الشهيدة “راپرين آمد” المرأة المناضلة والمكافحة لأجل الحريةِ والحياةِ المجتمعية

 

الشهيدة “راپرين آمد”

المرأة المناضلة والمكافحة لأجل الحريةِ والحياةِ المجتمعية

 

 

ستستمرُ الحياة مادام هناك شهداء

 يسطرون البطولات على أرض الوطن،

هم ينشرون الحرية بروحهم ودمائهم الطاهرة،

 التي روت التاريخ  ببطولاتهم الكثيرة”

هاجر زاغروس

 

كانت معروفة باسم “الرفيقة راپرين آمد”. أما اسمها الحقيقي فهو “دلال عزيز أمين أوغلو”. ولدت عام 1969 في مدينة آمد (فارقين – سيلفان). بقيت فترة في شمال كردستان، وبعدها انتقلت مع عائلتها إلى مدينة أنقرة لتكمل دراستها. ولكن في المرحلة الثانوية لم تكمل الامتحانات، لكي ترجع مرة ثانية لـ كردستان. الشهيدة راپرين من عائلة وطنية وهي حفيدة شيخ سعيد، عائلة عزيز أوغلو، عائلة معروفة وكبيرة في آمد. وهم معروفون بثقافتهم الوطنية.

في عام 1992 انضمت لحركة التحرر الكردستانية. وفي بداية انضمامها بقيت “آمد” (مدينة المقاومة والحياة التي تكللّت بروح وشعلة مقاومة الشهيد مظلوم دوغان)، ثم انتقلت إلى ساحة القيادة للقائد عبد الله أوجلان في العاصمة دمشق سنة 1996، تلقت دورة تدريبية فكرية، ثم انتقلت إلى مدينة حلب لتأخذ مكانها ضمن الإدارة، وبعدها انتقلت إلى جبال كردستان. وتبقى فترة وجيزة في الجبال، بعدها تم فرزها للانضمام إلى الفعاليات التنظيمية الخاصة بالمرأة في ساحة أوروبا لتكمل نضالها، بقيت حوالي خمسة سنوات.

وبعد خمسة أعوام في أوروبا، طمحت الشهيدة “راپرين” دوماً إلى الرجوع إلى أحضان طبيعة كردستان الخلابة واشتاقت إلى رفاقية الگريلا. وعندما رجعت للوطن مزقت جواز سفرها، كي لا ترجع مرة أخرى لأوروبا. وقالت: ” إنني لا أحب البقاء في أوروبا، الذين يحبون أوروبا فليذهبوا “.

هي المرأة الكردية القوية، الطامحة للبحث عن الحرية والآفاق الجديدة. المرتبطة بجذورها الأصلية ذات الطابع المقاوم والمصرة على الارتقاء دوماً، هذه التجربة خلقت منها امرأة ريادية أينما كان.

كانت تعلم بأن عدم نجاح الانتفاضات الكردية في كردستان كان بسبب ضعف تنظيمهم، فجعلت منها تبحث أكثر عن حقيقة الواقع الكردي، فكانت تواقة نحو الانتصارات والاكتسابات الثورة التحررية. قوتها الفكرية جعلتها تبحث عن الأسلوب الحقيقي الذي كان الخيال والحلم لجميع الشعوب العاشقة للحرية، والتي تعبر عن المرأة والحياة والمجتمع، والذين كانوا يطمحون لإيجادها منذ سنوات كثيرة، وبنفس الوقت كان هذا حلم الشهيدة راپرين وسبيلها كي تسير عليه.

بعدها انضمت لفعاليات الشعب في باشوري كردستان – جنوب كردستان، وأخذت مكانتها في منسقية الجنوب. وفي عام 2011 انضمت إلى فعاليات مؤتمر الشعب. منذ تلك الفترة وحتى استشهادها بقيت ضمن فعاليات مؤتمر الشعب.

 المقاتلة الكردية

الشهيدة راپرين، تلك المرأة الكردية الأصيلة التي نمت ومدت جذورها في كردستان، عاشت مراحل تطور الحركة والنضال من قبل ظهور حركة التحرر الكردستانية. فانكسار انتفاضة الشيخ سعيد أثّر في عائلة الشهيدة راپرين وزرع في قلوبهم الإصرار والطموح في السير نحو النجاح والوصول الى الانتصار. وقد امتازت بالبحث عن حقيقة الوصول إلى الحرية، وحتى عندما كانت بين كنف عائلتها فكانت صاحبة شخصية متمردة، ولا تقبل الظلم واللامساواة واللاعدالة الموجودة ضد شعبها والإنسانية جمعاء. فلم تقبل أن تكون أداة يتم إعدادها وتهيأتها من أجل العادات والتقاليد البالية، وبنفس الوقت أسيرة الانظمة المهيمنة على كردستان.

الشهيدة راپرين رفضت تلك الذهنية السلطوية وأن تكون الطالبة المجتهدة الوفية والعبدة والمتقربة للنظام، وكونها شخصية معروفة بالعناد لم تذهب لتأخذ الدروس والامتحانات، ورفضت رفضاً قاطعاً الدراسة الناشئة على حسب ذهنية تلك الدولة، أو تقرأ بلغة ليست لغتها الأم، وبالتالي نجحت في اقتراحها بالرجوع مرةً أخرى إلى أحضان وطنها.

لم ترضَ أن تعيش حياة فرضها النظام عليها، بأن تدرس الجامعة والأكاديميات لتقوم الخدمات والأعمال الخاصة بها، لذلك كانت المتمردة ضد النظام المفروض، وأرادت أن تعيش حياة تنعم بالحرية والإرادة، وجمعت بين معنى اسم دلال(المدللة)، وبين معنى اسم راپرين (التمرد)، لذلك أقرَّت التمرد أمام حياة العبودية، ورجحت حياتها من أجل حياةٍ منعمة بالدلال.

وفي أنقرة تعرفت على الحركة الثورية والكوادر، وقد قالت: بأنني مدينة لأنقرة فقط لشيئين، الأول منها تعرفت على كوادر حزب العمال الكردستاني، والثاني هو أنّه المكان الأول الذي انطلقت منه حركتنا، والاجتماع الأول الذي تمّ كان في عام 1973 كانت البداية لانطلاق حركتنا.

 راپرين الباحثة عن الحرية

 هي المرأة الفولاذية بوقفتها أمام الحدود التي منعت حريتها، فهي العنيدة بعقلها وفكرها، بعيداً عن التعصب، وهي عنيدة أمام العدو ومتشددة أمام النظام الذي عمل على إعادة المرأة إلى الرجعية والعبودية، ويحاول كسر إرادتها، وقد رفضت الحياة الرجعية والقديمة بكل مغرياتها، رغم كونها من أغنى العوائل المعروفة بكلّ مجالاتها في مدينة آمد، حيث رفضت هذا الغنى المادي الذي لا يهدف إلى حرية المرأة والشعب الكردي، فأقرَّت الانضمام إلى حزب العمال الكردستاني، وأرادت أن تعيش حياةٍ مكللة بالصعوبات والانتصارات والمقاومات والنضال.

لذلك كانت تكتب في مذكراتها: “بعد أن تعرفت على ثوار حزب العمال الكردستاني، وخاصة الثوريات اللواتي انضممن إلى الحركة بشغف وروح وإرادة ومعنويات قويةً تأثرت بهنّ كثيراً وأحسست بأن الحقيقة التي أبحث عنها تكمن في فلسفة وفكر القائد عبد الله أوجلان. وتأثرت كثيراً بأن هذه الثورة وهذه الحركة هي ثورة تحرير المرأة وإيصالها إلى حريتها الاجتماعية”.

 مسيرة نضالها هي مسيرة شعب وسيرة وطن

 حقيقةً عندما نتعمق في مذكرات الشهيدة راپرين نجد بأنّها تبحث عن الحقيقة دوماً. وأن مسيرة نضالها على مرّ ثلاثين عاماً كانت مسيرة المرأة المناضلة، فهي المرأة التي تعشق الحياة والحرية، وكانت على مدار أربع وعشرون ساعة تحصن ذاتها بأسوارٍ فكرية وسياسية واجتماعية وتاريخية، من أجل أن تمنع دخول خلايا التأثيرات وسياسات العدو والحداثة والاستعمار إلى فكرها. وقلما تتواجد نساء بهذا الشكل، فكانت تكافح من خلال قوتها وشخصيتها باستمرار دون توقف أمام كل أنواع الذهنيات السلطوية والرجعية والعبودية والاستعمارية.

فالخصوصية الأساسية لشخصيتها القوية كانت في الصراع والتحول الراديكالي في مواجهة جميع المفاهيم الخاطئة والسلبية. فهي جمعت بين ثقافة أربعة أجزاء من كردستان في الشرق الأوسط، فكانت لا تفرق بين قومية وأخرى، أو بين ديانة وأخرى، وثقافة وأخرى. ومن أبرز خصوصياتها عندما يقال اسم “راپرين آمد” يتبادر في أذهاننا للوهلة الأولى الثورية الشنگالية والشخصية الوطنية، فالذي ينظر إليها لا يميز إلى أي مكانٍ تنتمي، لأنّها كانت تحترم الثقافات واللغات واللهجات والعقائد المتنوعة كافةً.

احترامها لكافة الثقافات جزء من شخصيتها الثورية

كانت صاحبة وقفة ومشاعر وحساسية خاصة أمام نساء وشعب شنگال. كونه شعب عانى الظلم والإبادة، فقامت بحقهم(76) مجزرة على مدى التاريخ، في ذلك الوقت كانت لها وقفة بشأنهم وحساسة باتجاههم، تحديداً بعد آخر مجزرة جرى بحقهم في عام 3/8/2014 كانت دائماً تود الذهاب إليهم وتتعرف عليهم وعلى نفسيتهم، وتحاول أن تقلل من روعتهم وخوفهم وتناضل من أجلهم، وتنظيمهم والإلمام بآمالهم ومشاعرهم، وتزويدهم بفكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، فكانت الحاضنة القوية والصدر الرحب لهم.

وبقيت في روجآفاي كردستان أيضاً عدة سنوات، فعشقت نضالهم واحترمت قوتهم وافتخرت بمقاومتهم، خاصة بعد حدوث ثورة روجآفا في عام 2011. كانت أولى الرفيقات اللواتي اقترحن من أجل أن ينضممن إلى ساحة المعركة والمقاومة، فبدأت بتنظيم الشعب وفق منظور الأمة الديمقراطية، ووفق فكر البراديغما الجديدة للقائد عبد الله أوجلان بنظام الكونفدرالية الديمقراطية، ولعبت دوراً بارزاً من أجل تنظيم الكومينات والمجالس والمؤسسات الخاصة بالمرأة، وكانت تتجول بين كافة المدن والقرى، وكافة المكونات وتعقد اجتماعات كبيرة، وبعشقٍ كبير من أجل الشعب والنساء والأمهات وعوائل الشهداء، لأنّها كانت شخصية تؤمن بالعدالة الاجتماعية وحققت ذلك بنضالها.

والشهيدة راپرين دائماً ما كانت تردد الشعارات والمقولات التي يجب أن نطبق من خلالها فلسفة الديمقراطية، وأن نكافح ضد الذهنية السلطوية الذكورية، وأن نطبق نهج أخوة الشعوب والمساواة بالألفة والمحبة والروح السلمية بين المجتمع. فعلى هذا الأساس كانت تتحرك بعشقٍ كبير لأجل تطبيق فلسفة الأمة الديمقراطية، وحتى بين كافة الفئات والأطياف بجميع مكوناته من كرد وعرب وسريان، وبالرغم من عدم إتقانها للغة العربية والسريانية، لكنها كانت تحاول أن تتعلم لغتهم وثقافتهم وتحترم عاداتهم المختلفة، فالرابط التي يربط بيننا وبين المرأة العربية والسريانية والأخرى هي القضايا الواحدة المتوحدة التي وهي قضية الحرية، والتي نعيشها ونعانيها سويةً، بكون قضيتنا واستراتيجيتنا واحدة.

لذلك الشهيدة راپرين بقدر ما هي من آمد بقدر ما هي كردية، فهي عربية وسريانية وأرمنية أيضاً، وهي امرأة لا تعرف الحدود بين هوية المرأة وجوهرها. وتؤمن بقضية حرية المرأة، تلك القضية التي لا تعرف الأجزاء والتفريق بين المكونات.

مسيرة حياتها وفق فلسفة الحرية

وأيضاً إلى جانب ذلك هي الرفيقة التي كانت على مدار حياتها، ومسيرة نضالها البطولية والنضالية وفق فلسفة القائد عبد الله أوجلان في قوله: “لقمة واحدة، قميص واحد”. ولها إيمان بفلسفة الحياة فالجوهر هو الأساس للحياة، كمناضلات وطليعيات الحرية بأسلوب حياة ديمقراطي وفق سياسة العدالة والتواضع، لذلك تعتبر رمزاً للتواضع والإيمان وفق نهج حقيقة الفلاسفة والأنبياء الذين كانوا يرفضون مباهج الحياة ويرفضون الأمور التي يؤثر على نضالهم.

واكتفت بهذه الفلسفة بهذا المقدار المتواضع من “لقمة واحدة وقيص واحد” بعيدة عن ملذات الحياة. فعرفت شخصيتها بهذا التواضع والإيمان والقوة، وتبادر على أذهاننا تواضعها بالحياة وغناها بالجوهر والمفاهيم والتفكير، وباحتضانها للشعب ولرفاقها، فالمكان الذي كانت تتواجد فيه كان يمثل بالقيادة ونهج الحركة والحياة الحرة، ومكان يعم بالتواضع والبساطة والمحبة والرفاقية.

كانت تمتاز بشخصية مميزة، وأي شخصية التقت بها وحاورتها تركت في فكرها وقلبها بصمة عميقة وأثراً خاصاً بصفة إنسانية وثورية، فكان كل شغفها أن تستوعب الشعب وتكسب محبتهم لها.

وكل امرأة وكل رفيقة عندما كانت تعاني من أي مشكلة، وترغب بمحاورة شخصٍ يفهم معناتها وشعورها، كانت هي الآذان الصاغية لها وبكل رحابة صد، وتستمع إلى آلامهنَّ وتعرف المصاعب والمتاعب التي تواجهن، فتكون القوة المانحة لهن. هكذا كانت وقفتها أمام الشعب والنساء بوقفتها وبتعمقها وبتدريبها لهم، وترى نفسها مسؤولة أمامهن وتتحمل كل المسؤوليات. لقد كانت مدرسة تشّعُ بعلمها ونورها.

أيضاً بالرغم من بعض الأمراض المزمنة لديها، فقد تعرضت لحادث سير أليمجداً، أثر على وضعها الفيزيولوجي، وبالرغم من إرشادات الأطباء لها بأن ترتاح وتعتني بنفسها، لكنها لم ترضَ بحياةٍ خالية من النضال والجهد، فدائماً كانت في حالة الطوارئ، ودائماً ما كانت تعاني من آلام حادة، وفي بعض الأحيان لم يكن باستطاعتها النوم من شدة آلامها، ولكن في الصباح الباكر كانت تستيقظ وتباشر أعمالها، فهي لم تستسلم أمام ظروف الحياة وظلت تستمر بنضالها، وبالتأكيد هذه الإرادة ليست بالأمر السهل، فهي لم تكن تعرف معنى الضعف والتراجع والتنازل، وكانت قاسية أمام أي نقطة ضعفٍ تواجهها.

فمنذ بداية انضماماها وحتى استشهادها كانت على رأس عملها، وناضلت بكل عنفوان وشغف وهيجان ومحبة. لذلك ولدت واستشهدت بعنادٍ لا يفوقها عناد، وستبقى خالدة في الميراث المعنوي والمادي والتاريخي والبطولي. وسوف يشع دائماً روحها أملاً بالحياة عبر أبحاثها وكتاباتها ومقالاتها وتاريخها وصراعها أمام الذهنية السلطوية والبيروقراطية التي تمتاز باللَّاعدالة واللَّاوجدانية. الضمير والأخلاق الاجتماعية والنضال والمقاومة، شعارها في الحياة.

فهي رمز لنضال المرأة الطليعية والتي انغمست في حقيقة فكر القائد عبد الله أوجلان، وعلمت حقيقة الشهداء، وآمنت بحقيقة المرأة الطامحة إلى الحياة الحرة، وفهمت نهج الأمة الديمقراطية، هذا النهج الذي هو أساس الحياة الحرة، وسبب إنشاء فكر الأمة الديمقراطية، وأساس بناء نظام الإدارة الذاتية والكونفدرالية، ونظام وبراديغما القائد عبد الله اوجلان. فكانت الشهيدة راپرين ومازالت شعلة تنير قلوبنا ودربنا، وتشع من أجل الوصول إلى الحرية الحقيقية.