أطمح أن أرسم كوباني الشهداء كوباني الأم الأصيلة – الفنانة التشكيلية – إلهام محمد عيسى

أطمح أن أرسم كوباني الشهداء كوباني الأم الأصيلة

 

“اللوحة الأولى التي رسمتها هي المرأة التي تبحث عن ذاتها الضائعة

المرأة التي هي من كل الجوانب

تريد أن تكون شيئاً مهماً في هذه الحياة”

إلهام محمد عيسى

 

كوباني، المدينة أو القرية الململة للكثير من الأحداث السياسية والعسكرية. كوباني، ترابها الذي سقي بدماء الشهداء، ونسيجها المجتمعي الذي يحتوي الكثير من المكونات. مدينة أصيلة وعريقة على مر السنوات. ظلّت كما هي رغم الهجمات والتغيرات الجغرافية التي حدقت بها. هذه المنطقة التي تسمى (Kaniya Kurda) نبع الأكراد. منذ اتفاقية (سايكس – بيوكو)، والكثير من الأحداث تعاقبت عليها، ولكنها بقيت كما هي بحلتها الكردية وعاداتها وتقاليدها الاجتماعية، وخاصة أهاليها المعروفين بعنادهم وإفائهم لوعودهم التي يأخذونها على عاتقهم. كوباني، التي رسمت للعالم لوحة المقاومة والتضحية والتصدي لأقوى قوة إرهابية في العالم. كوباني، بتضحياتها أفدت الكثير من فلذات أكبادها، وليس هذا فقط، إنّما انضم الكثير من المقاتلات والمقاتلين الشباب لهذه المقاومة التاريخية. هي التي احتضنت الكثير من الكوجر الكرد، والبدو العرب والرحل ومنهم اليهود والأرمن والسريان، ومن جميع الطوائف. هي مزيج من الثقافات الملونة باللهجات والعادات والاحترام والكرم. رغم كل ما حدث، لكنها بقيت صامدة ونساؤها وأمهاتها وآباؤها الأشاوس شامخين.

أنا فخورة جداً على أنني أنتمي إلى هذه المنطقة التي تكللت بالمقاومة والفخر والكرم واحترام جميع المكونات. أنا من قرية (KewriK كَوّرك) من مواليد 1995 قريتنا؛ هي قرية جبلية، ومعروفة بحب أهاليهم للزراعة والأراضي وتربية المواشي، واسم القرية أتت من وجود الزهور البيضاء الكثيرة هناك، (كَوّرك) هي معناها باللغة الكردية (البياض). مشهورة بزرع أشجار التين والزيتون. ورياحها العليلة. مدينتي هي مدينة الجرح والمقاومة. رمز المقاومة لدينا هي مقبرة الشهداء (مقبرة الشهيدة دجلة)، وهي تقع في جنوب المدينة. عندما أزور مقبرة شهدائنا، فإنني أرى أنه لكل عائلة من عوائلنا شهيدة أو شهيد. ومن الناحية الشرقية جبل مشته نور، ومن الجهة الثانية للمدينة تمثال الشهيدة آرين ميركان، حين أتأمل ساحة الشهيدة آرين ميركان أستمد القوة والإيمان من عظمة شهدائنا العظام. كوباني، منطقة قريبة من الحدود الفاصلة ما بين روجآفا وباكوري كردستان يعني شمال كردستان.

                        منذ طفولتي؛ بدأت موهبتي وشغفي للرسم، وهذه الموهبة كانت تظهر بشكل كبير وخاصةً عندما كنت أتأمل أمي، وهي تتقن فن غزل الصوف. ومن هناك بدأت محبتي للرسم تزداد، وعندما بلغت سن البلوغ كنت أمارس هوايتي في المدرسة، وبعد إنهاء دراستي بدأت التسجيل في معهد الفنون الجميلة، لكنه لم يكن كافياً لتزداد خبرتي في هذا المجال، لذلك بدأت بأخذ دورات خاصة في مجال تعليم الرسم عند الفنان التشكيلي محمد شاهين الذي ساهم في زيادة خبرتي في هذا المجال أكثر، وكان له الدور الأكبر في تطوير موهبتي. من خلاله بدأت برسم لوحات بكافة الألوان، وبدأت برسم أول لوحة بألوان زياتي تحت عنوان (روجآفا)، وقد شاركت في عدة معارض في كوباني، ومن ثم في المعارض الإلكترونية ومعرض قامشلو السنوي للرسم. واجبي كفنانة تشكيلية، أن أدعوا جميع الفنانين والفنانات للانضمام إلى كافة الفعاليات الفنية ومن خلال الريشة بإمكاننا تقديم كل الجماليات للشعب والوطن.

اللوحة الأولى التي رسمتها هي المرأة؛ المرأة التي تبحث عن ذاتها الضائعة، المرأة التي تريد أن تكون وجوداً مهماً في هذه الحياة. أنا أحب تلك الروح التي تخبئ الحياة الحقيقية بين خباياها، تلك الروح المخفية والتي تم أخذها منها، أنني حين أرسم أبحث عن السلام وجمال المرأة. المرأة ليست كلمة عابرة أو مفردة بسيطة، على العكس حتى هذه اللحظة حين أتذكر تأملاتي لأمي أحس بالراحة النفسية، كيف أنها كانت تغزل الصوف بصبر كبير، كيف كانت تنسق بين الألوان، ومن لا شيء تحوله إلى شيء جميل يحبه الجميع، ويعبر عن التراث والتاريخ للمرأة الكردية. كنت أشعر بالراحة النفسية كثيراً وأطمح دوماً أن أكون مثلها صاحبة مواهب عديدة وإحساس مرهف.

عندما أمارس موهبتي في رسم اللوحات أريد أن أرسم كوباني الشهداء، كوباني الأم الأصيلة لأقدمها للمجتمع. حتى أنني أريد أن أحول جروحات المرأة إلى ألوان الحب على لوحاتي. أساس حياتي هي أمي العزيزة، لأنني تعلمت منها الحروف الأولى من أجل الاستمرار في حياة لها معنى وقيمة. وأول لوحة رسمتها هي لوحة هذه المرأة التي تبحث عن ذاتها الضائعة. من خلال هذه اللوحة أحببت أن أرسم بلدي روجآفا، والمراحل التي مرت بها من الحروب والاحتلالات. عندما يتأملون لوحتي يعتقدون أنني رسمت امرأة، لكنها في الحقيقة أمرأه تمثل حقيقة بلدي روجآفا.

حتى الآن أمارس هوايتي وبكل حرية. أريد أن أرتقي الى أعلى المستويات كي أكون لائقة بشهدائنا وشهيداتنا العظيمات. الرسم أيضا ساحة من ساحات الحرب، إنني أعتبر الريشة هي السلاح الفتاك في الحياة، الريشة لا تدمر، بل تبني وتغير وتحول كل شيء بسيط إلى معنى ذو قيمة. الرسم خيال واسع وحلم وعالم جميل من خلاله أعبر عما يجول في خاطري من الأفكار والمواضيع الروحية. ريشتي، توحي بما في قلبي من شعور فريد ومختلف فأذهب معها إلى فضاءات الحرية اللا محدودة.

الرسم إيحاء عن هويتي، ورؤيتي للعالم المحيط حولي، وهي سمة بارزة تتغلب على جميع أعمالي الفنية أو لوحاتي أو إبداعاتي الأخرى، وهي تعبير عن إلهامي الواسع وحبي وإحساسي بالأشياء ونظرتي للحياة والحرية. فمدينتي كوباني بذاتها وتضحياتها وبطولاتها التاريخية بدماء الشهداء هي مصدر إلهامي. والقضايا والأحداث التي مرت بها المدينة أثرت في كياني، ومن خلال أعمالي الفنية أحببت أن أعبر عن كل هذا.

إن المرأة وما يتعلق بكينونتها كأنثى، وهويتها الخاصة، والرموز المتعلقة بها كانت أفكاراً ألهمت الكثير من العالم. موهبة الرسم فتحت المجال أمام الكثير من النساء لتشعرن بحرية كبيرة عند التعبير عن أحلامهن. الموضوع الأساسي في أعمالي الفنية هو الدعوة للسلام والتعايش، ورفض الحرب وتبعياتها المأساوية. أعبر عن قضايا تخص (المجتمع والعائلة)، و(المرأة والعائلة)، لذا أرسم بكل حرية لأني أعيش في بلد الحرية.

أسعى دائماً إلى رسم صورة لمختلف الأنماط والأشكال، لأن لوحاتي مع ألوانها المتنوعة والجميلة انعكاس لذاتي، وبما أني ابنة مدينة كوباني مدينة الجمال والإبداع لابد أن تحمل لوحاتي أروع معاني الإبداع والجمال. فن الرسم يمثلني كامرأة كردية وتلهمني الألوان والزخارف والتراث الكردي الأصيل، وهذا الشيء يشدني أكثر للتعمق والإبداع في لوحاتي لتصبح لوحة ثرية بمعانيها وجمالها شكلاً ومضموناً. هذا الفن الراقي يشعرني بحرية تامة بعيدة عن القيود. لم أشعر يوماً بأن أفكاري الفنية حبيسة أو مقيدة، فهي لوحات لها آفاق حرة، وأفكار لا نهاية لها تعكس ثقافة مجتمعي الغني.

الرسم ثقافة بصرية ففي الكثير من الأحيان أعبر عن القضايا الإنسانية مثل قضية الشهيد وغيرها من القضايا الإنسانية، ولكن المرأة هي ملهمتي وقضيتي الأساسية في الرسم. الرسم؛ رسالة وأسعى دائماً لإيصالها إلى المجتمع بحلّة جديدة وصورة جميلة وانطباع حسي وبصري، أريد من خلاله إيصال فكرة معينة بداخلي، أو أن أغير الواقع المؤلم فأرسم مدينتي كوباني بأبهى الصور.

الرسم هي لغة الفنان البصرية وهي نتاج حي لما بداخله، محملة بالمفاهيم الروحية ويترك عليه بصمته مع إحساسه ويضفي على لوحته روحاً.

أنا كفنانة أشعر بالفخر لوجود موهبة الرسم لدي، وأشجع جميع الفتيات اللواتي لديهن هذه الموهبة بأن تكملن مسيرة حياتهن وتناضلن في سبيل القيم الإنسانية وحقيقة المرأة الباحثة عن الحرية، وإبداعاتهن بالريشة والرسم على لوحة الحياة.

إلهام محمد عيسى: مواليد /1995/ من مدينة كوباني. شاركت في العديد من المعارض الفنية، في كوباني وقامشلو منذ سنوات /2019/2020/2021.هي ترسم بدون كلل أو ملل.