المرأة المتحررة ومفهوم الجنولوجيا

                                                                    المرأة المتحررة ومفهوم الجنولوجيا

“الجنولوجيا تخلق تلك المرأة التي

تبدأ بكتابة حريتها من خلال الأمة الديمقراطية

والعيش بحياة ندِّية تشاركية”

صديقة خلو

لن يسعنا الحظي بالحياة المعجزوية البهية، التي هدمتها الحداثة الرأسمالية ولا مشاطرتها، إلا بحياة الشراكة النِديّة الحرة وبشخصيتها الاشتراكية وكفاحها الاجتماعي من خلال فكر الأمة الديمقراطية، فانطلاقاً من ذلك ينبغي اعتماد تربية الأطفال وبالأخص البنات، وتنشئتهم على ذهنية الحرية منذ الصغر، داخل مؤسسات العصرانية الديمقراطية، وسوقهم بالكفاح الاجتماعي الاشتراكي الديمقراطي إلى الحياة العملية نمطاً لحياتنا.

 بالتالي علينا اكتسابه وإنجاحه، فالحل لكل ما نعيشه اليوم من أزمات وضيق موجود في البحث عن وطن قائم على المساواة والحياة النِدّية التشاركية بين المرأة والرجل، فإن استطعنا الوصول إلى ذلك سوف يتحول هذا الوطن إلى جنة، ولا يمكن هذا إلا من خلال تخلص المرأة من قيود الذهنية الذكورية السلطوية المهيمنة عليها منذ آلاف السنين، وأن يتحرر الرجل من هذه الذهنية، التي كانت سبب الحروب والدمار والخراب على مر عهود طويلة، فإن تم هذا سننتقل لحياة خالية من الأزمات والضيق لنعيش تحت شمس الحرية.

حياة الشراكة

دون استيعاب العلاقة بين المرأة والرجل لا يمكن حل أي مشكلة اجتماعية بالدرجة الكافية، إذ تتخفى وراء القضايا الاجتماعية إشكالية العلاقات بين الجنسين، كما يجب تعريف المرأة بالشكل الصحيح، وشرح دورها الاجتماعي من أجل الوصول إلى الحياة الندِّية المشتركة الحقيقية التي تعني حياة الشراكة، والمساواة بين المرأة والرجل، حيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولا يكون في هذه الحياة غالبٌ أو مغلوب، ولا ساحقٌ أو مسحوق، فيكون الابتعاد فيها كاملاً عن المؤسسات التي تقوم على عبودية المرأة، حيث تتعرض فيها المرأة إلى أشد أنواع العبودية، التي استمرت لتاريخ طويل، فكانت ضمن مؤسسات تحت اسم الزواج والأسرة.

إن إدراك أشكال العبودية، التي شربت منها حياة المرأة على مدى آلاف السنين من يد الرجل وعقليته الاستبدادية، هو أمر كان يتوجب اعتباره أول خطوة على درب سيسيولوجيا الحقائق، ذلك لأن معالم العبودية  والاستغلال اجتماعيتين، والعكس صحيح، أي أن كفاح الحرية والمساواة إزاء العبودية، والاستغلال في الميادين الاجتماعية كلها، من هنا؛ فالعجز عن الفهم الكافي لمؤسسات وذهنيات العبودية والاستغلال، والتي لطّخت حياة المرأة ورسمت ملامحها بها، وعدم اتخاذ الكفاح ضدها، يعد العامل الأولي وراء عدم التمكن من تطوير النضال بخطى سديدة على درب الحرية والمساواة، ووراء العجز عن الانتهاء بذلك النضال إلى نصر مؤزر طيلة تاريخ المدنية عموماً، والحداثة الرأسمالية خصوصاً، وإن لم تكن الأرضية قويمة وسليمة البناء بشكل كامل سينهار مع أي اهتزاز بسيط، والواقع المعاش عبر التاريخ فيه الكثير من الدلائل على ذلك.

تداعيات الهرمية

 فالمرأة، هي التي تتصدر نظام العلاقات والتناقضات المتشكل حولها، فقائمة الظواهر الواجب معالجتها بشكل منفرد إلى جانب تكوين مضمون الديمقراطية يجب التوقف عليها، لذا بإمكاننا لدى تناول ظاهرة المرأة أن نرى بوضوح أكبر مدى تأخر ونقصان معالجة العلوم الاجتماعية لها، وبما يضاهي ما هي عليه مسألة توازنات السلوكيات البدائية  والديمقراطية، حيث ثمة إجماع عام في المواقف العلمية، والأخلاقية، والسياسية كافة، يفترض مسبقاً بأن ما تعانيه المرأة هو من دواعي طبيعتها، والمؤسف أكثر أن المرأة أيضاً اعتادت على قبول هذه البراديغما طبيعياً، فطبيعة وقدسية القوالب الثابتة المفروضة على الشعوب منذ آلاف السنين، باتت محفورة في خلايا ذهنية المرأة، وتصرفاتها بأضعاف مضاعفة، وبقدر ما تم تأنيث الشعوب، اتسمت المرأة أيضاً بالشعبوية، وعندما قال هتلر “الشعوب كالنساء”، إنما قصد هذه الحقيقة، لدى تناولنا ظاهرة المرأة بعمق أكبر، سندرك أنها عملت كنسب وأمة وطبقة، لتتجاوز كونها جنساً بيولوجياً، إنها النَّسَب، والطبقة، والأُمَّة الأكثر انسحاقاً، من المهم الإدراك أنه ما من نَسَب، أو طبقة، أو أُمَّة، أُلحِقت بعبودية منتظمة بقدر الأنوثة.

ويرتبط ببقاء عبودية المرأة في غياهب الظلام الغائرة بالسلطة الهرمية، والدولتية المتصاعدة في المجتمع، حيث أُسِّسَت الهرميات (الإدارات المقدسة صاحبة الامتيازات)، وفُتِحَت درب العبودية أمام شرائح المجتمع الأخرى، مع تعويد المرأة على العبودية، حيث يأتي استعباد الرجل بعد استعباد المرأة، وثمة جوانب لعبودية الجنس، تختلف عن عبودية الطبقة، والأُمَّة، فبالإضافة إلى وسائل القمع الدقيقة والمُرَكَّزة لإضفاء المشروعية عليها، يتم ترسيخها عبر الأكاذيب والتلفيقات المشحونة بالعواطف، وتُستثمَر الفوارق البيولوجية، وكأنها ذرائع للعبودية، وكل ما تقوم به المرأة يؤخذ بعين الاستخفاف، وكأنه “عمل أنثوي” لا قيمة له.

الحرية وهوية المرأة

ويُطرَح تواجدها في ميادين المجتمع العامة على أنه محظور دينياً ومُعيب أخلاقياً، هكذا تُبعَد تدريجياً عن النشاطات الاجتماعية المهمة كافة، ومع انفراد الرجل بالنشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كقوة مهيمنة، يتأسّس ضعف المرأة وهزلها، ويتم تشاطر مفهوم “الجنس الضعيف” كعقيدة راسخة.

لا أهمية لمراحل الأزمات الخاصة فيما يتعلق بالمرأة، فهي بالأصل تعيش أزمات مستمرة، فالمرأة تعني الهوية المتأزمة، والمسألة الوحيدة الباعثة على الأمل في خضم فوضى النظام الرأسمالي المعاشة اليوم هي: كون ظاهرة المرأة قد سُلِّط عليها الضوء، ولو بمحدودية، فالفامينية ساهمت بشكل بارز في إظهار حقيقة الأنوثة في الربع الأخير من القرن الأخير، وإن لم يكن بشكل مكتمل، وبما أن فرصة التغيير لكل ظاهرة تتزايد مع تصاعد التنوير العالي لها في الفوضى، فقد تنمُّ الخطوات، التي ستُخطى لصالح الحرية عن انطلاقات وثابة نوعية، وقد تَنْفُذُ حرية المرأة من الأزمة الحالية بمكاسب عظمى.

فلم يُدوَّن بعد تاريخ عبودية الأنوثة، أما تاريخ الحرية، فلا يزال ينتظر التدوين، ونساء إقليم شمال وشرق سوريا يبدأن بكتابة حرية المرأة من خلال الأمة الديمقراطية والعيش بحياة ندِّية تشاركية فالأمة الديمقراطية هي عنوان لبناء حياة مشتركة لجميع الشعوب والثقافات والمعتقدات، ويرتكز على التعايش المشترك بين الطبيعة والإنسان على اختلاف الانتماء، ومن المؤكد إن المرأة كانت السباقة في تفعيل وتطبيق هذا النظام لترسيخ الحياة الندِّية التشاركية وتخليص نفسها والمجتمع من نير العبودية الذي عاشها لآلاف السنين.