أجل المرأة، وبراديغما المرأة جعلتها ترسم خطوط مستقبلها، وخير مثال على ذلك ما نشاهده في شمال وشرق سوريا من ثورة نسائية، حيث تشكلت وحدات حماية المرأة YPJ لحماية قيم ومكتسبات المجتمع والمرأة. كذلك تشكيل مجلس العدالة الاجتماعية الخاصة بالمرأة، وفتح دُور المرأة في كل مكان، وتأسيس نظام الرئاسة المشتركة، وكتابة وتطبيق قوانين المرأة، فكل هذا لم يكن تطبيقه سهلاً، بل تطلب الأمر نضالاً كبيراً مستنداً إلى استراتيجية نضالية للمرأة.
أقترح القائد عبد الله أوجلان أطروحة “التعايش الحر، الجنولوجيا”. فالجنولوجيا؛ هي علم المرأة وعلم الحياة الاجتماعية والحياة التشاركية الحرة، لأن التغيير الجذري الذي طرأ على نوعية وأسلوب التفكير لدى الإنسان خلال الحقبة الزمنية الطويلة للذهنية الذكورية، قد أثّر بشكل كبير على افتقار وعجز العلم الحالي في المعالجة السليمة للقضايا. يمكننا القول؛ أنه من أكثر القضايا التي تعرضت للتحليل الخاطئ وغير الموضوعي هي قضية المرأة، حيث كان احتكار العلم من قبل الفكر الذكوري السبب الرئيسي في عدم إعطاء المعنى العلمي السليم لما تعاني منه المرأة، لذلك كان لابد من وجود علم يعمل على إظهار ودراسة علاقة المرأة – المجتمع، المرأة -الرجل، وذلك لأجل إعادة صياغة وتصحيح علاقة الإنسان بمحيطه.
الجنولوجيا
تعمل (الجنولوجيا) على إعادة إحياء ثقافة المرأة ودورها الأساسي في المجتمع، وعلى كيفية تحقيق المساواة بين الجنسين، كما تبحث عن الأجوبة الأساسية المتعلقة بكافة الظواهر الاجتماعية التي طرأت على المرأة.
القرن الواحد والعشرون هو قرن حرية المرأة وبقيادة المرأة على أسس علمية، بريادة المرأة الكردية وتجاربها المخاضة منذ عشرات السنوات، تم تبادل تجاربهن مع تجارب النساء في العالم عموماً وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأنه في القرن الواحد والعشرين تزايد العنف على المرأة بشكل كبير في كردستان والشرق الأوسط، وهذا العنف المستمد من النظام القائم يمارس على المرأة بكافة أشكاله وأساليبه.
مثال: المرأة الأفغانية: محرومة من حق الوجود في الحياة بهوية المرأة، وكذلك ممارسات التنظيم الإرهابي (داعش) باستخدام المرأة سلعة في بيعها وشرائها، مثلما حصل في شنگال من إبادات جماعية وبيع النساء والأطفال في سوق النخاسة، وكذلك ما نشاهده من اغتصاب للمرأة والأطفال، وزواج القاصرات، وعدم فصل الدين عن الدولة، وهذا مستمر بوتيرة عالية في كل منطقة وبأشكال مختلفة.
انتفاضة جينا أميني كانت ثورة نسائية أمام كل الأنظمة السلطوية على رقاب المرأة، لذا يتطلب عاجلاً أم آجلاً تشكيل تنظيم نسائي شامل في كردستان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لأننا نخوض حرباً تجاه سياسات الإنكار والإبادة من قبل الأنظمة الاستبدادية التي تحكم بقية البلدان الإقليمية، وتحارب شعوبها على اختلاف الإثنيات والقوميات المتعددة من: الكرد والعرب والأرمن والآشوريين والتركمان والسريان والأمازيغ …الخ. وهذا التنظيم النسائي يكون على شكل كونفدرالية نسائية ديمقراطية تنظم نفسها حسب فلسفة خاصة بها.
التدريبات أساس التغيير
وعلى هذا الأساس أقيمت العديد من التدريبات على فكر تحرير المرأة في كردستان، وهذه التدريبات الفكرية والعسكرية أعطت ثقة كبيرة للمرأة لقدرتها على ريادة هذا القرن، ونشر ذهنية المرأة الحرة والوصول بالمجتمعات إلى الأمن والسلام. هذا ولم يبقى فقط في كردستان، فالمرأة الشرق الأوسطية وفي شمال أفريقيا، والتي لديها مسيرة نضالية طويلة مع الأنظمة السلطوية من دون إحراز نصر كبير للمرأة والمجتمعات في تغيير الأفكار المصطنعة والتقاليد البالية، تأثرت بنضال المرأة الكردية، التي أصبحت ريادية وحولت ثورة كردستان إلى ثورة نسائية عالمية، وأعطت الأمل والإلهام لجميع النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالقيام بنضالات متنوعة وخلق ثورة نسائية وإحياء ميراث الأم – الإلهة من الناحية الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية …الخ
تنظيم الندوات والورشات التنظيمية
من خلال تنظيم العديد من الندوات وورشات العمل والمؤتمرات لتقريب وجهات النظر لفكر النساء من بعضهن البعض. كذلك للتعرف بعمق على نضال المرأة في التاريخ وإظهار تاريخ المرأة المخفي وإنجازاتها، ووضع استراتيجية النضال المشتركة للمرأة في المنطقة.
ورداً على التحديات والمخاطر انعقد المؤتمر الإقليمي النسائي الثاني في الشرق الأوسط، بتاريخ 30– 31/7/2023 من أجل توحيد الطاقات النسائية وجهودهن ونضالهن في العمل على أسس تجاربهن المخاضة، من كافة القوميات حيث تشكل التحالف النسائي الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( ندى) حيث يتبنى رؤية نسائية استراتيجية شاملة أساسها المرجعية الكونية لحقوق الإنسان.
ويعتمد على تكريس التنظيم النسائي أساساً لبناء مجتمع قائم على ذهنية الحرية والديمقراطية والمساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية والكرامة، ضد كافة أشكال التمييز العنصري والتعصب القومي أو الديني أو المذهبي، وضد احتكار المعرفة واستغلال الكدح النسائي، وكذلك تشكيل مبادرة من النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (نون)، من أجل حرية القائد عبد الله أوجلان وجميع المعتقلين، ومن أجل التشبيك والتنسيق بغرض التصعيد لنضال نسائي مشترك، تشكيل لجان حقوقية وإطلاق حملات إقليمية استراتيجية بإطلاق سراح المفكر الكردي الأممي، باني الفكر الحر، وصديق حرية المرأة القائد عبد الله أوجلان، من النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء من أجل الأمن والسلام، ومسيرة المرأة العالمية.
نضال وريادة المرأة الكردية أصبح مثالاً يحتذى به وخاصة نضالها من ناحية الحماية الجوهرية، كما شاهدناه في المؤتمر الذي انعقد في كوباني على أسس الدفاع الجوهري، حيث حضرت ممثلات عن النساء المدافعات عن الأوطان من ناحية الدفاع الجوهري، وكانت خطوة كبيرة للنضال المشترك بين النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كـ نتيجة؛ أيديولوجية تحرير المرأة، أصبحت قوة للنساء في الشرق الأوسط والعالم، حيث استطاعت المرأة بفلسفة Jin, Jiyan, Azadî (المرأة، الحياة، الحرية) تقديم فلسفة الحياة، لتبنيها في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية …الخ وأبدت دوراً كبيراً في رجوع المرأة إلى ذاتها الحرة وأعطت الأمل لجميع النساء في العالم للتخلص من الأنظمة القمعية المستبدة.