بيريفان بنفش اگال الفتاة الأيزيدية التي سطّرت تاريخ المرأة بعزيمة وإرادة قوية

 

بيريفان بنفش اگال

الفتاة الأيزيدية التي سطّرت تاريخ المرأة بعزيمة وإرادة قوية

“علمتني الرفيقة بيريفان

أن أتعهد بدماء الشهداء وللقائد عبد الله أوجلان

وكل الرفاق والرفيقات الذين يقاومون حتى الآن،

بأن أستمر في هذه المسيرة وأقاوم مهما كانت الظروف”

 

شها أمين الهساري أم شهيد دليل

إعداد: لافا مزهر إسماعيل (الجزء الأول)

 

بداية معرفتي للرفيقة بيريفان؛ كنتُ جالسة مع إحدى جاراتي في حارتنا المتواضعة، وأثناء تبادلنا للأحاديث اليومية، لمحت جارتي شاب وفتاة في مقتبل العمر قد أتيا إلى منزلي ويطرقون الباب. كانا جميلين، وذو قامة رفيعة وطويلة، تفاجأت بهما عندما رأيتهما أمام باب منزلي ومن ثم فتح أحد من أولادي الباب لهما.

انتابني الفضول لمعرفة من هما! أسرعتُ بأخذ الإذن من جارتي للمغادرة، وتوجهتُ نحو المنزل بسرعة. عند وصولي إلى المنزل بدأتُ بالترحيب بهما، كان الوقت عند غروب الشمس، سألتهما إن كانا يريدان الجلوس في الخارج أو في الداخل، فهمت من ملامح وجوههم بأنهما يريدان الجلوس في الحوش.

فرشت لهما حسيرة على الأرض وأحضرتُ لهما المخدات، وجلسا جلسة عسكرية، وبدأت الأسئلة تلوى الأسئلة تراود أفكاري ومخيلتي، من هما! ولماذا أتيا إلى بيتي؟!

الرفيقة بيريفان كانت ترتدي بنطالاً وقميصاً باللون العسكري، وكانت مفرودة الشعر. وبدأنا بالحوار وسألتني:

  • هل أنتِ أم دليل؟

أجبتها بابتسامة حارة (صوتها كان ناعماً جداً):

  • نعم … أنا أم دليل

بدأت هي أيضاً تتأمل ردود أفعالي ومع ابتسامتها الرقيقة سألتني:

  • هل تعرفيننا؟

أنا أيضاً ابتسمت وقلتُ:

  • في الحقيقة لا أعرفكم ولكن واضح أنكم ضيوف وآتون من بعيد.

رأتيها مرتاحة وسلسة وكأن الكلمات بدأت تتدفق من حلقها كزخات المطر الدافئ:

  • طيب… سوف أعرفكِ بنفسي، بأنفسنا، وسوف نقضي الليلة في ضيافتكم، أتمنى أن نكون على القلب خفيفي الظل.

حقيقة بعد هذه الجمل الرنانة بدأتُ أحبها لأنها كانت محترمة جداً ومتواضعة وخفيفة الدم.  رحبتُ بهما وقلت لهم أهلاً وسهلاً أنتم على العين والرأس.

عرفت الرفيقة بيريفان عن نفسها، قالت لي بأن الرفيق الذي بصحبتها اسمه أحمد أكتاش، تناقشنا معاً. في البداية لم أفهم كثيراً ماذا كانا يتحاوران، وبدى لي أن كلامهما غريب، لأن بطبيعة الأمر أنا كنتُ أعيش في القرية ولم أكن على معرفة بطريقة الكلام الذي يتحدثان به، ولم يسبق لي أن سمعتُ أحداً يتحدث بهذه اللهجة، راودني الفضول عن معرفة ماذا يقولان. وأثناء الحوار الطويل لم تتغير طريقة جلوسهما، مما جعلني أبقى جالسة كما هم جلسوا، احتراماً لهما. تحدثا كثيراً ومن ثم سكتت الرفيقة بيريفان وبدأ الرفيق أحمد بالحديث، سألتُ في نفسي ماذا يريدان! لأنني لم أفهم شيء مما قالوه!

كان موضوع حديثهما سياسياً وتاريخياً ومن نبرة صوتهما وطريقة تكلمهما تبين بأن الحديث كان جدياً للغاية. ولكن كان ذلك صعباً عليّ فهمه. حاولت كثيراً أن أتفهم ماذا يقولان كي أستطيع الرد عليهما!

غابت الشمس كلياً وحل الظلام، طلبت الإذن منهما بتحضير العشاء، وذهبت لجلب أرنب كي أقوم بطهيه.

سألني الرفيق أحمد باستغراب:

  • هل تربون الأرانب في منزلكم؟!

أجبت بنعم … نعم

أسرعت في طهي الأرنب مع البرغل لهما، لأنني احسستُ بأنهما جائعين، استوى الأكل ووضعته على الأرض من أجل أن يتناولوه، طلبوا مني الجلوس وتناولت العشاء معهما. وكان للرفيقة بيريفان هيبة كبيرة جعلتني أتردد بالجلوس وتناول الأكل معها. زارني من قبل الكثير من الرفاق ولكن كانت للرفيقة بيريفان الحضور المختلف.

وبعد الانتهاء من تناول العشاء، قامت الرفيقة بيريفان لمساعدتي بغسل الأطباق، سحبنا الحديث في أثناء ترتيب المطبخ وتناقشنا كثيراً، وبعدها عدنا للجلوس مع الرفيق أحمد، وقاموا بالتكلم في موضوعهما، تناقشنا في مواضيع قيّمة وشيّقة مما جعلنا لا ندرك الوقت حتى أصبحت الساعة واحدة من منتصف الليل. وفي ختام حديثنا أخبرتني بأننا غداً سوف نقوم بزيارات للعوائل القريبة من بيتنا.

 وسألتها باستغراب وكيف ذلك!؟

أجابت: سنذهب لزيارة صديقاتك وأهلك ومعارفك والناس الذين تعرفينهم.

قلتُ لها: يا رفيقة بيريفان إنني لا أستطيع الخروج من المنزل دون سبب. لأنه لنا عادات وتقاليد في مجتمعنا. النساء في البيوت لا يستطيعون الخروج إلى بيوت العالم بدون سبب!

ابتسمت بخفة وردت علي:

  • نعم … سوف نذهب لجمع المساعدات المادية أي التبرعات.

نظرتُ إليها باندهاش وقلت؛ ولكنني لم أفهم ماذا تقصدين!؟ وقلت لها وماذا ستفعلون بالمال؟

ومرة أخرى ابتسمت وقالت:

  • نحن أسسنا حزب جديد لأجل تحرير كردستان والمرأة الكردية. طبعاً حزبنا يحتاج إلى المساعدة المادية من أجل توفير المستلزمات الضرورية للرفاق في جبال كردستان من الثياب والكتب والجرائد وأن نساعد في رفع صوت كردستان نحو السماء ونطالب بحريتنا.

وأكدتُ مرة أخرى على رأيي:

  • ولكن يا رفيقة هذا عار في مجتمعنا، عادات وتقاليد منطقتنا لا تسمح بذلك!

أجابت: ستأتين كيف ما كان…

أصبحت حائرة في أمري، وقلت في نفسي ماذا عساي أن أفعل! لقد أتو إلى بيتي وفوقها سوف أخرج معها لزيارة العوائل؟ لا حوله ولا قوة.. (تضحك).

وفي تلك الليلة لم أستطع النوم من الخوف، وكيف سأذهب لزيارة العوائل والجارات لأجل (المال)! وبعدها رأينا أبو دليل قادماً إلى المنزل، وتناقشت معه عن الأمر الذي حدث معي اليوم، أصبحت الساعة متأخرة من الليل.

قالت له الرفيقة بيريفان: غداً سوف نذهب أنا وأم دليل إلى زيارة جاراتها وأهلها (وهي تبتسم)

رد عليها أبو دليل وقال لها: ولكن يا رفيقة هذا الشيء عار في مجتمعنا وقوانيننا.

المهم في الصباح ذهب أبو دليل إلى عمله، وأنا بقيت مع الرفاق، أستأذن الرفيق أحمد للذهاب وأخبرنا بأنه أصبح لديه أمر طارئ ويجب عليه المغادرة.

 اقترحت عليّ الرفيقة بيريفان أن نفطر ومن ثم نقوم بالذهاب الى الزيارات.

 قلتُ في نفسي سنبدأ من بيت أهلي كي أعرف ردة فعلهم فإذ طردونا فإنني لن أخرج مع هفال بيريفان مرة أخرى وإذا كان استقبالهم لنا جيدا فسأكون سعيدة جداً.

المنزل الأول كان بيت أختي التي تقدرني وتحبني كثيراً. رحبت بنا وسألتني من هي ضيفتكِ؟

قلت لها: إنها رفيقة أتت من باكوري كردستان (شمال كردستان)، ونحن الآن أتينا لزيارة النساء والصديقات والأهالي. وبنفس الوقت لجمع التبرعات المادية.

 بدأت أختي وهي تتأمل هفال بيريفان وقالت:

  • كم هي فتاة جميلة. ورحبت بنا أجمل ترحيب وقالت على العين والرأس. وأعطتنا مئة ليرة سورية.

بعد هذا الاستقبال من أختي الكبرى أحسست بأنني مثل هفال بيريفان قوية وثورية.

 وبعدها ذهبنا إلى بيت أختي الأخرى وكان ردها أيضاً مفاجئ، وهي أيضاً أعطتنا المال، وعدنا إلى المنزل وأنا أتأمل الرفيقة بيريفان وتصرفاتها كانت سعيدة ومرحة جداً. لقد تأثرتُ بها كثيراً وإنني أيضاً أحسستُ بأن الخوف انتهى من مشاعري.

وفي المساء جلسنا على مائدة الطعام لتناول العشاء، كانت الرفيقة بيريفان فرحة وكانت تلاعب الاطفال وتمزح معهم، ذلك لأنها كانت تعرف بروحها المرحة، وعدنا للحديث مرة أخرى على الوطن والمرأة وكيفية دعم رفاق الجبال، حتى اصبحت الساعة متأخرة من الليل.

في الصباح جهزنا الفطور، وبعدها قالت لي سنذهب مرة ثانية لجمع المساعدات. وذهبنا إلى بيوت جيراننا أصبح المال ثلاثة آلاف تقريباً ورجعنا إلى البيت. وعند المغرب أتى الرفيق أحمد أكتاش للمنزل كانوا يتكلمون معاً باللغة التركية سألها عن المال وإن جمعناها أم لا؟

اجابته وبفرحة تغمر عينيها:

  • أجل… جمعنا مبلغاً جيداً

وهكذا فرح الرفيق أحمد معنا.

وفي اليوم الثاني آتى سرخوبون قالت هل الرفيقة بيريفان هنا؟

قلت له: أجل

قال لي: سيأخذ الرفيقة معي

قلت له: وكيف!

قالت: ولكن يا رفيق أنا وهفالا بيريفان لم نخلص كافة البيوت والعوائل التي كنا سنزورها، كيف ستأخذها معك؟

 وكان قلبي عليها لأنها خرجت دون أن تأكل الفطور وسألت نفسي هل سأراها مرة أخرى؟ وأسألها إن فطرت بعد خروجها من منزلنا؟

وبعد أسبوع أتت مرة أخرى، تكلمنا وذهبنا لجمع التبرعات وأصبحت واحدة من أفراد عائلتي وعشنا معاً لحظات جميلة. وبعدها عملنا معاً بشكل رسمي. لا أستطيع نسيان الروح الرفاقية الموجودة لديها. غينما كانت تذهب، كانت تنشر بصماتها هناك. كان لها تأثيراً كبير على الآخرين.

وفي ذات يوم قالت لي: سنذهب إلى حارة الهلالية

قلت لها: نعم سنذهب ولكن بعد رجوع اولادي إلى المنزل سنذهب..

وهي قامت بقراءة كتاب الرفيق مظلوم (المقاومة حياة)، وبعدها اتو اولادي من المدرسة وذهبنا. عند وصولنا إلى منزل رحمه الله الشهيد يوسف كلو، حينها كان العم يوسف لوحده في المنزل، رحب بنا.

سأل الرفيقة بيريفان عني وقال: من هي رفيقتنا هذه؟

قالت: هي أيضاً واحدة من رفيقاتنا العزيزات والمناضلات.

سألها للمرة الثالثة وأنا بدأتُ بالتكلم وقلت له: هل ستعرفني غن عّرفتكَ على نفسي؟

قال لي: هذا ممكن..

قلت له: أنا ابنة أمين هساري، وكنة شيخ الهساري.

فرح كثيراً وقال: كنا أصدقاء منذ سنوات ورحب بي وقال والآن انتِ من رفيقاتنا.

قال للرفيقة بيريفان: هل رأيتِ والآن أصبحنا نعرف بعضنا..

وهما بدأ بالحوار حتى مضى الوقت. وقبل رجعونا إلى المنزل نظرت الرفيقة إلى الساعة وقالت: لم يتأخر الوقت بعد والآن سنذهب إلى منطقة كورنيش أيضاً.

قلت لها: ما هذه المناطق الغريبة إني لا أعرفهم. أجابتني حين نصل سوف تعرفين.

ذهبنا إلى إحدى البيوت وسألت صاحبة المنزل عن أحد يعرفها، أخذت منها العنوان وذهبنا إليه. أصبح بيننا تعارف وسألتني من هذه الفتاة أجبتها هي الرفيقة بيريفان من باكوري كردستان (شمال كردستان)، وهي إنسانة سياسية والآن نجمع التبرعات لأجل حركتهم الجديدة.

وفي صباح اليوم الثاني ذهبت الرفيقة بيريفان إلى عملها، أنا كنتُ لوحدي في المنزل وطرق الباب فجأةً ذهبتُ لفتح الباب، رأيتُ المرأة التي ذهبنا إلى بيتها البارحة من منطقة كورنيش.

قالت:

  • يا ام دليل لا يمكن أن تأتي بأشخاص سياسيات إلى منزلي مرة أخرى وإن أتيتي سوف أذهب أشكو إليكِ لبيت أهلك.

 أخبرتُ الرفيقة بيريفان وقالت:

  • لن أتركها.

 وكل فترة وأخرى كانت تذهب إلى منزلها. كانت الرفيقة بيريفان لها مكانة كبيرة بين المجتمع، وكل البيوت التي كانت تذهب إليها كانت تترك آثار حبهم الكبير لها. وكانت تبني السياسة في عقل كل من حولها بطريقة تعاملها. ودوماً كانت تقول بأن كل هذه الأفكار هي من فكر القائد عبد الله أوجلان وسياسته العظيمة وقالت ايضاً بأنها سوف تسعى دوماً لأجل هذه الحركة وتقاوم حتى آخر أنفاسها وأن نكون رمزاً لبلادنا وشعبنا في كل مراحل التاريخ.

وكل بيت تذهب إليها الرفيقة بيريفان كانوا يتمنون أن تعود مرة أخرى من حبهم لها ولأسلوبها النقي وفكرها الواسع. وأنا بنفسي عندما أتكلم عليها الآن تصبح لي جسارة وقوة لا إرادية، ودائماً أوعد نفسي بأن أكون حسب الوعد الذي قطعته للرفيقة بيريفان. فهي طاقة مقاومة بالنسبة لي، ولأجل مقاومة القائد عبد الله أوجلان في السجون لن اتراجع عن وعدي ولن ننسى مقاومتها هذه التي أوصلت الشعب إلى تاريخه وحقيقته لكي يكونوا أحراراً مثل جميع الشعوب. والرفيقة بيريفان كانت متحدة مع فكر القائد.

ومع أن الدولة التركية حاربتها كثيراً وبجميع أسلحته، إلا أنها لم تكن تتراجع وكانت ذو عزيمة قوية وتتحدى كل الصعاب. وعندما استشهدت حاول الشعب أن يأخذ جنازتها من بين ايدي العساكر الأتراك، فرد العساكر على الشعب: إنها شرف وناموس (يعني إنها ماتت من أجل الناموس). ولكن إن شعب جزيرة بوطان كان يعلم يقيناً بأنها هفال بيريفان المقاومة والتي حاربت ظلمهم. لذلك قاموا بالكثير من المسيرات والانتفاضات الثورية الشعبية في جزيرة بوطان. إن جنازة الرفيقة الشهيدة بيريفان تحولت إلى شرارة بركان يتفجر في وجه العدوان. هي أصبحت نور انتفاضة مسيرة الحرية.

والآن أصبح قبر الرفيقة بيريفان زيارة مقدسة يذهب إليها جميع النساء لتحقيق أمنياتهن وللشفاء من أي مرض. لأنها كانت امرأة مناضلة ومقاومة برغم كل الظروف. كان لديها ثلاثة أسماء (بيريفان، صالحة، بنفش). اسمها الحقيقي بنفش ولا أحد كان يعلم ما هي اسمها الحقيقي، لأنها كانت تقول في كل منطقة اسم مختلف. كبرت الرفيقة بيريفان بين أحضاني، كانت صاحبة أمان ووفاء وتحافظ على كل خصائص معارفها ورفاقها.

وبعد ذهابها لفترة قصيرة إلى محافظة الحسكة أتت إلى منزلي ومعها رفيقة اخرى سألتها من هذه الرفيقة أجابتني إنها الرفيقة ريحان وهي ايضاً كانت أيزيدية، احضرت لهم الطعام الرز والصلطة ولأن رفيقتها كانت أيزيدية لم تقبل أن تأكل الصلطة (لأنه كان الخس فيها)، قالت الرفيقة بيريفان يجب أن تأكلي وتتعلمي التأقلم مع الكثير من الثقافات، وقبلت بأكل الصلطة.

قبل أن أعرف بأن الرفيقة بيريفان أيزيدية سألتني هل يوجد هنا أيزيديون؟ قلت لها لا بل في منطقة عامودا يوجد هناك قرية اسمها (مركبة) يوجد فيها عوائل أيزيدية قالت وهل تعرفتي عليهم؟ قلت لا.

قالت لي ذات مرة سأخبرك شيئاً ولكن أطلب منكِ أن لا تخبري أحداً. قلت لها بالطبع.

قالت لي لقد أتى والدي إلى تربسبية ولا أعلم أن اذهب ام لا؟

قلت لها اذهبي لمقابلته.

قالت إذا رجعتُ اللية سوف أنام في منزلك وإن لم أرجع سأنام هناك.

لم تعد في نفس الليلة ـ وفي اليوم الثاني أتت وكانت غاضبة جداً. قلتُ لها هل انت بخير يا رفيقة بيريفان كيف وضع أهلكِ

قالت لي بغضب يا ليتني لم أراهم، قال لي والدي يجب عليكِ الرجوع معي إلى المنزل. ولن أقبل بهذا الشيء.

كان ارتباطها بـ المقاومة كبيراً جداً، ضحت بكل ما تملك، وكانت تقول دوماً نحن الأكراد ولن نتنازل عن حقوقنا وأهدافنا لأننا مرننا بالكثير من الحروب والظلم، لهذا لا يمكن أن نتوقف. وكان كل أعمالها تحبها من أعماق قلبها ولا يمكن أن ننسى الرفيقة بيريفان وكل شهداء وشهيدات كردستان وكل واحد قاوم لأجل ثورتنا.

وكل ما أمر في مشكلة أو ظرف عصيب أتذكرها وهكذا أحل المشكلة.

طلبتُ مني ذات يوم أن أتعهد بأن لا أتخلى عن هذه الثورة وأن أقاوم حتى آخر لحظات حياتي.

قلتُ لها ولكنني لا أستطيع، أنا امرأة صاحبة بيت واطفال.

وقالت لي:

 إنني واثقة بأنكِ لن تتراجعي وأنكِ ستتغلبين على كل الصعوبات والمواقف.

 وقفت أمام المرآة وأمسكت بيدي. وقالت؛ كل ما سأقوله.. سترددينه ورائي:

  • إنني أتعهد بدماء الشهداء وأتعهد للقائد عبد الله أوجلان وكل الرفاق والرفيقات الذين يقاومون حتى الآن، بأنني سأستمر في هذه المسيرة وأقاوم مهما كانت الظروف.”

رددتُ وراءها كل ما قالته. الرفيقة بيريفان فرحت كثيراً ومن شدة فرحتها قبّلت رأسي وقالت:

  • لن أنساكِ أينما كنتِ وإن نسيتكِ وقتها سأكون شهيدة.

قلت لها:

  • لا تتكلمي هكذا فأنتِ امرأة مناضلة سوف تقضي على كل الأعداء.

فردت علي وقالت:

  • عندما أستشهد، هناك الكثير من الرفاق سوف يأتون إلى هنا لأن ثورتنا هكذا لا أحد يستسلم والمسيرة مستمرة.

 

بعد ذهابها بسنة إلى جزيرة بوطان قامت بالكثير من المسيرات مع أهالي بوطان وعندما أخبر أحدهم للدولة التركية عنها، قاموا بهجمات على الجزيرة وفي أثناء هذه الهجمات استشهدت الرفيقة بيريفان بينهم. لم أكن أعرف وقتها ولكن كان لهم علم وكانوا يعلمون بأن ارتباطي بالرفيقة بيريفان قوي، لهذا السبب لم يخبرني أحد عن استشهادها.

وبعدها بأيام قليلة علمت بصدفةٍ بأن الرفيقة بيريفان استشهدت، تأثرتُ كثيراً كما لو حزنتُ على أبني دليل. كان استشهادها معاناة كبيرة بالنسبة لي.

وحتى يومي هذا إن لم أتذكر الرفيقة بيريفان لا أشعر بأنني اقاوم في هذه الثورة. وليس بالرفيقة بيريفان فقط، بل بمقاومة القائد عبد الله أوجلان ومظلوم دوغان وخيري وكمال وحقي.

الرفيقة بيريفان كانت أكثر إنسانة تجعلني أعرف قيمة نفسي، وهي التي جعلتني أن أقف كـ امرأة مناضلة وقوية، وأن يكون لي ارتباط قوي لهذه الحركة. لهذا السبب بكل خطوة أخطوها لها صورة في ذاكرتي وقبل أن انام لا تفارقني طريقة حديثها وتعاملها. والآن رغبتي الوحيدة هي: “أن أزور قبرها … وأن أخبرها عن مقاومتنا التي بدأت من لا شيء والمستمرة حتى الآن. وأننا سنمضي على مسيرتهم وما زلنا أصحاب ذاك العهد الذي قطعناه على أنفسنا“.