تناقضات الأنظمة وانتصار مفهوم نظام الأمة الديمقراطية

 

تناقضات الأنظمة وانتصار مفهوم نظام الأمة الديمقراطية

نرجس إسماعيل

 

من خلال تتبع الكثير من المراحل التاريخية وعلى الأخص منها الميثولوجيا والفلسفة والدين والعلمية، إلا أن المراحل الأطول التي شهدتها تطور البشرية هي مرحلة المجتمع الطبيعي، الذي أنتج قيماً وإرثاً ثقافياً صلباً مستمراً إلى الآن رغم مداخلات الأنظمة الرأسمالية الغير فطرية والغريبة عن الطبيعة المجتمعية البشرية الكومينالية.

إن ذاك الدخيل هو الذهنية الذكورية التي تمثلت بالسلطة الأبوية والتي عملت شيئاً فشيئاً على إقصاء الدور الأمومي بهرمية دولتية، تلك المبنية على أساس الملك والعبودية وترسيخ الذهنية السلطوية واستغلال الفرد والمجتمع، بذلك أسست الدولة القوموية المعتمدة على الجنسوية والدينوية والقوموية والعنصرية، لتأخذ هذه الرباعية كاستراتيجية في تمكين وترسيخ ركائزها ومفهومها.

من هذا المنطلق فإن مصطلح أو مفهوم (النظام – السيستم)، إن كان عالمياً، إقليماً ومحلياً، وخاصة الأنظمة الهرمية والدولتية التي لها تأثير بارز على عقل الإنسان وذهنيته اعتمادا على القمع المنتظم الممارس على  مر آلاف السنين، وصلت إلى درجةِ أنها أنشأت بنيةً ذهنيةً منسجمة ومآربَها. ومن الشائع بأن هذه الذهنية لها رواسبها التاريخية والاجتماعية حيث أنها تؤثر على السلوكيات المجتمعية للبشر في كافة العلاقات في ما بينهم، إن قلنا العلاقات في ما بين الرجل والمرأة – العلاقات الأسرية – فهي بشكلها الممنهج تحولت إلى شكل من الأشكال التي لا مفر منها وكأنه لا حل لها أو القيام بتغييرها.

من هذا المنطلق مهما حاول العقل البشري التخلص من تلك التأثيرات والوصول إلى التوافقات والتوازنات المجتمعية فهي لا تستطيع أن تحقق استقلاليتها. بمعنى أوضح أنه مهما حاول العقل البشري التخلص من رواسب هذه الذهنية فهي لا تصل إلى طبيعتها في الحراك والتغير والديالكتيكية الفطرية الموجودة فيه.

 حولت هذه الذهنية نظامها العالمي إلى قدر محتوم وكأنه من غير الممكن تعدي العبودية وإنهاء الأنظمة الهرمية والرجوع إلى النظام المجتمعي الطبيعي، إلى المقاييس الأخلاقية الاجتماعية وكأن العبودية الفكرية قدر محتوم. فالحقيقة هي أن العبودية والاضطهاد ليس قدراً محتوماً على الشعوب والمجتمعات، فالحياة الفاضلة والجميلة والحرة والديمقراطية ليس محالا. والشعوب ليست مجبورة أن تتقبل نظام لا يتناسب مع طبيعة فكرها وثقافتها المجتمعية. النظام أو السيستم الرأسمالي تفرض كافة رواسبها بطرق وأساليب متعددة بين شرايين المجتمع وكافة الفئات وبطريقة إعلامية ودعائية وملائمة مع أفكار المجتمع. تستخدم كافة الأساليب للوصول إلى مجتمع مادي وكالروبوتات. وأساليبها مؤشر انتهاج الأفكار والممارسات الخاصة، وإعادة المكونات الاجتماعية، لتسيير النضال في سبيل ” الفاضل، الجميل، الحر، والصحيح”.

 وبالتأكيد بدون الوصول إلى اسلوب علمي ومتوازن مع نسق الحقيقة لا يمكن الرجوع إلى الحقيقة الإنسانية والنظام المتوازي مع طبيعته.

منذ القرون الماضية وحتى الوصول إلى القرن الواحد والعشرون والصراعات والتناقضات بين تلك الثنائيات مستمرة. كما الصراع الثنائي في ما بين النور – الظلام/ الفضيلة – الرذيلة/ السلطة – العبودية/ فإن هذه الصراعات ما زالت مستمرة حتى يومنا الراهن. بالطبع الصراع ديالكتيكي والغاية منها الوصول إلى نتيجة تخدم العقل المجتمعي.

علينا التأكيد على أن النظامين المتناقضين هما يعبران عن ذهنية مضادة، المعادلة الصحيحة في هذا المحور هو علينا مراجعة كافة التأثيرات السلبية والإيجابية لهذين النظامين. الأسئلة كثيرة وعلينا الإجابة وبشكله المفصل العملي والتاريخي. أي الأنظمة تتناسب مع طبيعتنا البشرية والمجتمعية؟ وهل النظام السلطوي والأبوي وبشكله الرأسمالي (المادي البحت)، متجاوب مع كافة متطلبات الطبيعة الاجتماعية؟ هل الذهنية الموجودة متجاوبة مع ذهنية ثقافة الأم المنحصرة في بوتقة الحياة الموالفة والعادلة والمساوية والأخلاق الاجتماعية؟ الأسئلة كثيرة والأجوبة العملية التاريخية جدية. من غير الممكن أن يكون الإنسان طموحاً للسلطة وأن يبحث عن الأمان والسلام في آن معاً. الجذور الإنسانية بعيدة عن تلك الصفات الغير معنية بالطبيعة البشرية. تلك الطبيعة المبنية على روح وحقيقة الفكر والذكاء العاطفي للأم. الذهنيتان معنيان بتوضيح أن الذهنية الفوقية سلطوية وأبوية وهرمية لا تتقبل الذهنية الطبيعية المبنية على ذهنية ثقافة المرأة – الأم.

من هنا؛ أهمية التعمق في مفهوم الأمة الديمقراطية المتأسسة على ذهنية تعايش الشعوب معاً تعدد الثقافات واللغات واللهجات والقوميات والإثنيات ..الخ والعمود الفقري لفلسفتها هي حرية المرأة بمعنى تحرير الحياة من كافة الرواسب السلبية التي لا تخدم المصلحة البشرية.

من هنا فإن براديغمما الأمة الديمقراطية ذات ميزة خاصة ولها الآفاق القادرة على إنهاء العقليات النمطية ذات صفات قوموية وتعصبية وجنسوية ودينوية متشددة وذو نظام هرمي مركزي. وهي التي تضع الحلول الواقعية لكافة القضايا التي حولت الحياة المجتمعية إلى أزمات وكوارث فكرية وذهنية، وبشكل لا يستطيع الأفراد التخلص منها.

لذا فإن مفهوم الأمة الديمقراطية كاصطلاح إيضاً لها مغزاها ومحتواها الاجتماعي المبني على مفهوم حرية المرأة والحياة، والتي هي الركيزة الأساسية في تكوين المجتمع البعيد عن الذهنيات الغير فطرية والأجنبية المتطفلة على هويات المجتمع. هي الحل الأمثل لإرجاع البشرية إلى وتيرتها ومسيرتها وجذورها التاريخية المعتمدة على الروح الكومينالية وثقافة المرأة – الأم.

فالعصرانية الديمقراطية والتي تحمل في فحواها نظام الأمة الديمقراطية هي نظام غير هادف إلى احتكار السلطة (الدولة القومية)، ومنظارها كومينالي مجتمعي يعتبر البديل الأصح للنظام الرأسمالي؛ فهي تمهد كافة الأساليب الموجهة للحلول نحو الأمان المجتمعي والسلام العالمي البعيدة كل البعد عن الحروب الدموية والمجازر والإبادات العرقية والتغيرات الديمغرافية والفوضى العارمة.

على المرأة البحث عن نموذج الحل الشامل لكافة القضايا المجتمعية على أساس نظام الأمة الديمقراطية والكومينالية المجتمعية. فهي الركيزة الأساسية في تحريك وتعزيز كافة المؤسسات الديمقراطية والكومينالية داخل المجتمع. فنحن كنساء إقليم شمال وشرق سوريا وكافة النساء نحتاج أكثر من أي وقت مضى تشكيل اتحادات وتحالفات نسائية تخدم كافة الهويات الوطنية للنساء أجمع. لذلك محور العدد الخامس له أهمية فائقة كي تصل المرأة لتلك المستويات العالية في تأسيس أو إرجاع نظامها المكون في هيكيلية الأمة الديمقراطية.

ونتمنى لجميع القرّاء والقارئات، أن يكون محور العدد الخامس طاولة مستديرة ديمقراطية تفتح مسار الكثير من  الحوارات البناءة والهادفة إلى تكوين ثقافة المرأة – الأم في كافة أنحاء العالم.