الاتحاد النسائي السرياني هي لم شمل الثقافة الأصيلة للمرأة المناضلة

 

الاتحاد النسائي السرياني هي لم شمل الثقافة الأصيلة للمرأة المناضلة

“عام 2023 كان عاماً حافلاً بالتضحيات

رغم الصعوبات ولكن المرأة السريانية

مقاومة وصامدة”

جورجيت برصومو

مسؤولة الاتحاد النسائي السرياني في القامشلي

لعبت المرأة السريانية عبر التاريخ دوراً كبيراً ومحورياً في نهضة الشعوب والمجتمعات قديماً وحديثاً وأثبتت نفسها في تحقيق الظاهرة الاجتماعية لدى الإنسان وتحويله إلى كائن اجتماعي حيث كانت السباقة في تطوير الحياة بكافة مجالاتها، انطلاقاً من خصوبتها الأنثوية وعطائها وصداقتها مع الطبيعة والمعلمة الأساسية على الدوام في نظام العلاقات الحياتية. وعندما نخص بالذكر المرأة السريانية، لأنها جزء هام وجوهري من تاريخ وحضارة شعب يمتد وجوده إلى ٤٠٠٠ سنة قبل الميلادي بلاد بين النهرين بكل مسمياته أكاد، وآشور، وبابل، وآرام، وكلوحتي عام ٥٣٩ق.م. وبسقوط آخر سلطة سياسية له، وآخر مملكة وهي (رها عامة٢٤٢م)، في مدينة أورهي. إن الشعب السرياني الأشوري الذي يعد من أقدم وأغنى الشعوب التاريخية الشرق أوسطية، حيث خلق لغته وقيمه السياسية والثقافية وحياته الاجتماعية الاقتصادية وطوًرها، ولعب دوراً هاما في تنامي وتحضر العالم من خلال الإنجازات التي حققها في جميع ميادين الحياة.

لذا؛ نجد أن المرأة السريانية قد حملت ميزات خاصة عن غيرها فوصلت لمكانة الألوهية كـ الإلهة إنانا للأمل والحب والقوة والخصوبة، والملكة شاميرام التي أظهرت قوتها على القيادة وإدارة الشؤون، والملكة زنوبيا التي تميزت بذكائها التكتيكي والدبلوماسي وغيرهم من الكثيرات. وبسبب وقوع أرض بين النهرين تحت حكم والسيطرة الأجنبية والاستبداد والحروب التي سلبت منها ثقافتها وقيمها وأدخلتها في مرحلة التمزق، بقيت مشتتة الأفكار والثقافة.

وبما أن المرأة السريانية عبر الزمن كانت أكثر المتضررات، ولكنها وجدت أنفاسها مع ولادة المسيحية وتعاليم السيد المسيح (المخلص)، التي كانت أملاً للشعوب المضطهدة وخلاصاً وقوة لها، ولعبت دوراً مميزاً من خلال تمسكها وإيمانها وما قدمته من تضحيات وباتت في مرتبة القداسة. ولكن ذهنية الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية وممارساتها المستمرة في تصفية الشعب السرياني بمذابح وإبادات وتصفية عرقية كمذابح السيفو عام ١٩١٥م ومذبحة سيميلي ١٩٣٣م ومذبحة هكاري ١٩٢٤ ومعاهدة لوزان١٩٢٣م والممارسات التعسفية والإقصائية حيث لاقت خلالها المرأة الكثير من الويلات والآلام والأهوال والمصاعب، فنجدها دائماً تتجدد وتنهض بقوة نحو حياة جديدة وتحافظ على قوتها وميراثها من جيل إلى جيل، وتعتمد على مقوماتها ولغتها وثقافتها حتى وصلت إلى عام ٢٠٠٠.

وبرعاية المجلس القومي لبيث نهرين وبتشكيل تنظيم خاص بالمرأة كـ اتحاد نساء بيث نهرين الذي فتح المجال للمرأة السريانية لتسليط الضوء على مشاكلها وتساؤلاتها، وتصبح فعالة في النضال القومي وعززت من مكانتها، واستطاعت في عام ٢٠٠٥م أن تطور من نفسها وتلحق بالمجتمعات المتقدمة، وتؤسس تنظيمها الخاص بها. وكما قامت بعقد المؤتمر الأول للاتحاد النسائي السرياني في سوريا بـ تاريخ ٢٠/٧/ ٢٠١٣وبذلك وضعت حجر الأساس واللبنة الأولى لانطلاقتها في العمل والحياة بكل جوانبها، وتأسيس قوات نساء بيث نهرين العسكريHSNB كـ أول تشكيل عسكري خاص بالمرأة السريانية، وقوى الأمن الداخلي سوتورو المرأة السريانية، وافتتاح أكاديميات وروضات ودور صلح للمرأة وأعدت الكثير من النشاطات والفعاليات الخاصة بها، وخلق امرأة تتمتع بإرادة حرة لتقوم بحل المشاكل وتدافع عن قضاياها بنفسها وتطوير آلية دفاع جديدة ضد كل التحديات والصعوبات التي تواجهها؛ من أجل أن تحافظ على حقوقها ومن أجل تقوية وتمكين المرأة السريانية  وصقل شخصيتها وتوعيتها ولكسر الطوق المحاطة بها في الأسرة والنضال من أجل تطويرها، ولتأخذ دورها مع أبنائها وبنات جنسها.

 وبسبب هذه التطورات التاريخية تغيرت نظرة المرأة السريانية كلياً وتغيرت نظرتها ومفهومها للحياة الجديدة. عرّفت نفسها وطرحت جوهرها الحقيقي وانخرطت في كافة الميادين والمجالات الحياتية منها السياسة والثقافية والعسكرية، واستطاعت المرأة السريانية حفيدة عشتار وزنوبيا وشاميرام أن تتخطى العادات والتقاليد البالية الموروثة وتكسر الخوف وتعمل بكل جرأة، وأصبحت مشاركة في الحياة العامة، ومثلت شعبها السرياني في الإدارة الذاتية لـ إقليم شمال وشرق سوريا، وأخذت دورها القيادي والريادي كرئيسة مشتركة ونائبة وإدارية في مراكز صنع القرار.

وكما مثّلت شعبها في المحافل الدولية والمنابر العالمية والمؤتمرات للدفاع عن شعبها وعن حقوقها وجميع شعوب المنطقة. وأصبحت مثالاً للحرية ولمعرفتها؛ بأن حرية الشعوب لا تتحقق إلا بحرية المرأة وبنضالها. إنها حققت الكثير من المكتسبات في إقليم شمال وشرق سوريا، ومع طول عمر الأزمة السورية فإن المعناة اليومية مستمرة والأوضاع تزداد تعقيداً.

 إلا أن العمل مستمر بوتيرة عالية فعام 2023 كان غنيا بمشاركاتها وحضورها الفعال في المنتديات والمؤتمرات على المستوى الإقليمي والمحلي وأيضاً تتابع عملها في الاتحاد النسائي بفروعه الأربعة (ديريك، قبري حيوري، القامشلي، الحسكة).

وقامت بعقد الاجتماعات الدورية وتنفيذ جميع البرامج والقرارات التي تضعها الفرعيات من ندوات ودورات تعليمية وتثقيفية ومحاضرات، وإلقاء بيانات بكافة المناسبات الخاصة بالشعب السرياني والمرأة السريانية والعامة التي تقام بمناطق شمال وشرق سوريا، واستقبال الكثير من الوفود من ممثلي منظمات المجتمع المدني والشخصيات الأجنبية بمقر الاتحاد النسائي.

وكما كان لها دور فعال في مشاركتها بكتابة مسودة العقد الاجتماعي لشمال وشرق سوريا ومناقشته ومشاركتها في ملتقى ثورة المرأة لشمال وشرق سوريا، من خلال مداخلة السنفزيون من قبل مسؤولة التنظيم لاتحاد نساء بيث نهرين وإدارة الديوان ومحور عن المرأة السريانية وحضور مبادرة أورو متوسطية عن قرار مجلس الأمن (1325) لمدة خمسة أيام الخاص بالمرأة والأمن والسلام.

 وأيضاً المشاركة بندوة حوارية مع حزب نسوي الماني وحضور مبادرة الشرق أوسطية المنعقدة في لبنان لمدة يومين، وكان للاتحاد النسائي السرياني مشاركة وحضور لافت في المؤتمر العالمي الثالث للمرأة القاعدية المنعقد في تونس ولمدة ستة أيام. والانضمام إلى مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء معاً من أجل السلام والتنمية.

فهي انضمت للكثير من النشاطات والأعمال التي أنجزها الاتحاد في هذا العام متجاوزا الظروف الصعبة التي عاشتها شعوب المنطقة عامة والمرأة بشكل خاص من احتلالات وتعديات والاستهداف المباشر بالمسيرات التركية لقياديات ومدنيات وناشطات وإداريات والعديد من المنشأة الحيوية والخدمية والمؤسسات. إلا أن المرأة السريانية لم تتوانى يوما عن عملها ودورها لتكمل المسير بكل همة ومسؤولية في عام ٢٠٢٣ من خلال الدورات التنظيمية المتعددة الأهداف؛ المحاضرات الشهرية بمواضيع مختلفة (اجتماعية، سياسية، فكرية، تنظيمية.. الخ وإقامة دورات مهنية في أكاديمية المرأة الشابة (حاسوب – تصفيف شعر – تمريض – خياطة وغيرها).

والقيام بدورات تدريب على السلاح والإسعافات الأولية متخطين في كل أعمالنا الظروف الأمنية الصعبة من الاستهدافات المستمرة على مناطقنا من قبل الدولة التركية المحتلة، والحروب الخاصة، ووجود أعتى التنظيمات الارهابية المتمثلة بتنظيم داعش الإرهابي التي تستهدف فيه مشروعنا الديمقراطي وبشكل خاص  وممنهج  المرأة؛ لأنهم على يقين تام بأن المرأة هي عماد المجتمع ونهضته والركيزة الأساسية فيه وبكسر المرأة ينهار المجتمع بكل مقوماته وحيث أن المرأة  بشكل عام والمرأة السريانية خصوصاً تملك كل الوعي والإدراك بدورها ومسؤولياتها التاريخية.

فالصعوبات والتحديات ومع كل هذه الآلام اليومية كانت مخاضاً نحو ولادة جديدة قوية ومتينة. إن طائرات المحتل التركي ومسيراته وجميع ممارساته العدائية والأفكار المتطرفة والذهنيات الهدّامة وكل العادات والتقاليد الاجتماعية البالية؛ لن توقفها عن مسيرتها نحو هدفها ببناء مجتمع ديمقراطي حر تتحقق فيه العدالة والعدالة الاجتماعية والمحبة والسلام والمساواة الحقيقية، ليأخذ كل شخص دوره الحقيقي والفعال، ومتضامنين فيه أيضاً مع كل نساء العالم في قضيتهم؛ لأننا نعتبر قضية المرأة واحدة في جميع أنحاء العالم.

 من عام إلى عام تكبر الأحلام وتتوسع الأهداف لدى المرأة مهما كانت الحواجز والعوائق والمصاعب بما يقابلها من تحقيق منجزات ومكتسبات وانتصارات، ولتبقى تجربة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، منارة أمام العالم وأملاً وإلهاماً لكل نساء العالم.