2023 … تحديات… مقاومة …وتصدي  الصعوبات

2023 … تحديات… مقاومة …وتصدي  الصعوبات

“إن التنظيم الذي حققته المرأة ورسخته

من خلال ثورتها ومكتسباتها في ظل مشروع الأمة الديمقراطية،

يُعتبر السبيل الوحيد للخروج من أزمة الأنظمة الراهنة”

 

شيلان أحمد

ها نحن قد ودعنا عام 2023 الذي كان حافلاً بالحروب والتراجيديات المؤلمة، وبالوتيرة السياسية والتطورات التي طرأت على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية، وإلى جانب حظي المجتمعات نصيبها من تلك التطورات المتنوعة منها السلبية والإيجابية. واستقبلنا العام الجديد الذي يطمح شعوب إقليم شمال وشرق سوريا أولاً، وجميع الشعوب والأوطان الأخرى أن يكون عام 2024 عاماً مفعمة بالحوارات الديمقراطية والحلول السياسية ومضيئاً بالسلام العالمي والعدالة وإنهاء الحروب المدمرة لكافة الشعوب والثقافات والأطياف. وأنا باسمي وباسم كل امرأة وأم قاومت وتقاوم حتى الآن، وفي كافة أنحاء العالم، أبارك العام الجديد لكافة النساء وبآمال جديدة متمنية لكافة الشعوب بأن تنعم بحياة ديمقراطية وأخوة الشعوب والتآلف الثقافي والاجتماعي والسياسي والفكري والمحبة الإنسانية.

في الحقيقة إن عام 2023 كان عاماً مليئاً بالحروب والتراجيديات الكثيرة والمؤلمة لكافة المجتمعات. من غير اللائق أن نتكلم عن تراجيديا شعب أو مكون واحد فقط، فإن المجتمع الإنساني مترابط بعضه ببعض مثل اللحم والظفر معاً. حتى وإن كانت الاختلافات الفكرية والثقافية موجودة، ولكن الروح الإنسانية الكونية حلقات مترابطة ولا تتجزأ وهي موزاييك الثقافات.

الصراع الأكثر دماراً بالنسبة للحياة الإنسانية؛ هي الصراع ما بين أيديولوجية النظام القائم (الرأسمالية)، ومقاومة وكفاح الشعوب التي تطمح نحو العيش في مجتمع حر وديمقراطي تحمل بين طياتها حرية الفرد والمرأة بالذات، والحفاظ على الحقوق المشروعة المجتمعية.

الأحداث السياسية والاحتلالات قائمة، وعلى وجه الخصوص، الصراعات المتداولة حتى الآن على السلطة، إن كان بين دول إقليمية ودولية في السنوات الأخيرة. وتم التأكيد على أن إسرائيل قد حافظت على سياسة دبلوماسية خارجية مع العديد من الدول العربية في الشرق الأوسط، التي كانت معادية لها سابقاً. كما وطّدت علاقاتها التجارية والدبلوماسية. هذا ما شكل خطراً على كل من إيران وتركيا، كونه جعل من إسرائيل القوة الرئيسية في المنطقة، واكتسبت المزيد من الهيمنة في الشرق الأوسط سواءً في المجال العسكري أو الاقتصادي.

ولهذا السبب هناك قوى تريد إنهاء السلام المجتمعي واستغلال هذه الفوضى. ورغم أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا تبدو ظاهرياً في اختلاف من خلال التصريحات المؤخرة لأردوغان ولكن عملياً الصورة تعكس غير ذلك، لكن من المؤكد أن الذي سيحسم ذلك طريقة الحرب وأسلوبها. أي أنه إذا حققت إسرائيل النصر الذي تريده وضمت الدول الإقليمية بما يخدمها إلى جانبها، فإنها لن تحتاج إلى تركيا بعد الآن. وعلينا أن لا ننسى، بأن الشعوب الأصلية لهذه الجغرافية هي التي تسحقها هذه الحرب وتتضرر دوماً كـ الشعب الكردي والأرمني والسرياني والمجموعات الإثنية والشعب الفلسطيني واليهودي …الخ والكثير من الشعوب والثقافات.

إذا أردنا أن نقيم الوضع السياسي وخاصة في المرحلة الحاسمة ما بين عام 2023 – 2024، وذلك خلال حدوث الكثير من الصراعات العارمة، حيث أنه مرت المنطقة بشكل عام بأحداث سريعة ومتتالية، ولعل أهمها كانت تكرار هجمات الدولة المحتلة التركية الغاشمة على مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا واستهدافاها للبنية التحتية والمرافق الخدمية والمدنية وخاصة في هجماتها الأخيرة التي شنتها من عام 2023 (بالطائرات الحربية والمسيّرة). وبإمكاننا تعويل ذلك إلى ازمتها الداخلية التي لا تطرح الحلول الجذرية للقضية الكردية أولاً، وتشكيل نظام ديمقراطي للشعب التركي بذاته ثانياً. فهذا يؤدي ومنذ خمسين عام إلى الاستمرار في الصراعات والاشتباكات العسكرية المستمرة في جبال كردستان. ولأنها تلقت الكثير من الضربات الموجعة من قبل قوات حماية الشعب (الگريلا)، وتم إضعاف اعتبارها بين شعبها، فلكي ترد على تلك الضربات تقوم بشن الكثير من الهجمات الغير مشروعة والغير حقوقية لإقليم شمال وشرق سوريا والتي وصلت إلى مستوى جرائم حرب.

إن اختلاف هذه الهجمات عن سابقها كانت استهدافها بشكل مباشر للمؤسسات الحيوية والمؤسسات الخدمية في الإقليم، بالإضافة إلى الإعلان وبشكل علني من قبل المسؤولين في الدولة التركية وبشكل واضح عن نيتهم في هدم البنية التحتية الاقتصادية المجتمعية. أدت تلك الهجمات إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتعطيل معظم محطات المياه وأيضاً توقف منشأة الغاز عن العمل وآبار النفط  والذي أدى إلى الإضرار بشكل مباشر بكافة نواحي الحياة للمواطنين واستهدافهم واستشهاد المدنيين وزيادة في عدد الجرحى، وخاصة على النساء اللواتي يتولون شؤون المنزل، وخلق لديهن عبئ كبير في إدارة شؤونهم اليومية وتوفير الدفء والمياه والغذاء لأطفالهن.

إلا أن المؤسسات المعنية بإقليم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا تكفلت بإصلاح كافة الأضرار والإسراع إلى توفير المياه والخدمات الأساسية للمواطنين رغم صعوبة الظروف السارية.

 مرة أخرى أثبتت الإدارة الديمقراطية للإقليم، قدرتها على الاستجابة السريعة للأزمات، ووضع كافة جهودها لتوفير حياة كريمة لمواطنيها، ولكن هناك بعض الأضرار التي لا يمكن معالجتها وخاصة تلك العوائل التي خسرت أحد افراد عائلتها، وذلك عند استهداف أكاديمية قوى الأمن الداخلي لمكافحة المخدرات في مدينة ديرك، حيث أنه ارتقى فيه  29 عضواً إلى مرتبة الشهادة، وجرح ما يقارب 28 عضو منهم من كانوا من المقرر أن يعملوا في مكافحة المخدرات وحماية مجتمعهم من الأيادي الخفية، التي تحاول تفكيك التوافق الاجتماعي ومواجهة أساليب الحرب الخاصة المدفوعة من قبل الدولة

التركية. وبنفس الوقت استشهاد بعض العاملين في مطبعة سيماف واثنين آخرين في المناطق الأخرى، ووجود جرحى.

ومازالت الأطماع اليومية منذ قرابة الثلاثة أعوام مستمرة إلى يومنا هذا، حيث تقوم الدولة التركية بشكل مستمر في محاولة منها ببث الرعب والخوف في قلوب القاطنين في إقليم شمال وشرق سوريا، وتسعى بذلك إلى تهجير المواطنين عمداً وإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين، وتسعى أيضاً؛ إلى توسيع سياسة التغيير الديموغرافي على المنطقة بشكل كامل من خلال هذه الممارسات الوحشية. ولكن مثل ما كانت المقاومة هي الراية العالية، سوف تكون إرادة الشعوب في المنطقة هي المنتصرة ويتمسك الشعب بشكل أكبر بالمكتسبات التي حققتها ثورة 19 تموز، ومازالت مستمرة على مدار ما يقارب العشرة أعوام وتحقق النموذج الأفضل لشعوبها، لأنه يعبر عن مدى ارتباط الشعوب بأرضهم ووطنهم.

 وعند الإمعان إلى الوضع والأزمة السورية بشكل عام، فإننا نرى أن مواطني إقليم شمال وشرق سوريا، وبالرغم من صعوبات الحياة المرتبطة بالوضع المتأزم والتعديات التركية واحتلالاتها الجغرافية، وتأثير السياسات الخارجية، إلا أنها تنظم المجتمع وتبدأ من نظامها الديمقراطي المجتمعي المؤسساتي الكومينالي، الذي يحتوي على سيستم الصعود من قاعدة الهرم إلى رأسه، تقوم الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا بتنظيم حياتها المجتمعية الديمقراطية والحرة بناءً على العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا الذي تم اصدراه بتاريخ 12/12/2023 والمتشكلة على أساس نظام: الكومينات، المجالس، الأكاديميات، التعاونيات، الوحدات الاقتصادية المجتمعية، والمؤسسات التي تتمم النظام المجتمعي، والتي تنظم نفسها بشكل كونفدرالي، ويتطور ويترسخ النظام الديمقراطي للمجتمع اعتماداً على هذه المؤسسات.

الكومين:

هو مجلس قائم بذاته وهو مكان صنع القرار والإدارة وقوة الحل للقضايا الاجتماعية ضمن المجال الإداري والتنظيمي. والهيكلية الرسمية هي كالتالي؛ الكومين: هو شكل التنظيم القاعدي الأساسي للديمقراطية المباشرة، هو أصغر وحدة إدارية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا وهو المكان الذي يتطور فيه المجتمع الأخلاقي – السياسي، و الذي ينتج الحياة الاجتماعية ،الاقتصادية والثقافية.

وهيكلية الكومين يتألف من:

1 –  يتشكل من عدة عوائل، التي تسكن ضمن الحدود الإدارية والجغرافية للكومين.

2 – كل مواطن في شمال وشرق سوريا هو عضو في الكومين.

3 – يتم انتخاب الرئاسة المشتركة واللجان من قبل أعضاء الكومين، وفي حال لم تقم الرئاسة المشتركة للكومين أو أحد اللجان بمهامها بالشكل المطلوب يمكن حجب الثقة والقيام بالانتخاب دون انتظار الانتخابات العامة.

. -4يعتمد الكومين الديمقراطية المباشرة في عمله

 هنا يتم البدء من القاعدة الاساسية للهيكلية التنظيمية ألا وهي؛ من الكومين وإلى 7 مقاطعات: (مقاطعة الجزيرة، مقاطعة الفرات، مقاطعة الطبقة، مقاطعة منبج، مقاطعة دير الزور – مقاطعة الرقة – مقاطعة عفرين والشهباء)، لتصل إلى مجلس الشعوب الديمقراطي في إقليم شمال وشرق سوريا.

كل ما ذكرناه آنفاً يندرج في إطار المؤامرة الدولية التي ما زالت مستمرة ولكن بأساليب مختلفة. وضمن هذه المؤامرة، ربما استهدفت شخص المفكر والقائد عبد الله أوجلان، ولكنها في الأساس استهدفت أيديولوجيته في تكوين عالم ديمقراطي يعيش بسلام وأمان، وهو الذي يسعى إلى إحداث تغييرات اجتماعية في مجتمعات الشرق الأوسط، الذي بقي لسنوات تحت ظلم الدول القومية والتي لم تبدي أية أهمية لإرادة الشعوب، بل على العكس وظّفت كل إمكانياتها في سبيل كسر إرادة الشعوب.

 ومن خلال طرح مفهوم ونظام الأمة الديمقراطية المستند إلى مبادئ الديمقراطية والأيكولوجية وحرية المرأة، والذي يعتبر البديل الأنجح لكافة الأنظمة الاستبدادية والرأسمالية، وخير برهان على ذلك تجربة إقليم شمال وشرق سوريا التي جمعت كافة المكونات مع بعضها البعض. حيث تعتبر هذه المبادئ هي الأكثر شمولية وديمقراطية، منذ المجتمع الأمومي إلى وقتنا الحالي، بالإضافة إلى ذلك ومن خلال طرح الكثير من الأطروحات الواقعية والعلمية للقائد أوجلان أثبت أنه الرفيق الحقيقي للمرأة، وهذا هو السبب الأساسي للمؤامرة الدولية على كافة الشعوب المقاومة والمكافحة وبنفس الوقت على شخصيته. فهو يعتمد في فلسفته على حرية المرأة وبشكل كامل.

 وحتى وإن كان القائد عبد الله أوجلان في سجن الدولة التركية (إمرالي)، لكن فلسفته والأيديولوجية التي طرحها على كافة الشعوب حية وسارية المفعول. من خلال الأيديولوجية التي طرحها كسر تلك القيود التي كانت تلتف حول المرأة بالأفكار البالية والمتخلفة التقليدية والمجتمعات أيضاً. لذلك فهو أبدع في خلق ثورة ضمن ثورة.

 وكما كتب المفكر أوجلان في مرافعته الثالثة لـ سيسيولوجيا الحرية:

 “العصرانيةُ الديمقراطيةُ نظامٌ تَميلُ عناصرُه الأوليةُ وتَجنَحُ إلى السلامِ الحقيقي. ومفهومُ الأمةِ الديمقراطيةِ يُشَكِّلُ في الوقتِ نفسِه خيارَ سلامٍ قَيِّمٍ إلى أقصى حدٍّ عن طريقِ الحلولِ المنفتحةِ للغيرِ بدءاً من أصغرِ جماعةٍ قوميةٍ وصولاً إلى أمةٍ عالَمية. وللمرأة الدور البارز في الوصول إلى ذاك المفهوم. وأنا على قناعة تامة أنه؛ بدون ثورة المرأة المجتمعية من غير الممكن التحدث عن الحياة البهية، والأخلاق الاجتماعي، والعدالة والسلام والتآخي. سأكون رفيق درب المرأة حتى تتحقق الحرية الكاملة”.

لذلك فإن المؤامرة مستمرة على كافة الشعوب المناضلة وخاصة الشعب الكردي. فالنساء المقاومات ومن كافة المكونات لعبن ويلعبن الدور الريادي في تطبيق نظام الأمة الديمقراطية. كثيرة هن اللواتي ضحين بأرواحهن وأصبحن هدفاً  لهجمات الدولة التركية مثل الشهيدة القيادية جيان طولهلدان وريحان شويش، ويسرى درويش، وشرفين سردار، ونوجان أوجلان، وجاندا جودي، وروج خابور، وبارين بوطان ..الخ.

رغم ما شهده عام 2023 من حروب وكوارث وصراعات، إلا أن المرأة لم تتوقف عن بذل طاقتها المجتمعية وإفراغها من خلال تنظيم المجتمع تحت مظلة ديمقراطية وثقافة تعددية بمضمون أيديولوجية تحرير المرأة. مطيحه بذلك السياسات الهادفة إلى إبادتها وكسر إرادتها وإرجاعها إلى تلك القوقعة أو بالأحرى القالب المصنع من قبل القوى المعادية لكينونتها.

الأمر الذي يخولنا في استخلاصنا كمغزى لما سردناه واقعياً وتحليلياً؛ بأن التنظيم الذي حققته المرأة من خلال ثورتها ومكتسباتها في ظل مشروع الأمة الديمقراطية، والذي يشكل تحدياً للأنظمة القوموية والرأسمالية في المنطقة، سيكون السبيل الوحيد في الخروج من الأزمة الراهنة. وبتكاتف كافة النساء من مكونات المنطقة والشعوب الأخرى مما يمهد لها الطريق لبناء كونفدرالية ديمقراطية عالمية تشارك فيها كافة النساء، ومن جميع الثقافات والأطياف والمذاهب والأحزاب والمنظمات والمؤسسات المدنية للوصول إلى ذاك العالم ريادتها ثقافة السلام.