قضية المرأة هي الركن الأساسي لفك كافة القضايا

 

قضية المرأة هي الركن الأساسي لفك كافة القضايا

“تدريب وتنظيم النساء هدفها نشر الوعي والمعرفة،

لمواجهة العادات والتقاليد البالية،

وتوحيد العمل النسوي العالمي”

 

شيراز حمو

 

الذهنيات التي لم تتمأسس على فكر وثقافة المرأة – الأم هي معبرة عن ذهنية تعصبية جنسوية وعنصرية وقوموية ودينوية. ونتيجة ذلك تولدت الأزمات التي يغلب عليها الطابع الدوري وأيضاً القضايا التي تعاش يومياً في الأحداث والظواهر والعلاقات والمؤسسات، وهذا ما نشهده في القضايا الاجتماعية حيث تقوم بؤر السلطة بالقمع والاستغلال، فتتأثر المرأة سلبا من مركزية الرجل ونظامه الهرمي.

تعد قضية المرأة منبع كل القضايا، لذا فإن تقييم القضايا التي تعاني منها المرأة بالدرجة الأولى داخل المجتمع ضمن أبعادها التاريخية والاجتماعية يتحلى بالأهمية. إذ نلاحظ أن هرمية رجولية (النظام الأبوي) صارمة قد سيطرت وتأسست على المرأة، حتى قبل العبور إلى المجتمع الطبقي والدولتي. وينعكس تأنيث المرأة كما هو تسلسليا على المواضيع والأدوات الذكورية في المجتمع المعرض للاستغلال والقمع والاضطهاد. ولدى إضافة القضايا الناجمة عن أجهزة القمع والاستغلال الرأسمالي الراهن أيضا إلى تلك القضايا ذات الجذور التاريخية، يغدو لا مهرب أمام المرأة من عيش حياة يحفها كابوس مرعب حقا داخل المجتمع الشرق الأوسطي بالذات.

نضال الحركات الفامينية

إن نضالها الشاق استطاع أن يحدث فارقا كبيرا في العالم، من خلال إطلاق حملات وحركات عدة أهمها الحركة النسوية التي عملت لصالح حقوق المرأة بهدف المساواة بين الجنسين على عدة أصعدة، منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وسميت بالفامينية باللغة الانكليزية في القرن التاسع عشر، بعد أن صاغه الفيلسوف الفرنسي (شارل فوربييه)، للمرة الأولى في العام 1837.

تنوعت الحركات النسوية وتأثرت بمراحل تاريخية مختلفة، لكنها انطلقت من مفهوم اللامساواة والحقوق المسلوبة والنظرة الدونية. لقد تطورت عبر العديد من الأحداث التاريخية والتغيرات الديمغرافية والأوضاع السياسية التي حكمت مجتمعات المنطقة. بالاستناد غلى نضال بعض الشخصيات النسائية كالكاتبة الإيطالية الفرنسية كريستين دي بينزان (1430،1364) في كتابها (مدينة السيدات).

ومناشدات كوندروست المتكررة أمام الجمعية الوطنية في (1790،1789). وردود الناشطات النسويات في القرن التاسع عشر على الظلم الثقافي، بما في ذلك القبول الخبيث والواسع النطاق للصورة الفيكتورية التي انطلقت ما بعد عصر النهضة.

الصورة التي سادتها تحمل المرأة لسيطرة زوجها عليها، وقسوته بما فيها العنف الجنسي، والإساءة اللفظية، والحرمان الاقتصادي ولم يكن لهن أي سبيل للخروج.

كانت هناك موجات نسوية منفصلة، وربما الأمواج تأتي أسرع. خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث يسعى النشاط النسوي إلى الفوز بحق المرأة في الانتخاب، وحقوق تعليم الإناث، وظروف عمل أفضل، وإلغاء المعايير المزدوجة للمساواة بين الجنسين.

الحركات على المستوى العالمي

برزت تلك الحركات على المستوى العالمي التي اختلفت في الأسباب والأهداف و النوايا اعتمادا على الوقت، والثقافة، والبلاد. وعلى الرغم من أنها ظهرت في وجه الأنظمة السلطوية، إلا أنها فشلت ووقعت في نهايتها في شباك الأمراض السرطانية كالسلطة والدولتية وغيرها.

 وذلك لعدم التشخيص اللازم لتلك الحالة السرطانية والتحليل والتعمق بالشكل المطلوب. إلى جانب التمتع بذاتيانتها لتستجمع قواها وإرادتها حتى تستطيع تغيير واقعها والكشف عن الحقيقة. كذلك من أجل تكوين براديغما استيراتيجية نضالية خارج نظام وذهنية الدولة والسلطة، وبذلك غدت زائفة لأهدافها في المساواة والحرية والديمقراطية.

إلا أن القائد والمفكر عبد الله أوجلان اعتمد في تناوله التحليلي للفامينية وواقع المرأة إدراك الوعي الأيديولوجي والتسلح بها تجاه الممارسات الدولتية والذهنية الذكورية، وامتلاك الإرادة الحرة هنا يستلزم الأمر التوقف على الحيثيات بشكل مستفيض، لكي تتوضح لنا الإجابة عن السؤال المطروح وهو لماذا لم تنتج تلك الحركات ثمارها في البحث عن الحقيقة الجوهرية للمرأة.

 كانت الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي تستوجب حل قضية المرأة فيها، كونها مهد البشرية ومهد الحضارات حيث شهدت هذه المنطقة الكثير من الثورات كالثورة النيوليتية والتي مازالت تقتات عليها البشرية إلى يومنا الحالي. والمعروف أنه يعود الفضل في هذه الحقبة للمرأة الأم والتي كانت القوة الأساسية في تكوين المجتمعية. وتأمين الأمن للجماعة وإدارة شؤونها دون الارتكاز إلى الادخار والملكية لذا كان ينظر إليها كآلهة. وهذا ما دفع الكثير من النساء اللاتي تعود بأصولها لتلك الألوهية والانخراط في العمل النسوي لقيادة مسيرة المساواة. ومن بين أهم الأسماء المؤثرة التي تحدت العالم، وقاومت باسم حرية المرأة وحقوقها، الصحفية والكاتبة السورية (هند نوفل) من مواليد 1860. التي تعتبر أول امرأة في الشرق الأوسط تنشر مجلة (نسائية كليا). وكذلك الناشطة المصرية (هدى الشعراوي) من مواليد 1879، والتي اشتهرت بنضالها من أجل تعليم الفتيات والنساء في مصر.

جميلة بوحيرد في الجزائر؛ التي ساهمت بشكل مباشر في الثورة الجزائرية. وليندا مطر وهي مناضلة لبنانية رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية، وسمية خليل مناضلة فلسطينية أسست جمعية الاتحاد النسائي العربي في مدينة البيرا وأيضا جمعية إنعاش الأسرة مع مجموعة من النساء الفلسطينيات. كما كان للنساء الكرديات باعا من النضال التاريخي والمعاصر منهن: حليمة خانم من هكاري حاكمة ولاية (باش كالا)، والشابة فاطمة اعتلت منصب حاكمة لقبيلة إزدينان الكردية، والسيدة مريم من عائلة نهري تحكم تلك المنطقة آنذاك، وعيلة خانم حاكمة قبيلة جاف. إلى جانب روشن بدرخان المرأة الأولى التي كتبت بالكردية اللاتينية بمجلة هاوار بدمشق، وكتبها المؤلفة والمترجمة، إنها رمز من رموز الثقافة الكردية.

وكما حلل المفكر عبد الله أوجلان بأن الفامينية هي: “تمرد أقدم المستعمرات”. وباستطاعتنا القول إن أي عمل تقوم به المرأة هو عمل نسوي الذي ترجم فيما بعد إلى حركة نسوية وعرف بمصطلح الفامينية، وقد أدى المزيد من العقم، نظرا لبعده عن توصيف قضية المرأة بدقة ولتهيئته الأرضية لظهور النزعة الرجولية كطرف مضاد. فكأنه يعكس معنى يدل على أنها المرأة المسحوقة التابعة للرجل المهيمن وحسب.

بيد أن واقع المرأة أوسع نطاقا بكثير. إذ يشتمل على معاني ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية شاملة تتعدى نطاق الجنسية. فإذ ما أخرجنا مصطلح الاستعمار من إطار البلد والأمة، واختزلناه إلى المجموعات البشرية، فباستطاعتنا وبكل سهولة تعريف وضع المرأة بأنها أقدم المستعمرات. ففي الحقيقة ما من ظاهرة اجتماعية شهدت الاستعمار روحا وجسدا بقدر ما عليه المرأة. ينبغي الفهم بأنهم الإبقاء على المرأة ضمن حالة مستعمرة لا يمكن رسم حدودها بسهولة.

إن السطور التي تتطرق إلى المرأة لدى حديثها عن الرجولة التي تركت بصماتها على علوم الاجتماع مثلما تركتها على كافة العلوم الأخرى؛ مشحونة بالمواقف الدعائية التي لا تلامس الواقع بتاتنا. فالوضع الحقيقي للمرأة ربما طمس بهذه العبارات أربعين ضعفا مما عليه حجب التمايز الطبقي والاستغلال والقمع والتعذيب القائم في تاريخ المدنية.

مصطلح الجنولوجيا

من هنا؛ فمصطلح علم المرأة Jineolojî قد يرمي بنحو أفضل إلى الهدف المأمول عوضا عن اصطلاح الفامينية. فالظواهر التي سيبرزها علم المرأة لابد أنها لن تكون واقعية مما عليه العديد من الأقسام العلمية المنضوية تحت فروع علم الاجتماع. وكون المرأة تشكل القسم الأفسح من الطبيعة الاجتماعية جسديا ومعنى أمر لا يقبل الجدل.

ستبقى طبيعة المجتمع برمتها غير منيرة، مادامت طبيعة المرأة تعوم في الظلام الدامس. فالتنوير الحقيقي والشامل للطبيعة الاجتماعية غير ممكن إلا بالتنوير الحقيقي والشامل لطبيعة المرأة. والبحث في حقيقة المرأة بصفتها إجمالي الذات والموضوع.

لاريب أنه ينبغي على الحركة الفامينية أن تكون الحركة الأكثر راديكالية في مناهضة النظام على ضوء هذه الحقائق. فالحركة النسوية التي يمكننا عزو أصولها بحالتها العصرية إلى الثورة الفرنسية، قد وصلت يومنا الراهن بعد مرورها بعدة مراحل.

حيث تم الاندفاع وراء المساواة القانونية في المرحلة الأولى. والتي لا تعني الكثير. إذ ثمة مستجدات شكلية في حقوق الإنسان، مثلما الأمر في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوق الأخرى. فالمرأة حرة ومتساوية مع الرجل ظاهريا. بينما أهم أشكال الضلال والخداع مخفي في ذاك النمط من المساواة والحرية.

إن حرية المرأة ومساواتها وديمقراطيتها تقتضي الأنشطة النظرية الشاملة للغاية، والصراعات الأيديولوجية، والنشاطات النظامية والتنظيمية، والأهم من ذلك أنها تتطلب الممارسات الوطيدة. ومن دون كل ذلك، فالفامينية والنشاطات النسائية لن تذهب في معناها أبعد من كونها فعاليات نسائية ليبرالية تسعى إلى الترويح عن النظام القائم.

ولتطور علم المرأة دور هام في توضيح كيفية حل قضايا المرأة بمنوال سليم. وكذلك علم الجمال الذي هو بحد ذاته موضوع وجودي بالنسبة للمرأة، كونه يعني تجميل الحياة. فأواصر المرأة مع الحياة أوسع نطاقا بكثير قياسا بالرجل. ورقي بعد الذكاء العاطفي متعلق بذلك. وتطوير علم الاقتصاد كجزء من علم المرأة له انعكاساته على كفاح المرأة فهو نشاط اجتماعي بحد ذاته. من الواضح أن حركة الحرية والمساواة والديمقراطية النسائية، التي تستند إلى علم المرأة الذي يحتضن الفامينية أيضا بين ثناياه؛ ستؤدي دورا رئيسيا في حل القضايا الاجتماعية.

طرح المفكر عبد الله أوجلان التغيير البراديغمائي (منظار التغيير الصحيح)، ألا وهو؛ براديغما المجتمع الأيكولوجي المتحرر جنسويا وترسيخها على أرض الواقع من خلال مقولة: (المرأة المتحررة تعني مجتمعا متحررا والمجتمع المتحرر هو أمة ديمقراطية)، وبفضل ذلك أصبحت المرأة في الشرق الأوسط وخاصة في كردستان تتمتع بالوعي والإرادة الحرة وبناء تنظيمها الخاص، والتسلح بأيديولوجية تحرير المرأة والنضال ضد الذهنية الذكورية والممارسات السلطوية.

وقد اتخذت الحركات النسائية والمنظمات النسوية في إقليم شمال وشرق سوريا من ذلك أساسا في نضالها، وخطت خطوات فاعلة على أرض الواقع متجسدة في مكتسبات ثورة المرأة، والتي تحققت بفضل التضحيات الجسام التي قدمتها المرأة متمثلة في الشهيدات آرين وريحان ويسرى هند وسعدة وزينب ساروخان وشرفين وجيان طولهلدان وغيرهن.

وتدريب وتنظيم النساء لنشر الوعي والمعرفة، لمواجهة العادات والتقاليد البالية، وتوحيد العمل النسوي لتشكيل جبهة نسوية لمواجهة السياسات الهادفة لكسر إرادة المرأة وإبادتها. وكان لتشكيل منصة الفعاليات دورها في ذلك.