الجنولوجيا، عدة أساليب.. والممارسة العملية
الجنولوجيا، عدة أساليب.. والممارسة العملية
“ علم الجنولوجي يعمل على خلق وعي جديد في المجتمع،
ويؤثر هذا الوعي على العلاقة بين الرجل والمرأة،
والفرد والمجتمع،
والأهم من ذلك، الاقتراب من الطبيعة،
فيحدث تغيير جذري“
بهار آورين
عضوة أكاديمية جنولوجي
مما لا شك فيه أن إحدى المهام الرئيسية للعلوم الاجتماعية هي تعريف الحياة. ولكن بسبب العقلية المتحيزة جنسيًا والمتمحورة حول أوروبا، لا يمكننا تعريف الحياة بطريقة عقيمة أو صحيحة، وفي نفس الوقت يكون لدينا منظور للمشاكل الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم إعطاء مكانة للمرأة كهوية اجتماعية في العلوم الاجتماعية يفضح التحيز الجنسي في العلوم أيضاً. ولهذا السبب فإن الهدف الأساسي لعلم الجنولوجيا، أي علم المرأة، هو تقييم هوية المرأة خارج الجانب البيولوجي بمنظور سوسيولوجي وتاريخي وباعتباره جوهر علم الاجتماع.
علم الجنولوجيا هو علم المرأة بقدر ما هو علم الحياة نظراً للطبيعة الاجتماعية لهوية المرأة وعلاقتها بالحياة. ومن الواضح أن نهج وتصرفات النظام الرأسمالي، الذي ينمو بتعاون الدين والدولة والثقافة الأبوية، معادية للمرأة والحياة والمجتمع. وفي مقابل هذا النهج التدميري والنهب الذي يعمق الأزمات الاجتماعية ويتغلغل في كل جذور المجتمع، هناك حاجة إلى علم جديد يقوم على تفسير علاقات القوة. إن مهمة علم الجنولوجيا كفلسفة وعلم جديدين هي إظهار طرق حل للقضايا وفقًا لبنية المجتمع الأخلاقي والسياسي.
كما أن علم الجنولوجيا يبحث في الحدود التي تعرف بالعلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية بين العلوم ويقول إن كل علم هو في الأساس اجتماعي والعلم يجب أن يعود إلى طبيعته الاجتماعية. وإلى جانب تطوير أساليب جديدة، يستفيد علم الجنولوجيا من أساليب وتجارب الحركات النسوية، والحركات الفامينية في العالم، والحركات البيئية والمناهضة للنظام، ويطور ثقافة المقاومة النسائية. ومن خلال تفسير قضية المرأة في الشرق الأوسط ومناطق العالم الأخرى وفقا لواقعها التاريخي والاجتماعي، يسعى علم الجنولوجيا لـ تحليل المشاكل التي عاشتها الحركات النسوية والفامينية حتى الآن، والمساعدة في التغلب عليها.
لذلك يمكن القول؛ إن علم الجنولوجيا هو علم جذري يقوم على تغيير الوعي السائد وجميع الأنظمة الهرمية ويحاول التطور في إطار النموذج الديمقراطي والبيئي وحرية المرأة وبناء الوحدة بين الأفكار والاقتباسات وتعزيزها. جذور الحرية والمساواة.
في عالم تهيمن فيه الحداثة الرأسمالية وأيديولوجيتها الليبرالية على المجتمع وتستخدم الناس والطبيعة كأداة لزيادة وتوسيع وجودها، فهنا يأتي الدور البارز لعلم الجنولوجيا. الهدف من علم الجنولوجيا هو فتح أبواب جديدة لتحديد العلم والغرض منه وتعريفه. إطار عمل علم الجنولوجيا هو الكشف عن القيم الاجتماعية، والاستفادة من خبرات وكينونة المرأة لتحليل المجتمع وإخراج العلم من احتكار الوعي الذكوري والتمييز الجنسي. كما أن علم الجنولوجيا هو علم مجتمعية المرأة في مواجهة علم الاجتماع المعاصر الذي يخدم النظام الرأسمالي الذي يعمق استعباد المرأة ويضفي الشرعية على ذلك النظام ببنياته المختلفة.
لقد تشكلت ثقافة الذكورة ووعيها خلال عملية استمرت ألف عام، لكن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تتغير. إن النضال النظري والاجتماعي والثقافي ضروري من أجل التغيير. منذ بداية هذه الذهنية الذكورية، كان من المفيد دائماً أن تقوم الحكومات بحمايته وإعادة بنائه. وفي النهاية، تم فرض هذه الذهنية على المجتمع كواقع وأيديولوجية.
لذلك، وللتغلب على هذه الثقافة، هناك حاجة إلى تعريفات صحيحة ورؤية جديدة وإنهاء النظريات الجنسوية. ولهذا فإن أحد أهداف علم الجنولوجيا، كما ذكرنا مراراً، هو تحليل جذور وعملية تشكيل هذه الثقافة ووضع الحلول النظرية. أحدها هو مشروع “تغيير ذهنية الرجال – من الذهنية الذكورية إلى الفكر المتحرر” الذي تم تطويره داخل حركة حرية كردستان وأحد الأنشطة الرئيسية لتغيير الثقافة التي يهيمن عليها الذكورية.
في السنوات الأخيرة، تم التركيز على هذا الأمر كجزء مهم من عمل علم الجنولوجيا. ويركز على قضايا تحليل وجود الرجال أيضاً والتربية وتأثير السلطات على التربية والحاجة إلى الحرية للجنس الذكر. يصبح هذا موضوعاً أساسياً في التعليم والبحث في أكاديمية الجنولوجي. وفي عام 2023، وخاصة في إقليم شمال وشرق سوريا، أقامت مركز أكاديمية الجنولوجي دورات تدريبية وندوات للرجال من الشهباء إلى ديريك، وكانت هذه الأنشطة الفعالة جداً.
ويرتبط بهذا موضوع آخر للعمل وهو التعايش الحر وبناء الأسرة الديمقراطية. كيف يمكن للرجال والنساء أن يعيشوا معاً على أساس الوجود؟ وهذا أيضاً محاور للمناقشة والإبداع. أحد مفاتيح ذلك هو نظام الإدارة المشتركة. إن التمثيل المتساوي للرجال والنساء في إطار نظام القيادة المشتركة القائم على “التعايش الحر” يمكن أن يكسر الأنماط والمعايير القائمة في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية ويبني ثقافة جديدة تقوم على المساواة.
لأن التعايش الحر تشمل كافة العلاقات الثقافية والسياسية والعاطفية والاجتماعية بين الرجل والمرأة والتي لا تدخل في إطار العلاقات الأسرية والزوجية. ويهدف نظام الإدارة المشتركة إلى تغيير العقلية والأنماط الحالية بما يتجاوز وضع المرأة في الساحة السياسية.
هناك عامل مهم آخر يمكن أن يقوي العلاقات إلى قوة وهو “التدريب”. يمكن للرجال والنساء ذوي المعرفة العميقة التاريخية والثقافية، التغلب بسرعة أكبر على الحدود التي تم رسمها والتغلب على المفاهيم التي تم تكوينها منذ آلاف السنين. ولهذا السبب، تم تقديم الكثير من الدورات التدريبية في المجالس والمؤسسات والأكاديميات العامة. تم عقد ورشات عمل ومؤتمرات. وبالإضافة إلى تلك الأنشطة، أصبح مادة الجنولوجيا في مناهج المدارس الثانوية.
وأيضاً افتتاح قسم “الجنولوجي” في جامعة روجآفا وعملها الأساسي هو توعية الفئة الشابة على طرح الأساليب والحلول العديدة لمعرفة حقيقة المرأة الواعية والرجل الواعي. وفي ذكرى شهادة الرفيقة ناگيهان اكارسيل، تم افتتاح (دار الدراسة لـ ناگيهان أكارسيل) في حلب.
في باكوري كردستان – شمال كردستان، وبسبب ضغط العدو وآثار الزلزال الذي حدث في 6/شباط/2023، أجريت دراسات الجنولوجي، خاصة فيما يتعلق بقضايا العيش الحر والسياسة الديمقراطية والبيئة. تم إجراء ورشات عمل عبر الإنترنت والنقاش على أكاديمية الجنولوجي مع الشباب والأمهات. وتم إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية. وفي باشوري كردستان – جنوب كردستان، استمرت الندوات والمناقشات حول قضايا الجنولوجي والمشاريع الفنية والأدبية.
تم إصدار كتاب “مشروع الذاتانية”، وبدأت الاستعدادات لمشروع الذاتانية” الثاني. الذاتانية – كانت الذاتانية من نتاج مجموعة من النساء الفنانات. كما تم تأسيس مشروع مكتبة المرأة الكردية الذي يهدف إلى تطوير النشاط الفكري للمرأة والحفاظ على أعمال المرأة.
أصبح عمل علم الجنولوجيا وأهمية علم المرأة أكثر وضوحاً وعالمياً. تسعى أكاديمية جنولوجيا للمرأة إلى بناء علاقات مع النساء في جميع أنحاء العالم وأيضا للتعريف بأمراض النساء ولعب دور بناء في تطوير النضال الأكاديمي للمرأة ضد أي موقف مناهض للنسوية. تم تنفيذ عمل أكاديمية جنولوجيا للمرأة بعدة طرق في البلاد وخارجها. يتم تنفيذ هذا العمل من خلال البحث الأكاديمي والتعليم والفن من خلال أنشطة الأكاديمية لأجل شرح أكاديمية الجنولوجي. ورأينا بأن بعد الكثير من الدورات والأبحاث التي ظهرت، بأن مصدرها أكاديمية الجنولوجي. وحتى يمكن للنساء ومن مكونات مختلفة إيجاد الأجوبة الصحيحة لكافة الأسئلة والتساؤلات المتعلقة بالذاتانية.
ومن الأنشطة الرئيسية لمركز الجنولوجي في أوروبا، وخاصة في دول ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا، بالإضافة إلى البحث والتعليم، وتأسيس معسكرات الجنولوجي، والتي أقيم كل منها باسم الشهيدات.
في عام 2023 حيث تم تسمية هذه المعسكرات بأسماء الشهيدات مثل؛ إليفتيريا، وشهيدة تافين تيكوشين، وناگيهان أكارسيل والشهيدة أفين گوي. وضمن هذه المعسكرات تم النقاش على موضوعات مثل الحرية والهجرة وتضامن النساء والفردية والذكورة والبيئة والقضايا الأكاديمية. كما دارت مناقشة خاصة بين أكاديمية جنولوجيا للمرأة والأوساط النسوية حول العلاقات بين الجنسين والصحة والعدالة الاجتماعية. لقد أتاح العمل الذي تم إنجازه عبر الإنترنت (أونلاين)، وبنفس الوقت إتاحة الفرصة للجميع لفتح الحوارات الديمقراطية والثقافية.
كما عقد في العام الماضي عدة مؤتمرات مهمة مثل مؤتمر فيينا تحت مسمى “نريد قوتنا” ومؤتمر هامبورغ للمفكر عبد الله أوجلان، ومؤتمر لوزان والحداثة الديمقراطية في كولومبيا والذي شاركت فيه أكاديمية الجنولوجي كان مفعماً بالنشاط والحيوية. ولا شك أن تبادل الخبرات والإنجازات التي تم اكتسابها يأتي في خدمة ثورة المرأة.
من أنشطة أكاديمية الجنولوجي الكتابة والبحث. وفي العام الماضي تم توزيع ونشر كتاب قصائد الشهيدة ناگيهان أكارسيل بعنوان “نيسان”. تم نشر كتاب ” مقتبسات دروس الجنولوجي”. كما تمت ترجمة ونشر كتاب “الأساس التاريخي لثورة المرأة ومستقبلها” باللغة العربية. تم إعداد كتاب أبحاث الهجرة لنساء مخمور. كما صدر كتاب “جين، جيان، آزادي” باللغة الإيطالية. صدرت مجلة جينولوجي بعدد خاص من المقالات لنگيهان أكارسيل باللغتين التركية والصورانية. وبالإضافة إلى ذلك، صدرت مجلة الجنولوجي عن الحركات الاجتماعية في الشرق والشمال، ويجري أيضاً إعداد المجلدات الخاصة بالغرب والجنوب.
علم الجنولوجي نفسه يعمل على خلق وعي جديد في المجتمع. ويؤثر هذا الوعي على العلاقة بين الرجل والمرأة، والفرد والمجتمع، والأهم من ذلك، الاقتراب من الطبيعة، فيحدث تغيير جذري. وبطبيعة الحال، لن يحدث هذا التغيير في وقت قصير، وهناك حاجة إلى التعليم والتنظيم والمؤسسات التي تمثل تمثيلا متساويا للرجال والنساء. إننا نعيش في عصر الأزمات والمشاكل الاجتماعية والبيئية والفكرية العميقة. لا يمكن تغيير هذه المشكلة إلا من خلال منظور ونموذج جديد. وكل عصر يحتاج إلى ثورة علمية ووعي حسب خصائصه. فقط من خلال علم المرأة يمكننا بناء حياة ووعي جديدين والعيش والعمل وفقًا لمعايير المجتمع الأخلاقي والسياسي.