الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد لـ آفاق المرأة

الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد

لـ آفاق المرأة

«الجانبْ الأكثرْ أهمية؛

 تغيير المناهج المبنية على ذهنية التعصُّب الجنسي،

 واسْتِبدالها بِمناهج تتحلى بذهنية التحرر الجنسوي،

وتربَويةُ تعزز من ثقافةِ الفرد الحر والمجتمَع الديمُقراطي المتساوي»

 

إعداد الحوار: نرجس إسماعيل

 

1 – بعد الترحيب. التعصب الجنسي! كيف يمكننا تعريف ذهنية التعصب الجنسوي؟ وعلى أي أيديولوجية تعتمد؟

لكم مني تقديري واحترامي على جهودكم المبذولة من خلال مجلتكم المرموقة آفاق المرأة في سبيل توعية المرأة وإيصالها إلى المستويات الفكرية والسياسية والثقافية.

بالطبع؛ يُعتبر التعصب الجنسي القائم على الجنس من أحد مظاهر التعصب، ويتمثل في اتخاذ مواقف أحادية الطرف سلبية تجاه جنس المرأة بما في ذلك دورها الاجتماعي وسماتها الشخصية. ويبرز هذا التعصب بشكل واضح في المجتمعات صاحبة الذهنية الذكورية، مع ملاحظة تغيير مظاهره بحسب الزمان والمكان.

ويُقصد بـ (الذكورة) التأكيد على أن السلطة بجميع أشكالها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، إنما تكون في تسيد الرجل على المرأة بغض النظر عن الطبقة أو العرق أو الأثنية أو الدين أو القومية أو الثقافة. مصطلح الذكورة متعدد الدلالات ويستخدم في أدبيات العلوم الاجتماعية بصورة مختلفة لكنها لا تخرج إجمالاً عن فكرة سيطرة الرجل على المرأة.

كافة المجتمعات والأنظمة المتمحورة حول الرجل تضع القيود والحواجز المرئية والغير مرئية التي تقف عائقاً أمام النساء في سبيل وصولهن إلى مواقع القرار في جميع مؤسسات المجتمع؛ وذلك، لا لوجود علة فيهن، بل لأنهن “نساء”، وتبعاً لتنميط شائع بشأن “طبيعتهن”، تم الاحتكام إليه ونفذ، بموجبه، استبعادهن عن لعب دورهن في تلك المواقع.

أما في مجتمعات الشرق الأوسط بشكل خاص، فإن مظاهر التعصب الجنسي تبدو أكثر وضوحًا. فيتم إطلاق الصفات المحقرة لقدرات النساء العقلية والأخلاقية المتوارثة من المعتقدات والأمثال الشائعة، وفي وجوب السلوك الذي يتعين على الرجال ممارسته تعميق تلك المعتقدات بما فيها؛ (نقص المرأة في العقل والدين). ويشمل ذلك على تقييد حرية حركة النساء، ومراقبتهن وفرض أشكال لباسهن، واحتكار اتخاذ القرار في أكثر مما يتعلق بشؤونهن، بما في ذلك قواعد وجوب حماية المرأة وإعالتها التي تعني “سترها” من العار. هذه جميعاً تسوغ لموقع المرأة الدوني في السلم الاجتماعي وفي المكانة الاقتصادية والمواقع السياسية ومناحي الحياة جميعاً بما في ذلك القوانين التي تنظم الحياة العائلية والعامة.

كل هذه التصرفات والسلوكيات ليست موروثة من خلال عدة أعوام، إنما لها قاعدة تاريخية ذهنية تمتد للألاف من السنين التي قضتها المرأة في صراع دائم ضد الأنظمة الذكورية التي تعتمد على الأسرة أولاً والعائلة والعشيرة ثانياً والقبيلة ثالثاً، ومن ثم الدولة أساساً لها. جميع الميثولوجيات تتحدث عن المرحلة التي كانت فيها المرأة هي الإلهة – الأم التي كانت تنظم الحياة اليومية، وتضع قواعد الحياة التشاركية القائمة على وحدة الثنائية المختلفة في الجنس واللون والنوع. لكن فيما بعد انهارت هذه الثنائية وسارت الحياة على قدم واحدة بدءاً من الهرميات التي أصبح فيها الرجل مالك الحياة والمرأة، وكل ما في الحياة تم تشيئه، مقابل الرفع من سوية الرجل إلى مرتبة الوسيط بين الرب والإنسان. موضوع تكوين الذهنية، عملية جداً معقدة وتحتاج لوقت طويل. ما حدث للجنسين حتى أصبح أحدهما متسلط وآخر مستعبد مر بمراحل تاريخية متعددة. فكان أولها فرز العمل بين الجنسين الرجل للصيد والمرأة للزراعة، فطبيعة كلا العملين يختلفان عن بعضهما البعض، أحدهما يشكل ذهنية المؤامرة وفن القتال ومن ثم الملك والسلطة والقيادة، أما الآخر يشكل ذهنية الاستقرار، الإبداع والتنويع وبذل المجهود دون مقابل خاصة الإنجاب وعاطفة الأمومة. هاتين الذهنيتين كان لها تأثير على سلوكيات كل من المرأة والرجل في تربية الأطفال أيضا، ومع مرور الزمن وتتالي الأجيال تحول إلى أخلاقيات متوارثة (عادات وتقاليد) لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها تحولت إلى سلوكيات مبنية على قناعات متمحورة حول المقدسات كما الدين والعقيدة. خاصة بعدما استملك الرجل المرأة والأطفال مع ظهور مفهوم الأسرة الثنائية.

2 – ما هي العلاقة بين مفهوم التعصب الجنسوي وذهنية السلطة (الذهنية السلطوية)؟

قبل كل شيء علينا أن نوضح النقطة الأساسية ألا وهي؛ السطلة لغوياً هي: القوة والقدرة على الشيء والتحكم به، والسلطان الذي يکون للإنسان على غيره سلطات. وقد تکون هذه القوة حقيقية كـ التهديد بالتسبب بأذى جسماني أو روحي كـ “انصياع المؤمنين”. للسلطة أنواع منها: الشرعية، والنفسية، والدينية، والاجتماعية. كما نرى ان السلطة تقوم على الصراع بين الحاکم – المحكوم، ولها وسائلها المختلفة التي من خلالها تستمد قدرتها على التحکم والسيطرة. ومکان العقاب هي (السجون) في المنظومات الاجتماعية الإنسانية. لأن السجن هو الوسيلة الأفضل والأكثر فعالية وعقلانية من أجل فرض العقاب على خروقات النظام في مجتمع ما. ثم يأتي دور الانضباط والموضوع المركزي للانضباط هو الجسد، جسد الجندي والمريض والتلميذ والعامل والمجرم والمرأة.

وجود الجسد هدفه الرئيسي التكييف والتدريب، والتطويع، والاستجابة، والتكاثر. لقد طوّر العلم الحديث مفهوم “الإنسان الآلة – الذكاء الاصطناعي” الذي هدفه الأساسي أمران هما: الخضوع والتشغيل، وبهما يتحقق التطويع والطواعية، فالجسد في کل حالاتها يجب أن تکون مطيعة والجسد – الآلة ليس فقط أداة للتفسير، بل دمية سياسية. والسلطة أو القوة تنتج المعرفة وتقتضي إحداهما الأخرى، إذ لا توجد قوة أو سلطة بدون تأسيس مناسب لحقل المعرفة ولا توجد معرفة لا تقيم علاقات قوة وسيطرة. والسلطة تقوم على مجموعة من العلاقات وهي عبارة عن “علاقات قوة “.

بالمطلق يوجد علاقة وثيقة بين السلطة والتعصب الجنسي، فعندما نتحدث عن الأسرة والعلاقة الزوجية المتمحورة حول الرجل، والقائمة على الجنس الذكر، فهي تستعبد المرأة وتستغلها من كافة النواحي الفكرية والنفسية والجسدية والثقافية والاجتماعية. وتستثمر طاقاتها في خدمته، هكذا هي ثقافة النظام الذكوري أيضا، فهي تتبع نفس الأساليب في السياسة والعسكرة والاقتصاد وكافة المجالات الأخرى من الحياة. تستبعد المرأة من هذه المجالات وتحصرها في المجال الخدمي ضمن الأسرة فقط.

 3 – هنا السؤال المهم؛ ما هي الظواهر البارزة أو الاشكال المرئية للتعصب الجنسي؟ إن كان ضمن الأسرة أو المجتمع؟

حقيقةً؛ أن المجتمع بأكمله مبني على ذهنية التعصب الجنسي، بدءاً من تربية الطفل في الأسرة إلى تنظيم المؤسسات في الدولة او غيرها من الحركات والتنظيمات المدنية، وحتى الحركات النسوية أحياناً تراها بعيدة كل البعد عن الثقافة الأنثوية.

من هنا؛ يأتينا سؤال: لماذا تتغير العلاقة بين الجنسين بالرغم من كل التطورات التي حدثت في تاريخ البشرية؟ الجواب هو: رغم ظهور جميع الحركات والشخصيات والتنظيمات التي ظهرت المناهضة الذكورة، لكنها لم تستطع انقاذ نفسها من فخ الذهنية السلطوية الذكورية، ومع مرور الزمن تحولت إلى مسنن من مسننات آلة السلطة والنظام الحاكم. لأن النظام يعمل بشكل مستمر على إنهاء معارضيه وتصفيتهم، من خلال توجيههم نحو التوافق مع الحياة المتمحورة حول (الذهنية الذكورية) والتعصب الجنسي.

يظهر التعصب الجنسي في الأسرة والمجتمع بأشكال مختلفة. فهو يظهر ضمن كل مناحي الحياة، السياسية، حيث يتم فتح المجال أمام الذكور ليتقدموا في المجال السياسي ويسيطروا على القرارات السياسية. ويتم استبعاد المرأة عن هذا المجال بحكم أنها لا تفقه في السياسة. ويتم الاستهتار بها واستصغارها عندما ترغب بأخذ دورها الفعلي، أو أنها تجبر أن تقلد الرجل في العمل السياسي وتخدم النظام الذكوري حتى تكون مقبولة في هذه المكانة. أيضاً هناك التعصب الجنسي في المجال الاقتصادي، معلوم أن كافة المجالات الاقتصادية يتم استبعاد المرأة عنها، ويتم تخصيص هذا المجال للرجل، لذلك يقال لأصحاب رؤوس الأموال (رجل أعمال). ويتم التعامل مع المرأة بدونية وهي لا تفقه من العمل الاقتصادي. أيضاً هناك تعصب فكري وثقافي، حسب هذا النوع من التعصب؛ (المرأة ناقصة العقل، لا تفقه في أي مجال أو قدرات، هي تحتاج لمن يدعمها في عملية التذكير.. أو ما شابه من عمليات الذكاء والذاكرة والتثقيف. الدين أيضاً له دور في ترسيخ التعصب الجنسي، التفسيرات الدينية حطت من قيمة المرأة وسمح بتعدد الزوجات، وجعلها خادمة ومشبعة لغرائز الرجل فقط، بدلاً مما يتم التعامل معها كإنسانة لها الحق كما الرجل في كل مناحي الحياة المجتمعية.

في الأسرة يظهر التعصب الجنسي من خلال العلاقة الزوجية التي من المفروض أن تكون عبارة عن تعاقد بين طرفين يتشاركان الحياة على طول العمر، ولكن من أول خطوة يبدأ الرجل هو بالاختيار والطلب ووضع السعر لعملية الشراء تلك، أيضا هو من يتحكم بمفاتيح الحياة، ولا تظهر المرأة على أنها شريكة في إدارة الأسرة، إنما هي تابعة وخانعة لا دور لها سوى في الإنجاب والطاعة للأوامر، وإن لم تنجب (ذكر) فسيتم تبديلها بغيرها من النساء المنجبات. ففي هذه الحالة لا يمكننا الحديث عن حياة تشاركية بين الجنسين، إنما هي علاقة مبنية على التبعية والملكية الخاصة.

4 – إذن؛ ما هي المؤشرات التي تدلى بها على تكوين شخصية الفتيات والصبيان؟ وضمنها كيف تشكلت العلاقة ما بين الرجل والمرأة، وكيف أصبحت اسلوباً للحياةً اليومية؟

النقطة الأساسية هنا؛ يظهر التمييز بين الجنسين والتعصب الجنسوي في الأسرة عن طريق أسلوب تربية الأولاد، حيث يتم تربية الفتاة على أنها العنصر القاصر المفعول به دائما، وهي نقطة ضعف لدى كل أسرة، يتم اختيار الألوان حسب أذواقهم وبما يناسب الوسط العائلي كي لا تكون مهيجة لغرائز الرجل، ويتم تلقينها ثقافة الطاعة للرجل سواءً كان الأب أو الأخ أو الزوج أو أحدً من أفراد العائلة من الذكور. يطمح دوماً للوصول إلى الفتاة العاقلة بمعنى (المطيعة).

وتجهيزها كي تكون عروس وزوجة لائقة مطيعة لزوجها وتكون منجبه ومربية للأطفال. ويتم رسم مستقبلها بين أربعة جدران. لذلك مطلوب منها أن تراعي هذه الحساسيات منذ الصغر، وباعتبارها غير معيلة للأسرة، ليس لها القيمة أيضاً، وهي تعتبر عالة على الأسرة إلى أن يتم تزويجها، ويتم الإسراع بهذه العملية كي يتخلص الوالدين من هذا العبء، وهي ناقصة عقل ودين نسبة إلى المعتقدات القديمة، وبعض النظريات العلمية اعتبرت ان عبودية المرأة هي حالة بيولوجية وليست ذهنية وثقافية.

 حقيقةً؛ أن الرجل السلطوي الحاكم، أوجد نظريات علمية وأحجية دينية لترسيخ عبودية المرأة وتقديس سيادته الرجولية. ويعتبر هذا من أشد أنواع العنف الأسري الذي تتعرض له المرأة بنسبة غالبة في المجتمع. أما الطفل الذكر، فهو العنصر الذي يتم التعامل معه بثقة، وهو الراعي للأسرة بعد الأب، وهو المعيل، والوريث الأساسي والوحيد للعائلة، لذلك الذكور مفضلون على الإناث بشكل دائم. وحتى إن كان صغير العمر أيضاً، فهو رجل المنزل وله كلمته الأولى والأخيرة. إن هذا التعامل أو شكل أسلوب التربية هذه تخلق لدى الذكور الحالة النرجسية، والتعالي والتسلط على النساء، كواقع مفروض وحالة طبيعية مترسخة من قناعات دينية وقواعد إلاهية لا يمكن خرقها أبداً.

5 – من هنا؛ اتضح لنا أن الأضرار والتأثيرات السلبية من قبل ذهنية التعصب الجنسي على المرأة أصبحت واضحة، ولكن! وبنفس الوقت أن الخطر الأكبر هو على الرجل ايضاً، فكيف لكم أن تحللونها أو تقيمونها؟

قد يعتقد المرء؛ أن المرأة هي الوحيدة المتضررة من هذه الثقافة والعقلية، لا، هذا غير صحيح، من المؤكد أن الرجل الذي يمتلك هذه الرؤية، لن يكون سليماً ولا صحيحاً. فهؤلاء لا يحصلون على الاستقرار مهما ادعوا أن حياتهم مستقرة وسليمة، لأسباب متعلقة بذهنية الملكية والسلطوية والتحكم والنرجسية. يمكن للرجل أن يرتكب جرائم بشكل متكرر، وحتى أن يكون عدواني تجاه كل من يقاوم ضده، وحتى عدواني على المرأة بالذات، ولكن حقيقته هو أنه عبدا لمؤسسة الدولة والسلطة والقوات الحاكمة على مفاهيم المجتمع.

مثلا: نصادف يومياً حوادث قتل النساء واغتصابهن، وحوادث الانتحار من قبل الكثير من النساء. هذه هي الصورة التي نراها في مجتمعاتنا الشرقية، أما في المجتمعات التي تعتبر نفسها أكثر تقدماً، نرى أن الذكور أيضاً أصبحوا في وضعية النساء، حيث يعطي النظام مجالاً لكلا الجنسين على العيش بمساواة فيما بين بعضهم البعض، ولكن التمييز يبقى واضحاً في المجال السياسي، والأجور وساعات العمل. وفي تلك المجتمعات تستهلك الأنظمة طاقات الرجل كما طاقات المرأة على حد سواء، ويتم تأنيث الرجل ظاهرياً وسلوكياً من خلال تنظيم حركات تنادي بالمثلية وما وراء الجنس أي عدمية الهوية الجنسية. حتى أن الليبرالية أتت معها بأمراض كارثية على حياة البشرية، وعلى النوع البشري.

7- من هنا وصلنا إلى هذه الحقيقة؛ الحل، إذاً، كيف يمكننا التخلص من ذهنية التعصب الجنسوي؟ وخلق ذاك التغيير بشكل واقعي ضمن المجتمع؟ أي كيف يمكننا الوصل او ايصال المجتمع إلى ذهنية التحرر الجنسوي؟

هنا؛ باعتبار أن التعصب الجنسوي هو نتاج فكري، لا بد من البدء بعملية التصحيح في العملية الذهنية، ويأتي ذلك أولاً من إزالة القوانين والقواعد التي ترسخ وتعزز هذه الذهنية، ووضع آليات لتنفيذ تلك القواعد بشكل فعلي ومنظم. أيضاً: مطلوب القيام بحملات توعية مكثفة حول مفهوم التحرر الجنسوي، بدءاً من الفرد من كلا الجنسين، حتى تصل إلى العائلة، العشيرة، القبيلة، القرية، المدينة، وضمن جميع الكومينات والمجالس والنواحي والإدارات العامة، لتصل إلى جميع المؤسسات والهيكلية التنظيمية للمجتمع. بالطبع هنا يكمن الدور الريادي للمرأة، والتي هي صاحبة تلك القدرات الهائلة لقيادة المجتمع وجميع فئاته ومن ضمنه تكوين العائلة الديمقراطية التي تتحلى بذهنية التحرر الجنسوي.

إن الجانب الأكثر أهمية أيضاً؛ تغيير المناهج المبنية على التعصب الجنسي، واستبدالها بمناهج تتحلى بذهنية التحرر الجنسوي،

وتربوية تعزز من ثقافة الفرد الحر والمجتمع الديمقراطي المتساوي. أيضا يتطلب احداث تغيير في قوانين الأحوال الشخصية للأسرة، بحيث لا يترك مجالَا للتمييز بين الجنسين في حق الملكية والميراث، وحق الأمومة وإلغاء قانون تعدد الزوجات، إلى ما هنالك من قوانين الأحوال المدنية. ويجب ألا يبقى ذلك في إطار القوانين فقط إنما مطلوب أن يرافقها الوعي الذي يخلق معها التوازن في العلاقة بين الجنسين. يجب الكشف عن القواعد التي ظهرت باسم الدين وتحولت إلى مقدسات لا يمكن المساس بها أو مناقشتها على طاولة حوارات ثقافية، وعقد ندوات حوارية بنّاءَة، والتركيز على طرح هذه القضية في مناهج المعاهد والجامعات والمدراس والأكاديميات وكافة المؤسسات الاجتماعية.

8- إذاً؛ ما هي أساليب النضال الاجتماعي والتنظيمي المطلوب، للقضاء والتخلص من تأثيرات ذهنية التعصب الجنسوي بشكل كامل؟ من ناحية المرأة بالذات والرجل أيضاً؟

بالطبع؛ النضال؛ مطلوب في جميع المراحل وبدون توقف. المطلوب هو تنظيم عدد كبير من المنظمات التي تعمل على توعية المجتمع، وتنادي بحرية المرأة والرجل على السواء. لأننا نعيش في القرن الواحد والعشرون، وهذا القرن هو: “قرن النضال والكفاح من أجل حرية المرأة”. لذلك يجب تنظيم المؤسسات الإدارية بناءً على هذه الأهداف، فتربية الطفل تعتبر من أهم المراحل التي يتطلب الاهتمام بها بشكل جيد ومميز، ويجب عدم ترك الطفل لتربية الأسرة فقط، إنما ضروري أن تتحمل الإدارة والجهات الرسمية مسؤولية تربية الطفل منذ مرحلة الحضانة وما بعدها وتلقينهم الثقافة البعيدة عن التعصب الجنسي. من هنا؛ تعتبر الأرضية مهمة جداً ولها الدور الأساسي في بناء المجتمع الجديد الديمقراطي المكون على أساس ذهنية التحرر الجنسوي.

نعم؛ هذه هي الحقيقة الواضحة للعيان. فمع تطور التكنولوجيا، وظهور الحركات والتنظيمات المنادية بالديمقراطية والمساواة، وبعد ظهور الحقائق المتعلقة بالعقيدة والايمان والسلطة، فتح المجال أمام المرأة كي تلعب دورها بشكل حقيقي وضمن أطار القيادة. فالحياة التي سارت بقيادة الرجل حتى الآن باتت على شفى الانهيار، وباتت مشاكلها الاقتصادية والبيئية والصحية والأمنية لا تطاق، لذلك من الطبيعي أن يظهر دور المرأة كعنصر فعال في تصحيح مسار الحياة من خلال مشاركتها الفعالة في مراكز القرار، بدعم من تنظيماتها النسوية التي باتت تتحرك على جميع المستويات، وتنادي وتكافح لأجل المساواة وإنهاء ذهنية السلطة الذكورية.

التطور العلمي في هذا المجال داعم لها ويساعدها على تخطي العوائق التي تصادفها من ناحية احتكار العلم من قبل الرجل ولصالحه. وأصبح للمرأة إمكانية الحصول على ما تريده من معلومات عبر وسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. الإعلام له دور قوي ومؤثر في عملية الترويج للأفكار التحررية الداعمة لحرية المرأة ومساواتها مع الرجل وتغيير أفكار المجتمع تدريجياً. والقيام بحملات توعوية ومناهضة للذهنية الذكورية الفظة.

9 – هنا؛ ما هي العراقيل التي ما زالت تعاني منها المرأة في شخصيتها، والتي تحول دون خلاصها من رواسب تلك الذهنية؟ وكيف يمكن للمرأة أن تقوم بثورة التغيير والتحول من جديد لإنشاء شخصيتها المجتمعية الصحيحة؟

يوجد نوعان من النساء اللواتي يعانين من صعوبة في عملية التغيير الذهني:

أولاً: المرأة الخنوعة المقتنعة بوضعها وتعتبره قدراً محتم عليها لا يمكنها التغيير، وستحاسب عليها من الرب إن حاولت الخروج من الإطار الذي هي فيه، وهذا ما نسميه العبودية الطوعية.

ثانيا: المرأة التي تنظر إلى نفسها متحررة، وكل ما يتم الحديث عنه بالحرية عبارة عن قصص وروايات لا معنى لها، ولا يخصها، لأنها تعتبر نفسها من المتقدمات في المجتمع، وتعتبر الحقوق التي حصلت عليها هي حرية من طراز النهج الليبرالي، في منح المرأة او الفرد بشكل عام ما يريدونه. وهذا ما يشكل أكبر عائق أمام تحرر المرأة وتغيير الذهنية. فالحرية تأتي من الحاجة، وعندما لا يرى الإنسان نفسه محتاجاً، هذا يعني أنه لن يناضل ولن يكافح في سبيل الحصول عليه.

 10- أخيراً؛ الثورة التي تمثلت في شخصية المرأة في شمال وشرق سوريا كيف بدأت بهذه التغييرات التاريخية؟ وأين وصلت من مستوياتها التقدمية والفكرية والسياسية والاجتماعية؟ هل لكم أن تقدموا لنا نماذج واقعية من تضحياتها ونضالاتها القيّمة؟

قبل كل شيء؛ أريد أن أقدم تحياتي لجميع شهداء ثورتنا العظيمة، وخاصة الرفيقات المناضلات اللواتي استشهدن في جبهات القتال، وتصدين للإرهابين المتمردين على أراضينا ووطننا. تحياتي للمناضلات اللواتي كانوا على رأس عملهن ومؤسساتهن واستشهدوا بكل فخر واعتزاز. وحتى هذه اللحظة التي نستذكر ذكرى رفيقيتنا الشهيدتان ليمان شويش والرفيقة يسرى درويش، حيث نكن لهن كل الامتنان والتقدير لتضحياتهم العظيمة والجسيمة.

أستطيع القول؛ للمرأة باع طويل في العمل الثوري في روجآفا، خاصة المرأة الكردية، لها ميراث غني في عملية التحرر والديمقراطية. معلوم أن القائد عبد الله أوجلان له تاريخ نضالي ومجهود عظيم بذله في هذا الجزء من كردستان. اكتسبت المرأة تجربة تنظيمية واسعة، امتلكت الجرأة والجسارة في إدارة المجتمع والانطلاق نحو الحرية من خلال الانخراط في العمل السياسي والعسكري والتنظيمي. مع بداية الأحداث في سوريا، ونسبة للتجارب السابقة انخرطت مباشرة في العمل الثوري، وبدأت بتنظيم نفسها على مستوى القرى والبلدات والمدن في إطار مشروع الامة الديمقراطية.

وسعت في إطار الدورات التأهيلية التي تساعد المرأة في التخلص من رواسب المجتمع الذكوري. بنت مؤسساتها الخاصة بها مثلاً: دار المرأة، مجلس المرأة، مؤتمر ستار، تجمع نساء زنوبيا، مكاتب المرأة في جميع المؤسسات، وفي كافة مجالات الحياة. أي أنها أسست الإدارة الذاتية الخاصة بالمرأة. وهذا ما جعل من نظام المرأة على انه النظام المرادف للإدارة. حققت مشاركة المرأة في المؤسسات بالمناصفة من خلال القوانين التي صادقت عليها الإدارة في قانون الأحوال المدنية، والتي تم تعديلها بشكل كامل. يعتبر نظام الرئاسة المشتركة هو الضمان الأساسي في الحفاظ على حقوق المرأة، وتحقيق المساواة بين الجنسين. هذا وتم ادخال مواد توعوية في الحياة الاجتماعية إلى المناهج التعليمية.

كما تم فتح الأكاديميات التي تعمل على بناء الذهنية المتحررة من كل رواسب المجتمع الذكوري. اكتسبت المرأة قيمة وثقة بين المجتمع، وأثبتت بأنها قادرة على القيام بكافة الاعمال التي تبني المجتمع. وهي قادرة على القيام بالأعمال الدفاعية حتى، وقدمت تضحيات عظيمة في هذا المجال، وأثبتت أنها جسورة، مقاومة، بالرغم من مرونتها وعاطفتها الجياشة، إلا أنها مقاتلة ومدافعة شرسة عن الحق والعدالة.