فشل سياسات الدول القومية وانتصار ثورة الحرية
فشل سياسات الدول القومية وانتصار ثورة الحرية
“مع مطلع القرن الحادي والعشرين،
ثَبُتَ للعامَّة بأنَهُ قرن تحرير المجتمعات عامةً والمرأة بشكل خاص”
جميلة أحمد
كما ندرك عن كلّ الثورات التي مرّت في تاريخ العالم، وغيّرت بنتيجة الحال الكثير من أنظمة الحكم، والمفاهيم معلنة تصحيح مساراتٍ عدة، فمُنذ فجر التاريخ وإلى يومنا هذا، جاءت ثورة المرأة المعروفة بـ (المرأة، الحياة، الحرية) لتكون كاملة الأركان بشكل متناسقٍ متكامل، حيث جابت كلّ جوانب الثورات السابقة من حيث شمولها للرؤى السياسية والاجتماعية، إضافة لِحق الحماية المجتمعية وإيلاء الأهمية البالغة لضرورة حماية المرأة داخل المجتمعات بكُل السبل والوسائل المتاحة.
وأكدت هذه الثورة على أنَّ كرامة المرء ينبغي أن تكون مُصانة، وأن يعيشَ في أي مجتمعٍ كان بحريةٍ يستحقها بجدارة، وهذا حقٌ شرعيٌ وطبيعيٌ وملازمٌ للصفة الإنسانية، باختلاف الزمان والمكان، وبالعودة لصفحات التاريخ، نجد بأنّنا عندما نتحدث عن الحياة القديمة، فإننا نتحدث عن المرأة لأنّها تعني بشكلٍ أو بآخر الحياة منذ القِدم، بأشكالٍ وصورٍ جسَّدتها بأنماطٍ مختلفة طيلة السنوات الماضية، ولعلَّها كانت رائدة في الكثير من الحضارات السابقة بصفة مستقلة عن السلطة الذكورية المهيمنة في يومنا هذا.
القرن الحادي والعشرون قرن تحرير المرأة
فمع مطلع القرن الحادي والعشرين، ثَبُتَ للعامَّة بأنَهُ قرن تحرر المجتمعات عامةً، لا سّيما وأنّه قد مرَّ زمن طويل على السياسات المتبعة من قبل الأنظمة المهيمنة على مستوى العالم، فبالرغم من المآسي والعقبات الكبيرة التي تزامنت مع مطلع القرن الحالي، إلّا أنّه ورغم ذلك يعتبر قرن تحرّر المجتمعات، ولكيلا يكون هذا القرن نقطة تحوّل وتشكّل ميلاد براق لتحرر المرأة والمجتمع.
سارعت الكثير من الدول القومية، لانتهاج سياساتٍ مختلفة بهدف الحد من تحرّر الشعوب وبالتالي تحرر المرأة، تلك الدول التي فشلت في سياساتها، ولم تتوصل لأي حلول للازمات التي تجتاح العالم من حيث التراكمات المجتمعية بما فيها الاقتصادية، وسُبل الحماية لكلّ مجتمع على حدي منذ توليها ذمام الأمور، والتفرد بالحكم إلى يومنا هذا.
وكذلك الأمر كي لا يكون هذا القرن، قرن نهاية الدول القومية، كانت هنالك سياسات حادة للوقوف أمام تطلعات المجتمعات التواقة للحرية والانفتاح والعيش بكرامة بعيداً عن السياسات، التي تصبَّ في قولبة المجتمعات وفق ما يُملى عليها، ويُرسم لها من سياساتٍ عدائية من قبل الأنظمة المهيمنة، والراعية للنظام الرأسمالي العالمي.
انتفاضة المرأة في إيران
ذاكرة المجتمع ليست بمعزل عن صفحات التاريخ، التي لطالما تغنَّتْ بريادة المرأة لزمام الأمور، وتفرّدها بشكل الحياة والسياسة وكل المجالات الأخرى فيما مضى، وما القرن الحادي والعشرين بما فيه من ثوراتٍ بقيادة المرأة إلا تأكيد راسخ لما يريده المجتمع من ضرورة إعادة الدور الريادي للمرأة، وبالتحديد عندما اختار شعار “المرأة- الحياة- الحرية” شعاراً لثورته التي لم تقتصر على المرأة فقط، إنّما المجتمع عامةً بعد أن تمّ تصفية الشابة “جينا أميني” على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، مما أسفر عن هيجان اجتياح فئات المجتمع عامة دون إيلاء الأهمية للعرق أو للجنس أو للخلفية الدينية.
وعلى العكس تماماً كانت ثورة كاملة الأركان والمقاييس، وسرعان ما جابت شوارع إيران عامة لترى أصداء من خارج الحدود من قبل كل تواقي الحرية في كل دول العالم، وبالتحديد ممن سبق له أن عانى من طغيان الأنظمة السياسية التي عمدت لكم الأفواه، وفرض السياسات غير المقبولة اجتماعياً.
فالمجتمع في إيران، هو من اختار أن يكون لجانب المرأة التي تمثل روحه حينما تم تصفية “جينا أميني” بحجج واهية، ولم يكن موقف المجتمع بأن يحايد نفسه على أن يبتعد عن مقتل “جينا أميني” بل ما حدث على العكس تماماً، كان انخراط المجتمع بصغاره وكباره في وجه آلة القمع الإيرانية، معلنين الثورة باسم المرأة التي تمثل كلّ المجتمع، وكأحد أوجه التحدي في وجه جلادي المرأة في إيران.
وهذا إن دلَّ على شيء إنّما يدل على أن سياسات الدول القومية، التي يتم الأخذ بها في سبيل طمس تطلعات الشعوب باءت بفشلٍ ذريع، وأن المجتمع بلغ حداً كافياً من الوعي لنأي هذه السياسات بقيادة المرأة التي تمسك، وتطالب بريادتها للمجتمع مجدداً بعد كل هذه السنين من تفرد السلطة الذكورية.
يقول القائد عبد الله اوجلان: “عندما كانت تأتي أمي، وبيدها دلو ماء تحمله من مسافةٍ بعيدة، ركضت إليها مستقبلاً إياها، وشربت الماء لكن لم أشعر بألمها ومجهودها الذي بذلته في سبيل إيصال الماء من البئر إلى المنزل”.
هنا نرى بأن القائد أراد تسليط الضوء على أن لا إنصاف ينصف ما تبذله المرأة في سبيل عائلتها، والمجتمع الذي تنتمي إليه، ولا أحد يعير مجهودها انتباهاً ولا تقديراً.
عندما بدأ القائد عبد الله أوجلان بثورته داخل الشرق الأوسط، قام بتحليل الثورات التي حصلت فيه وإعادة شرحها مرةً أخرى، والتاريخ الذي تمّ نفيه من قبل الدول القومية والأنظمة الحاكمة، القائد عبد الله أوجلان ومن خلال تحليلاته قام بثورة مجتمعية تقودها المرأة لمعرفة ذاتها وتحرير نفسها من العبودية. اعتمد القائد عبد الله أوجلان على تحرير المرأة وكيفية تنظيم نفسها بنفسها، فإذا وصلت المرأة الى معرفة ذاتها فستكون هناك ثورة حقيقة، ومعنى فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” بأن المرأة والحياة لهما نفس المعنى في كردستان، أي إن المرأة والحياة مفهومان متشابهان، المرأة هي الطبيعة وهي الارض والحياة والمجتمع.
وعلى هذا الأساس لفت القائد أوجلان الانتباه إلى موضوع تحرير المرأة، وكيفية استرجاع خصوصيتها المسلوبة في المجتمع الطبيعي، وضرورة المحافظة عليها.
جهود المرأة العاملة
وعن عيد العمال، المصادف للأول من أيار، تستحق المرأة بجدارة أن يتمَّ تصنيفها لكونها أكثر فئة مسحوقة من قبل الأنظمة الحاكمة، هي المرأة العاملة بشكلٍ خاص، ويعتبر تاريخ الواحد من أيار عيداً للطبقة الكادحة في كل دول العالم، وهو ما يمكن أن يرمز بشكلٍ أو بآخر عما تتعرض له الطبقة العاملة الكادحة، وما تحمله من أعباء المجتمع على أكتافها دون كللٍ أو ملل، ودون إنصافٍ حتى، في سبيل ضمان استمرارية عجلة الحياة اليومية للمجتمعات، حيث تمثل هذه الطبقة الروح بالنسبة لأي مجتمع كان، وهي الفئة الأكثر تعرضاً للظلم والاستعباد منذ بادئ التاريخ.
الطبقة الكادحة كانت تشمل المرأة والرجل جنباً إلى جنب، وفي هذا الجانب لا بّد من الإشادة بدور المرأة العاملة، التي خلقت توازناتٍ عدة، وأبرزها هو خلق توافق فيما بين أنّها أمٌّ ومربيةٌ وعاملةٌ في آن واحد، لتكون بذلك أكاديمية يُحتذى بها في كل مجالات، وسبل الحياة لما استطاعت خلقه بنفسها، وبما يحيط بها من واجباتٍ تُطلب منها مسؤولياتٍ تُملى عليها.
إلا أنّه وإلى يومنا هذا لا تزال المرأة لا تحظى بالقيمة المُثلى لما تبذله في كافة ميادين الحياة، وبهذا الصدد يعطي القائد عبد الله أوجلان مثالاً بالقول: “لدى إنجاب كلّ طفل، تواجه المرأة الموت وتقاومه، لكن هذا المجهود ولأنه غير مدر للمال، لأجل ذلك تتبع الدول الحاكمة هذه سياساتٍ بلغت حد سن قوانين لتحديد عدد الأطفال المسموح بإنجابهن، وهذا ما يفند مجهود المرأة المعطاءة للحياة في كل المجالات بلا أدنى تردد”.
ومن المستفيد من هذه السياسة؟ هل تدخل في خدمة المرأة؟ بالطبع لا، فالمجتمع الذي يتم تهميش المرأة فيه، وتقييد طبيعتها الولَّادة، بسن قوانين تحدُّ من الولادات، لن يكون سليماً من ناحية تكافؤ الجنسين علاوةً على الدور الريادي للمرأة كما أسلفنا أعلاه.
ومما سبق نستنتج أيضاً أن المرأة في تلك المجتمعات، مسلوبة الإرادة، ويتم تطبيق السياسات الإقصائية بحقها عبر تحديد الحد الأعلى للولادات المسموح بها، وهذا ما ينافي الطبيعية البيولوجية للمرأة التي تمثل روح الطبيعة.
وبهذا يمكننا القول بأن القرن الحادي والعشرين سيصبح قرن كفاح ونضال المرأة وتطوير الديمقراطيات، وهذه المقولة صحيحة، وثبتت حقيقتها من خلال النضالات الكبيرة والثورات العارمة التي قامت بها المرأة، والتي اعتمدت على تحرر المرأة بشكل خاص في العالم أجمع، ومن كافة الأديان والطوائف كالمصرية والإيرانية والتونسية والأفغانية والعراقية…وتحرر المجتمعات بشكل عام، واعتمدت أيضاً على فلسفة الحياة الصحيحة في المجتمع الديمقراطي الحر.