عظيمات وطن الشمس – الشهيدة شرفين سردار – نورجان أوجلان – جاندا جودي

 

     عظيمات وطن الشمس

 

هن الرائدات لأجل الوصول إلى الحقيقة،

هن الحقيقة بحد ذاتها،

هن اللواتي مضين في مسيرة الحياة والحرية

 

إعداد: شفنم علي

هلْ لنَا أنْ نكتُبْ

عَن شموعِ وطني

اللوَاتي لا ينْطَفِئنْ

لا تنتهي شُعاعُ آملِهنْ

لا نِهايةَ لمَسيرتِهُنْ!

هلْ لنَا أنْ نكتُبْ

بدونِ الخُشوعِ لعظمتِهنْ

هُنَّ اللواتي نشرْنَ ضَفائرَ الشمسِ

حوْلَ الغدِ الظالمِ

وقالوا لِلحياةِ هي الفردوسُ

ولا مَعنى لأيّ فردوسٍ

بدونِ الحُرية!

هلْ لنَا أنّ نَكتُب

عنْ بطولاتِهنْ

وهنَّ الخالِداتُ بِكلّ مَعْنى الكلِمَة

هنَّ العظيماتْ

عَزيمة الثوْرَة

ووَهْجُ الانْتِصاراتْ!

هلْ لنَا أنْ نَكتُبْ

كلِمَة … جُمْلة … أو هَمْسَة

بِدونِ أنْ نَنْحَني لِتِلكَ الجِبالْ

وهُمْ قَوسٌ وقُزحُ على أعَاليها

هنَّ العَظيمَاتْ

جَميلاتُ الشَمسِ والقمرْ

وطموحُ الأمهاتْ

هنَّ المُقاتِلاتُ والَبطلاتُ على أرضِ الوطنْ

ويا لجمالِ عظيماتِ حَوافيَ دجْلَة والفُراتْ

 

 

نمُرُّ بمرحلة تاريخية، منذ تاريخ 4/ إبريل – نيسان/ 2012 يوم تأسيس وحدات حماية المرأة YPJ  والمستمرة إلى الآن، حيث تكتب المرأة تاريخها بقلمها المقاوم والمناضل والمكافح. بدأت من روجآفا وشمال وشرق سوريا، حتى الوصول إلى المستوى العالمي.

رغم كل الظروف التي مرت بها الأزمة السورية والحروب الدائرة، ولكن المرأة هنا؛ تطمح إلى تشكيل نظامها الخاص بها والتي تعبر عن الحياة والحرية.

المفكر عبد الله أوجلان قام بطرح أيديولوجية تحرير المرأة وإعادة الصياغة الحقيقية لمسيرة المرأة المضطهدة والمرأة التي كانت خانعة وقابعة تحت أنفاذ نير العبودية.

إن مسيرة ثورة 19 يوليو/ تمّوز في روجآفا وشمال وشرق سوريا، لهي الخطة السديدة التاريخية التي غيرت الكثير من الموازين الإقليمية والمحلية والعالمية. إن الثورة التي احتضنت ثورات بداخلها لهي ثورة تاريخية عظيمة ومختلفة من كافة الجوانب. ثورة 19 تموز فتحت المجال للمرأة بأن تكون فعّالة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية.

ثورة المرأة قدمت المسار الحقيقي في طرح تطبيق طبيعة المرأة وثقافتها في كافة الميادين. الشعوب التي لا تملك أيديولوجية لا تملك أي ثورة ذهنية أو تحررية أو تغيير جذري للمفاهيم البالية أو العادات والتقاليد المتخلفة، والتي يتم القضاء على المرأة من خلالها. الكثير من الثورات مرت بمراحل عديدة من الصعوبات والأزمات، حتى نالت الكثير من النجاحات. حقيقةً أن ثورتنا التي تحتضن الكثير من الثورات بداخلها لهي نتاج من النضالات والكفاحات المستمرة خلال مراحل وأعوام  متتالية.

حين نعود بالتاريخ إلى الوراء؛ نجد بأن مسيرة الانتصارات التي بدأتها وحدات حماية المرأة منذ تشكيل أول كتيبة في بلدة (جندريسه)، في مقاطعة عفرين – كتيبة الشهيدة روكان، وصلت إلى هذه المرحلة التي حوّلتها إلى قوة فكرية وسياسية وطليعية لقيادة المجتمع وكافة فئاته، وأيضاً إفشال كافة المخططات التي تم حبْكها من قبل العدو.

ما ميّز وحدات حماية المرأة، الاختلاف والنجاح الكبير الذي حققته خلال مرحلة وجيزة هي انضمام الكثير من النساء ومن كافة المكونات لصفوفها. وخوضها العديد من معارك التحرير، بدءاً من مقاومة كوباني ومواجهة فصائل المرتزقة الإرهابين وحتى القتال وصد الهجمات التي حصلت على شنگال وقيامها بفتح الممر الآمن بينها وبين روجآفا وإنقاذ الشعب الإيزيدي والمساهمة في تحريرها عام 2015.

أولت مقاتلات YPJ الاهتمام بالدرجة الأولى، أن يكنَ متطوعات ومضحيات وعلى استعداد للقتال في كافة الجبهات وفي كافة المناطق التي تحتاج للدفاع والحماية، وذلك باستخدام سلاح الحرية لأجل الحرية. وتم مشاركتهن في مقاومة العصر (عفرين) أثناء غزو الاحتلال التركي لأراضيها. واستمرت هذه المقاومات إلى أن وصلت للتصدي في معارك سري گانية – كري سبي/رأس العين – تل أبيض)، في تاريخ 2019.

ولم تتوقف هذه الروح المقاومة هنا فقط، بل وصلت إلى الانضمام لمعارك دحر تنظيم داعش حتى آخر معاقلها في الباغوز، ووصلت إلى مناطق الهول، وحتى الانضمام إلى معارك غويران وسجن الصناعة. إن هذه المقاومة التاريخية التي لا يمكن وصفها بالكلمات العابرة، لهي خطوات تسطر في تاريخ المرأة المعاصرة والمقاومة، التي أثبتت بأنها قوية ولها القدرة على القيام بكافة مسؤولياتها التاريخية.

لقد أثبتت وحدات حماية المرأةYPJ، بأنها قوة ريادية في كافة الميادين ومن خلال مسيرتها الكفاحيّة وخيرة مقاتلاتها وقياداتها، كتبن سطور تاريخ المرأة الحافل بالنضال والنجاحات والمكتسبات.

 ولن ننسى الشهيدة الأولى في روجآفا وشمال وشرق سوريا كانت الشَّهيدة “سلافا”، التي استشهدت أثناء التصدّي لهجمات مرتزقة الاحتلال التُّركيّ على منطقة “شيراوا” التّابعة لعفرين في يونيو/ حزيران 2013. واستمرت هذه المقاومة بلا هوادة، نستطيع القول بأن مقاومة الشَّهيدة “آرين ميركان” على قمَّة جبل (مشته نور) بكوباني، أكملت ثقافة المقاومة بروح المرأة الحرة والواعية. فهي أيضاً كتبت صفحة جديدة من صفحات مقاومة المرأة في ثورة 19 يوليو/ تمّوز. هي التي غيّرت مسار المعركة في كوباني، بدأت بكتابة نهاية تنظيم “داعش” الإرهابيّ فيها. وتوالت ثقافة مقاومات المرأة ضمن صفوفYPJ، بعد أن أصبحت متتالية وواسعة. كان منها مقاومات “بارين كوباني” وآفيستا خابور، التي هزَّت العالم أثناء مقاومة العصر بعفرين، وكسرت شوكة الأعداء.

ولكي ترتقي وحدات حماية المرأة بسويتها النضالية والعسكرية شكلت الأكاديميّات العسكريّة الخاصّة بها، حيث تفتتح الدَّورات التَّدريبيّة لمقاتلاتها، وتتلقّى المنضمّات لها الدّروس الفكريّة والسِّياسيّة، إلى جانب التّدريبات العسكريّة على مختلف صنوف الأسلحة، وبما يساهم في رفع الكفاءة القتاليّة لديهُنّ.

والتاريخ المعاصر أصبح شاهداً على هذه الحقيقة ألا وهي؛ أنَّ عناصر تنظيم “داعش” الإرهابيّ كانوا يخشون من مقاومة المرأة وتضحياتها، أكثر من الرَّجل، ومن خلال هذه البطولة الأسطوريّة، تمكَّنت المرأة من أن تحتلَّ مكانتها العالميّة، حيث كُرِّمَت الوحدات من قبل العديد من الدّول والمؤسَّسات والمُنظَّمات الدّوليّة، ليس فقط لمحاربتها تنظيم “داعش” الإرهابيّ، بل بمساهمتها الكبيرة في رفع شأن المرأة وتحريرها من القيود التي طالما كبّلتها طيلة العهود الماضية، وآخرها كان تكريم ممثّلة وحدات حماية المرأة من قبل مجلس الشّيوخ الفرنسيّ، وفي إسبانيا ودول أوروبيّة أيضاً.

ولن ننسى أبداً بأنها شاركت إلى جانب وحدات حماية الشَّعب في تأسيس قوّات سوريا الدّيمقراطيّة عام 2015، ومثَّلت العمود الفقريّ لها، من خلال مشاركتها في جميع الحملات العسكريّة التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية، لتحرير مناطق الطبقة، سَدَّ تشرين، منبج، الرِّقَّة، وريف دير الزور الشَّرقيّ.

هنا؛ تكمن المعادلة الصحيحة بأن تلك المرأة التي كانت قابعة في قاع بئر المجتمع المتخلف والغير منفي لطبيعة المرأة وقوة طاقتها الحياتية والمجتمعية، وبأنه هي التي يمكن ومن خلالها إدارة المجتمع والوصول للاستقرار والأمان والسلام من خلال تضحياتها.

كثيرات هنّ العظيمات اللواتي سطرن أحرف المقاومة على صفحات ثورتنا. ومن هؤلاء العظيمات الشهيدات شرفين سردار, وجاندا جودي ونورجان أوجلان. من الصعب على الإنسان أن يتحول إلى شمعة تضيئ دوماً. حيث تشعل الشموع وتنطفئ، ولكنهم بهذه الفلسفة أضاءوا الحياة بشكل مستمر انطلاقاً من حبهنّ للحياة الحرة ومدى ارتباطهن بها. العظيمات هنّ اللواتي تعلمنا منهن كيف نقاوم في أي ظرف كان، حتى وإن كانت الحروب قاسية. تعلمنا منهن أنهن لسن قدوات أو رياديات أو قائدات في الميادين العسكرية فقط، بل من خلال روحهن الوطنية والإنسانية وحبهن للعيش ضمن حياة مسالمة وهانئة، علمونا كيف نبدأ من كل شيء صعب حتى الوصول إلى قمة الانتصارات والنجاحات.

هنّ بدأن بكتابة فلسفة المرأة، الحياة، الحرية. بدونهن لا معنى لوجود أية ثورة نضالية عظيمة. الثورة تكتمل مع العظماء والمقاومات والمضحيات، وهذا ما ذكره القائد عبد الله أوجلان في كتابه سيسيولوجيا الحرية.

القيادية شرفين سردار

القيادية العسكرية شرفين سردار لم تكن المرأة الأولى، التي تقع ضحية لمسيرات الاحتلال التركي، فقد استهدف الاحتلال نساء مناضلات كثيرات، وإداريات قبلها، ولم ننس الشهيدة هفرين خلف والمضحية سوسن وجيان تولهلدان، وغيرهن الكثيرات من العظيمات، وعدا ذلك؛ استهداف القياديات العسكرية في محاولة من الاحتلال التركي، طمس ثورة المرأة في المنطقة.

الدولة التركية لم تستهدف القيادية شرفين فقط؛ بل استهدفت العديد من النساء اللواتي يناضلن من أجل حماية المرأة، كاستهداف زينب صاروخان, يسرى وليمان والعديد من النساء اللواتي يعملن في مجالات توعية المرأة والنشاطات النسوية.

القيادية شرفين قضت خمس وعشرون عاماً من حياتها في جميع مجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، كامرأة كردية ثورية، تؤمن بأن حرية الشعوب تبدأ من حرية المرأة، وتستمر حتى الرمق الأخير. دافعت وناضلت الشهيدة شرفين في سبيل تحقيق أهداف ثورة شمال وشرق سوريا، كي تفشل مساعي الدولة التركية وجميع الدول التي تريد تفكيك وحدة الشعوب وخلق الفتنة بينهم.

وحدات حماية الشعب أصبحت تُعرف لدى العالم أجمع، بأنها نموذج وأمل حياة جديدة وحرة للشعوب، وأضحت مثالاً وشعلة تقتدي بها نساء العالم أجمع، إلا أن هؤلاء المقاتلات البطلات يتم استهدافهن اليوم بمؤامرات دنيئة، وبعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية. أطروحة المفكر أوجلان التي ركزت على إحياء المبادئ  والقيم المجتمعية، وتحليل الواقع المعاش وطرح الحلول الملائمة لها، نتج عنها عوائل وطنية وديمقراطية. وهذا ما لن يسمح للعدو بأن يصل إلى هدفه أبداً.

فترة بقاء المفكر عبد الله أوجلان ومن خلال نضاله وعمله الدؤوب في سوريا، في إنشاء مجتمع قيّم يحتوي على أسس المفاهيم المتحررة ضمن الأسرة، لتحقيق روح الوطنية والديمقراطية. ومن تلك العوائل التي تأثرت بهذه الفلسفة، عائلة القيادية شرفين، التي ربت أبنائها على العمل الجاد والقيم الوطنية وزرعت وعززت في قلوبهم حب الوطن الحر والتضحية للوصول إلى ذاك المبتغى.

 الشهيدة شرفين سردار عظمة وإرادة

ولدت القيادية شرفين في عام 1981 في مدينة الدرباسية. اسمها الحقيقي إيمان محمود درويش، اسم الأم دلشا، اسم الأب محمود. حيث انضمت في عام 1998 إلى صفوف الحركة التحررية الوطنية، وقد بدأت نضالها في الجبال الحرة، وبعد سنوات طويلة من النضال أكملت مسيرتها النضالية ضمن صفوف ثورة روجآفا. في ظل هذه الأعوام ناضلت لمدة 25 عاماً ضمن الحياة الثورية، قامت الرفيقة شرفين بكل روح فدائية على تنفيذ ما يترتب عليها من مسؤوليات بأكمل وجه، وذلك إيماناً منها بفلسفة المرأة، الحياة، الحرية.

كانت ترمز من خلال شخصيتها، على المعنى الحقيقي للخط الفدائي والشخصية القيادية، مجسدة ذلك في بناء وحماية واستمرار الثورة. عملت في المجال السياسي والدبلوماسي، ومثلت الحقيقة الكردية في المجال الدفاعي YPJ، وكامرأة قيادية آمنت بنجاح ثورة الشعوب حتى النهاية. كما لعبت دوراً قيادياً في “عملية تعزيز الأمن” من أجل هزيمة ومنع السياسات الفاسدة التي خططت لها القوى الخارجية، لتدمير وحدة الشعوب في منطقة دير الزور، كما أنها أضحت من الأشخاص الذين مثلوا حقيقة “المرأة، الحياة، الحرية” في شخصيتها. الرفيقة والقيادية شرفين، باعتبارها امرأة ثورية حافظت على معايير المرأة الحرة حتى النهاية، وأصبحت قائدة لثورة حرية الشعوب ضمن صفوف الحرية.

كانت القيادية شرفين من إحدى المناضلات، اللواتي اخترن مواجهة الإرهاب، أينما كانت تمثل هوية المرأة المناضلة. الشهيدة هي نجمة الليل التي ترشد من تاه عن درب النضال والحرية, وجسر ليعبر الآخرون من عالم الظلم والاضطهاد والعبودية، إلى عالم العدل والمساواة والحرية. ضحت بروحها لكي نعيش جميعاً بسلام، وتحت سقف الديمقراطية والحرية والعدالة وأخوة الشعوب. لا تنتهي بطولاتهن وملاحمهن التي سطرنها كمناضلات وحدات حماية المرأة في الدفاع والكفاح لتستمر ثورة المرأة, وليتعلم منهن الحاقدون بأن، معادلة العدالة الكونية؛ لن تتغير أبداً ما دمنا نملك عظيمات أمثالهن.

الشهيدة شرفين توصلت إلى أن إخفاء الحقيقة هو موت لأرضها وشعبها وللمرأة بالذات, لذا اختارت طريقاً منيراً لتصنع انتصاراً جوهرياً بقطرات دمها الطاهرة. فالمناضلات والمقاتلات لا يعجزن عن المقاومة، وهن قادرات على صنع التضحيات العظيمة والأمنيات التي كانت شبه مستحيلة, فقد استطاعوا تحقيقها، واليوم يعظم الشعب تلك المكتسبات التي تحققت بسبب تضحياتهن اللواتي ضحين بأغلى ما لديهن لأجل الثورة. القيادية شرفين قاتلت بكل قواها الجسدية والمعنوية؛ دفاعاً عن المرأة وحريتها, وحملت راية الحرية ومضت في درب النضال، درب كل المناضلات الأحرار لتبقى ذكراها خالدة في تاريخ الشعوب.

 لقد باتت ثورة الحرية حية، بإرث المقاتلات مثل القيادية شرفين، وباتت الأجيال تتناقل إنجازات ثورة المرأة من جيل إلى آخر كمسيرة ماراثونية.

الشهيدة نورجان أوجلان شعاع الشمس

المقاتلة نورجان انضمت إلى صفوف وحدات حماية المرأة في سن مبكرة، من أجل حماية مكتسبات الثورة، ومنع هجمات الاحتلال على الأراضي السورية. اسمها الحقيقي شيلان محمد أحمد, اسم الأم سهام اسم الأب محمد، وهي من مدينة منبج؛ حيث إنها كانت تمثل بشخصيتها الشابة، روح المرأة الشابة في صفوف الحرية، وبوفائها لقيم الثورة؛ عززت شخصيتها وقامت بواجباتها على أكمل وجه من أجل تطبيق نظام الحداثة الديمقراطية.

الشهيدة نورجان رمز للحرية. هي المناضلة التي علّمت الأجيال كيف تصنع البطولة وكيف يتحقق النصر على الأعداء, إن الشهادة شيء عظيم ومقدس ولها دور كبير في بناء وتطوير الحضارات. المناضلة نورجان، تلك الإنسانة المتفانية في عطاء الوطن والمقاومة الثابتة في الدفاع عن المبادئ والأرض. هي تلك الروح التي اختارت الخلود على النسيان, طيفها لازال في القلب وذكر بطولاتها ومواقفها النبيلة، مازالت تدرّسُ للأجيال القادمة. لا تستطيع الكلمات مهما بلغت من الكمال، أن تعطي الشهيدة حقها، لأنها ضحت بنفسها ليعيش وطنها بحرية وسلام. يعجز القلم عن الكتابة واللسان عن الكلام بتضحياتكن ووفائكن.

قاتلت الشهيدة نورجان في درب النضال حتى آخر رمق من دمها، ولن ينساها التاريخ النضالي، لأن ما قدمته بات عصياً على النسيان, ارتقت روحها أثناء تأدية واجبها العسكري تجاه أرض وطنها، لتكون من العظيمات اللواتي عشقن الحرية والعيش بحياة خالية من الإرهاب. ومن أجل ذلك؛ يستحق شهداؤنا الأبرار أن نخلد ذكراهم ونستذكر بطولاتهم ونرويها للأجيال الصاعدة.

الشهيدة جاندا جودي

المقاتلة جاندا جودي هي من مدينة تل أبيض (گري سپي)، اسمها الحقيقي سارة محمد عبدي، اسم الأم شمسه، اسم الأب محمد، وقد انضمت إلى صفوف وحدات حماية المرأة، بعد احتلال مدينتها من قبل الاحتلال التركي، وذلك بهدف الثأر من محتلي مدينتها. الرفيقة جاندا كانت أهلاً لقيم ومتطلبات مجتمعها، وبالرغم من أنها أم لطفلين، إلا أنها لم تتراجع عن هدفها وقامت بواجباتها الثورية على أكمل وجه، من أجل تأمين مستقبل باهر لأطفالها وأطفال وطنها أجمع. كما أنها أصبحت ذات رؤى قوية في فترة قصيرة من تدريباتها الفكرية والعسكرية، وأخذت مكانها في الجبهات الأمامية ضد هجمات الاحتلال التركي.

هي البطلة التي رسمت بدمائها الطاهرة، حاضر هذا الوطن ومستقبله, وبذلت الكثير من التضحيات؛ لتكون أساساً راسخاً لبناء مجتمع ديمقراطي حر, وموحد ومتماسك، أساسه العدل والمساواة. وأمام تضحياتها انهارت أحلام الإرهاب الوهمية. الشهيدة جاندا؛ صاحبة الروح الطاهرة التي ضحت بروحها من أجل أن تصنع الحرية. حب الوطن هو من دفعها للتضحية, هي من رسمن طريق الحرية في ظلمات ليالي الظالمين. لن ننسى تضحيتكِ وشجاعتكِ واعتليت أعلى مراتب الإنسانية. على مر الزمان وفي مختلف بقاع العالم، كان ولازال للشهداء الفضل الأكبر في الحرية التي تنعم بها الأمم والشعوب. وأنتِ من اللواتي صنعن أساطير البطولة والتضحية.

تسعى جميع النساء في شمال وشرق سوريا، وأيضاً في الشرق الاوسط وفي العالم، إلى توحيد نضالهن ضد هذه الذهنية التي تستهدف ثورة المرأة، وهي مسؤوليتنا جميعاً, لذلك يجب أن نحارب ونكون معاً لاستمرار الثورة. شهيداتنا اللواتي ضحين بأرواحهن في سبيل تحقيق الحياة الحرة لنا وأن نعيش بأمان وكرامة. يجب أن لا ننساهن وندافع عن الميراث الذي خلفوه ورائهن، ونكمل السير على خطاهن بكل إصرار وعزيمة. ويجب أن نكون لائقين بهن وبالمسؤولية الملقاة على عاتقنا.

إن الحياة الحرة لا تتحقق إلا ضمن مجتمع حر؛ لذا أدركت شهيداتنا، أن طريق الحرية يمر من خلال تحرير أفراد المجتمع، فتضحيات المناضلات تصنع الأمن والاستقرار، في وطنٍ عشق أبناؤها الحرية، وناضلوا في سبيل أن يعم السلام وطنهم، وليكون أساساً لبنائه والنهوض به، نحو المزيد من القوة والتقدم والازدهار. وتعجز الحروف مهما بلغت من الكمال، أن تعطي الشهيدات حقهن، لأنهن حاربن في سبيل الحرية والعدالة.

بتاريخ  15\09\2023 وفي ريف منبج، كان ذلك تاريخ مشؤوم لنا، حيث تم استشهاد رفيقاتنا وعظيماتنا الثلاثة. رفيقاتنا شرفين وجاندا ونورجان، وهن قد مثلن روح الرفاقية الحقيقية، ووحدة الهدف والمبادئ، ومن جهة أخرى قمن بواجباتهن الثورية دون أي تردد وخوف، وبروح مخلصة، ضحين بأرواحهن من أجل تأدية هذه الواجبات. على هذا الأساس، بدايةً نعرب عن تعازينا لعوائل رفيقاتنا؛ القيادية شرفين، نورجان وجاندا وأيضاً لجميع شعوبنا الذين يناضلون ضد الهجمات الاحتلالية.

 لقد حررنا كل شبر من تراب وطننا، بكدح ودماء رفاقنا ورفيقاتنا، أمثال القيادية شرفين وجاندا ونورجان، حررناها من رجس الاحتلال، على هذا الأساس سنكون دائماً أهلاً لتضحيات شهيداتنا ونعاهدهن بالانتقام، كما أننا نعاهدهن بأنه لن ينكسر إصرارنا وإرادتنا من أجل النصر. إن الشهيد هو الأكثر عطاء في الدنيا, رسخ اسمه في المستقبل والحاضر والتاريخ، واقترن اسمه بالحرية والنضال، وسيبقى ذكر الشهيد في كل أنحاء العالم. كان هدفهن أن يحاربن في سبيل تحرير بلادهن وخلاص أهلهن من الظلم، فحققن هدفهن وحملن السلاح ليمضين مقاتلات في سبيل الحرية، وخضن المعارك لتحرير بلدهن وشعبهن.