يُكتب التاريخ من جديد بآفاق المرأة الحرة الواعية
يُكتب التاريخ من جديد بآفاق المرأة الحرة الواعية
“أمامَنا مسؤولية تاريخية عظيمة كنساء قياديات ورائدات،
من إرث ليلى قاسم وصولاً للشهيدتين يسرى وريحان،
لنحققَ أحلامهُن وطموحاتهن في بناءِ عالمٍ مفعمٍ بفلسفة
المرأة، الحياة، الحرية”
ريجين أحمد عثمان
في الرابع والعشرين من شهر تموز الماضي، اكتملت مئوية لوزان التي تم توقيعها من قبل قوى المهيمنة الحاكمة. حينها فرنسا وإيطاليا وعلى رأسها بريطانيا والتي أخذت مصالحها بعين الاعتبار على حساب مصالح شعوب المنطقة، التي تم القيام بالتقسيم الجغرافي، من خلال عقد اتفاقية سايكس – بيكو، وتكللت هذه الاتفاقيات والمعاهدات في اتفاقية لوزان بحق الشعب الكردي وجغرافية كردستان أولاً، التي تم تقسيمها إلى أربع أجزاء لحقت بالدول الأربع العراق، سوريا، إيران وتركيا بقسمها الأعظم. وبنفس الوقت على كافة شعوب المنطقة، منها المذهبية والطائفية والقومية والدينية.
ومن هنا تحولت القضية الكردية في هذه الدول إلى شأن داخلي لهذه الدول وبعيدة عن المحافل الدولية كمنظمة حقوق الانسان الدولية والأمم المتحدة. والتزامها الصمت المريب إزاء ما يمارس بحق الكرد في أجزاء كردستان الأربعة من انتهاكات صارخة تتمثل بسياسات الإنكار والإقصاء والإمحاء والإبادة الممنهجة والصهر في بوتقة الدول القومية المنشأة على أعقاب اتفاقية سايكس بيكو في بدايات القرن العشرين.
اتفاقية لوزان
لقد أصبح الشعب الكردي وجغرافية كردستان كبش الفداء في اتفاقية لوزان، وضحية لمصالح القوى المهيمنة، وتركوا لاستباح دمائهم من قبل الطغمة الحاكمة في كردستان وعلى رأسهم الدولة التركية الفاشية عبر ممارسة سياسة التتريك والتعريب والتفريس وكل أشكال التهجير القسري والصهر والتمييز العنصري ضدهم من أجل النيل من وجودهم وطمس هويتهم وإنكار وجودهم، والمجازر التي ارتكبت بحقهم. إن التاريخ يشهد على الرغم من وجود خلافات وصراعات بين الدول المحتلة على كردستان إلا أنهم يتفقون ضد الكرد، وفي حالة تنسيق متواصلة للقضاء على الكرد وتصفيتهم.
حتى أنهم توكلوا على عقد الاتفاقيات السرية والعلنية من أجل ألا يرفع الكرد رؤوسهم أو يطالبوا بحقوقهم المشروعة، التي شرعت بها منظمة حقوق الانسان الدولية ولاسيما المواد المتعلقة بحماية حقوق الأقليات والشعوب المضطهدة والقوميات والاهتمام بها. ولايزال التنسيق الاستخباراتي والتعاون الأمني بين هذه الدول مستمرا حتى يومنا الحالي. عبر الاتفاقيات التي حصلت والتي لايزال البعض منها ساري المفعول والبعض الآخر الذي يتم عقده بين هذه الدول حالياً في ظل الصراعات والتناقضات والأحداث السياسية المتسارعة التي يشهدها العالم في يومنا الحالي.
بدايات القرن العشرين
لقد كانت بدايات القرن العشرين مؤلمة وموجعة، أولاً بحق الشعب الكردي وبعدها بحق شعوب المنطقة القاطبة. لقد كان الشعبين السرياني والأرمني ضحايا هذا القرن، لما ارتكبته الدولة الفاشية التركية بحقهم من مجاز وإبادة، حيث راح ضحيتها الالاف من الشعبين السرياني والأرمني.
وبعد القيام بهذه الممارسات ليتم بعدها تجزئة منطقة الشرق الأوسط إلى دول قومية استناداً إلى اتفاقية سايكس – بيكو، لتتوج هذه الإبادات والمجازر بحق الشعب الكردي في معاهدة لوزان المشؤومة وتبدأ بعدها حملات الإبادة بحقهم، بحيث أصبحوا هم قرابين هذه المئوية. نستطيع القول؛ أن الكرد شهدوا مجازر مؤلمة كمجزرة: ديرسم في السابع والعشرين من شهر آذار لعام 1937، التي راح ضحيتها عشرات الالاف من الكرد، واخرجوا من منازلهم عنوة وأفرغت ديرسم من أهلها وتم الهجوم عليها إحدى عشر مرة. وأكثر الاساليب البشعة تم تطبيقها على النساء والأمهات والاطفال.
ومجزرة مرعش عام 1978. مجزرة سيواس 1993. مجزرة روبوسكي 2011. وغيرها من المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الكردي من قبل دولة الاحتلال التركي. إلى جانب ذلك قام نظام البعث في كلا من العراق وسوريا بارتكاب المجازر بحق الكرد في هاتين الدولتين، فمجزرة (قوشتبه – Koş Tepe) ضد البرزانيين في30/7/1983 والتي يقدر عدد ضحاياها ما بين 5000 إلى 8000 شخصاً.
تهجير الفيليين وإخفاء أكثر من خمسة عشرة الفاً منهم والعثور على العديد من المقابر الجماعية بعد سقوط نظام حكم صدام حسين. ومجزرة حلبجة، ومجزرة قلادزي في الرابع والعشرين من نيسان عام ا974. والمجازر التي ارتكبت بحق الايزيديين وكان آخرها في الثالث من شهر آب من العام 2014 بيد داعش، الأمر الذي أدى إلى مقتل 5000 شخص وخطف ما يقارب 6000 إيزيدي معظمهم من النساء والأطفال كسبايا تم بيعهن في أسواق النخاسة من قبل داعش.
لن ننسى حريق سينما عامودا عام 1960 والتي راح ضحيتها مئتان وثلاثة وثمانون طفلاً من أطفال عامودا. وحريق سجن الحسكة عام 1993، ومشروع الحزام العربي البعثي الذي طبقه نظام البعث الحاكم في سوريا، والذي كان هدفه التغيير الديمغرافي في المنطقة، للاستيلاء على أراضي الكرد ولفصلهم عن أكراد باكور – شمال كردستان، لبث مشاعر الحقد والكراهية والضغينة بين الشعبين الكردي والعربي في سوريا.
ومجزرة الثاني عشر من آذار عام 2004 في ملعب البلدي في مدينة قامشلو. وحتى الآن ولاتزال المجازر والانتهاكات بحق الشعب الكردي مستمرة حتى هذه اللحظة. فما تقوم به دولة الاحتلال التركي من انتهاكات صارخة بحقهم في سوريا مع بدايات الأزمة السورية من احتلال للأراضي السورية بدأ من عفرين وصولا إلى سري كانية وكري سبي وقتل الكرد على الهوية وتم تهجيرهم ونهب ممتلكاتهم وإحداث التغيير الديمغرافي في المناطق الكردية التي احتلتها وتشويه الحقائق التاريخية المتعلقة بهم.
وسعت الدولة التركية أيضاً في إحياء (الميثاق الملي) مرة أخرى، لاحتلال المزيد من جغرافية كردستان في ظل الأحداث والمجريات السياسية التي تحصل في يومنا الحالي. جميعها استمرارية لاتفاقية لوزان المشؤومة بحق الشعب الكردي. ولا ننسى هنا؛ من أن نسلط الضوء إلى أن كافة شعوب المنطقة كانوا ضحايا للاتفاقيات التي حصلت بين الدول القوموية الحاكمة على مدار مئة عام، والتي ترفع اليوم أصواتها عاليا في وجه الطغمات الحاكمة التي حكمتها باسم (الدولة القومية)، والتي تم بناءها في مطلع بدايات القرن العشرين، إنه عصر ربيع الشعوب بامتياز وربيع المرأة وعصر نهضة المرأة وحريتها.
لم يتمكن أعداء الشعب الكرد من طمس هويتهم أو اجتثاثهم من أرضهم أو انكار ثقافتهم ولغتهم وصهرهم في بوتقة الدول القومية الحاكمة والمحتلة لجغرافية كردستان، قاوموا وقدموا التضحيات ولا يزالون يقدمون ولم تتم ابادتهم بسهولة، لأن جذورهم ضاربة في أعماق التاريخ على أرض ميزوبوتاميا منذ فجر التاريخ.
الفكر والنضال والمقاومة
وفي يومنا الحالي هم من يقودون سفينة حرية كافة شعوب منطقة الشرق الأوسط، نحو الخلاص والحرية عبر مشروع الأمة الديمقراطية التي طرحها القائد أوجلان لخلاص الشعوب من براثن الظلم والاضطهاد، من خلال الثورات التي قاموا بقيادتها على مدار مئة عام، بدءاً من ثورة الشيخ سعيد إلى حركة خويبون، وانتفاضة أرارات إلى ثورة حزب العمال الكردستاني إلى ثورة التاسع عشر من تموز في العام 2012 التي انطلقت من كوباني بسواعد أبناء وبنات الكرد في وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة لتنضم إليها كافة مكونات الشعب السوري من كرد وعرب وأرمن وسريان لتتوج بكسر شوكة داعش والانتصار عليها في باغوز.
ثورة 19 تموز
ثورة التاسع عشر من تموز التي كانت رداً على اتفاقية لوزان المشؤومة بقيادة المرأة والشبيبة والتي انتشر صداها في أصقاع العالم، ثورة التغيير الذهني تجاه كل المعتقدات البالية، ثورة الفكر والحرية والإنسانية، ثورة العيش المشترك وأخوة الشعوب، ثورة المرأة المناضلة المكافحة القائدة والسياسية، ثورة سواعد الشبيبة البطلة، ثورة الشعوب على الظلم والطغيان، ثورة الكرامة لكل الشعب السوري.
ثورة المرأة التي تستند إلى إرث تاريخي طويل من نضال ومقاومة وتضحيات المرأة على مدار مئات الأعوام من أجل نيل حريتهن، وتعد مكتسبا من مكتسبات النساء لتتحول إلى منارة تهتدي بها نساء العالم أجمع، وتنهل منها القوة والعزيمة والإصرار في سعيها نحو حريتها وحرية مجتمعاتها.
ثورة ضمن ثورة
نظمت المرأة نفسها في كافة ميادين الحياة وبنت تنظيماتها الخاصة بها، ونزلت إلى الساحات والميادين واقتحمت كل أسوار العبودية المحاطة بها، وحطمتها وأثبتت للعالم أجمع بجسارتها وقوتها وإصرارها وعلمها بأن المرأة قادرة على أن تحمل السلاح، وتدير أعتى المعارك العسكرية، وترسم استراتيجية الحرب، وتنتصر فيها على قوى الظلام.
كما أنها قادرة على الإدارة، ورسم سياسات المؤسسات الإدارية عبر نظام الرئاسة المشتركة في مؤسسات الإدارة الذاتية، إلى جانب قدرتها على إدارة الأحزاب السياسية ولعب دورها الكبير في مواقع صنع القرار، باتخاذ القرارات المناسبة في كافة المحافل الدولية من أجل صناعة السلام في سوريا والشرق الأوسط.
لقد وقفت بكل بسالة تجاه كل المعتقدات، التي تم زرعها في ذهنية المجتمعات والتي تنظر للمرأة بنظرة دونية، وأنها جنس ضعيف غير قادر على الدفاع عن نفسها أو ممارسة السياسة وخوض المعارك، وأنها غير قادرة على تنظيم نفسها.
لقد شكل نضال المرأة، كفاحها، مقاومتها وتضحياتها العظيمة التي وصلت إلى مرحلة الشهادة في سبيل حريتها، دوراً كبير ومؤثراً في المجتمع، بما يشبه إثر الفراشة. فكل تضحية وكل شهيدة كان لها الأثر الكبير بانضمام العشرات من النساء إلى صفوف ثورة المرأة، وتنظيم نفسها وتوحيد قوتها مع أقرانها من النساء المناضلات.
وبنفس الوقت؛ رسم استراتيجيات الدفاع عن نفسها، بناء تنظيماتها الخاصة بها، والدفاع عن مكتسبات المرأة في هذه الثوة وتطويرها، من أجل بناء مجتمع أخلاقي سياسي أيكولوجي حر يتخذ من حرية المرأة مبدأ أساسياً لها، وبشعار (المرأة، والحياة، والحرية/ Jin, Jiyan, Azadî)، ليتحول هذا الشعار إلى شعار عالمي تتبناه كافة الحركات والتنظيمات النسائية في العالم، ويصبح شعار ثورة الجدائل ضد النظام الفاشي في إيران، مع جدائل (جينا أميني) وكافة المناضلات والثائرات أمثال: الشهيدة يسرى درويش وليمان شويش.
وحدة صفوف المرأة
لقد توحدت صفوف النساء في هذه الثورة، من كافة المكونات والأطياف والمذاهب والقوميات. قضية المرأة هي قضية واحدة كاملة متكاملة ولا يمكن تجزئتها حسب دينها أو طائفتها أو قوميتها. ومعاناة المرأة واحدة وأوجاعها وآلامها ومآسيها واحدة، ولأجل ذلك يجب أن تتوحد أصواتها في سبيل حريتها وحرية أوطانها ومجتمعاتها.
وحدة النساء واتفاقيات النساء كانت السبيل لاتفاقيات شعوب المنطقة، والتفافها حول هذه الثورة وامتزاج دماء أبنائها ووحدتهم في خنادق القتال والتضحية والفداء، وكلما كانت وحدة النساء وتكاتفهن وتعاضدهن كبيراً، كلما كان له الأثر البليغ على ترسيخ وتعزيز الاتفاقيات ما بين شعوب المنطقة وتكاتفهم.
وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه في يومنا الحالي لإفشال معاهدة لوزان وكافة المعاهدات التي فيما لو حصلت ستكون على حساب فناء كافة شعوب المنطقة من كرد وعرب وأرمن وسريان وآشوريين وتركمان وشركس. لن يكون الشعب الكردي وحده ضحية اية اتفاق جديد، ولكن كل الشعوب ستكون ضحايا هذا الاتفاق فيما إذا حصل بين القوى المتصارعة على أرض الآباء والأجداد (كردستان والشرق الأوسط).
أمامنا مهام عظيمة كنساء قياديات ورائدات، إن إرث ليلى قاسم وزريفة وفيدان وساكنة جانسيز وبارين كوباني وأفيستا خابور وليلى شويلمز وجيان تولهدان وهند وسعدة وريحان ويسرى وهفرين خلف، وجميع الشهيدات العظيمات نحمله اليوم على أكتافنا، ونحن أمام مسؤولية تاريخية عظيمة، يجب أن نوصل رسالة شهيداتنا إلى النصر العظيم، لنحقق أحلامهن وطموحاتهن في بناء عالم مفعم بثقافة المرأة – الأم، لإعادة رسم الحياة بمسارها الصحيح بيد المرأة الأم – الإلهة المقدسة، لينعم أطفالنا، بناتنا، شبابنا وأمهاتنا ومجتمعاتنا بالعيش الرغيد والأمن والأمان، ولينهض الشرق الأوسط من جديد في بناء صرح الحداثة الديمقراطية على أرض الثقافات الأصيلة. فلسفتنا ستكون دوماً؛ المرأة، والحياة، والحرية/ Jin, Jiyan, Azadî.