زلال كاسمها.. من وطن الشمس والنار حكاية نضال وتضحية

زلال كاسمها..

من وطن الشمس والنار حكاية نضال وتضحية

 

أنا لا أخشى الموت،

لكن ما أخشاه أن أموت من دون شرف أو كرامة،

هذا ما لا أقبله على نفسي“.

 

 بيريفان بيار – أخت الشهيدة زلال

 

من رحم المعاناة يولد شرفاء آمنوا بشعار “إما النصر وإما النصر” و”المقاومة حياة”، دعاهم الوطن فاستجابوا للنداء، عاهدوا فصدقوا، كافحوا ودافعوا عن الإنسانية والحق، وقدّموا في سبيلهما أغلى ما يملكون. إنهم الشهداء الذين صنعوا بتضحياتهم أسمى معاني الحياة والحرية. وبفضلهم تنمو زهور الأمل وتتفتح أزهار العزة. من بين الشهيدات اللواتي لمعت أسماؤهن وذاع صيتهن بين الجميع، الشهيدة فريال خالد – زلال زاغروس، التي سُطّر اسمها على صفحات المقاومة والفداء.

تلك الفتاة فريال خالد، والتي كانت مميزة ضمن عائلتها، معروفة بحنانها ورقة مشاعرها وتواضعها مع الجيران والأطفال. تلك الإنسانة التي تغنّى كل من التقى بروحها المرحة، وكتبوا عن شجاعتها وسجاياها الملهمة. لُقّبت بالعظيمة والحنونة والمعطاءة والمضحية والوفية، والمناضلة الفذّة التي فرضت جدارتها وبشكل طبيعي.

فريال سليمان خالد من مواليد 1976قرية سلندر التابعة لناحية عامودا في روجآفاي كردستان. ترعرعت فريال خالد في كنف عائلة وطنية متمسكة بمبادئ الحركة الوطنية التحررية الكردستانية، وبراديغما المفكر عبد الله أوجلان.

تعرفت العائلة على نضال الحركة الوطنية التحررية الكردستانية منذ أعوام الثمانينات أي بدايات التأسيس، واستقبلت ثواراها برحابة صدر. قدّمت هذه العائلة كل ما لديها في سبيل تحقيق أهداف الحركة في بناء مجتمع أخلاقي وسياسي وديمقراطي واستعادة حقوق المرأة. وخاصة أم فريال الحنونة التي كانت ترى الثوار مثل أولادها وتقدم لهم الحب والاحترام والمودة الكبيرة.

تلك العائلة التي تحلّت بالصبر وروحها الوطنية وتقديم الكثير من المساعدات المادية والمعنوية للحركة. حتى وإن في تلك السنوات والظروف الصعبة وخاصة القوانين التي كانت تفرضها الحكومات على الثقافة الكردية والشعب الكردي ومنع ممارسة كافة مناسباته وممارسة لغته الأم.

الرفيقة والشهيدة زلال زاغروس في مرحلة طفولتها لم تتمكن من الالتحاق بالمدرسة، ففي ذلك الوقت لم تكن هناك مدرسة في تلك القرية النائية الكردية المهمشة من قبل الحكومة السورية، وكان من يودّ الالتحاق بصفوف العلم في ذلك الحين أمام خيارين؛ أحداهما مُرّ، إما السير على الأقدام مسافة طويلة للوصول إلى قرية أخرى توجد فيها مدرسة، أو اللجوء إلى المدينة، وما يتطلبه ذلك من نفقات وتكاليف كبيرة تفوق كثيراً القدرة المادية لعائلة قروية بسيطة.

عُرفت فريال بشخصيتها القوية وروحها المرحة، فلم تكن تغيب البسمة عن وجهها حتى في أصعب اللحظات، وتميزت خصالها النبيلة بطاقتها الحيوية وجسارتها وصدقها، ودأبها على العمل والعطاء من دون مقابل. وأكثر ما كان يميزها حبها للأطفال واحترامها وتقديرها للمرأة والدفاع عن حقوقها؛ لهذا تعلّق بها الأطفال وأحبّها الكبار على حدّ سواء.

ونظراً لكونها الأخت الكبرى بين إخوتها وأخواتها، أدركت فريال منذ صغرها معنى المسؤولية. وكانت دعامة لوالديها في إدارة شؤون المنزل والاهتمام بأخوتها. وعلى الرغم من صعوبة بعض المهام التي كانت تقوم بها، إلا أنها لم تيأس أو تشتكي يوماً من ذلك. كانت ترى العمل بأنه جوهر الإنسان ويمنحه القيمة، من هذا المنطلق كانت تعمل بروحها المفعمة بالمرح وطاقتها الإيجابية، وتخلق أجواء ممتعة وحيوية، وبفضل ذلك، اكتسبت محبة واحترام الآخرين.

وخلال مرحلة الشبيبة، اكتسبت فريال خالد، العديد من التجارب الحياتية التي ساعدتها على أن تصبح قادرة على تدبير شؤون المنزل والاهتمام بشقيقاتها وأشقائها. وعندما طلب منها والداها أن تنتقل إلى مدينة الحسكة لتعتني بأشقائها وشقيقاتها الذين سيلتحقون بالمدرسة، غمرها شعور بالسعادة، ولبّت طلب والديها من دون تردد. وأدت المهمة التي أوكلت إليها على أحسن ما يرام، وأصبحت رمزاً للرعاية، وهذا ما جعل إخوتها يتعلقون بها، وأصبحت بمثابة الأم لهم، فقد كانت الأخت والمعلمة والصديقة في الوقت ذاته.

كانت تقول دائماً إنها لم تحظَ بفرصة الذهاب إلى المدرسة وتتعلم القراءة والكتابة، ولكنها كانت مصممة على بذل قصارى جهدها لتعلّمهما. كانت تدرك تماماً أن الإرادة والإصرار والعزيمة والإيمان، يمكن أن تمكّن الإنسان من تحقيق أهدافه. وهذا ما حصل، إذ نجحت باعتمادها على نفسها ومن دون الالتحاق بالمدرسة، في تحقيق أولى أهدافها وأمنياتها التي طالما سعت إليها، ألا وهي تعلّم القراءة والكتابة بشكل جيد.

 

مسيرة الحرية

وُلدت وعاشت في وطن اكتوى بنيران الاحتلال، وحُرم شعبه من حقوقه المشروعة، وذاق مرارة الظلم والاضطهاد، وبسبب رغبتها الدائمة في البحث عن الحقيقة وفهم الذات ومعنى الحياة، وماهيّة قضية شعبها ومآسي المرأة، وجدت إجابات لتساؤلاتها في فلسفة حركة التحرر الكردستانية، هذا الاكتشاف جعلها تتعلق أكثر بالحركة وبثوارها.

إلى جانب الاهتمام بشقيقاتها وأشقائها الطلبة نيابة عن والديها، كانت تقوم مع رفيقاتها الثوار بزيارة العوائل لتعريفهم بأهداف الحركة ومبادئها. ومع مرور الأيام ازداد ارتباطها بالحركة أكثر، واستمرت في العمل النضالي ما يقارب ثلاث سنوات بمدينة الحسكة وقُراها بشكل طوعي، إلى أن قررت الانضمام رسمياً إلى الحركة الوطنية التحررية الكردستانية.

“والدتي شجعتني”

 في إحدى مذكراتها عن بداية انضمامها للحركة الوطنية التحررية الكردستانية كتبت الشهيدة فريال:

“مع ظهور فكر الحركة الوطنية التحررية الكردستانية بقيادة القائد آبو وانتشاره على نطاق واسع، استقبلته عائلتي بصدر رحب وقدمت الدعم المادي والمعنوي له، وخاصة والدتي التي كان حسها القومي أقوى من والدي. فكانت والدتي تقدم بكل فخر الدعم والمساندة علناً أو سراً لكوادر الحركة. كما شجعتني للانضمام إلى الحركة، وكانت تقول لي “ليتني كنتُ في عمركِ لانضممتُ للحركة”. من هذا المنطلق شرعت في الخروج مع ثوار الحركة، وبشكل تدريجي بدأتُ أعمل معهم. وبسبب مسؤوليتي في الاهتمام بأشقائي وشقيقاتي الطلبة، لم يكن من السهل تركهم والانضمام إلى الحركة، وفي النهاية أدركت العائلة بأنني وابن عمتي فواز خالد (أورهان صبري) قد عزمنا الانضمام، ولم تكن هناك عقبة تحول دون قرارنا. وعندما انضممتُ، شعرت والدتي بسعادة كبيرة؛ لأنها كانت متأثرة كثيراً بأخلاق ثوار الحركة، وبعد التحاقنا بالنضال ازدادت محبة العائلة لنا أكثر فوالدتي شجعتني”.

مع بداية انضمامها للحركة الوطنية التحررية الكردستانية، خضعت المناضلة فريال، مع سبع مقاتلات جدد لدورة تدريبية. فيما بعد، عاهدن تحت خيمة عزاء المقاتلين في صفوف الگريلا الشقيقين ستالين (جوان أحمد خليل) الذي استشهد عام 1993 في معسكر زلي وميتان (ريناس أحمد خليل) الذي استشهد عام 1992 في منطقة حفتانين في جبال كردستان. وبعدها خضعت مع 30 من الرفاق والرفيقات لدورة تدريبية أخرى استغرقت 40 يوماً بهدف التحضير لخوض الحرب الساخنة في جبال كردستان.

 

حول انقطاع علاقتها مع أسرتها، كتبت الشهيدة زلال زاغروس في إحدى مذكراتها:

 

“كنتُ أعاني من صعوبة شديدة في النوم، وعيناي كانتا ممتلئتين بالدموع؛ لأنني لم أكن قد انقطعت سابقاً عن أهلي أبداً. كنتُ أشتاق لهم، ولم يكن ذكراهم يفارق مخيلتي بتاتاً. ومع ذلك، كان هذا الانقطاع نوعاً من الانتصار بالنسبة لي؛ لأنه من أجل الشرف والحرية والكرامة نحتاج للتضحية. لستُ نادمة لأني ابنة عائلة وطنية وابنة امرأة أصيلة وشهمة. لستُ نادمة أني تلقيت التدريب في أكاديمية رفيق المرأة عبد الله أوجلان، وانضممتُ إلى الحركة التي وجدتُ من خلالها جواباً لسؤال كيف أعيش؟”

 

“زلال” نقية كاسمها

 

تسمية فريال بـاسم “زلال”، التي تعني “الصفاء” أو “النقاء”، لم تأتِ بصدفة، بل القائد عبد الله أوجلان أعطاها هذه التسمية بناءً على ما وجد في قلبها وروحها من صفاء ونقاء وجمال.

في عام 1995 قابلت فريال مع مجموعة من وطنين الحركة الوطنية التحررية الكردستانية، القائد عبد الله أوجلان في الشام. واستغرق ذلك اللقاء ثلاث ساعات. تستذكر زلال في مذكراتها تفاصيل اللقاء والحوار الذي دار بينهما، بالقول:

القائد:

  • بإمكانكِ أن تعرّفي عن نفسك؟

فريال:

  • اسمي فريال يا قائدي.

القائد:

  • لأنكِ نقية وصادقة، ليكن اسمك زلال، هل توافقين؟

فريال:

  • إذا كان هذا يرضيكم، فليكن.

القائد:

  • تستطيعي أن تتلقي دورة تدريبية عندنا، ستكسبين من خلالها خبرة، وستطورين نفسكِ، وبعدها بإمكانكِ الانضمام إلى صفوف الگريلا.

فريال:

  • لا أرغب بالتدريب، إنما أرغب في الذهاب إلى ساحة الحرب.

القائد:

  • ما أريده أولاً أن تنضمي إلى دورة تدريبية، وبعدها يمكنك الانتقال إلى ساحة الحرب. فالحرب الأساسية تبدأ من الفكر، نحتاج أولاً أن نقضي على سلبياتنا والصفات الخاطئة في شخصيتنا وبعدها حين نحمل السلاح سنكون أقوياء وأشداء ومستحقين أن نكون طليعة للشعب ومقاتلين بكل معنى الكلمة.

فريال:

  • قائدي… جميع الرفاق والرفيقات سيذهبون إلى ساحة الحرب، وأنا أيضاً أريد الذهاب معهم إلى جبال كردستان؛ لأنها ربما تتحرر ولن أراها. أطمح بالانضمام لصفوف الشرف والكرامة وأنا واثقة من شخصيتي.

القائد:

  • طالما هذه رغبتكِ، لن أقف عائقاً أمامها. حسناً جهّزي نفسكِ للذهاب إلى جبال الحرية كردستان مع الرفيقات والرفاق. أتمنى لكِ التوفيق. ولا تنسي، بعد ثلاث سنوات سأرسلكِ إلى دورة تدريبية. وإذا نسينا ذلك، فأنتِ من يجب أن تذكريني.. نحن على ثقة تامة بكِ. فلتبدئي مسيرتكِ بوضوح تام، مثل وضوح اسمك “زلال“.

عبرت الشهيدة زلال مشاعرها في هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لها في مذكراتها وقالت:

إن رؤية القائد عبد الله أوجلان لشخصيتي منحتني المزيد من القوة والثقة لمتابعة مسيرة الحرية. وكامرأة تحرر نفسها وجميع النساء من قيود العبودية التي فُرضت عليهن منذ آلاف السنين. لذلك أجدد عهدي لمتابعة السير على مسيرة الكفاح والحرية حتى آخر الأنفاس”.

لا شك أن الشهيدة زلال زاغروس تُعدّ قدوة لكل من يريد أن يحقق هدفاً سامياً في مسيرته، فهي شخصية ملهمة تمتلئ بالحب والعطاء والنقاء والتضحية من أجل الآخرين، وقد أدركت بحسّها الوطني حجم مسؤوليتها تجاه شعبها وترابها وقيمها وحرية المرأة بالذات.

 لطالما كانت زلال تتطلع إلى أن يعيش كل من حولها حياة كريمة ومشرّفة، ولأن حلمها كان رؤية كردستان محررة، فقد حملت راية الحرية وبدأت كفاحها الثوري بجدٍّ وتفانٍ ووفاء وصدق وإخلاص على جبال كردستان في آب عام 1995.

خاضت نضالاً فذاً هناك، في سبيل حرية الشعب الكردي وكافة الشعوب. وطورت من شخصيتها وكفاحها وفق براديغما القائد عبد الله أوجلان، ونضال حرية المرأة التي هي أساس حرية المجتمع.

خبر إعلان شهادة ابن عمتها ورفيق دربها “أورهان” المقاتل في صفوف الگريلا، (صبري – فواز خالد) في جبال زندورة في منطقة متينا، كان صدمة قوية وجرحاً عميقاً لا دواء له بالنسبة لها، ولم تستطع أن تصدق ما سمعته. لكنها عاهدت على الاستمرار في النضال والسعي من أجل الاستمرار في مسيرته.

شهادة الشهيد (أورهان صبري) أصبحت بداية لمرحلة نضال جديدة في مسيرتها الثورية. قضت الشهيدة زلال زاغروس 15 عاماً من النضال في جبال كردستان، وأصيبت في إحدى المعارك مع الجيش التركي. وعندما تم فرزها خارج الوطن، توجهت إلى “أرمينيا”، حيث واصلت نضالها هناك من أجل تعريف العالم بالقضية الكردية والكردستانية، ونجحت في إبراز شخصية المرأة الكردية القيادية والثورية على مدار 6 أعوام. وقدّمت نموذجاً للقيادة النسائية، وأثبتت قدرتها على التميز والتأثير في المجال الثوري.

 زلال وثورة المرأة في روجآفا

مع اندلاع ثورة 19 تموز والتي هي ثورة المرأة، عادت زلال بروحها المرحة وحيويتها إلى روجآفا، وطنها الأم. وقامت بتدريب وتنظيم مكونات شعبها وفق مبادئ حرب الشعب الثورية. بدأت نشاطها في تشكيل الكومينات والمجالس والمؤسسات التي تُعنى بقضايا المرأة في مناطق مختلفة؛ من ناحية تربه سبيه، ثم إلى مدينة قامشلو، فدمشق، وبعدها منبج، وأخيراً دير الزور.

أسهمت الشهيدة زلال زاغروس في نشر فكر وفلسفة الأمة الديمقراطية، وناضلت من أجل حماية قيم المرأة والحفاظ على إرثها التاريخي. وعلى وجه الخصوص في المناطق ذات الأغلبية العربية مثل منبج ودير الزور، وأسهمت في التخلص من الآثار السلبية التي خلّفها داعش، وتمكنت من الوصول إلى جميع النساء والتقرب منهن وتوعيتهن، إضافة إلى مساندتهن وحل مشاكلهن. واستطاعت خلال فترة قصيرة تنظميهن ضمن مؤسسات خاصة بهن، ليتمكنَّ من استرداد حقوقهن والمشاركة في جميع مناحي الحياة. ولهذا اكتسبت زلال محبة واحترام النساء وتعلقهن الشديد بها.

وكما هو معروف، فإن ثورة المرأة في روجآفا والتنظيمات النسوية في إقليم شمال وشرق سوريا، أصبحت مصدر إلهام لنساء جنوب – باشوري كردستان. وقامت زلال زاغروس بزيارة جنوب كردستان والحركات النسائية هناك، بهدف تعريف النساء بالنظام المتبع في روجآفا وتعزيزهن وتنظيمهن. لكن الدولة التركية التي تخشى المرأة المنظمة والمناضلة، حاولت أكثر من مرة النيل من إرادة المرأة في شخصية الشهيدة زلال زاغروس. ففي أحد الأيام أثناء أداء زلال لواجبها في مدينة منبج، زرعوا لغماً في سيارتها، وعند انفجار اللغم لم تكن زلال في السيارة، إنما استشهد السائق الذي كان معها.

بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الثاني عام 2024 استشهدت المناضلة والقيادية زلال زاغروس على يد الاستخبارات التابعة لتركية في مدينة كركوك (باشوري كردستان)، في عملية إرهابية نُفِّذَت بإطلاق ثماني طلقات عليها. هذه الجريمة الإرهابية التي حدثت لم يتقبلها المجتمع وبغضب شديد قاموا بالاستنكار العارم على الساحة الكردية لتصل إلى الساحة العالمية، وقيام كافة النساء بالعزم والإصرار والتعهد للمضي في مسيرة حرية المرأة.

أثار خبر استشهاد المناضلة والثورية زلال زاغروس هزّة في قلوب آلاف الوطنين وخاصة الأمهات ومن تعرّف عليها أو التقى بها. وخلال مراسم تشييع جثمانها تجدد العهد على متابعة مسيرتها والانتقام للشهداء والذي تجسد في هتافات: “الشهيدة زلال زاغروس منحتنا الحياة، علّمتنا الصبر والعزيمة والقوة والإيمان والعطاء من دون مقابل، علمتنا معنى الإنسانية والإخلاص والوفاء“.

بعد نضال دام أكثر من ثلاثين عاماً، تمكنت الشهيدة زلال من تقديم رسالة عظيمة، رسالة الكرامة والوطنية والقيم السامية لشعبها ولحرية المرأة ولتثبيت رفاقيتها الحقيقية للقائد عبد الله أوجلان. حيث كتبت في إحدى مذكراتها “أنا لا أخشى الموت، ولكن ما أخشاهُ؛ أن أموت من دون شرف أو كرامة، هذا ما لا أتقبله على نفسي“. وبالفعل نالت ما ابتغت، فالشهادة أسمى درجات الشرف، ولا يحصل عليها إلا من آمن بقيم الحرية.

لقد تركت الشهيدة زلال زاغروس بصمتها في كل مكان وجدت فيه، وأحبها الصغار قبل الكبار. واستطاعت بأسلوبها وتعاملها اللبق مع المحيط، وبصدقها وتواضعها وحبها للخير وجسارتها، وأسلوبها الاجتماعي المحبب أن تترك أثراً عظيماً في قلب كل من عرفها أو سمع عنها. ستظل روح الشهيدة زلال ومسيرتها النضالية الملهمة، خالدة في قلب ووجدان كل من عرفها.