النضال والكفاح الفكري كفيلان بأن نتخلص من قذارة مفهوم التعصب الجنسي

النضال والكفاح الفكري كفيلان بأن نتخلص من قذارة مفهوم التعصب الجنسي

نحتاج للمزيد من النضال والكفاح الفكري والسياسي

والسير على خطى عمق أيديولوجية تحرير المرأة،

كي نصل إلى مجتمع تسوده الأخلاق الديمقراطية

والمفعمة بثقافة المرأة – الأم”

نرجس إسماعيل

حين نتعمّق في حقيقة مجتمعٍ ما أو تحليل مستواه الأخلاقي والسياسي، فإننا نحتاج إلى مراجعة عمق وتأثير الذهنية المتواجدة على أفراده وخاصة العائلة. التكوين الذهني المعبّر عن طريق علاقاتها الاجتماعية ومبادئها الأساسية، فالبنية الذهنية تكون لها العمود الفقري الأساسي. الذهنية الاجتماعية، التي تتكون من البنية المجتمعية الطبيعية، تكون بتلك القدرة اللينة على أن تُبدع وتكون ذات عقلية اجتماعية مهيئة للتغيير والإبداع والبناء والإنشاء الدائم، حتى وإن مرت بظروف زمنية صعبة أو تحديات خارجية.

القوى الموجودة في النظام العالمي، تعتمد كل الاعتماد على البنية الذهنية في تحديد مساراتها، وكيفية التعامل مع كافة القضايا، حيث تلك القضايا بالنسبة لها استراتيجية وليست مؤقتة. لذلك (الهيمنة) هي الهدف الأساسي. جميع الأنظمة تتكون من الذهنية المهيمنة المعتمدة على السلطة والتحكم. حين تكون الذهنية المجتمعية ضعيفة، وغير قادرة على تطوير وبناء ميزات المجتمع، وإرجاعه إلى طبيعته الكومينالية والإنسانية، فهي تهيئ أرضية جاهزة لـ تحكم الهيمنة الذهنية، وحتى في الدول العظمى، حولوّها إلى سيناريوهات مبجّلة للهيمنة، وكأنه لا مفر منها، وقدرٌ محتوم على المجتمعات.

المجتمع يمتلك تلك الطاقة الطبيعية والعقل الاجتماعي الفطري، حيث له القدرة على حماية مقاييسه وأخلاقياته الموروثة تاريخياً، لأن التراكمات والمراحل الزمنية تكسب المجتمع بنية قوية لأجل تكوين أخلاقه. ممارسات الهيمنة الذهنية، هي التصدي وبشتى الوسائل، لتلك الأخلاقيات وإن كانت العادات والتقاليد والتنوع في الثقافات. الهيمنة الذهنية؛ دورها الأساسي هو؛ خلق المرأة المستعبدة، والبعيدة كل البُعد عن إرادتها الحرة والتفكير الحر والذهنية التحررية، حيث تُبدع في خلق كافة الأساليب الهادفة لخلق ذاك النموذج (المرأة).

حين تكون المرأة هي المحور الأساسي لها، ذلك لأنه من خلال المرأة الضعيفة والتي لا حول لها ولا قوة، خلق ذاك المجتمع البعيد عن طرازها المجتمعي والباقي متخلفاً في جميع المجالات. فالهيمنة الذهنية ذات الأساليب المتعددة، المحاولة من خلال (الإعلام والدعايات) وإضفاء الكثير من المصطلحات البرّاقة لـ شرعنة نظامها، من خلال ترسيخ مفهوم (انتهى زمن الديمقراطيات والحقوق وحرية المرأة)، والولوج في بوتقة الحداثة الرأسمالية.

الأيديولوجية الأساسية في هذه القضية، هي التركيز على طبيعة المرأة الكونية، التي تتمثل في تكوين الحياة والعقل المجتمعي. المرأة؛ تلك الحلقة القوية لاستمرارية التطوّر التدريجي في المجتمع ومسيرة الحياة. كما للنباتات والحيوانات طبيعتها في نظام التطوّر التدريجي والذي يسمى بـ مراحل التطور الطبيعي، فإنّ الجنس البشري أيضاً يتحلى بهذه الصفة الأساسية.

النقطة المهمة في هذه المسألة؛ علينا مراجعة بعض المفاهيم، التي لم تظْهر عن عبث، أو محض صدفة، بل على العكس، تملك في خاصيتها نظام التطور التدريجي، وهنا لن نكون على أي اختلاف إذا قلنا الحقيقة، أو بمعنى أعمق؛ أن سيرورة ذاك التطور التدريجي إما أن يكون لصالح المجتمع والحفاظ على عقله الاجتماعي، أو العكس، حين تتحول السيرورة إلى باب ينفتح على الجهل والانحطاط وخنوع إرادة الأفراد.

الذهنية المبنية على المفهوم الذكوري الأبوي والسلطوي، لها أسبابها التاريخية. من هنا؛ دور المقاييس السياسية المجتمعية مهم جداً، من خلالها يتم النقاش على كافة المواضيع والقضايا العالقة، فالسياسة تحدد أسلوب التعامل ووضع الحلول، بنفس الوقت تطور الروح الجماعية والتشاركية والكومينالية، وهي التي تقوي من سياج المجتمع، ولَمْ شمل جميع الفئات، وبدون أي اختلافات. متى تنتهي قيمة المقاييس السياسية المجتمعية؟ حين تنعدم الذهنية الاجتماعية.

لقد علموا الأجيال بأن السياسة (فنُ مكر وخداع)، ولكن العكس، فالسياسة تقرر أسلوب التعامل والتكاتف بين المجتمع، والدور البارز في ذلك يعود للمرأة، التي هي العمود الفقري لحماية هذه المقاييس. كيف لنا أن نتحدث عن السياسة والأخلاق من دون التخلص من ثغرات ذهنية التعصب الجنسوي؟. ذهنية التعصب الجنسوي الموروث منذ خمسة آلاف سنة، لها أبعادها وتأثيراتها وظواهرها السلبية، أولاً على المرأة وثقافة المرأة – الأم، وثانياً على الذهنية المجتمعية المبنية على السياسة والأخلاق الأصيلة.

مفهوم التعصب الجنسي، المستند على الجندرة الذكورية، من خلال العادات والعقائد والثقافات المخالفة لطبيعة المرأة؛ وعلى طبيعة تكوين العقل الاجتماعي. كثيرة هي الدراسات والتحليلات التي آلات إلى طرح الكثير من الحلول بصدد ذلك، ولكن دون جدوى. أغلب هذه الحلول سطحية، ولا تخص المجتمع بأي صلة. وبعيدة كل البعد عن الذهنية المبنية على ثقافة المرأة – الأم.

كي نصل إلى المجتمع المتحرر جنسوياً، نحتاج للعديد من التغييرات التاريخية، والخطوات العملية بين الجنسين وعلى مستوى المجتمع كافةً، منها الثقافة الديمقراطية والتحرر الذهني، من كافة مفاهيم التعصب الجنسوي. وبعد طرح الكثير من الكتب والكرّاسات والمرافعات القيّمة التاريخية، للقائد عبد االله أوجلان المستندة على براديغما جديدة، وتملك ثالوثاً، منها؛ الديمقراطية، الأيكولوجيا، والتحرر الجنسوي، نجد من خلالها، تم طرح الكثير من الحلول الواقعية، والتي هي البديل الأنسب نحو بناء مجتمع متماسك ويدير نفسه بنفسه، على أساس فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية.”

القضية هي اجتماعية وسوسيولوجية ولها أبعادها التاريخية. حيث منذ عمر الطفولة، يتم تقسيم العمل من خلال تطبيق ثقافة هذه الذهنية. تتعلم الفتاة من تقرّبات الأب والأم وجميع أفراد العائلة، بأنهم لهم الحق في تحديد ملابسها، وألعابها، وللصبي أيضاً نفس المنوال. كما ترعرعت الأم على تلك الثقافة، فإنها تربي أولادها أيضاً على تلك الشاكلة. وكأنه لا محال لأجل تغيير هذه الذهنية. ومن هنا؛ أن ذهنية التعصب الجنسوي تبني الفروقات والاختلافات منذ نعومة الأظافر. رغم أن هذه الفروقات لا تمس الطبيعة الإنسانية بأي صلة، إن كان صبياً أو فتاة.

إذا أردنا أن نصل إلى مجتمع أخلاقي وسياسي، فالمهمة الأساسية التي تقع على عاتقنا، هي مواجهة كافة مفاهيم التعصب الجنسي، وطرح أساليب الحل من خلالها، للوصول إلى مفهوم التحرر الجنسوي أو بالأحرى إلى فلسفة التحرر الجنسوي.

بالطبع؛ إنها مهمة تاريخية، وتحتاج إلى نضال دؤوب. إذا لم نكن بتلك القدرة على تحليل مفهوم مجتمع التعصب الجنسوي من جانب، ومن جانب آخر، عدم استطاعتنا ترسيخ ثقافة المجتمع الديمقراطي، واكتساب الوعي في حماية الأيكولوجيا، فسنكون معتمدين على قَدَم واحدة. الإنسان الذي يكون على قَدَم واحدة، هل لديه القدرة على السير؟ أو حتى الركض؟ كلا! لذا علينا التحلي بالثقافة الديمقراطية والأيكولوجية، وبنفس الوقت التخلص من رواسب مفاهيم التعصب الجنسوي.

تحليل مصطلح (التعصب الجنسي)، بجوهره يكون الأسلوب الصائب والصحيح. رواسب المجتمع هي التي خلقت لدينا ذهنية تلك الثقافة. حتى عندما نراجع حقيقة المجتمع الطبيعي، أو النيولوتي لن نجد ثقافة التعصب الجنسي، بل سنجد العلاقات الإنسانية المبنية على طبيعة المرأة – الأم، والتي كانت لها الطابع الأبرز.

النقطة الأولى؛ إذا لم نحلل قضية عقدة الكأداء (العائلة)، وخاصة تأثيرات الذهنية المتعصبة عليها، لن نكون بتلك القدرة على التخلص من مفاهيم التعصب الجنسي والوصول إلى فلسفة التحرر الجنسوي. بمعنى أصح؛ العائلة طوّرت عبودية المرأة، وقوّت من سلطة الرجل، وجعلته هو الأساس. العائلة؛ هي النواة الأساسية لتكوين المجتمع. العائلة؛ هي المرآة المباشرة لأجل رؤية مستوى أي مجتمع. فذهنية التعصب الجنسوي إذا ما تعمقت ضمن العائلة، ستؤول فيما بعد إلى أن تكون حجرة عثرة أمام التحول الديمقراطي المجتمعي.

أما النقطة الثانية؛ لأجل التخلص من عبودية المرأة، علينا القيام بتحويل تلك العائلة، إلى عائلة ديمقراطية، فالكثير من المفاهيم المنحرفة أثّرت على المجتمع، حتى بعض التوجهات الدينية والفلسفية والعلمية. والكثير من القصص والحكايا ضمن المجتمع، كلما تحكى يتم تصغير المرأة فيها، وكأنها حقائق، ولكنها أساس استعباد المرأة.

من خلال ما سردناه آنفاً؛ محور مجلتنا في عددها الثالث ” التعصب الجنسي” لهو من أهم القضايا الأساسية، من أجل الوصول إلى ذهنية التحرر الجنسوي. مهما تم التحرير جغرافياً، فإننا نحتاج أكثر وأكثر إلى التحرر الذهني الكامل من مفاهيم (الجندرة) القذرة البالية والكلاسيكية. فهي تطلب منا، المزيد من النضال والكفاح الفكري والسياسي، والسير على خطى عمق أيديولوجية تحرير المرأة، كي نصل إلى مجتمع تسوده الأخلاق الديمقراطية والمفعمة بثقافة المرأة – الأم.

نتمنى لجميع القرّاء والقارئات، أن يكون محور العدد بوابة جديدة لفتح الكثير من الحوارات الديمقراطية، الهادفة نحو التغيير البنّاء. وتسليط الضوء على حيثيات القضايا المجتمعية الأساسية، بما فيها قضية المرأة، الأكثر جدلية في الشرق الأوسط.