إلى روح الراحلة الأديبة والكاتبة والشاعرة والقاصة: فوزية جمعة المرعي
حفيدة توتول
“روحكِ السرمدي منقوش على صفحات الجمال
لمسات أديبة إنسانية
امرأة قوية، شاعرة، قاصة،
وفراشة تبحث عن الجمال دوماً”
إلى روح الراحلة الأديبة والكاتبة والشاعرة والقاصة: فوزية جمعة المرعي
نرجس إسماعيل
لا زالت آخر قصيدة لكِ بين أنامل أمواج الفرات وعلى صفحات مجلتنا تعطي الدفئ والثقافة وآفاق المرأة:
خفف الوطءَ
خفف الوطء.. وامش الهوينى
حين تستهويك هذه الآفاق..
هذه الحقول.. أنتِ معولها..
وأنتِ يخضورها الساري في أغصانها
خفف الوطء ولا تتذمري..
فهذا الدرب قد عبدته الجدة في غدو ورواح..
هو لم يكن درب الحبيب إلى اللقاء..
لكنها قد تلتقيه في ربيع أو خريف إذا ما العشقُ شاء.!
وهذي شقائق الصبر على الوهاد
تعتّقُ لُعابَ الشمسِ في أوانٍ بسردابِ الأرض
كوني معولاً يغوصُ في كبدِ الحقيقةِ والخيال..
فقط ْخففي الوطءَ وغوصي بين الترائب والتراب
واتركي أناملَ قدميكِ ترضعُ من ضروع
الأرض صيفاً وشتاءً.. في الذهاب والإياب..
ـ 2 ـ
تزهو كروم التين والزيتون على السهوب والجبال
وعلى الوهاد..
تأملي النقش المسماري على الجذوع..
وحاولي فكَّ الرموز بعقل فلسفي.. علمي.. وأدبي
ستفتكُ بكِ الدهشةُ وتدورين حول نفسكِ ذاهلةً
مثلَ صوفيٍّ يحلّقُ بينَ الأرض ِوالسماء…!
تَيمَّمي بقبضةٍ من تراب الأرض وناشدي
كلّ ذرةٍ أن تشدو لك أناشيد الأجيال..
خففي الوطء، فبين أخاديد هذي الأرض
بذرة حكمة.. وبذرة ورد.. وبذرة حب..
انسلي من حاسوبك الذهني حبلاً..
ثبتيه بين رحم الأرض.. وسرّة السماء
علّقي عليهِ صحائف رؤاكِ..إرادتك..عقلانية جرأتك
آمالك وملاحم أشعارك..
واصدحي بين النجوم بترتيلة:
كنتي يوما.. وها أنا اليوم.. وسوف أكون …!
بقدر ما شاء قلبكِ؛ جلستُ على حافة عشقكِ مرة أخرى، وكأنني وأنتِ نكتبُ الشعر مثل كل مرة، أكتبُ معكِ. أتذكر مرة أخرى تلك اللحظات التي ألقينا فيها قصائد على نساء مظلومات، تحدثنا عن السمكة الزرقاء والأمنيات، عن السماء الصافية، عن تراب بلد مليء بحب المرأة، عن آمال النساء المدفونة، صرخات وأماني العديد من الأمهات اللاتي تركن طموحاتهن مع أمواج نهر الفرات.
أنتِ؛ تلك الفراشة التي كانت تطير بكل حرية في السماء الشمالي وترفرف على زهورها وورودها، لتنثر رحيق الحياة في كل مكان. أنتِ؛ الماء الصافي الذي كان يلقب دائمًا بجمال الحياة. كثيرون قاتلوا من أجل هذا الوطن بسلاحهم، وأنتِ أعطيت للقصيدة معنى بقلمكِ ومشاعركِ وصفحاتكِ البيضاء.
لقد تحدثتِ عن المرأة، والحياة والحرية على صفحات منشوراتكِ. كتبتِ تلك الصراخات والآهات للنساء المجروحات. ومن قناديل النور المضيئة التي نادت بأسماء تلك الفتيات والنساء لجريان ماء دجلة والفرات. لقد كتبتِ لهؤلاء النساء اللاتي فقدن في ريعان شبابهن أجمل الأهداف والخيالات. حولتِي ألوان عيونهن الربيعية، وآمالهن الجميلة إلى لون القوس والقوزح في قصائدكِ وقصصكِ ورواياتكِ. نشرتي ابتسامات الأطفال على أرض الوطن المتكامل الذي كان يفتخر بكِ. أينما كنتِ كان هناك أثر لكلماتكِ وحفلات مبهرة بأمسيات شعرية وأدبية وتمردية.
أنتِ؛ مثل تلك الفراشة التي كانت تنتظر مجيء الربيع لتطير فوق كل وردة وزهرة وتتغذى على ماء الورد ورائحته. أنتِ الطاغية على الظلم وعدم العدالة، كنتِ باحثة الحرية على ضفاف دجلة والفرات. أنتِ الشاعرة التي لا تزال تنقب في أراضي توتول وحوافي ماري ترفرفين مع الحمامات، بقلمكِ وحبره وأوراق عشقكِ، لتجدين آثاراً للنساء الحقيقيات، كنتِ تكتبين كي تنيري الحقيقة للحياة.
يا أم الجديلة
يا أم الضفاير
يا أم الهبرية
يا ممشوق الروح والجمايل
يا عشق التراب والوطن
يا مغزولة كل ألوان الغزايل
قلتِ: “سأَسْبحُ من توتول إلى ماري، وسأُبْهِجُ القلب بالسلام والحرية”. في عمر 76 عامًا، قلتِ وداعًا، لكن روحكِ ما زالت تحلق على تلك الأجنحة. بقدر ما حصلت على العديد من الجوائز، فإن قيمة أحلامكِ كان لها صدى من أجل السعادة والعاطفة الجياشة. لم تكن الرقة وحدها كئيبة، بل كان كل أهل ذاك النهر في حداد حزين. أنغام أمواج تلك الأنهار تنتظركِ، تعالي من جديد واستدلي ستائر الأمل لهذه الحياة.
حتى ضفائر الفرات الوهاجة لم تصدق رحيلكِ!!. كانت زهور آذار تنتظر مجيئكِ، وأنتِ رحلتي على غفلة. لا أصدق أن رحلتكِ ستستمر تحت التراب، رحيلِ حزن ووجع، وألم عميق. لن ترى عيناي بصركِ بعد الآن، ولن تسمع أذني صوتكِ الرنان. منذ صغركِ وحتى آخر لحظة في حياتكِ، لم تعشقي شيئاً أكثر من القلم. كم سئمتِ من الظلم، كم سئمتِ من الحرب والعنف والشدة على التراب والمرأة، فحملتِ قلمكِ كقناديل الليل لتنشري النور والمحبة والسلام والأمان في كل مكان.
انخرطت في الساحة الأدبية منذ صغرها ووجدت حرية مشاعرها في هذا المجال. كلما كانت تبحر مثل أمواج نهر الفرات، كلما كان قلمها ينير الأدب الإنساني. كانت واحة الزهور الصفراء وأم الهباري الأصيلة. شاركت في العديد من المهرجانات، والمناسبات والأمسيات، أينما كان هناك نغمات ناي القصيدة، كانت هناك، وحيثما كان هناك قطرات ماء القصة كانت هناك. كانت تستوحي إلهامها من طبيعة نهر الفرات. صحيح لم تنجب أولاداً جسدياً، ولكنها كانت أماً للقلم، ونتاجاتها كانت أولادها فكانت تضعهم في المهد وتهزهم كل لحظة. وفي كل المراحل كانت قادرة بأن تتغزل بمدينتها الرقة وترابها التاريخي.
الراحلة والعزيزة والغالية فوزية جمعة المرعي التي زركشت زاوية “همسات شعرية” بحبرها وقلمها الهياج في مجلتنا. مهما كان رحيلكِ قاسياً بالنسبة لنا فإن زاويتنا ستبقى واحة لحرية قلمكِ وقصائدكِ. باسم مجلتنا المرموقة آفاق المرأة وباسم كافة الكاتبات والأديبات نقدم أحر التعازي لعائلة الراحلة فوزية جمعة المرعي، ونتمنى لهم الصبر والسلوان، وكافة السورين. نكتبها وبكل صراحة بأن النساء العظيمات هن المبدعات والمناضلات والمضحيات بكل ما يملكن، الراحلة فوزية المرعي من إحدى النساء اللواتي سطرن الجمال والأمل بقلمها وحبرها الدفاق. ستبقى ذكراها كما ازدهار ربيع آذار ولن ينساها دجلة والفرات، وستبقى قناديل النور في يدها لتنير لنا ضياء الحقيقة دوماً. لروحها الرحمه والسلام.
الراحلة فوزية جمعة المرعي كاتبة وشاعرة وقاصة واديبة/ أسست أول منتدى ثقافي بإدارة نسوية في الرقة/ مواليد حميدية الرقة 1/2/1948/ أصدرت أول كتبها المطبوعة عام 1998، لتتالى بعدها بقية أعمالها: 1 ـ قناديل الوجد ج1 ـ دار المقدسية ـ حلب ـ 1998 ـ خواطر وتأملات. 2 ـ قناديل الوجد ج2 ـ دار الاتحاد ـ الرقة ـ 1999 ـ خواطر وتأملات. 3 ـ غريبة بين الشاهدة والقبر ـ دار المقدسية ـ حلب ـ 1999 ـ رواية. 4 ـ بحيرة الشمع ـ مطبعة الاتحاد ـ الرقة ـ 1999 ـ مجموعة قصصية. رحلت يوم الأحد، عن عمر ناهز الـ 76 عاماً، في منزلها بمدينة الرقة/ |