رابطة نوروز قدمت الكثير للمرأة الكردية واللبنانية ولنساء المنطقة عموماً
رابطة نوروز قدمت الكثير للمرأة الكردية واللبنانية ولنساء المنطقة عموماً
“رابطة نوروز أثبتت جدارتها في تحمل المسؤوليات
والواجبات الملقاة على عاتقها فيما يتعلق بحرية المرأة”
حنان عثمان
رئيسة لجنة المرأة في رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية
بداية أود أن أسلط الضوء على أهمية العمل ضمن الجمعيات أو المنظمات النسائية، التي تعتبر فضاءات جماعية مفتوحة، تساعد بشكل مباشر أو غير مباشر على تنشيط العمل من أجل المساواة الفعلية بين النساء والرجال في جميع مجالات الحياة. إن مشاركة النساء ضمن عمل المجتمع المدني وفي نطاق الجمعيات، هو أمر أساسي من أجل تصعيد النضال ضد التمييز على أساس الجندر لتتمكن النساء من الدفاع عن حقوقهن بشكل أفضل.
على هذا الأساس تأسست رابطة نوروز الثقافية – الاجتماعية، وهي جمعية مدنية غير حكومية لا تتوخى الربح، تأسست في بيروت، عاصمة الجمهورية اللبنانية بتاريخ 2 أيلول 2014. وتعتبر رابطة نوروز عضواً فعالاً في المجلس النسائي اللبناني وفي لجنة الدفاع عن حقوق المرأة اللبنانية، ومؤخراً أصحبت الرابطة عضوة في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي.
تُعنى رابطة نوروز بشؤون الجالية الكردية اللبنانية بصورة عامة، وبقضايا النساء بصورة خاصة، دون أي تمييز أو انحياز في القومية أو العرق أو الدين.
من أهم أهداف الرابطة: هي توعية وتمكين المرأة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وحقوقياً، كونها ركيزة أساسية في الأسرة والمجتمع.
كما أنها تسعى ومنذ تأسيسها لتحقيق المساواة بين الجنسين، ولتمكين المرأة الكردية اجتماعياً وثقافياً وسياسياً. وفي هذا السياق قمنا بالعديد من المشاريع والبرامج، ووضعت الرابطة كل ثقلها على تنظيم العديد من النشاطات وورشات العمل والندوات الهادفة إلى توعية المرأة، وعقدت لهذا الغرض الكثير من اللقاءات مع جمعيات نسائية أخرى، مؤكدة خلالها على الدور الحيوي للمرأة في خدمة مجتمعها وبلدها، وهادفة بذلك إلى تعزيز تبادل الخبرات والمعارف.
كما اهتمت رابطة نوروز بهموم المرأة الكردية عموماً، فساندت كل صرخة وأيدت كل صوت طالب بالحقوق والحريات الأساسية. ولعل من أهم أنشطتنا في السياق، هو المؤتمر الصحفي الذي نظّمته الرابطة بالتشارك مع البرلمانية اللبنانية بولا يعقوبيان لمؤازرة عملية الإضراب المفتوح عن الطعام، الذي بدأ من قبل المعتقلات السياسيات الكرديات في تركيا دعماً ومساندة لقضايا الشعب الكردي، ولفك العزلة المطلقة عن المفكر الكردي عبدا لله أوجلان.
من أهم منجزات رابطة نوروز لعام 2023 هو المشاركة في تنظيم المؤتمر الإقليمي النسوي، بالتشارك مع رابطة ژين النسائية، والذي انعقد تحت عنوان “تجارب الحركات النسائية في الخروج من الأزمات” واتخذ من شعار” على هدى: Jin, Jiyan, Azadî مبدأ أساسياً لرسم إطار نقاشاته. إذ انعقد المؤتمر في العاصمة اللبنانية بيروت بمشاركة أكثر من مئة ناشطة من 12 بلداً، حيث تناول دور المرأة المحوري في مواجهة أزمات المنطقة، فضلاً عن تسليط الضوء على مسيرة وفكر وفلسفة المفكر عبد الله أوجلان.
وتم تسليط الضوء فيه على السياسة التوسعية الاستبدادية التي انتهجتها الإمبريالية العالمية والتي لا تزال مستمرة إلى اليوم، وتطال مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعيش في عالم مختل المقاييس تغيب فيه العدالة، ولا يحكمه سوى منطق الغلبة والقهر الممارس على النساء بدرجة مرعبة. واللافت بل والمميز في هذا المؤتمر أنه أشاد بالثورة النسائية الوليدة في إقليم شمال وشرق سوريا، وانتهى بجملة من التوصيات المهمة بخصوص قضية المفكر أوجلان.
كما نظمت الرابطة مع العديد من المنظمات والجمعيات النسوية الأخرى وقفات احتجاجية نسائية في 16 أيلول، وذلك بمناسبة مضي عام على استشهاد الشابة الكردية (جينا أميني)، وانطلاقة الانتفاضة الشعبية في إيران وروجهلاتي كردستان (شرقي كردستان)، تحت شعار Jin, Jiyan, Azadî. وذلك إيماناً من الرابطة بأهمية واستراتيجية شرارة هذه الثورة التي حملت رايتها المرأة، مرة أخرى، في بلدٍ طالما عرفه العالم بمدى قمعه للنساء. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، لأنها أول ثورة جماهيرية وشعبية معاصرة تتخذ من قضية المرأة ركيزة لها، ويهبّ كل المجتمع منتفضاً لأجل حرية المرأة.
ومؤخراً نظمت الرابطة ندوة أقامتها من ضمن باكورة نشاطاتها بمناسبة حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، من أجل دعم ونصرة المعنفات وحق المرأة بحياة كريمة بعيدة عن العنف. حيث أقامت الرابطة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر ندوة بمشاركة العديد من النسويات والناشطات في مقر الرابطة ببيروت، لتوعية النساء والحد من هذه الظاهرة التي تشهد ازدياداً في الآونة الأخيرة. وتم التنويه على أهمية التوعية لمواجهة العنف الممنهج ضد المرأة في جميع أنحاء العالم وخاصة في شمال شرق سوريا، والإشارة إلى الاغتيالات التي تستهدف الرياديات في كل من كردستان وفلسطين.
وحاضرت في الندوة نائبة رئيسة المجلس النسائي اللبناني ومسؤولة اللجنة الثقافية في المجلس، الأستاذة مقبولة قيس، التي بدورها شددت على أهمية العمل الجماعي من أجل التصدي للعدوان والهيمنة الذكورية التي تحاول القضاء على أي مقاومة نسائية تهدف للنهوض بالمجتمع من خلال النهوض بالمرأة، كونها الدعامة الرئيسية التي تقوم عليها حرية المجتمع والحياة العادلة والكريمة.
كما شاركت رابطة نوروز مع جمعيات نسائية أخرى في تنظيم ورشات عمل حول قوانين تجريم التحرش الجنسي، بحضور العديد من ضحايا التحرش، حيث سلطّن الضوء على مآسيهن في هذا الخصوص، وتم النقاش الموسع حول طرق وسبل الحد من هذه الظاهرة الكارثية، وتأهيل ضحاياها نفسياً وصحياً وتوعيتهن فكرياً، وكل هذه الأنشطة تصب في خدمة النساء في جميع المجالات.
كما كان للرابطة مساحة مهمة في الجلسات التدريبية التي نظمتها منظمة (فيفتي فيفتي)، بالتعاون مع UN Women ضمن برنامج ثورة النساء في (السياسة – بلديات)، إذ ركزت تلك الجلسات على أهمية المرأة في مواقع صنع القرار، وتم تسليط الضوء خلالها على القوانين المتقدمة التي أفرزتها ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، والتي تعد متقدمة حتى على أكثر البلدان التي تدّعي التقدم والتطور في هذا السياق. وتم التنويه في هذا الصدد، على سبيل الذكر، لا الحصر، إلى منع تعدد الزوجات، ومنع التزويج المبكر للقاصرات، والمساواة في الميراث، وإلغاء المهر، وغير ذلك من القوانين المتحضرة.
هذا وشاركت الرابطة في اللقاء التضامني الأممي الذي نظمه قطاع المرأة في الجبهة الديمقراطية الشعبية الفلسطينية، وذلك للمطالبة بوقف العدوان الصهيوني ورفع الحصار عن قطاع غزة. حيث شارك في هذا اللقاء أكثر من 25 منظمة وجمعية وائتلاف نسوي وشعبي من داخل وخارج لبنان، وكانت للرابطة كلمة حول أوجه التشابه بين القضية الفلسطينية والقضية الكردية، وكذلك مدى التشابه لدرجة التطابق بين أساليب العدوان الصهيوني (بزعامة نتنياهو) والاحتلال التركي الممنهج (بزعامة أردوغان)، حيث كل منهما يتّبع سياسة الأرض المحروقة والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي وضرب البنى التحتية على اختلافها، وذلك بغرض تمكين الاحتلال والتوطين.
وتم التنويه هنا إلى المجازر المروّعة التي يمارسها كل منهما على الشعبين الكردي والفلسطيني، وإلى دموع التماسيح التي يذرفها أردوغان في وجه نتنياهو بحجة أنه مع الشعب الفلسطيني. لكن، يبقى التأكيد على أن المجرم، أياً كان وأينما كان، يمارس نفس الأسلوب؛ وأن الضحايا دوماً هم الشعوب عموماً والنساء والأطفال خصوصاً.
من جهة أخرى، ومن أهم المنجزات التي تكتب للرابطة، هي العمل مع منظمة search for common ground”” (أي، منظمة البحث عن أرضية مشتركة)، وهي منظمة تتكون من مجموعة نسائية تعمل في البحوث والدراسات، وتناقش واقع الأقليات والمرأة في لبنان. حيث قامت الرابطة بكتابة دراسة وبحث موسع حول واقع الجالية الكردية اللبنانية بشكل خاص وواقع الأقليات بشكل عام. هذا وتم نشر الدراسة في مجلد خاص بالمنظمة، التي بدورها اعتبرت هذا العمل مهما جداً لبناء أرضية مشتركة للتعاون الدائم والمستدام.
كما تم العمل حول التوعية على الصحة الإنجابية والجنسية لأننا نؤمن بأن الصحة الإنجابية والجنسية هو حق من الحقوق التي يجب على المرأة التمتع بها مثل حقها في الحياة والعلم والعمل وغيرها من الحقوق. فكثيراً ما تكون انتهاكات حقوق المرأة المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية عميقة التجذر في القيم المجتمعية الخاصة بالحياة الجنسية للمرأة، بدءاً من الصور النمطية للمرأة داخل الأسرة. إذ إن النساء كثيراً ما يجري تقييمهن على أساس مدى قدرتهن على الإنجاب. إضافة إلى بعض العادات التي تشجع على الزواج المبكر والحمل المبكر والمتكرر على فترات شديدة التقارب، والتي تحدث غالباً نتيجة للجهود المبذولة بغية إنجاب ذكور بسبب الأفضلية التي يحظى بها الأبناء. هذه الممارسات شكلت تأثيراً مدمراً على صحة المرأة مع حدوث عواقب مهلكة في بعض الأحيان، وكثيراً ما تخضع المرأة أيضاً للّوم في حالة العقم، وتعاني من النبذ، وتتعرض لانتهاكات مختلفة لحقوقها كإنسانة نتيجة لذلك. في حين أنه لو كان العقم من نصيب الرجل، لَما لاقى مثل هذه المعاملة السلبية، بل غالباً ما يتم التكتم على ذلك، وفرض الإذعان والرضى بالقدر والنصيب على المرأة. وهنا تكمن المفارقة الكبرى، مثلما في العديد من المواضيع الحساسة، التي غالباً ما يتم تصنيفها في الإطار الخاص.
في ظل كل هذه التحديات والصعوبات يبقى دور الجمعيات والمجتمع المدني في غاية الأهميّة للوقوف أمام كل هذا الكم من الاضطهاد في حق النساء بتقرير مصيرهن بخصوص تكوين أسرة صحيّة والحفاظ على سلامتهن الجسدية عند الزواج.
أخيراً، وليس آخراً، وعلى رغم أن رابطة نوروز تتجه نحو اختتام عقدها الأول من عمرها، أي أنها ستكمل سنواتها العشر الأولى بعد أشهر عديدة، إلا أنه لن يكون مبالغةً القول؛ إنها قدمت الكثير للمرأة الكردية خصوصاً، وللمرأة اللبنانية ولنساء المنطقة عموماً. ويبدو أن الرابطة أثبتت جدارتها في تحمل المسؤوليات والواجبات الملقاة على عاتقها فيما يتعلق بحرية المرأة.
لكن، ومن باب الموضوعية، يمكننا القول في الختام أننا ما زلنا في بداية المشوار، سيما وأن القضايا التي تعاني منها المرأة أكبر بكثير مما نتصور. ويتحتم علينا بالتالي تصعيد أنشطتنا أكثر فأكثر، للتمكن من إهداء حياة حرة وكريمة لكل نساء المنطقة، وفي هذا الإطار وضعت الرابطة برنامج عمل موسع للوصول إلى الطموحات والأهداف التي وضعتها في جدول أعمالها لعام 2024.