سلاح المرأة الأكثر قوة أن يكون لها أيديولوجية تحررية

 

سلاح المرأة الأكثر قوة أن يكون لها أيديولوجية تحررية

أيديولوجية تحرير المرأة هي عودة المرأة الاصيلة،

 والتي تملك قوة تنظيمية مجتمعية “

نرجس إسماعيل

 

شهد التاريخ الكثير من الثورات النسوية العارمة والتي طالبت بحقوق المرأة والتحرر من المفاهيم التعصبية الجنسوية. حتى إن انتصرت تلك الحركات النسوية أو البطولات الفردية بشكل نسبي، لكن بعد انتهاء الثورة أو لنقل بعد انتهاء المرحلة العسكرية من الثورة هم بأنفسهم أنهوا مفهوم وفلسفة الثورة الدائمة، وهكذا تم القضاء على نضال المرأة الواجب استمراره في كافة المراحل لبناء مجتمع حر وديمقراطي. الحقيقة المأساوية والتي أنهت الكثير من النضالات الفكرية للمرأة بالذات، هو هذا المفهوم الخاطئ والذي احتوى في مضمونه: (أنه للثورة بداية ونهاية، وأن لكل ثورة مدتها الزمنية). ربما لهذا المفهوم تأثير بارز على مسيرة الثورة النضالية للمرأة، ولكنها كانت مضادة لطبيعة المرأة المبدعة والباحثة عن الجديد دوماً، وبنفس الوقت إن ذاك المفهوم ومع مرور الزمن اتضح بأنه لا يأتي بأي نتيجة. حيث لن تتوقف الثورة لدى المرأة ، لكل مرحلة ثورة عارمة تخوضها طبيعة المرأة، فبقدر ما تكون واعية وأيديولوجية، بقدر ما ستكون عملية البناء في كل مرحلة مستمرة ومثمرة.

بالطبع الأمثلة كثيرة؛ ففي الثورة الفرنسية أخذت المرأة مكانتها، لكن بعد الثورة لم يتم تضمين المرأة في الحياة الاجتماعية والحياة الاقتصادية. لذا في عام 1791، تم إعداد إعلان حقوق المواطنة وحقوق المرأة من قبل أولمبيا دي غوج.

ولن ننسى في عام 1910، أرادت (كلارا زيتكين) أن يكون يوم 8 مارس يوماً عالمياً للمرأة العاملة لإحياء ذكرى النساء اللاتي فقدن حياتهن في هذا المصنع. وقد تم قبول هذا الاقتراح دولياً. وبالإضافة إلى ذلك، تمت الموافقة على هذا الاقتراح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1977. لقد كان أسلوب (كلارا زيتكن وروزا لوكسمبورغ)، أسلوباً عاماً. لقد لعبوا أدوارا مهمة، إلا أن تحرير المرأة ارتبط بالتحرر العام. هنا؛ المعضلة الأساسية أنه هناك الكثير من التضحيات التي تم تقديمها من قبل الكثير من النساء الرياديات، ولكن كانت الثورة الفكرية النسوية مؤقتة ومحصورة فقط في مرحلة من المراحل.

حتى في ثورة كوبا، انضمت العديد من النساء ومن كافة الفئات، حيث تم بناء الجيش الأحمر في هذه العملية. وتحول هذا الجيش إلى مجموعات نسائية حرة، وتواجدت المرأة في كافة مجالات العمل الثوري. ثورة كوبا لهي مثال حي لنضال المرأة الكوبية، من الفتيات وحتى الأمهات انخرطوا في العمل النضالي الثوري. ولكن بعد نجاح الثورة، بإمكاننا التساؤل أين بقيت المرأة الكوبية من إحراز حقوقها والمضي حسب ثورتها الفكرية والاجتماعية؟!

من المحال التحدث عن نجاح أي أيديولوجية ما لم تجعل المرأة الركيزة الأساسية التي تستند إليها، وحتى إن جاهدت المرأة على إيجاد حلول جذرية للقضايا المجتمعية المتشابكة منذ عقود؛ إلا أنها لم تتمكن من وضع الحلول الأخيرة. هناك حاجة ماسة إلى أيديولوجية مستقلة للمرأة لتحقيق ذلك، لذا تم إنشاء أيديولوجية المرأة، لكن أيديولوجية تحرير المرأة ليست فقط لتحرير جنس واحد ولا ينبغي أن يُفهم على هذا النحو.

تم تناول أيديولوجية تحرير المرأة ضمن جدول فعاليات وتنظيم المرأة الكردستانية ولأول مرة في عام 1998، حيث تم الإعلان عنه في 8 آذار،  نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلها المفكر والقائد عبد الله أوجلان. مع احتضان المرأة لهذه الأيديولوجية تم إحداث ثورة التغيير الاجتماعي والتنظيمي. فالمرأة كانت بحاجة إلى أيديولوجية موجهة لمسيرتها الاجتماعية، لأن الكثير من القضايا العالقة مرتبطة عن كثب بدرجة حرية المرأة نفسها. فالمرأة التي كانت تعاني الكثير من الممارسات والعنف والشدة والاستعباد والاضطهاد خلق مجتمعاً مستغلاً ومضطهداً أيضاً.

كيف لنا التحدث عن العيش في مجتمع حر وديمقراطي يملك المساواة والعدالة والمحبة والتوافق الاجتماعي، ما لم يتم تحرير المرأة فكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً؟ فالحرية التي تدعيها الحداثة الرأسمالية، لن تكون إلا في إطار السفسطة والدعايات التجارية. فوجود أيديولوجية تحرير المرأة فتحت أبواب الحلول والتوجيهات المناسبة لحل هذه القضية والتي لا تنحصر في حرية فرد أو بمعنى جنس فقط، بل هي قضية اجتماعية ولها رواسبها التاريخية. على هذا الأساس إن أي حزب أو حركة أو حتى منظمة إذا أرادت التحدث عن حرية المجتمع، قبل كل شيء يجب وضع الحلول الأساسية لقضية المرأة. عندما يتم قتل النساء، اغتصاب الفتيات، وزواج القاصرات، لا يمكن التحدث عن مجتمع حر ومتحرر فكرياً. بوجود أيديولوجية تحرير المرأة تصبح المرأة أكثر إدراكا لكافة القضايا الاجتماعية  ومنها الأسرية، وتكون بتلك القدرة على أن تكون ريادية وقيادية في كافة الميادين الحياتية.

لذلك على المرأة تحليل المبادئ الخمسة والأساسية لأيديولوجية تحرير المرأة، أولها ألا وهي التحلي بروح الوطنية. والثانية هي تجسيد الفكر الحر والإرادة الحرة. وثالثها مبدأ التنظيم والمشاركة في الحياة على أساس الحرية. ورابعها النضال مع العلاقة المنظمة وربطها بمقاييس الجمال. وخامسها الجمال الأستتيك الروحي والفكري والمعنوي.

أيديولوجية تحرير المرأة مهمة وخاصة من أجل عودة المرأة الأصيلة. والهدف الأساسي لهذه الأيديولوجية هي ألا تبقى المرأة بلا تنظيم أو قوة مجتمعية تنظيمية. فحتى الذهنية السلطوية الذكورية مستندة على أيديولوجية القوة والعنف والظلم وتشتيت الحياة. لذا يتطلب من المرأة تنظيم (ذاتها الحرة)، والنضال بكافة الوسائل ضد تلك المفاهيم التي تبعدها عن تنظيمها الخاص. فسلاح المرأة الأكثر قوة في العالم؛ هو أن يكون لها أيديولوجية تحررية، والهدف الرئيسي من التنظيم النسائي هو ترسيخ هذه الأيديولوجية. نحن نرى الكثير من الأمثلة يومياً؛ كيف يتم قتل النساء وتجريدهن من كافة حقوقهن وممارسة كافة أساليب الشدة والعنف عليهن.

على هذا الأساس وكما اتخذنا من العدد الثالث مفهوم التعصب الجنسي، من الآن وصاعداً يتطلب من المرأة خوض ثورتها الفكرية الشاملة، من خلال الاستناد على أيديولوجيتها التحريرية المجتمعية. ومحور العدد الرابع يعتمد على شرح هذه الأيديولوجية، من خلال طرح الكثير من جوانبها العميقة والحلّالة لكافة القضايا العالقة. نتمنى من القراء الأعزاء الاستفادة من محورنا لهذا العدد والانضمام لتلك الثورة الطويلة الأمد.