المرحلة الجارية.. هي طرح الأيديولوجية التحررية كبديل للأنظمة الاستبدادية
المرحلة الجارية..
هي طرح الأيديولوجية التحررية كبديل للأنظمة الاستبدادية
“علينا أن نتعمق أكثر في استراتيجية التنظيم الذاتي
والسياسي والأمني والدبلوماسي في نضالنا،
وأن نتعمق في فلسفة (الاعتماد الذاتي –
الحماية الذاتية – الدفاع الجوهري) وفق نهج الحرب الشعبية الثورية”
هاجر زاغروس
عندما اختطفوا القائد عبد الله أوجلان وأخذوه إلى سجن إمرالي، قال: “إنني أنادي باسم السلام أنادي باسم الحرية، إنني منقذ الإنسانية والمرأة والمجتمع”. لذلك نحن أيضاً نقول: “قائدي، إنك بوقفتك وبـ فلسفتك وسياستك العميقة، أفشلت كافة المؤامرات الدولية والإقليمية”.
الأحداث السياسية بدأت من إمرالي، لأن جزيرة إمرالي كانت مركزاً لبدء حبْكِ السياسيات وخيوط المؤامرات للحرب العالمية الثالثة، وزج القواد والثوار والمحاربين للنظام العالمي المستبد في السجون. أول خطوة لبدء الحرب العالمية الثالثة كانت متمحورة في اعتقال القائد عبد الله أوجلان، لأن القائد بدأ بفكر جديد للقرنين العشرين والواحد والعشرين.
قرن العشرين الذي كان قابعاً تحت مفهوم الدولة القومية، الحداثة الرأسمالية والسياسات والأنظمة السلطوية الذكورية التي حوّلت منطقة الشرق الأوسط وكردستان وسوريا بالذات، والعالم أجمع إلى ساحات صراع واشتباكات وتشكيل الفرقة والمجموعات المرتزقة المتطفلين على جهود وكفاحات الشعوب؛ وهدفها توسيع نفوذهم، والهيمنة والسيطرة على الموارد الباطنية والطبيعية والطاقة والمياه واستملاك ساحاتها ورقعتها الاقتصادية، والوصول إلى زيادة الربح والقضاء على نظام حرية المرأة وإرادة المجتمع وألا يتم انبعاث شعاع الأمل الجديدة و ينشر قيم الديمقراطية والمجتمعية والسلام.
علينا ألا نقيم المؤامرة على أنها كانت في عام 1999 فقط، بل المؤامرة مستمرة حتى هذه المرحلة، فقط أساليبها تطورت وهي تستهدف إلى تطوير سياساتها واستراتيجياتها أكثر من أي وقت مضى. طبعاً المنطقة قضت 200 عام تحت نير الحروب والدمار ونظام الحداثة الرأسمالية. 200 عام مضت وحولت المنطقة إلى بقعة من الدماء والانقسامات والتغييرات الديمغرافية والحروب والأزمات والإبادات الثقافية والقومية، بالنتيجة كانت عبارة عن “أزمة” وفوضا عالمية، الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية… الخ.
ولكن كلنا نعلم بأن الحرب العالمية الأولى كانت عبارة عن صراعات بين محاور من أجل أهداف اقتصادية، هذه الحرب أنتجت الدولة التركية القومية. الحرب العالمية الثانية كانت من أجل الهيمنة المركزية – الاستعمار الجديد – أمريكا على منطقة الشرق الأوسط وخلفت معها دولة إسرائيل الكبرى التي كانت تلعب دور المطرقة ودور الشرطي الحامي للمصالح الأمريكية في المنطقة.
يسعون من خلال فنون الحرب العالمية الثالثة إلى وضع هدف آخر، لأنهم لم يكتفوا بالاعتماد على الدولة التركية القومية ودولة إسرائيل الكبرى فقط. والآن يطمحون إلى إنشاء كيان كردي قوموي بحت، وإنشاء دولة كردية قومية. من أهم استراتيجيات الحرب العالمية الثالثة هي إنشاء دولة قومية كردية تلعب الدور الوسيط والدور الحامي لمصالح الدول المهيمنة والتي تخدم مصالح قِوى الحداثة الرأسمالية وذلك على حساب هدر دماء شعوب المنطقة.
من هنا المشروع الذي طرحه المفكر والقائد عبد الله أوجلان “الأمة الديمقراطية” إنه نظام يلعب الدور الطليعي والذي بدأ من الشعب الكردي – الأمة الكردية، إلى جانب التأثير على الكثير من الشعوب والمكونات الموجودة في المنطقة من عرب وسريان وكلدان وتركمان وأيزيدين وآشورين وأرمن وشركس .. والكثير.
نظام هذا المشروع كان الرادع الأقوى لهذه الاستراتيجيات والمؤامرات الشنيعة. هذه المؤامرة لم تستهدف فقط شخصية القائد عبد الله أوجلان والحركة التحررية الوطنية الكردستانية، أو الشعب الكردي فقط؛ بل استهدفت كافة شعوب الشرق الأوسط وبكل مكوناته وبالدرجة الأولى “المرأة” ومن ثم المجتمعات، واستهدفت الإنسانية عامةً. لذلك مشروع القائد “الأمة الديمقراطية” والذي نجح عبر مسيرته المقاومة في إمرالي وقبلها أيضاً، وفي جبال كردستان وضمن روجآفا وإقليم شمال وشرق سوريا، لهو مشروع إنساني قبل أن يكون مشروعاً شخصياً أو عائلياً. نظام الأمة الديمقراطية يطرح الكثير من الحلول للأزمة العالمية وللقضايا العالقة مثل الورم الخبيث.
هنا تغيرت الموازين الدولية، وتلك القوى المهيمنة بدأت تبحث عن حلول واستراتيجيات أخرى، لأنهم لم ينتصروا للوصول لأهدافهم، حتى وأنهم أرسلوا مرتزقة داعش إلى مناطقنا ولكنهم رأوا كيف تصدينا لهم، ونحن انتصرنا. لم ينتصروا بإرسال هذا التنظيم الهمجي والتي هي صاحبة الذهنية الذكورية، السلطوية، البربرية والوحشية، لذلك لجأوا إلى وسائل أخرى.
ما هي تلك الوسائل الأخرى؟ تلك الوسائل هدفها إعاقة هذا المشروع، لأن هذا المشروع تحول إلى أمل لكافة نساء العالم والمنطقة، وأيضاً إلى آفاق جديدة من أجل إرجاع هذه المنطقة إلى ثقافتها الأصيلة، ألا وهي ثقافة شعوب ميزوبوتاميا وشعوب الأناضول وبلاد ما بين النهرين وثقافة شعوب ميزوبوتاميا العليا والسفلى والشعوب الذين كانوا يعيشون معاً كـ موزاييك. كافة الثقافات بألوانها وثقافاتها وهويتها ودينها ومذاهبها، جميعهم ضمن قاسم مشترك يتعايشون مع بعضهم البعض ومتحالفون في ثقافاتهم المختلفة.
لذلك لأجل إفشال مشروع الأمة الديمقراطية وترسيخ مشروعهم “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، يُدخلونَ المنطقة ضمن اشتباكات عنيفة، منها الحرب الدائرة في فلسطين وأفغانستان وباكستان والسودان وأوكرانيا وهنا أيضاً على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا ..الخ حيث خلقت الكثير من الفوضى العارمة وجدية وضع الحلول الجذرية للقضايا الإنسانية.
هذه الهجمات فقط هدفها ترسيخ ذهنية الدولة القومية، فعلى الحركات الثورية والشعوب المظلومة القيام بالكثير من المهام المرحلية. فالأجندات الموجودة ليست حركة وطنية بل هي حركة تابعة للأجندات المرتبطة بالقوى المهيمنة.
علينا أن نتساءل كـ نساء شمال وشرق سوريا، لماذا لم تنجح الدولة التركية بأهدافها؟ لماذا هذا الهجوم لم يصل إلى غايته؟ لماذا هذا المشروع التقسيمي الذي يرغبون به لتقسيم المنطقة بنهب ثروات المنطقة وبإنشاء خط جديد على البحر المتوسط من أجل جعل كل الطرق التجارية بأيدي إسرائيل؟.
سبب عدم نجاحهم بهذا المشروع كان مركز التوازنات وهو كردستان وسوريا وتركيا وإيران، هذه المناطق الاستراتيجية هي عبارة عن مركز التوازنات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. أولاً؛ كلنا نعلم بأن منذ سنة ونصف وأكثر، إيران وشرق كردستان تحت شعار المرأة، الحياة، الحرية أصبح عبارة عن انطلاقة كبيرة وثورة عظيمة موجودة.
ثانياً؛ في تركيا وبطليعة حركة الحرية، والأحزاب الديمقراطية، وحركة المرأة الحرة، اليوم يوجد تزلزل وتناقضات كبيرة ضمن المعارضة السياسية. حزب العدالة والتنمية AKP يبحث عن مخرج من أجل أن يخرج من هذا المأزق السياسي، والعسكري، والأمني، والدبلوماسي الذي خضع له، لذلك يلجأ إلى خطط تآمريه قذرة أخرى.
وأيضاً في إقليم شمال وشرق سوريا بطليعة مشروع الأمة الديمقراطية، وبطليعة ثورة المرأة فشلت كل المخططات، إلا أنه لم يكن ذلك علنياً، يجب علينا أن ندرك هذا كـ نساء بالدرجة الأولى وكافة النساء السوريات بأنه إذا لم تكن تلك القِوى الديمقراطية موجودة، لكان اليوم مصير سوريا كانت التجزئة والانقسام.
لأن الرادع القوي والحامي الذي يطمح بنهجه الثالث، ووفق ذهنية الحماية الذاتية ووفق ذهنية تنظيم المرأة والحرب الشعبية الثورية لـ شمال وشرق سوريا تحولت إلى مركز تلعب دور المنعطف في محور رئيسي بالتحكم بكافة السياسات والاستراتيجيات.
علينا أن ندرك ذلك، لهذا السبب طلبنا أن تتدخل كافة السياسات والتوازنات الجديدة ضمن التخطيط، وعلينا أيضاً أن نستنتج ونخرج بمخرجات جديدة. ما هي المخرجات الجديدة والتخطيط الفكري والسياسي الذي علينا التحلي به كي نضعف تلك القِوى التآمرية وقوى الحداثة الرأسمالية والهيمنة؟
من أجل أن نكون لائقين بجهود رفيق المرأة القائد آبو، وتلك الزهرة التي قدمها هدية لكافة النساء، لمن قدمها؟ قدمها لمعتقلات السجون التركية اللواتي ينبض قلوبهن بالإنسانية، والعدالة الاجتماعية، والمحبة، والاحتواء، والاتحاد والتوجه نحو حياة مسالمة. فالنساء على مستوى شمال وشرق سوريا لهن الدور الطليعي والريادي والتنظيمي بأن تعيد الموازين إلى سيرورتها وتصحح مسار إيصال المجتمع إلى طبيعته المجتمعية بإدارة المرأة الواعية والمثقفة والسياسية.
والتحضير للمرحلة الانتخابية للبلديات لهي شاهدة تاريخية وخطوة عظيمة جداً في أن تثبت المرأة في مسيرة الحرية بأنها جديرة بأن تقوم بدورها الثوري والطليعي والتنظيمي، وتملك حق التصويت الديمقراطي والمتساوي، في بناء المجتمع الديمقراطي والعائلة الديمقراطية.
الدور الذي يقع على عاتقنا؛ هو أن نرسخ من الاتحاد الديمقراطي، ونحن كـ نساء شمال وشرق سوريا علينا أن نوحد اتحاداتنا التنظيمية حيث لم نعد كما كنا من قبل عشر سنوات مضت، بدماء شهدائنا وشهيداتنا وأنجزت هذه الاتحادات، واجتمعن بقلبٍ وصوتٍ واحد وبنبرة واحدة.
هذا الاتحاد والاستراتيجية والفكر والنهج والأيديولوجية يجب أن تصل إلى كل نساء سوريا والشرق الأوسط والعالم، وعلينا أن نحقق الخطوة التي بعدها؛ ألا وهي الاتحادات النسوية والمنظمات الديمقراطية التي تجعلنا نحفظ إرادتنا برادع قوي أمام هذه التحديات والهجمات، ليس الاعتماد على القِوى الخارجية ولا التحالف ولا أمريكا ولا روسيا ولا أي دولة في العالم.
الدول كلها ذات مصالح وهي التي تقوم بكل هذه المؤامرات والتخطيطات للهجوم على مناطقنا. علينا أن نتعمق أكثر وأكثر في استراتيجية التنظيم الذاتي والسياسي والأمني والدبلوماسي في حياتنا اليومية، وأن نتعمق بفلسفة الاعتماد الذاتي والحماية الذاتية، والدفاع الجوهري وفق نهج الحرب الشعبية الثورية لأن العالم أجمع وخاصة الأطراف المتنازعة يرغبون أن يجعلوننا إلى طرف معين.
ولكن نحن مثل ما بيّن القائد بالتوجيهات “نحن لا نميل إلى أي جار ولا أي دولة نحن مع الحقيقة والمرأة والإنسانية والمجتمعات” لذلك علينا أن نتمسك أكثر وأكثر بنهجنا وأن نحقق مثل ما سماه القائد “بثورة الحقيقة” ونعمقها أكثر فأكثر.
القائد عبد الله أوجلان حقق ثورة حركة الحرية، وحركة المرأة وانبعثت شرارة هذه الثورة على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا. علينا أن نتمسك بهذا النهج وأيضاً أن نوجه هذه الرسالة للعالم أجمع وأن ننغمس في هذا الفكر، لأنه إذا لم نعتمد على ذواتنا، لن نكون قوة رادعة متسلحة، فكرياً وفلسفياً وأيديولوجياً، بدونها لن ننتصر على تلك التحديات والهجمات الفكرية والجغرافية أيضاً.
سوف يمتد هذا النضال والكفاح أكثر وأكثر، وتتوسع، لأنها لم تصل إلى أهدافها المرجوة، ونحن علينا أن نكون بهذه الدراية والاستراتيجية. نحن أصحاب فكر وأيديولوجية، فالمرحلة وبشكل عام بحاجة إلى بديل أيديولوجي وفكري وفلسفي، هذا يعني وجود فراغ أيديولوجي وسياسي.
والذي سيقوم بطرح البديل والحل السياسي والفكري لهذه الأزمة والتناقضات، وليس بإقصاء بعضنا البعض وليس قضاء دولة على دولة أخرى، الذي سيقوم ويلعب دور الفصل بين هذه التناقضات هو فكر ونظام “الأمة الديمقراطية”.
الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وكل مناطق الشرق الأوسط والعالم أجمع اليوم كلهم ينتفضون بصوت واحد، ما هو الحل؟ فاليوم الأرضية مهيئة أكثر من أي زمنٍ آخر، الظروف مهيئة لنا أكثر من أي وقت مضى، من أجل قراءة فكر القائد عبد الله أوجلان وطرحه للنظام البديل “الأمة الديمقراطية”.
طبعاً وتم طرحه عبر كافة المنابر بـ سوريا، ولبنان، والعراق، والأردن والشرق الأوسط كافةً. المؤتمرات في سوريا والشرق الأوسط والعالم والتي تم عقدها من قبل الحركات النسوية والشبابية والديمقراطية، كلهم يدركون ويقولون البديل هو نظام “الأمة الديمقراطية – الكونفدرالية الديمقراطية” غير ذلك لا يمكن أن يحقق طموح وأهداف وأحلام شعوب المنطقة. والبديل يطرح ذاته بذاته، مشروع “الأمة الديمقراطية – مشروع الدفاع الذاتي” حين لا تتمتع النساء في حماية ذاتها ومجتمعها فالنهاية ستكون أكثر كارثية حتى من غزة نفسها المشاهد الأليمة تفتر قلوبنا.
لذلك مشروعنا موجود، مشروع الأمة الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية، وهما يعبران عن البديل الحقيقي للأنظمة الاستبدادية، هم من يعطيان الفكر ويوجهان توجيهات مبادئ النهج الثالث للعالم أجمع وتوضيح ما هو يخدم مصالح الشعب وما لا يخدمه. ولن ننسى شهدائنا العظام الذين غذوا وأناروا مشروعنا وقالوا: “لا أحد يستطيع أن يعتم أيامنا ولا أن يقضوا على أحلامنا وطموحاتنا”. فإنني أنحني لذكرى كافة الشهداء أنا أيضاً أقول: “لا أحد يستطيع أن يعتم أيامنا وحياتنا”.
فمهما حاولت الأنظمة الاستبدادية وحتى ذهنية الدولة التركية الفاشية المحتلة بفرض الكثير من العقوبات والهجمات وتحت اسم ملف كوباني واعتقال الكثير من المناضلين والمناضلات في حزب الشعوب الديمقراطي في شمال كردستان (باكوري كردستان)، فلن تردع من عزيمة المرأة المناضلة أبداً. حتى وإننا وصلنا للكثير من المكتسبات ولكن علينا أن نكون بتلك الثقة بأننا ما زلنا في بداية المسيرة. فالثورة التي تقودها المرأة ليست بالسهولة بأن تصل إلى مبتغاها في الحرية والحياة الرغيدة، بل تحتاج للكثير من الجهود التنظيمية والمؤسساتية والسياسية. بالطبع في مناطقنا لإقليم شمال وشرق سوريا وصلنا لتك المرحلة بأن تكون المرأة مساوية للرجل في العقد الاجتماعي، حتى وأنها خطوة عظيمة، ولكن ورغم ذلك الوصول الأكبر لذاك المستوى من الثورة نحتاج أن نكون واقعيين وبالفعل أن نلعب دورنا التاريخي والريادي لإدارة المجتمع.
لقد أنهت المرأة الثورية ذاك المفهوم (قبل الثورة وبعد الثورة)، المرأة بطبيعتها تعيش حالة الثورة دوماً، طبيعتها الجسدية التي لا تتأقلم مع القوالب والدوغمائيات والجمود، فناحيتها الفكرية أيضاً ثورة عظيمة بحد ذاتها. وعلى هذه الثورة أن تكون مجتمعية تفتح الطريق للمسيرة الديمقراطية والتوجه نحو وضع الحلول الجذرية لكافة القضايا العالقة.