لوحاتُها فسيفساءُ واحةٍ فنية وإنسانية – الفنانة التشكيلية الراحلة: سمر عبد الرحمن دريعي

لوحاتُها فسيفساءُ واحةٍ فنية وإنسانية

“أرسمُ المرأةَ في الكثيرِ مِنْ لوحاتي

لأنّ المرأةَ تبحثُ عن الحياةِ والحريةِ والعالمِ المسالمِ”

 

    الفنانة التشكيلية الراحلة: سمر عبد الرحمن دريعي

 

الفنانة التشكيلية الراحلة سمر عبد الرحمن دريعي، من مواليد عام 1977 حلب/ عاشت في مدينة عامودا بروجآفاي كردستان، قبل أن تنتقل قبل 23 عاماً إلى رومانيا لتقيم هناك في العاصمة بوخارست/ درست الراحلة في كلية الفن التشكيلي اختصاص الرسم/ وأكملت الماجستير في فلسفة الفن/ ونالت شهادة الدكتوراه بالنقد الفني الفلسفة/

الفنانة سمر دريعي؛ صاحبة المشاعر المرهفة والرقيقة في مواجهة الواقع. هي المعروفة، أنها من عائلةٍ راقية وفنية ململة بالفن والموسيقا. تأثرت كثيراً بوالدها المعروف في الوسط الشعبي، عبد الرحمن دريعي (1938-2001)، المعروف بأمير الناي، وهو شخص من أهم رواد التأسيس للفن التشكيلي في الشمال السوري.

له بصمته الخاصة والمستمرة حتى الآن، على الأجيال والوسط الاجتماعي. كان معروفاً بحبه للفن وحسه المرهف العميق أمام كافة القضايا. كان إنسانً اجتماعياً ويستمع لأوجاع الناس، وكريم ولطيف مع المحتاجين. لذلك تأثّرت الفنانة القديرة بوالدها كثيراً، ورثت منه؛ هذه الروح الفنية البديعة التي أبدعتها على لوحاتها الراقية والرائعة، والواقعية منها والتشكيلية أيضاً.  وبنفس الوقت الفن الموسيقي أيضاً.

عامودا هذه المدينة أو القرية الصغيرة، التي احتضنت الفن والكرم والمحبة والعظماء والمثقفين والمبدعين. عامودا التي تحمل ميراثاً تاريخياً، هي أم الميتانيين والهوريين والكثير من الشعوب التي قطنت هناك. عامودا هذه الروح، الممزوجة بروحها الاجتماعية المعروفة والناشرة للخير وحب الوطن والتراب والزراعة. الفنانة الراحلة (سمر دريعي) هي زهرة هذه المدينة. شامخة وأصيلة مثل تل شرمولا، هي ربيعها الزاهي وحقيقة إبداعها. سمر دريعي عبّرت عن حبها للحياة الجميلة والمسالمة، التي لم تكن تمل من الجلوس معها والاستمتاع برقة مشاعرها وعواطفها الجياشة.

درست في حلب، ومنذ سن مبكرة بدأت ترسم، رسمت الكثير من اللوحات لتعبر من خلال ملامح المرأة حب المرأة للحياة، رسمت كيف أن الأم؛ تواقة للأمان والسلام والمحبة. حوّلت من كل لوحة إلى قصة تحكي ألوانها وخطوطها عن الحقيقة والبحث عن الذات الحرة. ريشتها التي تحدثت للجميع عن جمالية الذات المخفية والحرة للمرأة، وكيف تحمل طاقة الحياة.

حين تتأمل كل لوحة من لوحاتها، تشعر بأن العالم بخير، وأن الحياة ما زالت دفاقة. كانت تبوح بكل ما يجول في خاطرها من خلال ريشتها وألوانها وحواراتها الثقافية الواعية.

تلك التي كانت تبحث عن الجمال بين الألوان وترافقها ريشتها المضيئة. كانت ترسم الأضواء والأمل بريشتها الحرة. هي تلك التي كانت تطمح؛ أن ترسم عالماً من المحبة، وبعيدة عن الحرب. كانت تريد الهدوء والسكينة والمرأة الواعية والتي تربت على قيم الجمال والوعي. الريشة كانت سلاحها القوي ذو التأثير الفعال في مخاطبة إحساس الغير.

ربما يعتقد الكثير أن الراحلة (سمر) كانت في رومانيا، لكنها حملت في أحشائها، روح عامودا وشوقها لعامودا، التي تربت في بيئتها المتواضعة، وطيبة أهاليها. حيث دمجت في فنها؛ ما بين الفن التجريدي والواقعي معاً، ربما هكذا فنون لهي من الخيالات والروح الصعبة، لكنّها نجحت في ذلك.

الراحلة “سمر دريعي” تركت وراءها ميراثاً فنياً راقياً، وذو معنى مليء بالحياة. حققت إنجازات كثيرة بين زحمة الحياة التي تمتلئ بضجيج الألم وكل متاهات الهجرة والغربة. هل نستطيع القول: أن لوحات سمر كانت صامتة؟ كل لوحاتها كانت تتحدث، وتحكي قصة بين خلجات ألوانها وتناسق معانيها.

قالت في مقابلة من مقابلاتها: “أن الرسم يمنحني التوازن، كلما أرسم أكثر أشعر بالنقاء والطهارة الروحية، أحسّ أنها قريبة جداً من روحي. الفن؛ هو الأوكسجين بالنسبة لي، يجعلني بمزاجية مختلفة عن كل الموجودين حولي”.

شاركت في الكثير من المعارض الفردية والجماعية، في رومانيا وخارج رومانيا، وفي كل دول الشرق الأوسط، وحتى شاركت في مهرجانات دولية، وحصلت على الكثير من الجوائز في تونس والمغرب وتركية ورومانيا.

وتقول أيضاً: ” أنا أتبع أحاسيسي في الرسم وأرسم، أنا أريد الحفاظ على خصوصيتي في الرسم، وأن يكون لي ستايلي الخاص. حين أرسم، أرسم المرأة، بكل تفاصيلها، لأنّها الحياة، وحقيقتها تختبئ في التفاصيل، رأيت إن لم أرسم المرأة وتطلعاتها، حينها أجد لوحاتي ناقصة. أنا أبحث عن حرية المرأة في لوحاتي، أبحث عن السلام من خلال ريشتي وألواني التي زركشتها. أعتبر لوحاتي غير مكتملة؛ حينما لا أرسم واقع المرأة أو أي بورترة لها. أنا أرسم عن (المرأة والوردة)، وتأثرت بالأحداث التي حدثت في سوريا وإنني ألوّن ألوان الحرية على لوحاتي”.

عندما سألوها لماذا ترسمين المرأة في لوحاتك؟ فجاوبت: “لماذا أرسم المرأة في الكثير من لوحاتي؟ لأنني أجدها بأنها مجردة من حقوقها. أنا أرسم بجرأة كبيرة؛ لأنه لا حدود للفن. ورثت هذه الجرأة من والدي، الذي علّمنا مفهوم الحرية، كان حراً في فنه وشخصيته. تعلّمتُ منه؛ كيف أرسم الحرية، وكيف أكون حرة في رسم لوحاتي! أحب الألوان التُرابية، والأصفر، الموف، الروز، بالطبع أملك ستايلي الخاص بشخصيتي. إنني أُدمج المرأة والطبيعة والحرية معاً”.

كلما تعمقنا في عالم الفن في مسيرة الراحلة “سمر دريعي”؛ فإننا نجد بأنها بحثت عن الحرية لشعبها ولكافة الشعوب من خلال لوحاتها المختلفة والتي رسمتها بألوان جميلة ومتنوعة. إنها امرأة انشغلت بالفن والرسم والموسيقا، وحبها للحياة، وقريبة جداً من الناس لتتقاسم همومهم وآلامهم. امرأة تريد أن تمنح كل وقتها للفن، لتقدم رسالة إنسانية للبشرية. كانت تأثيرات العائلة على حالتها الروحية كبيرة جداً. والدها عبد الرحمن دريعي الأكثر تأثيراً. وجامعة بوخاريست قدّمت لها الكثير من المجالات، كي تصل إلى أرقى المستويات للوصول إلى الفن المبدع الذي يخترق أحاسيس وأفكار الأخرين لتوصل رسالتها، فأكملت دراستها هناك.

كان رحيل الفنانة المرموقة سمر عبد الرحمن دريعي مساء يوم الخميس (31/آب/2023)، رحيلاً جسدياً، ستبقى ذكراها وروح الفن المصبوغ بحبها للحرية في لوحاتها، حية ودائمة، هي ميراث تاريخي عريق للمرأة التي كانت طموحة بريشتها نحو الحقيقة والحياة المفعمة بالمحبة والعدالة والحرية.

باسم مجلتنا “آفاق المرأة” نقدم عزاءنا لعائلة الفنانة الراقية سمر عبد الرحمن دريعي، ونتمنى لهم الصبر والسلوان. أحببنا أن تكون زاويتنا (واحة فنية) من المساهمات في نشر نثرات الفن المبهر لروح الراحلة سمر عبد الرحمن دريعي.