الأمة الديمقراطية والأبعاد العملية لمفهوم الحماية الاجتماعية

الأمة الديمقراطية والأبعاد العملية لمفهوم الحماية الاجتماعية

“حرب الدفاع المشروع في سبيل التكامل الديمقراطي الشامل،

 ضرورة من ضرورات العصر الراهن”

لنا حسين

 

مع التطورات والتغيرات التاريخية التي حصلت في المجتمعات على كافة الأصعدة والمجالات، لعبت المرأة دوراً مميزاً وفعالاً في عملية تطور وتقدم المجتمعات. فعلى الرغم من الضغوطات التي مورست بحقها، سواءً أكانت من داخل المجتمع أو من خارجه، إلا أنها لم تكن يوماً ما غافلة عن ممارسة أعمالها وفي تواصلها مع الآخرين، حيث كانت حاضرة دائماً في ممارسة أي نوع من أنواع النشاطات، سواءً أكانت متعلقة بقضايا سياسية وعسكرية، أو حتى قضايا متعلقة في مجال السلك الدبلوماسي، حيث كانت تعتبر وسيلة السلام، ورمز المحبة والمساواة  في العالم، لأنها تتمتع بقدرة عالية من الحنكة السياسية وثقة بالنفس في مواجهة العوائق التي تتعرض لها،  فمن غير الممكن وجود الدبلوماسية الديمقراطية بدون المرأة، أي أن حرية المرأة، ومساواتها، لا تحدد حرية المجتمعِ ومساواته فحسب بل على العكس تماماً، إنها تقتضي ترتيبَ إجراءاتِ النظريةِ والممارسةِ العمليةِ اللازمة.

هذا الجانب الذي ركز عليه القائد عبد الله أوجلان بقوله: “المرأة الحرة تعني الحياة الحرة والمجتمع الحر”، وقد لعبت المرأة الكردية دور الريادة في تحقيق الأهداف والتطلعات المستقبلية، ولم يبق الأمر محصوراً بها فقط حيث عملها وكفاحها ونضالها المستمر وقيادتها للمرحلة بداية، أسهم في جذب ومشاركة المرأة من المكونات الأخرى أيضاً، وعقد العلاقات والتحالفات مع كافة المؤسسات والتنظيمات النسائية، بهدف خلق إرادة المرأة الحرة، ولأنها تعتمد على نهج الأمة الديمقراطية التي تتخذ من مبدأ الشعب والمرأة الحرة أساساً لها ضمن النضال الثوري.

 لم تغب المرأة عن ساحة الثورة، لا على الصعيد المحلي، ولا على الصعيد الدولي، بل كانت حاضرة وبقوة في كافة المجالات؛ لأنها أثبتت نفسها من خلال مشاركتها وزياراتها في كافة المؤتمرات والاجتماعات التي تقام في الداخل أو الخارج. ورسخت العمل المشترك على أساس تحقيق النهضة والتنوير الشرق الأوسطي. وسعت لتكثيف العمل والنضال لأجل إطلاق سراح المعتقلات السياسيات في جميع السجون وفك أسر المختطفات والأسيرات. وتوجيه نداء إلى كافة النساء السوريات بتصعيد النضال في محاربة داعش بشتى الوسائل، ومنها الانضمام إلى وحدات حماية المرأة YPJ. وتكثيف العمل لأجل بناء سورية تعددية ديمقراطية لا مركزية بريادة المرأة. حيث ستكون أيديولوجيا  ونهج الأمة الديمقراطية مبدأ الخلاص من العقبات التي تقف في وجه المرأة من قِبل السلطة الذكورية القمعية.

براديغما الأمة الديمقراطية

وتسعى كافة النساء في إقليم شمال وشرق سوريا إلى ترسيخ مبدأ براديغما الأمة الديمقراطية، وبذل كافة طاقاتها من أجل إحياء روح السلم الاجتماعي؛ للوصول إلى بناء مجتمع حر ديمقراطي، ومتساوٍ بين جميع المكونات والطوائف، عبر فتح العلاقات مع كافة النساء والمنظمات النسائية في العالم، من أجل خلق إرادة حرة، والعمل على تنظيم كوادر نسائية طليعية على أساس العيش والتعاون المشترك، ويعود ذلك  لأهمية عقد العلاقات الدبلوماسية لتحسين وتطور المجتمعات، وإرساء علاقات السلم فيما بين الدول؛ تجنباً لاستخدام القوة.

 حيث يعبر نهج لأمة الديمقراطية عن وظيفة أخلاقية وسياسية نبيلة وثمينة، وتؤدي دوراً مهماً في تطوير وتأمين سير إنشاء المجتمعات المشتركة والتركيبات الجديدة لمجتمعات أرقى. كما أنه بوسع نهج الأمة الديمقراطية أن يؤدي دوراً ثابتاً ووطيداً في صياغة الحلول على أرضية العصرانية الديمقراطية فيما بين شعوب الشرق الأوسط وأممه، التي زجتها دبلوماسية الدولة القومية في فوضى عارمة، وأقحمتها في اشتباكات طاحنة.

ولا يمكن إنكار الجهود الحثيثة التي بذلتها التنظيمات النسوية الكردية والشاملة للمنطقة، وبما في ذلك دبلوماسية المرأة في وحدات حماية المرأة، التي باتت رمزاً للكفاح النسوي والدبلوماسية الديمقراطية، التي نشرتها في جميع أنحاء العالم من خلال تبنيها فكراً أممياً نسوياً، بناءاً على الفكر المستند لفكر القائد والمفكر عبدالله أوجلان في تبني قضايا المرأة على صعيد الأممي، دون تمييز أو تفرقة وسيراً على نهج الأمة الديمقراطية لتعزيز الكيان المجتمعي وحريته.

حراك الثورة وانعكاساتها المرحلية

تحولت الثورة إلى منعطف إيجابي للسلم الأهلي، وسط التنوع المجتمعي للمنطقة التي اجتهد أهلها في تنظيم ذاتهم، عبر إنشاء المجالس والكومينات والاجتماعات الهادفة والمستمرة، بغرض توعية الشعب في إطار تطور حراك الثورة وانعكاساتها المرحلية، وكذلك تهيئة الأهالي في التصدي لأي اعتداء بقوتهم الذاتية ببناء مجموعات تقوم بمهام حراسة الأحياء، وتتشكل من أهالي الأحياء نفسهم وقد آلت فيما بعد إلى وحدات منظمة.

  مجتمع روجآفا مجتمع متنوع يحتوي على العديد من المكونات منها: كرد، أرمن، عرب، سريان، آشور وغيرهم، وهذا ما ولَد معه غنى ثقافي وتمازج في العادات والتقاليد، مع الحفاظ على ثقافة ولغة الأم والسلم الأهلي بالتناغم الديني والقومي، والذي تحول إلى حافز استراتيجي وداعم أساسي في توحيد الرأي والتوجه السلمي في نسق موحد عند اندلاع الثورة لأجل مطالبه الديمقراطية وحقوقه الطبيعية، وعند تقييمنا للمنطقة، نرى بأنه يقطن فيها الأكراد من كلا طرفي الحدود وتربطهم صلة القرابة عائلياً وعشائرياً، ولكن رغم رسم الحدود السياسية من قبل هذه الدول، فإنها لم تستطع تفكيك النسيج الكردياتي وطموحاتهم لتحقيق الوطن الموحد والمبدأ الوطني، لذا تبرز وحدة الكرد ودعمهم المباشر لكل ثورة أو عصيان أو تمرد بغية الكردياتية، من دون أن يكون للتجزئة أي تأثير على مر تاريخ الكفاح الكردي.

روجآفا كانت الجبهة الخلفية والمساندة لكل ما سبق ذكره، من نضالات من الناحيتين المادية والمعنوية، من المعروف أنَ المرأة الكردية كانت الدعامة المتينة لهذه الحركات الوطنية، بأخذ مكانها في الصفوف الأمامية ودعمها في الجبهات الخلفية، وهذا على امتداد الأجزاء الأربعة، فالعديد من نساء روجآفا انضممن إلى هذه الثورات للقيام بواجباتهن الوطنية بدون ترددٍ أو خوف، وهناك العشرات ممن استشهدن وتحولن  إلى رموز وطنية ومثال للمرأة الحرة، لأجل ضمان  حقوقهنّ في دستور ديمقراطي وعادل، ولم تكن المرة الأولى بل كانت تعتمد على زخمٍ من النضال، في مجالات متفرقة بهدف تحصيل حقوقها الوطنية، وتقييم وتحليل تجارب وخبرات الحركات النسوية الأخرى في انطلاقة لحركة نسوية شاملة، بكل أبعادها السياسية، الثقافية، الوطنية وحرية الجنسين والدفاع المشروع، وهذا بتشكيل مجموعات ووحدات نسائية كحصانة للدفاع وحماية مكتسباتها.

مرحلة التدوُّل

يجب الأخذ بعين الاعتبار عدة مواضيع أساسية بشكل موسع وجذري لأهميتها في ترسيخ بنيان التشكيل الدفاعي النسائي، في رسم استراتيجيتها ونهج العمل والأهداف المرحلية والمستقبلية، التي تتضمن الأبعاد الوطنية والمجتمعية وحماية المرأة ورفع مستوى الجهوزية في الريادة، واستنباط الدروس من تاريخ مقاومات الشعوب والنساء والشعب الكردي، والمرأة الكردية بشكل خاص، وذلك بالمقارنة بين ثقافة الشعوب في العيش السلمي وآلية التقاسم الكومينالي للموارد وبين ثقافة الغزو والاحتلال والاستيلاء والنهب للقوى الدولتية، والتي تمتد إلى يومنا هذا، فبينما كانت الصراعات في المراحل السابقة تنشب بغرض الدفاع عن الذات أو الحظي بالمياه الجارية واكتساب الأراضي الخصيبة؛ غدت في مرحلة التدوُّل تهدف إلى الاستعباد والنهب قبل كل شيء، بحيث يكون القتل المخطط والعمد للإنسان، أو أَسْره، البؤرة النواة فيها.

لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الأنظمة الدفاعية وقصص البطولات، ليست سوى براهين على كفاح الشعوب وعدم استسلامها لتلك الصراعات والحروب وأسيادها، والكرد منهم. فقد سعى جميع أسلافهم إلى حماية أنفسهم على ذرى جبال كردستان القلاعية، لتتحول إلى ثقافة يتوارثونها لآلاف السنين، تجاه قوى الاحتلال الدولتي. وهذا يدل على عدم القدرة على إفناء تحديات ومقاومات الشعوب أو تغريبها عن ترابها. وبما أن الحروب الدائمة تجلب الدمار الكبير للطرفين معاً، فالطريق الوسط يتمثل في رجحان كفة العيش المشترك، وتكثيف سبل النضال الديمقراطي والسياسي في تحجيم سلطة الدولة والعمل على بناء نظام تعددي لا مركزي، لذا تم الإقرار حيال المرحلة المقبلة، اعتماد هذا المبدأ في كافة مناطق إقليم شمال وشرق سوريا وسوريا كافة.

أما بالنسبة لمبادئ الشعوب الديمقراطية، فإنها تُصنّف الحرب على نحو مغاير(الحروب تولد الاستعمارية).

فيمكن تناول الحقوق المشروعة للشعب الكردي وكافة الشعوب القاطنة في سوريا، أنه يرتكز على الوفاق الديمقراطي، ويستند على سبل وركائز ديمقراطية غير هادفة إلى بناء دولة أو كيان انفصالي قوموي، بل إلى التفعيل التام للديمقراطية شكلاً ومضموناً، كما تم رسم خارطة لأدوارها الرئيسية، ووجوب الإصرار على مبدأ الانحياز للتكامل الديمقراطي كخيار للشعوب.

 مهما فرض أصحابُ النعرات القوموية المفرطة الانفصال والعنف، وهذا لا يعني التجرد من كافة الحقوق في حماية كينونته، لكن لا يمكن غض النظر عن حقيقة العوامل البنيوية، فبقدر ما يكون اللجوء إلى الانتفاضات والحروب قبل نضوج ظروفها وزمانها المناسبين أمراً خطيراً؛ فعدم اللجوء إلى نهج للحماية والدفاع مُحِطّ من القدر ومميت بنفس النسبة من الخطورة، لدى انعدام كافة الخيارات الأخرى.

التكامل الديمقراطي

لذا فإنّ أهمية المسألة العملياتية بالنسبة للديمقراطيات، تتعلق بكيفية التصرف في حالة الدفاع المشروع، حيث يجد الدفاع المشروع معناه في ظروف انتهاك الحقوق الطبيعية لأي فرد أو شعب أو وطن، فحرب الدفاع في سبيل التكامل الديمقراطي الشامل، ضرورة من ضرورات العصر الراهن، فبالإمكان تطوير كافة السبل المشروعة  كالثورات والانتفاضات في المدن والقرى على السواء، إما بشكل منفرد أو متزامن، وقد جُرِّبَت كافة الأشكال في العديد من البلدان الآسيوية والإفريقية والأمريكية وعوضاً عن الهدف إلى الدولة.

 سيكون من الأنسب الهدف إلى خلق كيان ديمقراطي في واقع الحل الراهن، الأصح هو أن تكافح الشعوب بالتحالف مع بعضها البعض، في سبيل تحقيق التكامل الديمقراطي تجاه كل معتد على حقوقه الطبيعية، من الضروري في هذه الحالة تطبيق الأشكال العملية السلمية الأخرى لآخر درجة، يجب أن يكون الأساس هنا؛ هو تنظيم وتسيير الدفاع المشروع بغرض مؤازرة دمقرطة الشعب، وتطويرها وصونها.