النظام الكونفدرالي الديمقراطي للمرأة هو البديل الأمثل للخروج من أزمة النظام الذكوري

 

النظام الكونفدرالي الديمقراطي للمرأة هو البديل الأمثل للخروج من أزمة النظام الذكوري

“الإصرار والعزيمة على مبادئ ثورة 19 تموز

هو دين في أعناقنا تجاه الآلاف الذين ضحوا بحياتهم

والملايين الذين تشردوا وتعرضوا للمعاناة.

لذلك تتويج هذه الجهود بالنصر وبناء نظام ديمقراطي

يعبر عن تطلعات كل المكونات هو أمراً لا بد منه”

 

فوزة يوسف

عضوة هيئة الرئاسية المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)

 

أننا اليوم بصدد حرب عالمية ثالثة، والسبب الرئيسي وراء هذه الحرب هو الجشع المادي ومطامع السيطرة على منابع الطاقة والممرات التجارية، وتحقيق الهيمنة العالمية من قبل القوى الرأسمالية الذكورية التي أعمت الربح الأعظم عيونهم، فباتوا وحوش كاسرة، يقضون على كل شيء، على الإنسان، على الطبيعة، على الكون. إنه حرب الإبادة الإنسانية.

الذكاء التحليلي المنقطع عن الذكاء العاطفي، أدى بالنظام الذكوري إلى أن يتحول الرجل إلى روبوت محمل ببرمجيات الذكاء الاصطناعي، فاقد الشعور والقيم الأخلاقية، لا يحس، لا يرى، لا يتألم، مثله مثل الرجل الآلي الذي يحطم كل شيء دون أن يرف له جفن. لا يهمه إن مات الأطفال من الجوع، إن خنقوا من العطش أو غرقوا في البحار، إن باتوا تحت أنقاض البنايات المقصوفة بالبراميل وإن تحولوا إلى شظايا نتيجة القنابل أو حرقوا بنار الفوسوفور الذي يمطر فوق أجسادهم البريئة. نعم ما تعيشه الإنسانية هو أفظع ما شاهدته حتى الآن. ما يتعرض له الكرد، ما شاهدناه في أفغانستان وما يجري في غزة اليوم، كله يعبر عن حالة الهستريا الذي يعانيه النظام الذكوري الرأسمالي. بحيث يمكنه التضحية بكل شيء في سبيل أهدافه في تحقيق الربح الأعظم. هذا النظام كل يوم يتقرب بشكل أكثر من المنحدر ويأخذ بالإنسانية جمعاء إلى حافة الهاوية، فهنا أما تظهر قوة بديلة وتجعلها أن تطير وتنقذها من السقوط من هذا المنحدر المخيف، يا أما أن يسقط الجميع في هذه الهاوية التي يطلق عليها الأديان الجحيم، أو نار الجهنم. إننا أمام معضلة إنسانية، فالإنسان أصبح خطرا على الطبيعة وعلى الوجود. وهناك حاجة لانطلاقة جديدة وانبعاث جديد، لكي ننقذ أنفسنا من هذه الحالية المرثية لها.

يقال بأن فاقد الشيء لا يعطيه. لذلك لا يمكن أن ننتظر من النظام الذكوري التغيير. لأن نهجه الذي يعتمد على التعصب القومي والديني والجنسوي، والاحتكار والحرب والدمار، جعله في حالة عقم ويستحيل عليه أن يحقق ولادة جديدة. لذلك هنا نرى بأنه هناك حاجة ماسة لنظرية جديدة ونهج جديد، وولادة جديدة كي نطهر عقولنا وضمائرنا ونستعيد جوهرنا الذي فقدناه ونعود إلى منبعنا. وهذا يمكن أن يتم بخلق البديل وليس بتقليد الموجود أو الاستمرار في تكرار نفس الدوامة. من أجل أن نعطي الحياة معنا جديدا وأن نتجاوز حالة الموت التي تتكرر كل يوم. علينا بتحقيق ثورة في كل شيء اعتدنا عليه. يجب أن نعيد النظر في كل ما نشأنا عليه من طريقة التفكير، من طريقة العيش، طريقة العلاقات، طريقة العمل. وأن نبدأ من جديد. بما أن عقل النظام الذكوري هو الذي خلق حالة الفوضى والدمار هذه حينها نحن بحاجة إلى عقل جديد. عقل يجمع بين الذكاء العاطفي والتحليلي، إننا بحاجة إلى عقل يضحك ويبكي ويتألم ويشعر. وإلى قلب يفكر ويحلل. أي إلى توازن وعلاقة تناسبية. عقل النظام الذكوري الذي أخذ شكلا متصلبا غير قابل للتغيير، لأنه يقيم كل شيء على أساس المادة وينكر حاجة الانسان للقوة المعنوية. فالإنسان أصبح مادة وشيء والمادة تحولت إلى الذات. نحن بحاجة إلى عقل يجمع بين الشيء والذات، لأن الذات دون الشيء لا يمكن أن نتعرف عليه والشيء دون الذات يكون فارغا من مضمونه. فالأنسان ليس مجرد مادة وإنما هو بنفس الوقت كينونة من الروح التي تبث فيه المشاعر فتجعله مرهفا ودودا وعاطفيا.

إذا ما درسنا النظريات الموجودة حاليا سنرى بأنها أما أن تكون مادية بحتة أو معنوية بحتة والاثنين يؤدي بنا إلى المتاهات. لأن المادية البحتة تؤدي بنا إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتية والمعنوية البحتة تؤدي بنا إلى الخرافة. لكن في طرح القائد والمفكر أوجلان نرى بأنه هناك توازن كبير في نظريته الاجتماعية بين كل من الحياة المادية والحياة المعنوية، بين الذكاء التحليلي والذكاء العاطفي. لذلك ما يطرحه من حلول وبدائل تكون مخاطبة لروح الإنسان وحاجاته المادية. نظريته في النظام الكونفدرالي الديمقراطي مهم جدا. وهو طرح تاريخي من أجل تحقيق حياة تليق بالبشرية. إنه لا يفصل بين السياسة والأخلاق والديمقراطية والعلم والاقتصاد والثقافة والتربية والحياة الاجتماعية. فهو يعيد كل شيء إلى ذاته الحقيقي. لذلك نظريته “الكونفدرالية الديمقراطية” هو حل لكل القضايا التي نعيشها لأنه يمنح لكل هوية، لكل خاصية حقها وذلك ضمن نظام متكامل ومشترك. في هذه النظرية، لا يوجد إقصاء أو تهميش، لا يوجد السيد والعبد، لا يوجد الأكثر قيمة والأقل قيمة، يوجد اختلاف وتباين وهذا لا يشرع اللامساواة. الاختلاف والتباين هو غنى وليس عبأ، أنه يحترم كل الهويات ويرفض كل أنواع النمطية. فالنمط الواحد هو إقصاء الأنواع الأخرى وأد لخاصيتهم وهذا يعني بالنهاية الفاشية لأنه يجعل من لون واحد أن يقضي على كل الألوان الأخرى وهذا مناقض للطبيعة وللحياة البيئية. هذا وبالطبع تعريف المرأة بأنها القوة الريادية في هذا النظام الاجتماعي. يؤكد على الرؤية الجديدة للقضايا الاجتماعية.

نبذه للنظرة الجنسوية الاجتماعية للمرأة جعله يرى كل شيء بشكل موضوعي وعادل. فهو كان منصفا على الرغم من كونه ذكر. لأن طريقة تفكيره التي جمعت بين الثنائيات المصطنعة جعلته يرى ويشعر بما لا يمكن لأي رجل آخر أن يحس به. وهذه هي خاصيته. فهو تمكن من أن يتخلص من كل أمراض الحداثة الرأسمالية التي تقودنا نحو ما تصبو إليها.

فالعقد الاجتماعي الذي تم صياغته من قبل الشعوب والنساء في شمال وشرق سوريا، كونه استفاد من نظرية الكونفدرالية الديمقراطية ونظرية الأمة الديمقراطية للقائد والمفكر أوجلان، كانت هبة من السماء. لأنها منحتنا إمكانية استيعاب قضايانا وحلها بشكل سليم. فتحت أمامنا آفاق جديدة من البدائل وانقذتنا من الوقوع في فخ الدولة القومية ومكنتنا من تجاوز حقل الألغام التي قامت القوى المهيمنة من زرعه في منطقتنا وهو التعصب القومي والديني والجنسوي. لذلك العقد الاجتماعي الذي تم صياغته لم يكن إنجازا فقط من أجلنا، وإنما هو إنجاز تاريخي لكل الشعوب والنساء، لأنه يبشر بميلاد جديد وحياة جديدة وهو عيش كل الهويات بتنوعها واختلافها دون أي تمييز أو عنصرية. نعم إنه نظرية الرمانة، كل حبة في الرمانة لها كيان خاص لكن كلها مع بعضها تشكل الرمانة.

 موطنها واحد لكن كل منها تختلف بشكلها وبحجمها عن الأخرى. نظرية الأمة الديمقراطية التي ترفض إنكار الآخر جعلت من منطقتنا حديقة تضم جميع أنواع الزهور، تضم أنواع كثيرة من الأشجار وتحضن كل الكائنات، الهويات التي كانت تتعرض للانقراض، اللغات التي كانت على حافة النسيان، الثقافات التي حرمت من النطق والتعبير عن نفسها، العقائد والطقوس التي منعت، باتت تزدهر وترفع رؤوسها مثل ورود الثلج. النساء اللواتي كن في قاع كل شيء أصبحن اليوم أيقونات تساهمن في ولادة نظام جديد.

العقد الاجتماعي هو الترياق الذي يمكنه أن يقضي على السموم التي نشرته الدولة القومية في جغرافيتنا. حيث جميع الصراعات، جميع الإبادات والمذابح، جميع الويلات والمآسي، جميع الحروب والدمار هو نتيجة انعدام نظام ديمقراطي يضمن حقوق الجميع. لذلك التركيز الكبير في العقد الاجتماعي على هذه الخصائص له مدلول تاريخي، ثقافي. إننا وبعد مئات السنين تمكننا من كتابة قواعد ونصوص تعبر عن حاجتنا وعن طموحاتنا. لأن الدساتير التي كتبت كلها مستوردة أو مفروضة علينا. هذه الدساتير التي حولتنا إلى أشلاء وفرقتنا إلى شظايا. وجعلتنا قنابل نتفجر ببعضنا البعض وإلى غرباء في بيتنا ومنفيين في وطننا. هذه الدساتير الظالمة التي قتلت لغات وأدت شعوب وأبادت ثقافات وذبحت ملايين الناس فقط لأنهم من قومية أخرى أو دين أو مذهب آخر. لو كان للأرض لسان لقصت لنا ما عاشته هذه الجغرافية من مآسي. فما تعيشه أهل غزة اليوم، عاشه الكرد والأرمن والسريان واليهود مئات المرات هو نتيجة هذه الدساتير. لذلك هذا العقد الاجتماعي لن يكون حلا فقط للشعوب والنساء في إقليم شمال وشرق سوريا، وإنما يمكنه أن يكون دعوة ليقظة الضمير، وأن يكون دعوة لإعادة النظر ومنح خيار جديد لحل معالجة القضايا.

بالطبع صياغة العقد فقط غير كافي، من المهم جدا العمل على تطبيقه عمليا، وإلا لن يكون له تأثير ولن يتحول إلى البديل إذا لم يتم تنفيذه. خاصة نحن النساء يجب أن نكون القوة الدافعة والمحرك الأساسي في تطبيق نصوص العقد الاجتماعي. لأن تطبيق هذا العقد هو ضمان لحقوق وحرية المرأة أيضا. لذلك نحن أمام مسؤولية تاريخية وهو أن نعمل ليل نهار من أجل بناء نظامنا المجتمعي الذي يعبر عن تطلعنا المستقبلي.

إلى جانب ذلك من المهم جدا أن نقوم ببناء نظام المرأة أيضا المنصوص في العقد الاجتماعي. ولتحقيق هذا الشيء كتابة عقد اجتماعي خاص بالمرأة مهم جدا. ولكي تتمكن المرأة من حماية وتطوير الثورة الاجتماعية، يجب أن تخلق نموذجها الخاص بها، وأن تكون لديها قوة منظمة تتمكن عن طريقها تحقيق خطواتها وترسيخ الديمقراطية في النظام المجتمعي العام. لذلك قيام المرأة بخلق نظامها بشكل موازي مع النظام المجتمعي وخلق نفسها يوميا وفق القيم الديمقراطية يعتبر أمرا مصيريا في عملية البناء من جديد التي نعيشها في شمال وشرق سوريا ومن أجل تحقيق الاستمرارية لحقوقها وحرياتها.

إننا كنساء هذه الجغرافيا التي حققت أعظم وأكبر الثورات في العالم، بدءا من ثورة الزراعة، ثورة الخبز، ثورة القرية وثورة العلم والأخلاق، نحن بصدد القيام بثورة جديدة وهي ثورة خلق نظام مجتمعي، يعتمد على القيم الأخلاقية والديمقراطية وحرية المرأة، نحن بصدد تحقيق ثورة ذهنية وثورة ثقافية، ضد كل ما يدعو إلى طمس هويتنا، خاصيتنا، حقوقنا وحرياتنا، وجودنا ومستقبلنا. إننا نملك هذه القوة، وما نحتاج إليه هو أن ندرك قوتنا وأن نثق بها وألا نتراجع مهما كانت التحديات. يوجد في كل امرأة قوة إلهية، لكن بالوعي وبالعقل والعاطفة المشتركة يمكننا الكشف عنها، إدراكها واستخدامها. كل شيء يأمرنا بالمضي دون تردد نحو أهدافنا. فلنقل كلمتنا ولنعلن عن موقفنا، يجب ان لا ننسى بأننا نملك قوة هز عرش أي جبروت كان إذا كنا نريد بالفعل. إلى الآن تم كتابة التاريخ من قبل الرجل، آن الأوان أن نكتب تاريخنا بقلمنا، آن الأوان أن نقلب صفحات تاريخ العبودية وأن نكتب تاريخ الحرية. استقبال ربيع 2024 بهكذا توجه مهم جدا، ها نحن نستقبل الذكرى السنوية الثالثة عشر للحراك الشعبي في سورية. الإصرار والعزيمة على مبادئ ثورة 19 تموز هو دين في أعناقنا تجاه الآلاف الذين ضحوا بحياتهم والملايين الذين تشردوا وتعرضوا للمعاناة. لذلك تتويج هذه الجهود بالنصر وبناء نظام ديمقراطي يعبر عن تطلعات كل المكونات هو أمراً لا بد منه.